ملخص
عمقت روسيا جرح الفضاء الأميركي، بعدما اختارت رسمياً التعاون مع ماسك في رحلته نحو المريخ بدلاً من "ناسا" المصرة بدورها على العودة برحلات مأهولة إلى القمر، موسعة بذلك الشرخ الكبير في الفضاء الأميركي هذه الأيام.
وراء التعاون بين روسيا وأثرى رجل في العالم إيلون ماسك دوافع كثيرة بعضها غامض وغير معلن عنه بوضوح. لكن الدافع المشترك الأكبر لهذا التعاون المباغت هو حال الفضاء العالمية العامة، إضافة إلى الظروف التي فرضتها حاجة الطرفين لشريك موثوق.
ماسك قرر المضي وحيداً في مشواره نحو غزو كوكب المريخ بعيداً من دعم "ناسا" والرئيس الأميركي دونالد ترمب، فيما الفضاء الروسي العريق يريد من رجل الأعمال الأميركي تطوير قطاعه الفضائي الحكومي المنهك بسبب الحرب، إضافة إلى عوامل أخرى.
روسيا والنزاع الأميركي
وروسيا التي كانت سباقة في مجال الفضاء قبل قرن من الزمن، دخلت بقوة اليوم على خط النزاع الشرس والمستمر حالياً بين أقطاب الفضاء الأميركي الثلاثة الكبار، وهم الرئيس دونالد ترمب و"ناسا" وماسك ممثلاً بشركته الخاصة "سبيس أكس"، وخلال توقيت حرج للغاية.
لذلك يجد كثير من المتخصصين في شأن الفضاء العالمي صعوبة بالغة في تصديق الدوافع المعلنة للتعاون المفاجئ بين روسيا وإيلون ماسك في رحلته الأسطورية نحو المريخ. فالدافع المعلن وفق هؤلاء ليس هو الدافع الوحيد لمد اليد الروسية لرجل الأعمال والملياردير الأميركي خلال هذا الوقت بالتحديد.
ذريعة واهية
كما أن ذريعة موسكو التي صدرت من أعلى المستويات السياسية الروسية والمتمثلة في إطلاق يد ماسك لإصلاح وتطوير وكالة الفضاء الحكومية الروسية "روسكوزموس"، تعد بالنسبة لمراقبين كثر في هذا المجال على رغم وجاهتها ذريعة واهية للغاية.
ويعد النجاح الذي حققته شركة رجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك الخاصة للفضاء "سبيس أكس" في عملها الدؤوب خلال العقود الثلاثة الماضية، وسعيها الحثيث أخيراً نحو غزو المريخ، دافعاً رئيساً لإعلان الكرملين عن أن روسيا ترى إمكانات كبيرة للتعاون مع الفضاء الخاص في الولايات المتحدة، بدلاً من وكالة الفضاء الحكومية "ناسا"، لا سيما في مجال استكشاف الفضاء.
تعميق الجرح
وبهذا تكون روسيا عمقت جرح الفضاء الأميركي، بعدما اختارت رسمياً التعاون مع ماسك في رحلته نحو المريخ بدلاً من "ناسا" المصرة بدورها على العودة برحلات مأهولة إلى القمر، موسعة بذلك الشرخ الكبير في الفضاء الأميركي هذه الأيام. وهذا التعاون بين ماسك والفضاء الروسي يأتي بعدما خذله الفضاء الأميركي والرئيس ترمب في مشواره الشاق نحو الكوكب الأحمر.
وبذلك أصبح السؤال المهم الذي يطرح في الأوساط العلمية الأميركية خلال هذا الوقت هو، هل يجهز تعاون إيلون ماسك مع الفضاء الروسي العريق لغزو المريخ على مهمة "ناسا" المصيرية نحو القمر؟
تجاهل "ناسا"
في هذا السياق نشرت صحف عالمية ووكالات أنباء مختلفة عدة مقالات أكدت أن الكرملين يرغب في التعاون مع إيلون ماسك للذهاب إلى المريخ. وأعلنت روسيا ضمن تصريحات ذات طابع دبلوماسي أنها ترى إمكانات كبيرة للتعاون مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجال استكشاف الفضاء.
وبعد هذه التصريحات الروسية، ووفق مقالة منشورة في "اندبندنت البريطانية"، قال مدير وكالة "ناسا" بيل نيلسون خلال أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، إن المكالمات التي جرى الإبلاغ عنها بين ماسك وبوتين ستكون "مثيرة للقلق" بالنسبة إلى الوكالة.
السؤال السياسي
المقصود بالسؤال السياسي في هذا الموضوع العلمي أن البحث في نيات روسيا الواضحة لاستغلال النزاع القوي الذي نشب أخيراً في جميع قطاعات الفضاء الأميركي، قد يقود حقاً إلى نتائج عديدة غير متوقعة. فالنزاع الأميركي طاول بصورة كبيرة وكالة الفضاء الحكومية الأميركية "ناسا"، وكان مركزه الرئيس الخلاف الحاد بين أقطاب الفضاء الأميركي الثلاثة الكبار حالياً وهم ماسك و"ناسا" وترمب.
واشتدت المواجهة خلال العام الحالي بين الرئيس ترمب من جهة وماسك و"ناسا" من جهة ثانية. ومن المعروف أن الرئيس الجمهوري وهو من أشد الزعماء الأميركيين المتحفزين لتسييس قطاع الفضاء الحكومي انحاز أخيراً إلى جهود "ناسا" في غزو القمر بدلاً من دعم خطة ماسك في الذهاب نحو المريخ.
ماذا تريد روسيا من ماسك؟
المعلن دبلوماسياً أن موسكو تريد دعم واستثمار الإنجاز الذي حققه ماسك في مجال غزو الفضاء وتجييره لمصلحة الإنجاز البشري. لكن هذا الدافع النبيل لا يمثل في الواقع إلا جزءاً يسيراً مرئياً أو ظاهراً من جبل الجليد، فيما الواقع يؤكد أن التدخل الروسي في الفضاء الحكومي والخاص خلال هذا الوقت الحرج قد يستهدف تسييس حال الفضاء الأميركي، من خلال خلق مزيد من العقبات أمامه، فيما الهدف غير المعلن من ذلك هو إعادة أمجاد الفضاء الروسي العريق.
لكن هناك عقبات كثيرة ستعترض طريق هذا التعاون ومعظمها مرتبط مباشرة بماسك شخصياً، كما أن بعضها يرتبط مباشرة بحال الفضاء الروسي الراهنة. ومن أهم هذه العقبات السؤال السياسي الذي لا بد أن يخطر في البال ضمن هذه المناسبة، إضافة إلى مشكلات ماسك الشخصية الكثيرة.
أزمة ماسك
من المعروف عن ماسك أنه رجل أعمال أكثر من كونه عالم فضاء. وماسك يميل إلى تهويل الأحداث لأغراض تسويقية بحتة، كما أنه وبوصفه رجل أعمال مخضرماً بارع في بيع مشاريع كبيرة لم ينجز منها سوى القليل، وبأرقام فلكية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء ضمن مقالة نشرت في الصحافة البريطانية الثلاثاء الـ18 من مارس (آذار) الماضي بقلم أوليسيا أستاخوفا، "صرح مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين للتعاون الدولي بأن روسيا تتوقع إجراء محادثات مع إيلون ماسك في شأن السفر إلى المريخ. ويأتي ذلك خلال وقت أعلنت فيه موسكو أنها ترى إمكانات كبيرة للتعاون مع الولايات المتحدة، لا سيما في مجال استكشاف الفضاء".
ذريعة الإنجاز البشري
ليس هذا فحسب بل إن المبعوث الروسي كيريل دميترييف قال ضمن منتدى أعمال بموسكو، "أعتقد أنه سيكون هناك بلا شك نقاش مع ماسك حول رحلات المريخ في المستقبل القريب"، مشيداً بجهوده في دفع حدود الإنجاز البشري إلى آفاق جديدة. وعلى رغم ذلك فإن السؤال السياسي هو من بين الأسئلة التي لا بد أن تتبادر إلى الذهن في هذا الشأن.
الفضاء الروسي العريق منهك
من اللافت للانتباه تصريح دميترييف الواضح والصريح بأن روسيا ترغب في العمل حصرياً مع الرئيس التنفيذي لشركة "سبيس أكس" ماسك، ويأتي ذلك في إطار جهود موسكو لتعزيز وتطوير وإعادة تأهيل وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس"، التي كانت في مرحلة سابقة وتحديداً خلال منتصف القرن الـ20 تتفوق على وكالة الفضاء الأميركية. وأكدت روسيا نيتها إطلاق يد ماسك في تطوير شركة "روساتوم" النووية الحكومية.