ملخص
تشير عينات المريخ إلى عالم كان غلافه الجوي أكثر سمكاً في الماضي ويتضح ذلك من أنواع المعادن التي تشكلت وطريقة (تجوية) الصخور.
الخلاف على قابلية الحياة بصورة أفضل للإنسان على كوكب غير الأرض هو أهم خلاف في علم الفلك الحديث. واحتدم هذا الخلاف أكثر من أي وقت بعد ظهور شركات الفضاء الخاصة وأهمها شركة "سبيس إكس" التي يملكها الملياردير ورجل الأعمال الأميركي إيلون ماسك. مما تبعه أخيراً وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، إذ دعم هذان الرجلان فكرة استعمار البشر للمريخ أكثر من فكرة عودة الإنسان برحلات مأهولة للقمر، التي كانت تؤيدها "ناسا" والمجتمع العلمي الأميركي.
أما الجديد في هذا النزاع بين القمر والمريخ - وبعيداً من الهرج والمرج - فهو بدء تحليل عينات من صخور القمر والمريخ بشكل علمي دقيق، وذلك بحثاً عن أي نوع حقيقي من الحياة.
العلم يقول كلمته
بين هذا وذاك يقول العلم كلمته الفصل في هذا الشأن ليرجح كفة أحدهما إما القمر أو المريخ في استضافة الحياة البشرية خلال القرون أو ربما العقود القليلة المقبلة. لذلك نسأل، إلى أين وصل سباق جمع العينات من القمر والمريخ؟ وماذا تقول النتائج بعد تحليلها للمرة الأولى بشكل علمي؟ الإجابة باختصار هي أن هذه العينات ترسم صورة متباينة للكوكبين فعينات القمر تعكس صورة لعالم كان يعج بالنشاط البركاني، ولكنه أصبح ميتاً منذ مليارات السنين. ولا تظهر الصخور أي علامات على معادن متحولة بفعل الماء أو مركبات عضوية أو أي بصمات كيماوية نتوقعها من العمليات البيولوجية، بينما النيازك المريخية تلقي بتلميحات مفاجئة للغاية.
شغل القمر خيال الإنسان الشاعري قروناً من الزمن، واحتل صورة وجدانية في عقولنا أكثر من كونها علمية، ويبدو أنه سيظل كذلك! فالعينات من القمر وفق بعض العلماء تقول إن الحياة هناك شبه مستحيلة.
وتشبه عينات القمر "كبسولات زمنية من النظام الشمسي المبكر، محفوظة في حالتها الأصلية لعدم وجود غلاف جوي أو ماء لتغييرها". ورغماً عن ذلك تشير الاكتشافات الحديثة للجليد المائي في فوهات بركانية مظلمة بصورة دائمة إلى أن القمر قد لا يكون خالياً من الحياة كما كنا نعتقد. وأنه "يمكن لهذه الرواسب المتجمدة، التي جرى اكتشافها من خلال تحليل العينات والاستشعار من بعد، أن توفر الموارد التي ستحتاج إليها المستعمرات القمرية المستقبلية للبقاء".
سباق محموم
وبينما تسابقت المواقع العلمية في إعادة نشر هذه المادة العلمية تحت عناوين متباينة، فقد كتبت ماريا فيث ساليغومبا بدورها على إحدى صفحات الموقع العلمي المتخصص (ديسكفر وايلد ساينس)، قصة تحت عنوان "القمر مقابل المريخ: ما تكشفه عينات الكواكب عن قابلية الحياة".
واستهلت الكاتبة الأميركية قصتها بالقول، "تتسابق وكالات الفضاء حول العالم لجمع عينات من القمر والمريخ لسبب وجيه. فقد جلبت بعثات أبولو التابعة لناسا 842 رطلاً من المواد القمرية بين عامي 1969 و1972، بينما نقلت البعثات الأحدث نيازك مريخية وعينات مباشرة من المركبات الجوالة". وتضيف، "هذه ليست مجرد صخور جميلة للعرض، فكل ذرة غبار وكل شظية بلورية تحمل أدلة حول إمكان بقاء الحياة على هذه العوالم".
وتواصل بعثات تشانغ إي الصينية ومركبة بيرسيفيرانس التابعة لـ"ناسا" هذا البحث عن الكنز، إذ من المحتمل أن تعيد كل عينة صياغة فهمنا لصلاحية الحياة على أحد الكوكبين، وفق ساليغومبا.
كل عينة بمثابة كتاب مفتوح
يقول العلماء إن علينا أن نتخيل أمر تحليل المعلومات كأنه بمثابة قراءة كتاب منقوش على الحجر، إذ تكشف كل صفحة أسراراً عن الماء والغلاف الجوي وأساسات الحياة.
حكاية النيازك المريخية
من الواضح أن للمريخ أسراره الكثيرة. فالعلماء يقولون إن الكوكب الأحمر كان يلقي إلينا حرفياً منذ القدم بعض صخوره على شكل نيازك تحتضنها الأرض وذلك حتى قبل بدء فكرة التقاط وجمع عينات من الكواكب لدراستها. فقبل أن نرسل مركبة جوالة إلى المريخ، كانت قطع من الكوكب الأحمر تتساقط في أحضاننا. وعثر على النيازك المريخية، التي انطلقت من الكوكب نتيجة اصطدامات الكويكبات منذ ملايين السنين، في القارة القطبية الجنوبية والصحارى حول العالم.
وتحوي هذه الصخور التي تسافر عبر الفضاء على معادن لا تتشكل إلا بوجود الماء، بما في ذلك معادن الطين والكبريتات. حتى إن بعضها يظهر علامات على وجود مركبات عضوية. وعلى رغم أن العلماء يجادلون فيما إذا كانت هذه المركبات قد أتت من المريخ أم من تلوث هنا على الأرض، أثار نيزك (ALH84001) الشهير جدلاً في التسعينيات، وذلك عندما ادعى باحثون أنه يحوي بكتيريا مريخية متحجرة.
وعلى رغم أن معظم العلماء يشككون الآن في هذا التفسير، تثبت هذه النيازك الآن أن المريخ كان يتمتع في الماضي بظروف أشبه بظروف الأرض، أكثر بكثير من الصحراء المتجمدة التي نراها اليوم على سطحه.
الماء... ضرورة الحياة
بخصوص الماء وكونه عاملاً حاسماً للحياة تقول العينات وفق وايلد ساينس "تخبرنا كل عينة من القمر والمريخ بأمر بالغ الأهمية عن الماء، والقصص متباينة تماماً. فتظهر عينات القمر عالماً فقد مياهه مبكراً وكاملاً، ولم تبشر إلا الاكتشافات الحديثة للجليد في الفوهات القطبية بالأمل بوجود الماء. أما عينات المريخ فتشير إلى ماضٍ مائي دام مئات الملايين من الأعوام. واستدل العلماء على ذلك من خلال دراسات وضحت طريقة تشكيل المعادن الطينية الموجودة في الصخور".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتشكل المعادن الطينية الموجودة في صخور المريخ فقط عندما يتفاعل الماء مع المواد البركانية على مدى فترات طويلة، حتى إن بعض عينات المريخ تحوي معادن تترسب من المياه الراكدة، مثل المعادن التي تتشكل في ينابيع الأرض الساخنة، لذلك فالفرق واضح "إذ لم يمتلك القمر قط جاذبية أو غلافاً جوياً كافيين للاحتفاظ بالماء، بينما امتلك المريخ محيطات وأنهاراً وبحيرات دامت فترة كافية لنشوء الحياة. ولعل قصة الماء هذه هي العامل الأهم في تحديد أي كوكب ربما احتضن الحياة أولاً".
المركبات العضوية
تناولت الدراسات التي حللت العينات الصخرية من الكوكبين أيضاً أوجهاً حيوية عدة كان من أهمها البحث عن مركبات عضوية، إذ أسفر البحث عن تلك المركبات في عينات الكواكب عن نتائج مذهلة تبرز الاختلافات بين القمر والمريخ.
عينات القمر خالية تقريباً من المواد العضوية، وهو أمر منطقي نظراً إلى افتقار القمر الغلاف الجوي والماء. أما عينات المريخ فتروي قصة مختلفة تماماً، حيث تكتشف مركبات جوالة متعددة مركبات عضوية في الصخور والتربة، تراوح هذه المركبات بين غاز الميثان البسيط المكتشف في الغلاف الجوي وجزيئات عضوية معقدة عثر عليها في رواسب قاع البحيرات القديمة.
أخيراً، شمل سباق جمع العينات وتحليلها أيضاً أدلة جوية مثبتة في الصخر، وتشبه العينات الكوكبية - وفق هذه الدراسات أيضاً - محطات الأرصاد الجوية القديمة، حيث تسجل الظروف الجوية منذ مليارات الأعوام. وتظهر العينات القمرية أدلة على أن الرياح الشمسية ضربت سطح القمر مباشرة، مع وجود غازات نبيلة من الشمس مدمجة في بلورات الصخور.
وفي النهاية يشير هذا إلى أن القمر لم يكن له غلاف جوي قوي لحماية سطحه، فيما توضح عينات المريخ أن عالماً كان غلافه الجوي أكثر سمكاً في الماضي، ويتضح ذلك من أنواع المعادن التي تشكلت وطريقة (تجوية) الصخور على سطح الكوكب الأحمر.