ملخص
سبق لـ "منظمة العفو الدولية" أن اعتبرت أن "تعاون الاتحاد الأوروبي مع تونس وليبيا حول الهجرة يشكل معضلة أخلاقية"، لافتة إلى أنها "ترقى إلى التواطؤ في ارتكاب انتهاكات بحق المهاجرين"، ومع ذلك لم تتراجع الحكومات والمؤسسات الأوروبية عن تقديم دعم سخي لحكومات شمال أفريقيا وألبانيا بهدف اعتراض المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى السواحل الأوروبية الرئيسة.
أحيت حادثة انفجار قارب على متنه 30 مهاجراً في السواحل الليبية الانتقادات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي لدعمه خفر السواحل في هذا البلد الواقع شمال أفريقيا، مما يثير تساؤلات جدية حول ما إذا كانت أوروبا تجازف بسمعتها في مقابل صد المهاجرين الذين يتوافدون بالآلاف على دول مثل تونس وليبيا والجزائر، من أجل العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
وتدعم أوروبا بضغط من إيطاليا بشدة خفر السواحل في هذه الدول لاعتراض المهاجرين وسط غياب لضمانات تكفل تفادي حدوث انتهاكات، وكانت منظمة "أس أو أس" غير الحكومية قد انتقدت في وقت سابق بشدة توجه الاتحاد الأوروبي لتقديم تمويلات ضخمة إلى دول ثالثة من أجل صد المهاجرين، وكشفت عن أن "التكتل الأوروبي سيقدم إلى تونس وليبيا فقط حتى عام 2027 نحو 327 مليون يورو لإدارة الحدود ومنع وصول المهاجرين".
وضع محزن
ولم تكن انتقادات مقاربة أوروبا حيال الهجرة غير النظامية وليدة اللحظة، إذ سبق لـ "منظمة العفو الدولية" أن اعتبرت أن "تعاون الاتحاد الأوروبي مع تونس وليبيا حول الهجرة يشكل معضلة أخلاقية"، لافتة إلى أن "هذه المعضلة ترقى إلى التواطؤ في ارتكاب انتهاكات بحق المهاجرين"، ومع ذلك لم تتراجع الحكومات والمؤسسات الأوروبية عن تقديم دعم سخي لحكومات شمال أفريقيا وألبانيا بهدف اعتراض المهاجرين ومنعهم من الوصول إلى السواحل الأوروبية الرئيسة.
ووقعت إيطاليا والاتحاد الأوروبي كثيراً من الاتفاقات مع تونس وليبيا بغرض وقف تدفق المهاجرين، وقد واجهت انتقادات حادة، فقال الناشط الإسباني في مجال الهجرة، ريكار غونزالس، إنه "للأسف لا يوجد في الاتحاد الأوروبي أي فكرة لتغيير الدعم للحرس البحري في ليبيا أو تونس، والمؤسسات الأوروبية تقول إنها تريد من حكومات شمال أفريقيا منع القوارب والسفن من نقل المهاجرين إلى السواحل الأوروبية مع احترام حقوق الإنسان، لكن هذه المعادلة لم يجر الالتزام بها"، متابعاً أنه "في كثير من المرات لاحظنا أن عمليات منع المهاجرين من قبل خفر السواحل في هذه الدول يحدث فيها انتهاك لحقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي يتجاهل التقارير التي تتحدث عن ذلك ويقول إنها مجرد حالات معزولة، لكن الانتهاكات منتشرة بصورة كبيرة"، مضيفاً أنه "مع صعود تيار اليمين المتطرف في كل الدول الأوروبية تقريباً فسيكون من الصعب على بروكسل تغيير سياساتها تجاه الهجرة غير الشرعية خلال الأعوام المقبلة، وهذا للأسف وضع محزن جداً".
دعم الميليشيات
وفي ليبيا لزمت السلطات الصمت تجاه حادثة الانفجار الأخيرة ولم ترد على طلبات للتعليق، فيما ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو وروايات تفيد باستهداف القارب بإطلاق نار، إذ إن هذه الحادثة تعزز الانتقادات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي وإيطاليا بسبب دعمهما خفر السواحل الليبي الذي يشتبه بتورطه في كثير من الحوادث المماثلة عبر استهداف قوارب المهاجرين واستخدام العنف ضدهم وأيضاً ضد سفن الإنقاذ، ففي أغسطس (آب) الماضي تعرضت سفينة الإنقاذ "أوشن فايكينغ" إلى إطلاق نار مباشر من زورق لخفر السواحل الليبي أثناء محاولتها إنقاذ مهاجرين كانوا سيغرقون في عرض البحر، ومع ذلك استمر التكتل الأوروبي في دعم خفر السواحل الليبي.
من جهته قال المحلل السياسي الليبي راقي المسماري إن "منطقة غرب أفريقيا تعج بالمهاجرين وهم لا يريدون العودة لبلدانهم، وبالتالي فهم أمام خياري الذهاب إلى أوروبا أو البقاء في ليبيا، وهو ما جعل ليبيا تتحول إلى مأوى لهم"، مشيراً إلى أن "هذه المسألة فيها تهديد للأمن القومي في ليبيا وللتركيبة السكانية نفسها، لأنه إذا طالت فترة بقاء هؤلاء فإنهم يحتاجون إلى عمل وسكن واندماج في المجتمع، والمسألة خطرة، وقبل 12 عاماً حذرنا من أن هؤلاء جاءوا نتيجة غياب الأمن في بلدانهم وانتشار الميليشيات وتغولها في غرب ليبيا، وهي ميليشيات استخدمت المهاجرين حتى في الحروب وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سياسة هجرة حازمة
وتأتي هذه التطورات في وقت يتكدس فيه آلاف المهاجرين غير النظاميين في ليبيا وتونس، وسط مساع من السلطات إلى حل هذا الملف عبر ترحيل هؤلاء سواء من خلال برامج "العودة الطوعية" أو غيرها، وقد عدّ الباحث الجيوسياسي رولان لامباردي أن "المخاوف التي أعربت عنها المنظمات غير الحكومية وجماعات حقوق الإنسان متوقعة بالتأكيد، لكن لا يجب أن تحجب الواقع المأسوي للهجرة في البحر الأبيض المتوسط، وإذا كانت أوروبا وإيطاليا تتبنى الآن موقفاً حازماً تجاه الهجرة فذلك يعود للسياسة المتساهلة التي جرى اتباعها لأعوام، وأدت إلى عكس النتائج المرجوة حين أفرزت عشرات آلاف القتلى في عرض البحر، وأيضاً اتجاراً بالمهاجرين يغذيه تواطؤ من بعض المنظمات غير الحكومية والمهربين".
وأوضح لامباردي أنه "ما كان لهذه المآسي أن تحدث لو أن الاتحاد الأوروبي تبنى سياسة هجرة حازمة منذ زمن طويل من خلال تجريم أشكال المساعدة اللوجستية للشبكات غير الشرعية كافة، وحظر جميع عمليات النزول في الموانئ الأوروبية وإعادة جميع المهاجرين لبلدانهم الأصلية أو بلدان عبورهم، ورهن مساعدات التنمية بهذا التعاون"، موضحاً أن "اتباع سياسة هجرة حازمة تقوم على الواقعية والردع من شأنه أن ينقذ أرواحاً كثيرة ويمنع أية انتهاكات".
وفي خضم استمرار عمليات الاعتراض في البحر الأبيض المتوسط للمهاجرين، فمن غير المؤكد ما إذا كانت السياسات الأوروبية ستنجح في الموازنة بين تحصين حدودها واحترام حقوق المهاجرين في الوقت ذاته.