ملخص
تقول وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" إن طريق البحر المتوسط لا تزال المسار الأكثر ازدحاماً بالمهاجرين غير الشرعيين نحو الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل 39 في المئة من إجمالي حالات الوصول غير القانونية. وتشمل دول الانطلاق الرئيسة كلاً من ليبيا وتونس والجزائر ومصر، كما تعد من أكثر الطرق فتكاً، إذ فقد نحو 760 شخصاً حياتهم في مياه المتوسط خلال النصف الأول من العام الحالي.
يبدو أن تفشي الهجرة غير الشرعية فضح فشل سياسات الحكومات الجزائرية المتعاقبة في التعاطي مع الظاهرة، ولعل عملية فرار 7 قُصَر نحو السواحل الإسبانية بعد سرقة قارب سياحي، شكّلت القطرة التي أفاضت الكأس، ودفعت إلى التمعن في حقيقة الأسباب التي تقود إلى الهجرة عبر قوارب الصيد والنزهة والمغامرة وسط البحر المتوسط.
تعليمات وتشديد
ووجهت الحكومة الجزائرية تعليمات إلى مؤسسات تسيير الموانئ تشدد على مسيريها إلزام أصحاب جميع أنواع قوارب الصيد والنزهة الراسية فيها، توظيف حارس دائم على متنها، أي لكل قارب حارسه الخاص، إذ طلبت "شركة تسيير موانئ الصيد والنزهة" التابعة للمجمع العمومي المكلف بضبط أنشطة كل موانئ البلاد، من أصحاب القوارب، مراجعة إجراء يتضمنه مرسوم تنفيذي يعود إلى عام 2022 خاص بالموانئ وإدارتها وكيفية استغلالها، وذلك في إطار الحفاظ على سلامة الأشخاص والممتلكات.
وشددت الجهات المعنية على ضرورة تفعيل إجراءات تشديد الحراسة على القوارب البحرية، مع فرض عقوبات رادعة ضد كل مَن يتهاون في تطبيق القانون. ويأتي ذلك في خضم الارتدادات التي خلفها وصول شبان قُصر بطريقة غير شرعية إلى إسبانيا انطلاقاً من أحد موانئ الصيد بالجزائر، ما أثار جدلاً واسعاً، وتساؤلات مجتمعية حول دور العائلة والمدرسة والمسجد، وما حقيقة الضغوط النفسية والاجتماعية التي تدفع شبان يافعين إلى خوض مغامرات خطيرة في عرض البحر.
الجلوس إلى طاولة البحث والحوار والتشريح
وفي حين اعتبرت الحكومة الحادثة واقعة فردية لا ينبغي تعميمها، ولا تعكس بالضرورة واقع كل الشباب أو الوضع الاجتماعي في الجزائر، وربطتها بأنشطة استدراج الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزةً أن الظاهرة صارت عالمية وتواجهها الجزائر مثل غيرها من الدول، إلا أن الجهد الرسمي في ظل استمرار خروج قوارب الهجرة غير الشرعية نحو سواحل إسبانيا وبشكل أقل إيطاليا، يبقى ضعيفاً أو غير ناجعاً أو يستدعي تشريحاً دقيقاً للظاهرة، بخاصة أنها لم تعد مرتبطة بفئة الشباب فقط، ولا علاقة لها بمستوى المعيشة أو البطالة أو الظروف الاجتماعية، بعد أن تعدت إلى ميسوري الحال، والتجار، وعائلات بأكملها، والنساء، والجامعيين، والمتخرجين.
وأصبح من الضروري الجلوس إلى طاولة البحث والحوار والتشريح للوصول إلى الدوافع التي تقف خلفها وأدت إلى تفاقمها وتزايد حدتها، حيث أن الوضع بات يفرض ضرورة تكريس الجهود أكثر للبحث عن حلول ناجعة لوقف نزيف هذه المأساة الحقيقية التي تواصل حصد المزيد من الأرواح في عرض البحر، وحرق قلوب آلاف العائلات، وتشويه سمعة البلاد أيضاً.
أرقام صادمة بين إيطاليا وإسبانيا
وبحسب وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس"، لا تزال طريق البحر المتوسط، المسار الأكثر ازدحاماً بالمهاجرين غير الشرعيين نحو الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل 39 في المئة من إجمالي حالات الوصول غير القانونية. وتشمل دول الانطلاق الرئيسة كلاً من ليبيا وتونس والجزائر ومصر، كما تعد من أكثر الطرق فتكاً، إذ فقد نحو 760 شخصاً حياتهم في مياه المتوسط خلال النصف الأول من العام، في حين سُجلت وفاة 2300 شخص على المسار ذاته في عام 2024.
وفي بدايات يوليو (تموز) 2025، وصل نحو 561 مهاجراً جزائرياً إلى إيطاليا عبر البحر، وفقاً للأرقام التي نشرتها السلطات الإيطالية، ما يمثل نحو 2 في المئة من إجمالي المهاجرين الوافدين في تلك الفترة مقارنةً بجنسيات أخرى.
كما سجلت بيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وصول أكثر من 18860 مهاجراً غير نظامي إلى السواحل الإسبانية منذ مطلع العام، من بينهم أكثر من 4100 قدموا عبر "الطريق الجزائرية" الخطيرة، وتشير الإحصاءات التي نشرتها وسائل إعلام إسبانية، إلى أن 60 في المئة من هؤلاء جزائريون، أي ما يعادل نحو 2500 شخص، فيما سجلت منظمات حقوقية 325 حالة وفاة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام.
وأظهرت بيانات "يوروستات" أن الجزائر تصدرت خلال الربع الأول من العام، قائمة الجنسيات التي تلقت أوامر بمغادرة أراضي الاتحاد الأوروبي بنحو 9995 حالة، أي ما يمثل 8.1 في المئة من مجموع 123905 قرارات طرد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة قصيرة المدى لا تعالج جوهر الظاهرة
في السياق، يعتقد رئيس جمعية "الشباب الجزائري المهاجر" في إسبانيا، محمد الأمين صندوق، أن "تشديد الرقابة على الموانئ خطوة قصيرة المدى كرد فعل مباشر على حادثة هروب القُصّر، فهي تهدف لإغلاق الثغرات الأمنية ومنع تكرار الفعل في وقت قصير، لكنها غالباً لا تعالج جوهر الظاهرة، بل تضيّق فقط على منفذ معيّن وهو الموانئ، بينما المهاجرون غير النظاميين يبحثون دائماً عن بدائل مثل قوارب 'الانتحار' التقليدية، ورحلات عبر البر إلى موانئ أخرى، أو استخدام وثائق مزورة، وبالتالي قد تقلّص الرقابة بعض المحاولات لكنها لا توقف الظاهرة، بل قد تدفعها إلى البحث عن مسارات أخرى".
ويتابع صندوق، أن "عودة الظاهرة بقوة تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من بطالة وانسداد الآفاق بخاصة بالنسبة لغالبية الشباب، والشعور بعدم المساواة، وضعف الثقة بالمستقبل وهشاشة العلاقات الاجتماعية". وقال، "الأدهى والأمرّ أن الظاهرة لم تعد تخص الفئات الهشة أو الشباب فقط، بل أصبحت تشمل متعلمين وموظفين، وأحياناً عائلات بأكملها، ما يعني أنها لم تعد مجرد مغامرة فردية أو طيش شباب أو مراهق، بل خيار جماعي للهرب من انسداد الداخل، وهو ما يعتبر رسالة اجتماعية قوية بأن قطاعات واسعة من المجتمع لم تعد تجد نفسها في السياسات والبرامج المخطط لها من طرف الحكومة".
وختم أن "الحل الأمني يمكنه أن يبطئ الظاهرة ويقلل من انتشارها أو يُعيد توزيعها جغرافياً، لكنه للأسف الشديد لا يقضي عليها لاعتبارات جغرافية وسياسية وجيوسياسية أيضاً تلعب دوراً أساسياً في توسعها وتشجيعها".
أسباب الهجرة غير الشرعية
ووفق ما يدور على مستوى النقاشات والندوات والجلسات، فإن تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية أو "الحرقَة" بحسب تعبير الجزائريين، يرتبط ارتباطاً وطيداً بالوضع المالي والاجتماعي السائد، مثل البطالة وانعدام فرص الحصول على عمل لائق، وتدني الأجور التي لا تغطي المصاريف العائلية، إضافة إلى تأثير القنوات الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى سيطرة الفكر النفعي، الذي جعل فئة الشباب تبحث عن الطرق السهلة لتحقيق الربح الوفير والسريع.
كذلك رفض طلبات التأشيرات يسهم في رفع نسب الهجرة غير الشرعية، لا سيما أن تكاليفها لا تُرد إلى أصحابها، وبالتالي وأمام هذا الوضع، لم يبق سبيلاً آخر للانتقال إلى أوروبا، سوى الهجرة بطريقة غير شرعية من دون الاكتراث بالعواقب، علماً أن المبلغ المحصل من ملفات التأشيرات المرفوضة للجزائريين والخاصة بفضاء "شنغن" وصل إلى 13 مليون يورو، أي نحو 15.8 مليون دولار في عام 2023، وارتفع في 2024 إلى 15.7 مليون يورو، أي ما يعادل 20 مليون دولار، وهي الأعلى في أفريقيا على الإطلاق.