ملخص
منذ النكبة عام 1948 ظلت علاقة لبنان بالقضية الفلسطينية موضع جدل بين من يرى وجوب الانخراط المباشر في صراعها، ومن يطالب بالدعم السياسي من دون زج البلاد في حروب مدمرة. أحداث السابع من أكتوبر 2023 فجرت هذا الخلاف مجدداً مع دخول "حزب الله" الحرب تحت شعار "جبهة إسناد"، مما كبد لبنان خسائر بشرية ومادية هائلة.
واليوم، بعد قبول "حماس" خطة "دونالد ترمب" لإنهاء الحرب يتصاعد التساؤل، بأي منطق يواصل الحزب التمسك بسلاحه بينما الفلسطينيون أنفسهم اختاروا وقف القتال؟
جدلية جداً هي العلاقة بين لبنان وفلسطين منذ أن حصلت النكبة عام 1948.
فريق يعد أننا كبلد يجب أن نكون معنيين بصورة مباشرة بمصير الفلسطينيين هناك، حتى ولو كان الأمر يتعلق بحرب تقضي على كل شيء وربما وحدتنا ومصيرنا، وآخر يرى أننا دولة كباقي الدول العربية، لا بد أن نساند الشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير وفي حل عادل لقضيتهم بعد ثمانية عقود على النكبة، إنما من دون أن تزج البلاد والعباد في صراعات لا ناقة لنا ولا جمل بها، وبالتأكيد لا قدرة لنا على تحملها.
أتت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 لتفجر هذا الصراع مرة جديدة وبقوة، وبخاصة أن ساعات مضت وقرر بعدها "حزب الله" الدخول في ما أطلق عليه "جبهة إسناد" على "طريق القدس"، قائلاً إنها لنصرة الشعب الفلسطيني ولاستباق هجوم إسرائيلي على لبنان، كان مؤكداً حصوله، في حساباتهم.
مرت الأسابيع وبعدها الأشهر الطويلة والقاسية على تلك اللحظة، ووصلنا إلى اليوم أي بعد عامين من الحرب في القطاع الفلسطيني، فكانت النتيجة داخل غزة عشرات آلاف القتلى ودماراً لم يسبق أن حصل في التاريخ. أما لدينا فلم تكن المحصلة أقل "دموية"، بين آلاف القتلى ودمار قدر بـ14 مليار دولار.
أرقام أقل من غزة صحيح، ولكننا جبهة إسناد، كما يحلو لبعض أن يؤكد ويفاخر.
خطة ترمب وترحيب "حماس" ولبنان مترقب
يدرك جيداً سيد البيت الأبيض لعبة الأرقام، فهو رجل أعمال في المقام الأول.
قدم خطة "محكمة" من 21 بنداً لإنهاء الحرب في القطاع قبل أيام قليلة من ذكرى عامين على اندلاع الحرب، وأمهل حركة "حماس" أربعة أيام للرد، وإلا! فيما كان أمام "بيبي" (بنيامين نتنياهو) خياران، إما أن يقبل بها، أو يقبل بها، ولا ثالث بينهما على طاولة دونالد ترمب.
الرئيس الأميركي قدم الخطة ومعها يده محاولاً الإمساك بجائزة نوبل للسلام، والتي سيعلن عن الفائز بها خلال الـ10 من أكتوبر الجاري، أي بعد أقل أسبوع من الآن، وهو إن ظفر بها، فسيضيف إلى سجله لقب "صانع سلام" في الشرق الأوسط.
في المقابل، لم تنتظر حركة "حماس" يوم غدٍ الأحد، بل أعلنت ضمن بيان صدر مساء أمس الجمعة أنها قبلت خطة ترمب. وأكثر من ذلك، أكدت "تقديرها" لجهود الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب وموافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط)، بناءً على التوافق الوطني الفلسطيني واستناداً للدعم العربي والإسلامي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أنها لم تتطرق إلى مسألة تسليم سلاحها بصورة مباشرة ضمن البيان، لكنها تعلم أن أية موافقة على خطة ترمب، تعني حتماً إنهاء وجودها كمجموعة مسلحة داخل غزة. وفي نص البند الـ13 من الخطة، ذكر:
توافق "حماس" والفصائل الأخرى على عدم الاضطلاع بأي دور في حكم غزة، سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة أو بأية صورة من الصور، وستُدمر جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يعاد بناؤها، وستكون هناك عملية لنزع السلاح من غزة تحت إشراف مراقبين مستقلين، والتي ستشمل وضع الأسلحة بصورة دائمة خارج نطاق الاستخدام من خلال عملية متفق عليها لتفكيكها.
على “الجزيرة اللبنانية” رأي آخر
قرأ اللبنانيون جيداً خطة ترمب وبعدها بيان "حماس"، لا لأنهم جميعاً متابعون للشأن السياسي والإقليمي أو الدولي، بل لأنهم يعلمون جيداً أن أي تطور في غزة لبنان معني به، مرغماً لا طوعاً، بعدما بتنا جزءاً من هذه الحرب.
وفيما كانت تخط "حماس" بيانها وقرارها بعدم التضحية بما تبقى من ركام غزة مقابل الاستسلام سياسياً وعسكرياً بعد عامين من الحرب، إن صدقت فعلاً بقبول خطة ترمب، كان "حزب الله" يعلن في المقابل وفي جملة تصريحات لا تتوقف يومياً، عن رفضه لتسليم السلاح.
"حماس" رفعت راية، صحيح أنها أتت حمراء بلون دماء عشرات آلاف الفلسطينيين، إنما في النهاية قبلت أن توقف النزف الحاصل، لكن الحزب الذي قال إنه دخل الحرب نصرة لها وللفلسطينيين، يرفض فعل ذلك حماية لما تبقى من لبنان.
لكن بأية حجة اليوم سيقنع الحزب جمهوره واللبنانيين أن سلاحه له فائدة لتحرير الفلسطينيين، وعلى "طريق القدس" إن كان الفلسطينيون أنفسهم قبلوا إلقاء السلاح بعد عقود من حمله بوجه إسرائيل؟
وبأي منطق سيحاول الحزب الإبقاء على ترسانته الموجودة شمال الليطاني لقتال إسرائيل، إن كان أهل البيت أنفسهم سلموا بأن لا قدرة لهم على الاستمرار في هذه الحرب؟
ألم يسمع ويرى ويتأكد جمهور الحزب أن قياداته حتى لم تكن على علم بهجوم السابع من أكتوبر قبل حصوله، وهي تورطت به مضحية بالآلاف من شبابها وجزء كبير من سلاحها وكذلك بجزء من قرى لبنانية على الحدود جنوباً؟ لتخرج اليوم "حماس" ببيان شكر لأميركا والدول العربية والإسلامية، فيما لم تلحظ الحزب حتى بحرف "مجاملة" لما قدمه كـ"جبهة مساندة"؟
وهو الذي قدم لفلسطين، ما لم يقدمه الفلسطينيون حتى في "الضفة الغربية" نصرة لغزة؟
أهكذا يشكر حلفاء الدم والجبهات؟
والأهم إن كانت "حماس" فعلاً صادقة بقبول الخطة ومعها إنقاذ ما تبقى من غزة المحروقة دماً وحجراً، فلماذا يتعنت الحزب ويرفض أن يبعد شبح الحرب الجهنمية من لبنان؟
"حماس"، وللمفارقة، لم تذكر في بيانها أنها "انتصرت" على إسرائيل في هذه الحرب. لكن ربما "حزب الله" لا يزال في جعبته كثير من "الانتصارات" التي لم يفرغها بعد.