ملخص
في ضوء رد "حماس" أعرب بنيامين نتنياهو عن استعداد إسرائيل لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة للإفراج الفوري عن جميع الرهائن، مؤكداً استعداده للعمل مع فريق ترمب لإنهاء الحرب وفقاً للمبادئ التي وضعتها إسرائيل. مع ذلك تشير ردود "حماس" وإسرائيل وترمب إلى صعوبات وتحديات كثيرة قادمة، فهل يقترب الحل في غزة أم لا يزال الطريق طويلاً؟
اكتسبت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب زخماً كبيراً خلال الساعات الأخيرة، إذ وافقت "حماس" على بنود الخطة مع بعض الشروط، ورحب ترمب برد "حماس"، وحث إسرائيل على وقف قصف غزة معتقداً أن الحركة مستعدة لحل دائم. وفي ضوء رد "حماس" أعرب بنيامين نتنياهو عن استعداد إسرائيل لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة للإفراج الفوري عن جميع الرهائن، مؤكداً استعداده للعمل مع فريق ترمب لإنهاء الحرب وفقاً للمبادئ التي وضعتها إسرائيل. مع ذلك تشير ردود "حماس" وإسرائيل وترمب إلى صعوبات وتحديات كثيرة قادمة، فهل يقترب الحل في غزة أم لا يزال الطريق طويلاً؟
منذ أن أعلنت حركة "حماس" مساء الجمعة، قبولها ببنود خطة السلام الأميركية لإنهاء الحرب في غزة، قبل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس ترمب غداً الأحد، وإعلانها أنها ستفرج عن جميع الرهائن الإسرائيليين المتبقين، بدا أن الأمور تسير في طريق إيجابي يبشر بالحل، وهو ما عكسه وصف الرئيس ترمب بأن "حماس" مستعدة لسلام دائم، وترحيب أطراف دولية وعربية أخرى مثل مصر وقطر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، برد الحركة.
كما أن البيان المقتضب من رئيس الوزراء الإسرائيلي في ضوء رد "حماس" وترمب، عبر عن استعداد إسرائيل لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترمب للإفراج الفوري عن جميع الرهائن من دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى أية تحفظات على بيان "حماس" أو الموقف من بقية بنود خطة ترمب.
استراتيجية "حماس"
ولأن إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين الـ48 المتبقين لدى "حماس" خلال 72 ساعة، والموافقة على تسليم السلطة في غزة، كانا من أهم مطالب اقتراح ترمب التي يخشى أن ترفضهما "حماس" كونهما خطين أحمرين محتملين، فإن موافقة "حماس" المعلنة على هذين الشرطين أتاحا سبيلاً للمضي قدماً في اقتراح وقف إطلاق النار الذي يحظى بدعم دولي، لا سيما في ظل الدعوات المتزايدة لإنهاء الحرب.
مع ذلك كان من المستغرب أن "حماس" تحدت عرض الرئيس الأميركي المتمثل في قبول أو رفض المجالات الأساسية من خطته عبر تقسيم الاتفاق إلى قسمين: الأول ينصب على وقف إطلاق النار واتفاق تبادل الأسرى، والثاني يتعلق بالترتيبات الأمنية والسياسية، كما أن استراتيجية "حماس" هنا تبدو أشبه باستراتيجية إيران، كما يقول جوناثان بانيكوف مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في واشنطن، فبدلاً من مجرد الموافقة أو الرفض، تحاول "حماس" كسب الوقت من خلال رد مشوش يهدف إلى إعادة توجيه الضغط نحو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وعلى رغم أن بيان "حماس" يشكل تطوراً إيجاباً بلا شك، فإن من المرجح أن يكشف نيات جميع الأطراف والقيود المفروضة عليها مستقبلاً، حيث لا يذكر رد الحركة نزع السلاح أو تفكيك الأسلحة، وهو جانب أساس آخر من اقتراح ترمب الذي رفضته "حماس" مراراً، كما لا يتناول ردها إنشاء لجنة رقابة دولية بقيادة ترمب، التي أطلق عليها اسم "مجلس السلام" للإشراف على إدارة غزة.
بدلاً من ذلك، قالت "حماس" بشكل عام إن القضايا المتبقية المذكورة في الاقتراح الأميركي المتعلقة بمستقبل قطاع غزة والحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني ستناقش مستقبلاً. كما أصرت على أنها ستسهم بمسؤولية كاملة في إطار وطني فلسطيني شامل، وهو ما يتناقض مع مطلب اقتراح ترمب بألا يكون لـ"حماس" والفصائل المسلحة الأخرى في غزة أي دور في حكم القطاع بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويرى مدير مشروع إعادة الاصطفاف من أجل فلسطين التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن، وهو من سكان مدينة غزة، أن موقف "حماس" من مستقبل القطاع جدير بالاهتمام، لأنها تريد أن يكون لها نفوذ ودور في كيفية حكم القطاع خلال تسوية ما بعد الحرب، مما يجعل مطلب ترمب بألا يكون لها دور، يشكل خطراً جسيماً على قدرتها على تحقيق أحد أهدافها التي سعت إليها منذ فترة طويلة، ألا وهو السيطرة على غزة، وليس الحكم المباشر.
دوافع ترمب
عكس منشور الرئيس الأميركي على وسائل التواصل الاجتماعي في رده على موافقة "حماس" رغبة ملحة في إنهاء هذه الحرب بأي ثمن، فقد رحب برد الحركة، وحث إسرائيل على وقف قصف غزة، قائلاً إنه يعتقد أن "حماس" مستعدة لسلام دائم، ثم أتبع ذلك بمقطع فيديو مسجل من المكتب البيضاوي، شكر فيه الدول التي قال إنها ساعدت في التوسط في الخطة، مثل السعودية وقطر ومصر وتركيا التي حددها بالاسم.
ويبدو أن ترمب يريد في هذه المرحلة الأولى من الردود تجنب الخلافات التي يمكن أن تفسد خطته مع انطلاقتها الأولى، على رغم أن مطالبته الأولى من نوعها لإسرائيل منذ عودته إلى البيت الأبيض بوقف قصف غزة من شأنها أن تثير استياء صديقه المقرب نتنياهو وتجعله يمضي نهاية أسبوع غير مريحة بالمرة، كما يشير سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل توماس نايدز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولعل أبرز دوافع ترمب وراء الترحيب السريع برد "حماس"، هو رغبته في الاستجابة للضغوط الخليجية التي تصاعدت عقب الضربة الجوية الإسرائيلية لمقر وفد الحركة في الدوحة، وهذا يعني أنه يحاول إحداث قدر من التوازن في قراراته المتعلقة بالمنطقة، وهو ما تشير إليه مسارعته إلى إصدار أمر تنفيذي قبل أيام يتعهد فيه الدفاع عن قطر إذا تعرضت لهجوم من دولة أخرى.
إضافة إلى ذلك لم يخف ترمب في أي وقت رغبته الملحة في الفوز بجائزة "نوبل" للسلام، وهو يرى أن إنهاء القتال في غزة بعد عامين مريرين خلفا عشرات الآلاف من القتلى سيضمن له الفوز بالجائزة العام المقبل إذا وجد طريقه للتنفيذ، بل إنه لم يتردد في الإشارة إلى أن الأمر لا يتعلق بغزة وحدها، بل بالسلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط ككل، مؤكداً اعتقاده أن إنهاء الحرب في غزة وفتح مسار نحو تحقيق الدولة الفلسطينية، سيمهد الطريق لتوسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية.
لكن تفاؤل ترمب الأولي ورد فعله على رد "حماس"، سرعان مع أحبطته الواقعية السياسية في البيت الأبيض، فحرص بعد فترة وجيزة على ألا يعلن النصر الكامل في مقطع فيديو مسجل نشره على موقعه "تروث سوشيال" قال فيه "هذا يوم عظيم، ولكن سنرى كيف ستسير الأمور"، غير أنه راهن أيضاً على قدرته على تحريك الأمور بشكل إيجابي حين أوضح أنه يستطيع ترسيخ كلمته النهائية بشكل ملموس.
خيبة أمل نتنياهو
من الواضح أن نتنياهو شعر بخيبة أمل كبيرة من منشور ترمب الأولي المتفائل الذي دعا فيه إسرائيل إلى وقف قصف غزة فوراً، إذ اكتفى بيان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتركيز على قضية إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى "حماس"، مع إشارة واضحة إلى دمج رؤية إسرائيل برؤية ترمب، حيث أشار البيان إلى مواصلة العمل بتعاون كامل مع الرئيس وفريقه لإنهاء الحرب وفقاً للمبادئ التي وضعتها إسرائيل والتي تتوافق مع رؤية الرئيس ترمب، بحسب نص البيان.
ولم يتطرق بيان نتنياهو إلى طلب ترمب التوقف فوراً عن قصف غزة، ولم يقدم أية إشارة إلى جدول زمني لإطلاق سراح الرهائن، كما لم يثر أية ملاحظات تتعلق بنزع سلاح "حماس" أو مستقبل حكم غزة.
ويبدو أن نتنياهو يدرك الآن أن عليه التحلي بالمرونة في الظاهر، لأنه لا سبيل أمامه للصدام مع الرئيس ترمب، ومن ثم لا خيارات متاحة الآن لعرقلة الاتفاق، وكما يقول جوناثان بانيكوف الذي شغل في السابق مناصب مهمة في الاستخبارات الوطنية الأميركية، فإن السياسة الداخلية لنتنياهو لم تكن بهذه المرونة منذ بداية الحرب، ذلك لأنه، حتى لو انسحب الأعضاء القوميون المتطرفون من ائتلاف نتنياهو معارضين للاتفاق، فإن أعضاء المعارضة سيملأون الفراغ على الأرجح لتأمين صفقة رهائن تنهي الحرب، بعدما تعهد زعيم المعارضة يائير لبيد وغيره من أقطاب المعارضة الآخرين بتشكيل شبكة أمان تحمي حكومته من حجب الثقة في الكنيست الإسرائيلي. وإذا أدى انهيار الائتلاف إلى انتخابات مبكرة، فيجب على إسرائيل إجراء انتخابات تشريعية بحلول أكتوبر (تشرين الأول) 2026 على أية حال، وحينها من المرجح أن تتحسن فرصه في الفوز بعد تحرير الرهائن وإنهاء الحرب.
ضريبة الفشل
على رغم التطورات الأخيرة ونبرة التفاؤل الحذر لدى جميع الأطراف، لا تزال خطة ترمب تواجه خطر الفشل، حيث لا تقدم الخطة أي وضوح في شأن التوقيت أو التنفيذ، وتتجاهل رفض الحكومة الإسرائيلية لحل الدولتين، إضافة إلى تأثير العقوبات الإسرائيلية على السلطة الفلسطينية ومستوطنات الضفة الغربية غير القانونية، كما حصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اللحظات الأخيرة على إضافات غامضة الصياغة في شأن نزع سلاح غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية، مما يخاطر بتمكين إسرائيل من إملاء نطاق ووتيرة تنفيذ الخطة بمجرد إطلاق سراح الرهائن.
وكما يشير تقرير للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يهدد غياب ضمانات واضحة وقابلة للتنفيذ، لا سيما في شأن نطاق وجدول الانسحاب الإسرائيلي، بترسيخ عملية سلام مجزأة ومدارة خارجياً وغير ناجحة، لهذا ينبغي على الدول الأوروبية العمل بشكل وثيق مع الدول العربية والإسلامية لتحديد المعايير والضمانات المطلوبة بوضوح، مع الضغط لمنع نهج "خذها أو اتركها" الأميركي والإسرائيلي، الذي من المرجح أن يدمر العملية برمتها.
اشترطت الخطة الأميركية الأصلية على "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى الالتزام الكامل بتدمير ووقف بناء أية بنية تحتية عسكرية هجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ونصت الخطة المعدلة النهائية بناء على مطالب إسرائيل على تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ولن يعاد بناؤها. وهي صيغة أكثر شمولية، يبدو أنها تعني نزع سلاح جميع الفصائل الفلسطينية في غزة بشكل كامل، وربما محاولة لتحويل الخطة إلى هدف ترفضه "حماس".
لن يكون نزع السلاح الكامل بمثابة استسلام كامل لـ"حماس" فحسب مما يدفعها للرفض، بل قد يعرض الحركة أيضاً لهجمات من قبل مجموعة من الأعداء مثل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، التي سلحتها إسرائيل وقامت بسرقة المساعدات الغذائية، وفقاً لتقارير دولية مستقلة.
وحتى لو قبلت قيادة "حماس" مطلب إسرائيل، فمن المرجح أن يرفض عديد من مقاتليها تسليم أسلحتهم، وقد ينشقون إلى جماعات أكثر تشدداً وأقل ميلاً للاستسلام مثل "الجهاد الإسلامي"، ولجان المقاومة الشعبية، وكتائب المجاهدين.
كما أن إقناع "حماس" بالانتظام في عملية تفكيكها، يتطلب التزاماً إسرائيلياً أكبر بالانسحاب من غزة والانتظام في مفاوضات سلام إسرائيلية فلسطينية، ولكن هنا أيضاً صاغت إسرائيل الخطة لمصلحتها، إذ ينص الاقتراح المعدل على انسحاب على ثلاث مراحل، تكون فيه المرحلتان الأولى والثانية مشروطتين بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ونشر قوات الأمن الإسرائيلية وفقاً للمعايير المنصوص عليها في خطة ترمب، كما ستحتفظ إسرائيل بمنطقة أمنية عازلة تشمل نحو خمس مساحة أراضي غزة حتى يصبح القطاع آمناً تماماً من أي تهديد إرهابي متجدد.
أيضاً تتيح المعايير والجداول الزمنية غير الواضحة لإسرائيل مجالاً واسعاً لعرقلة انسحابها كما فعلت في الضفة الغربية بموجب اتفاقات أوسلو، وذلك بالقول، على سبيل المثال، إن غزة لم تنزع منها الأسلحة بالكامل ولم تؤمنها قوات الأمن الإسرائيلية، أو أن هناك تهديداً قائماً بعودة "حماس".
وفي غياب أية تعديلات على النص، من المرجح أن تتمكن إسرائيل من الاحتفاظ بالسيطرة على مساحات شاسعة من غزة، بما في ذلك معظم أراضيها الزراعية، إضافة إلى بلدات مثل رفح وجباليا تماماً كما لمح نتنياهو بعد مؤتمره الصحافي في البيت الأبيض، وفي غياب أية ضمانات بأن إسرائيل ستسمح للفلسطينيين النازحين داخلياً بالعودة بحرية إلى هذه المناطق. وهناك خطر إضافي يتمثل في أن تمنع إسرائيل بناء هذه المناطق وتشيد بدلاً من ذلك مستوطنات إسرائيلية فيها.
أخطار وآمال
سيتوقف إنهاء الحرب في غزة خلال الأيام المقبلة في النهاية على مسألة مدى انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وتسلسل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ونزع سلاح "حماس" ودورها في مستقبل غزة.
هناك أيضاً جانباً آخر من مفاوضات السلام سيكون محفوفاً بالأخطار، ويتعلق بطبيعة قوة الأمن الدولية المقترحة لما بعد الحرب ومن سيشارك فيها، وخصوصاً بعدما أوضحت مصر ودول عربية أخرى أن مشاركتها مشروطة بالتزام إسرائيلي واضح بالسيادة الفلسطينية وعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وهو ما دعمته أيضاً المملكة العربية السعودية وقطر، وهما شرطان من المرجح أن يعارضهما أعضاء اليمين في ائتلاف نتنياهو.
وحتى في ظل الغموض الذي يحيط بمستقبل مفاوضات السلام، هناك أمل في أن يتيح أي إنهاء للقتال بشكل كامل هدنة ضرورية للغاية لشعب عانى معاناة مروعة على مدى العامين الماضيين، إذ ترفض الخطة التهجير القسري لسكان غزة وضم إسرائيل للقطاع، وتقبل بدور مستقبلي للسلطة الفلسطينية، وتقدم دعماً حذراً لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وكلها تحولات رئيسة في السياسة الأميركية.
كما أن نجاح خطة ترمب للسلام، التي تعتمد في غالبيتها على قدرة ترمب على ممارسة ضغوط قصوى على إسرائيل، ستقضي للمرة الأولى منذ 58 عاماً على سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة على القطاع.
إضافة إلى ذلك قد تفتح خطة ترمب وسط زخم الاعتراف العالمي الواسع بدولة فلسطينية الباب أمام وضع سياسي وأمني أفضل لغزة بما يمكنها من رسم مسار واضح لدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، كما يمكن أن يحدد مستقبلاً قدرة سكان غزة على التجارة مع دول العالم الأخرى من دون سيطرة إسرائيلية للمرة الأولى منذ عام 1967.