Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حركة الترجمة العربية "المزدهرة" لم تتجاوز أزماتها

النقل عن لغة وسيطة وعدم اعتماد الاحتراف الأكاديمي وغياب التخصص والسباق التجاري

الإحتفال العالمي بالترجمة في 30 سبتمبر (يونسكو)

ملخص

تحتفل منظمة يونسكو ومنظمة الأمم المتحدة في الثلاثين من سبتمبر (أيلول) من كل عام، ب"اليوم العالمي للترجمة"، الذي تعدانه واحداً من أهم "الأيام" الإحتفالية، فهو يجسد فرصة اللقاء بين الشعوب والحضارات من خلال التبادل الفكري والأدبي والمعرفي، ويمثل مساحة للتعارف الثقافي وتبادل الأفكار والتجارب الإنسانية من خلال حركة النقل المتبادل عبر اللغات.

ما برحت الكتب المترجمة إلى العربية تتوالى باستمرار في شتى الحقول، ويقبل المترجمون العرب على تعريب عيون النصوص الأجنبية الحديثة، متيحين أمام القارئ العربي فرصة الاطلاع على حركة الأدب العالمي المعاصر.

أسماء كثيرة لا تحصى انتقلت أعمالها إلى اللغة العربية، بعضها نقل وينقل عن اللغة الأم، وبعضها عن لغة وسيطة، وهذا الضرب من الترجمة عبر لغة وسيطة لا يزال العرب يرزحون تحته، فيما تخلصت أوروبا منه نهائياً، وكانت فرنسا حتى التسعينيات تنقل روايات يابانية أو صينية عن الإنجليزية إلى أن غدت هذه الترجمة مرفوضة علانية، ما خلا بعض الاستثناءات القليلة.

وفي العالم العربي لا تزال الترجمة عن لغة وسيطة رائجة، وهي تشكل فعلاً أحد المآزق التي تشهدها حركة الترجمة عربياً، ولا حل لهذا المأزق ما دام المترجمون أولاً والناشرون تالياً والقراء من بعدهم غير مبالين به، ولولا بعض المقالات النقدية المعترضة على هذه الترجمة لبدت أمراً طبيعياً جداً، وإن كان ممكناً نشر أعمال مترجمة عن لغة وسيطة في الصحف والمجلات كنماذج عابرة أو موقتة، فإن إصدار مثل هذه الأعمال في كتب هو ضرب من العبث واللاجدوى، وقد يكون مسموحاً إذاً نشر نصوص مترجمة عن لغة وسيطة في الصحافة اليومية، ولا سيما إذا رافقت مقالة عن شاعر ما أو قاص وروائي، أما أن تنشر مثل هذه الترجمات منفردة في كتب فهذا ما لا يمكن قبوله أو الأخذ به، وقد تكون الصحافة خير ملاذ لمثل هذه الترجمات العابرة، وقد يحتاجها القارئ اليومي بغية امتلاك فكرة عن الكاتب الذي يقرأ عنه، لكن هذه الترجمات غير مهيأة لأن تضمها كتب تحتل رفوف المكتبات، العامة والشخصية، وتصبح بمثابة مراجع يعاد إليها.

فضيحة اللغة الوسيطة

العمل العارض والموقت يستحيل عليه أن يصبح عملاً نهائياً أو مكرساً، وكم من ترجمات عن لغة وسيطة فضحتها وعرّتها ترجمات لاحقة انطلقت من اللغة الأم، لكن الميزة الوحيدة التي يمكن لحظها هنا هي أن مثل هذه الترجمات تملأ الفراغ ولو موقتا، وتسمح للقراء العرب أن يقرأوا نصوصاً لن يتمكنوا من قراءتها باللغة الأم ولا معربة عنها، ومسألة الترجمة عن لغة وسيطة ما برحت مثار سجال عربي لا نهاية له ما دامت هذه الترجمة قائمة، وما دام المترجمون العرب يقبلون عليها من غير هوادة، ومهما سعى بعضهم إلى تبريرها متجاهلاً الإشكال الكبير الذي تتركه وراءها، فهي تظل عرضة للشك وليس فقط للمساءلة النقدية، فانتقال النص من لغة إلى أخرى فأخرى يفقده روحه، ونص بلا روح هو نص عابر وغير قادر على البقاء.

غير أن مثل هذه الترجمات لا يمكنها أن تكون نهائية مهما بلغت متانتها وجماليتها، ومهما استقلت بنفسها كنصوص على هامش النصوص الأصلية، وهي ستظل، كترجمات، عرضة للتصويب أو النقد والمساءلة، أما كنصوص منفردة بذاتها فهي قد تنسب إلى أصحابها المترجمين، أكثر مما تنسب إلى أصحابها الأصليين .

قد يكون مسموحاً نشر نصوص مترجمة عن لغة وسيطة في الصحافة اليومية، ولا سيما إذا رافقت مقالة عن شاعر ما أو قاص وروائي، أما أن تنشر مثل هذه الترجمات منفردة في كتب، فهذا ما لا يمكن قبوله أو الأخذ به، وقد تكون الصحافة خير ملاذ لمثل هذه الترجمات العابرة، وقد يحتاجها القارئ اليومي بغية امتلاك فكرة عن الكاتب الذي يقرأ عنه، لكن هذه الترجمات غير مهيأة لأن تضمها كتب تحتل رفوف المكتبات، العامة والشخصية، وتصبح بمثابة مراجع يعاد لها.

والمعروف أن بعض الناشرين العرب يؤدون دوراً سيئاً في حقل لترجمة، فهؤلاء يلجأون دوماً إلى اقل الترجمات كلفة وينشرون الأعمال المترجمة من غير مراجعة أو تدقيق أو مقارنة بين الأصل والنص المترجم، فهمهم أن يصدروا الترجمات ولو عشوائياً بغية تحقيق سبق غير أدبي طبعاً، وكم من ترجمات يمكن وصفها بـ "البائسة" وليس بـ "الخائنة" فقط، وهي تحتاج إلى المنع حقاً لأنها تسيء إلى القارئ أولاً ثم إلى الكاتب ولغته الأم وإلى مهمة الترجمة، فكم من كتب مترجمة عمد المترجمون أو الناشرون إلى مراقبتها والحذف منها وإدخال بعض التغييرات في مفرداتها خوفاً من أن تمنع، والمادة التي تحذف تنتمي إلى الممنوعات أو المحرمات التي باتت معروفة جداً.

إحدى الفضائح التي لا تنسى في هذا القبيل هي حذف مقاطع وجمل من الترجمة العربية لكتاب "مقاطع من خطاب عاشق" للكاتب الفرنسي الكبير رولان بارت، وكانت حجة الناشر أن القراء العرب لا يحتملون الكلام عن الجنس، وهذا الكتاب البديع الذي ترجم إلى لغات عالمية كثيرة هو بحق من أجمل الكتب الصادرة في فرنسا خلال القرن الفائت، وهذه الأحداث تحصل دوماً في حقل الترجمة العربية، ولكن لا يمكن الانتباه إليها إلا عبر مراجعة النص الأصل أو المقارنة بينه وبين النص المترجم.

لقاء المترجمين

كلما جرى الاتفاق على ترجمة رواية للكاتب الألماني غونتر غراس إلى لغات عدة يلتقي مترجموه ويعقدون ما يشبه الندوة الصغيرة في حضوره، وخلالها يسألونه عن مفردات وتراكيب وأسماء علم وأماكن، وعن مشكلات تعترض عملهم ويناقشونه في أمور عدة، فهل يشارك مترجمو غونتر غراس إلى العربية في هذا اللقاء؟ لا أعتقد، فمثل هذه اللقاءات باتت رائجة جداً في أوروبا وأضحت جزءاً من حركة الترجمة نفسها ومن حركة النشر.

مدينة آرل الفرنسية تشهد مؤتمراً سنوياً حول الترجمة الأدبية تناقش فيه قضايا الترجمة على اختلافها، ناهيك عن الندوات واللقاءات التي تناقش باستمرار الكتب المترجمة، ويشارك فيها الكتاب والمترجمون وجمهور من القراء.

لعل ازدهار حركة الترجمة في العالم العربي وإقبال المترجمين والناشرين على إصدار كثير من الكتب المترجمة لا يعنيان أن الترجمة مزدهرة نوعاً ومادة، وأنها صناعة، بحسب تعبير الكاتب الإيطالي اومبرتو إيكو .

وعودة لظاهرة ازدهار حركة الترجمة في العالم العربي، فما تجب الإشارة إليه هنا هو النشاط الهائل القائم منذ فترة في هذا الحقل، فالأعمال المترجمة تتوالى في شتى الميادين، والمراكز المعنية بهذا العمل الخلاق والمعقد حاضرة بوضوح، والندوات حول الترجمة لا تحصى وكذلك الجوائز والمكافآت، ويمكن هنا التأسف على الشلل الذي أصاب ظاهراً لا يمكن الشك في ازدهار هذه الحركة عربياً.

المترجمون يعيشون حالاً من النشاط لم يعرفوها سابقاً، والدور تولي الكتب العالمية اهتماماً غير مألوف، وقبل بضعة أعوام دخل المال الثقافي مضمار الترجمة وانطلقت مشاريع كبيرة غايتها تعميم الكتب المترجمة وملء المكتبات العربية بها، وكان على مراكز عدة، كثيراً ما عانت الفقر أو الشح المالي، أن تنتعش وتعاود العمل وتصدر الكتب بغزارة، ولم تمض فترة قصيرة حتى فاضت الكتب المترجمة في كل الحقول: العلم والإعلام والأدب والفلسفة والتاريخ والتكنولوجيا وسواها، فتراكمت العناوين وبعضها لم يحظ بأي رواج نظراً إلى عدم توزيع الكتب وترويجها وإخراجها إلى الضوء.

نماذج رديئة

 قرأت مرة رواية يابانية في ترجمة عربية فأحصيت فيها بلا مبالغة نحو 150 خطأ لغوياً، ناهيك عن الأخطاء الطباعية، ولما سألت الناشر، وهو من الأصدقاء، عن رداءة هذه الترجمة التي تمت عن اليابانية، قال إنها هفوة ارتكبت ولولا الدعم الياباني لسحبها من السوق، وكان فعلاً قبل أشهر أتلف رواية مترجمة متحملاً الخسارة، بعدما بلغته ملاحظات نقدية غير قليلة من أصدقاء له.

وقرأت أيضاً ترجمة لرواية مهمة عن اللغة الدنماركية فاحصيت فيها ما يقارب 300 خطأ لغوي وطباعي، وبدا أن المترجم يجيد الدنماركية ويجهل قواعد العربية، ووعدت دار النشر بسحبها من السوق ولم تفعل، ومرة قرأت كتاباً مترجماً عن أفلاطون فشعرت بغضب شديد، إذ بدا بوضوح أن الترجمة جرت عبر "غوغل".

هذه الظاهرة التي تسيء إلى حركة الترجمة في العالم العربي ليست مقتصرة على كتاب أو كتابين وثلاثة، بل هي تشمل نتاجاً بات غزيراً في شتى الحقول، بعدما راجت مراكز الترجمة ومبادرات الدعم الأجنبية والنشر المشترك، ولو شرعت جماعة من النقاد في مراقبة الكتب المترجمة عن كثب لرصدت من الأخطاء ما يكفل إحداث فضائح، ومثل هذا الاتهام لا يطاول كل المترجمين العرب ولا كل الكتب المترجمة إلى العربية ولا كل الدور والمراكز، فبعض المترجمين والناشرين أيضاً يستحقون فعلا التحية والتكريم، نظراً إلى رقي عملهم في حقل الترجمة ورفعتهم العلمية ودقتهم في النقل والتعريب، وفهم النصوص وحسن تأويلها، وبعض الترجمات يمكن أن تعد من الأعمال الإبداعية بلا تردد، وهي تعيد للذاكرة عصر ازدهار الترجمة الحديثة على يد مترجمين كبار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا يقدم على الترجمة شخص لا يجيد العربية كما يجب؟ ولماذا أيضاً يقبل على الترجمة شخص لا يجيد تماماً اللغة الأجنبية التي يترجم عنها؟ فامتلاك لغة لا يعني فقط أن يتقن صاحبها القراءة فيها أو الكتابة، فهذه الإجادة لا تكفي من يسمي نفسه مترجماً إذا لم أكن أملك ضوابط اللغتين، الأولى التي أترجم عنها والأخرى التي أترجم إليها، فماذا تراني أفعل؟ والضوابط هنا هي أولاً قواعد اللغتين صرفاً ونحواً، ثم القدرة على التأويل ثم على السبك والصوغ، ففعل الترجمة يوازي فعل الكتابة نفسه إبداعاً ومراساً، ولعله أصعب منالاً، بصفته فعلاً مزدوجاً، فالمترجم يكتب أولاً بقلم الآخر الذي هو الكاتب الأول، صاحب النص، ثم يكتب بقلمه هو ما سنح له النص أن يكتب.

معايير الترجمة كتب عنها أكثر مما يتوقع، وشروط الترجمة أيضاً كتب عنها، ومفاهيم الترجمة وتقنياتها، أما نظرياً فأقرأ حتى الشطط، لكن ما يهم هنا هو سؤال الترجمة العربية، وهو سؤال تخرج منه أسئلة، هل بلغت حركة الترجمة العربية شأوها إبداعاً وازدهاراً؟ هل حققت ما ترومه الترجمة بذاتها؟ هل أضحى القارئ والكاتب والباحث، ولا سيما الأكاديمي، قادراً على أن يستغني عن الأصل ومكتفياً بقرينه العربي؟

آفات حركة الترجمة العربية لا تحصى، عدم التخصص في الترجمة آفة، عدم امتلاك اللغات امتلاكاً رصيناً آفة، عدم الأمانة على النص الأصل وخيانته خيانة قصوى آفة أيضاً، وأذكر هنا كيف يحذف بعض المترجمين مقاطع يشعرون أنهم عاجزون عن ترجمتها بلا وجل ولا حذر، أو كيف يختزلون جملاً اختزالاً عشوائياً ويختارون مفردات في غير محلها، ويرتكبون أخطاء المعاني المغلوطة، وهلم جرا.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة