Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جاك لانغ يكشف المخزون التاريخي والحضاري للغة العربية

يعتبرها في كتابه الجديد فرصة لفرنسا والغرب لأنها جسر عريق بين الثقافات

وزير الثقافة الفرنسي الأسبق جاك لانغ (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

 يواصل وزير الثقافة السابق في فرنسا ورئيس "معهد العالم العربي" حالياً، جاك لانغ، دفاعه عن اللغة العربية بوصفها لغة عالمية، شأنها شأن الإنجليزية والإسبانية والصينية والفرنسية، وهو ما يتضح في كتابه "اللغة العربية فرصة لفرنسا" الصادر حديثاً في باريس عن منشورات "غاليمار" والمزيّن برسوم لزينة أبي راشد (2025).

يشدد جاك لانغ على إن إتقان العربية ليس انفتاحاً على العالم وحسب، بل هو فرصة تتيح للمتحدثين بهذه اللغة الحية والعالمية في آن الإلمام بكثير من المعارف والثقافة والتاريخ، من خلال اكتشاف حضارة عريقة تمتد لآلاف السنين، ومن قراءة كبار الشعراء والعلماء والتفاعل مع الفلاسفة، لا سيما وأن لغة الضاد لعبت دور الجسر الذي مكن أوروبا من القيام بنهضتها، بفضل الترجمات العربية التي نقلت إلى الغرب الفلسفة والعلوم الإغريقية والإبداعات الفكرية والعلمية للحضارة  العربية الإسلامية.

وكما هو الحال مع اللغات الأخرى فإن تعلم العربية التي تحتل المرتبة الخامسة بين اللغات الأكثر تحدثاً في العالم، والمدرجة كلغة رسمية في الأمم المتحدة، والتي تحتل المرتبة الثالثة بعد الإنجليزية والإيطالية من حيث عدد الكلمات الفرنسية المشتقة منها، يجعل من الفرنسيين أكثر وعياً بلغتهم وإرثهم الثقافي وهويتهم الجماعية، وهذا ما سبق أن بينه العالم اللغوي جان بروفو في كتابه "أجدانا العرب: ما تدين به الفرنسية للغة العربية"، حين تحدث عن أهمية هذه اللغة بالنسبة إلى الفرنسيين، دارساً كيفية انتقال مفرداتها إلى الفرنسية أيام الحروب الصليبية والفتوحات العربية والتبادلات التجارية في حوض البحر الأبيض المتوسط.

هذا هو الرابط مع اللغة العربية الذي ينبغي، بحسب لانغ، استعادته في فرنسا بعيداً من السجالات الأيديولوجية العقيمة والرهانات التربوية والاجتماعية والسياسية المرتبطة بهذه المسألة، فالكتاب عبارة عن دعوة صريحة إلى فتح صفحة جديدة مع اللغة العربية عبر إعادتها للمكان الذي لم يكن ينبغي لها أن تغيب عنه يوماً، أي المدارس والمكتبات والحوارات اليومية، ولا سيما المدرسة الرسمية الفرنسية.

موقع العربية في فرنسا

ويشار في هذا السياق إلى أن هذا الكتاب هو الثاني الذي يخصصه جاك لانغ للغة العربية بوصفها لغة مهمة في فرنسا بعد إصداره عام 2020 كتاباً بعنوان "اللغة العربية كنز من كنوز فرنسا"، والذي أبرز فيه أن لغة الضاد عامل انفتاح ثقافي واقتصادي، مسلطاً الضوء على ثرائها وتأثيرها في لغات أخرى، ومشدداً على أهميتها في عالم معولم، حيث يشكل إتقان لغات عدة ميزة حقيقية لا تقدر بثمن.

يتابع الكتاب الجديد إذاً الحملة الدفاعية عن اللغة العربية التي لا تزال تثير الجدل في فرنسا بوصفها لغة دين وهجرة، والتي تدرّس بصورة غير كافية وواقعة في قلب سجالات تشوه صورتها، ويبدو أن لانغ أخذ على عاتقه التصدي لكمّ من الأحكام المسبقة التي تطاولها، داعياً إلى اكتشاف تاريخها المدهش وغناها الثقافي الذي دخل فرنسا منذ قرون حتى صار اليوم جزءاً من تراثها الثقافي الذي غفل عنه كثيرون.

وعلى تتالي صفحات الكتاب الـ 48 يعود لانغ لتاريخ العربية في فرنسا منذ القرن الـ 16 حين كانت تدرس بإرادة الملك فرنسوا الأول في الكلية الفرنسية، إضافة إلى الفرنسية واللاتينية واليونانية القديمة، مشدداً على أنها تحمل في طياتها قوة روحية وشعرية نابعة من تاريخها العريق الممتد على آلاف السنين، وإذ يذكر قرّاءه أن اللغة العربية هي لغة العرب والمسلمين فهو لا ينسى أن يقول لهم أيضاً إنها لغة المسيحيين واليهود، وأنها لغة حضارة أغنتها شعوب سكنت مناطقها المختلفة فتفاعلت مع ثقافاتهم وحضاراتهم عبر العصور.

ويتوقف الكتاب كذلك أمام كثير من ألفاظ اللغة العربية وعلومها مثل الجبر والهندسة والخوارزميات واستعمال الصفر والطب والفلسفة والآداب، ولا سيما كتاب "ألف ليلة وليلة"، وأمام الترجمات التي شهدت على عمق العلاقات بين فرنسا والعرب منذ العصور الوسطى، وأمام تنوع الفكر العربي المعاصر، مستشهداً بكتابات أمين معلوف وغيره من العرب الحاملين للجنسية الفرنسية، فاللغة العربية بحسب جاك لانغ "تنتمي كلياً إلى العالم المعاصر"، ويتحدث بها علماء وباحثون وصحافيون وكتّاب وشعراء وفنانون ومغنون، "لأنها تعبر عن التحديات الثقافية والاقتصادية والجيوسياسية لعصرنا، وتسهم في خلق العالم العربي الجديد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلاصة القول أن كتاب جاك لانغ نداء لتقدير أعمق للغة العربية في فرنسا وضرورة النظر إليها كمصدر للغنى الثقافي والاقتصادي، ولو أضعفت مكانتها حركات وأيديولوجيات تتلون بالدين جعلتها تحتل المرتبة الأخيرة من حيث انتشار تعليمها في فرنسا، فلا يُسجل في صفوفها في المدارس الابتدائية سوى تلميذ واحد من بين كل 1000، وفي المرحلة المتوسطة اثنان من كل 1000، على رغم تزايد الطلب عليها باستمرار، ليس فقط من قبل أبناء المهاجرين من أصل مغاربي أو مشرقي.

 يأسف جاك لانغ للواقع الذي آل إليه تعليم العربية في فرنسا فيقول إن "الاعتراف بالعربية كلغة مرموقة متوقف تماماً في المجتمع الفرنسي اليوم، وقد غطته صورة أخرى مشوهة ومهينة"، إذ تحولت هذه اللغة رغماً عنها إلى موضوع تصورات متضاربة، فبعضهم يعتبرها لغة منبوذة معزولة من تجار الخوف والكراهية الذين يكررون رؤيتهم الضيقة لما يجب أن تكون عليه فرنسا، وبالنسبة إلى آخرين أصبحت وسيلة للقطيعة، علماً أن اللغة العربية ليست حكراً على رجال دين متزمتين ولا على الفرنسيين من أصل عربي، فهي ملك لجميع المواطنين ولكل الأجيال التواقة إلى المعرفة والتي تحتاج إلى التعرف على الميراث الضخم المكتوب والمترجم إلى اللغة العربية.

وفي هذا السياق يشير لانغ إلى اختبار الكفاءة في اللغة العربية (CIMA) الذي أطلقه "معهد العالم العربي" عام 2019، إذ لم تكن اللغة العربية تتمتع بشهادة دولية لإتقانها على غرار "توفل" في الإنجليزية، وهذه الشهادة تسمح بتقييم مستوى اكتساب اللغة مما يساعد في تبوؤها المقعد المهم الذي يليق بها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة