ملخص
رغم إجراء الرئيسين ترمب والسيسي اتصالين في فبراير وأبريل، فإن اللقاء المباشر بينهما ظل منتظراً بالنظر إلى ما كانت عليه علاقاتهما في الولاية الأولى لترمب. فكيف تحوّلت العلاقة بينهما من الولاية الأولى إلى الثانية؟
منذ صعود دونالد ترمب على قمة السياسة الأميركية، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة موعداً ثابتاً للقاء يجمعه بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ولم يمنع ذلك اللقاء السنوي خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي سوى جائحة كورونا عام 2020، التي أجبرت الأمم المتحدة على تقليص الحضور، والاكتفاء بعقد الجمعية العامة افتراضياً.
لكن، يبدو أن ما اجتاح علاقة الزعيمين المصري والأميركي هذا العام كان أقوى، وفق خبراء ومراقبين فسروا غياب الرئيس السيسي عن نيويورك هذا العام، وعدم لقائه ترمب، بأنه دليل إضافي على أن مياهاً كثيرة جرت في نهر علاقات الرئيسين الأميركي والمصري، وكان الحجر الذي عكر تلك المياه هو الموقف تجاه غزة، تحديداً دعوات ترمب لتهجير الفلسطينيين.
دفء الولاية الأولى
وشهدت الولاية الأولى لترمب دفئاً في علاقة رأسي السلطة في القاهرة وواشنطن لم تعهدها البلدان في إدارات سابقة، إذ التقى الرئيسان ثماني مرات، إحداها كانت قبل أسابيع من الانتخابات التي فاز بها ترمب على هيلاري كلينتون عام 2016، وذلك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأجرى السيسي زيارتين رسميتين إلى واشنطن في أبريل (نيسان) 2017 و2019، والتقى ترمب على هامش فعاليات الأمم المتحدة ثلاثة أعوام متتالية في سبتمبر (أيلول) 2017 و2018 و2019، يضاف إلى ذلك لقاء على هامش القمة العربية الإسلامية الأميركية في الرياض عام 2017، وقمة مجموعة دول السبع في فرنسا 2019.
وكرر ترمب خلال مناسبات عدة في ولايته الأولى أنه صديق وحليف كبير لمصر. وصرح خلال لقاء مع السيسي أثناء حملته الانتخابية الأولى بأنه "يشعر بكيمياء" تجمعه مع الرئيس المصري.
وفي عام 2019، توسطت الإدارة الأميركية في ملف "سد النهضة" الإثيوبي، برعاية محادثات مكثفة بين الطرفين كادت تسفر عن اتفاق لولا انسحاب إثيوبيا خلال اللحظات الأخيرة منه، مما أغضب ترمب فأعلن قطع 100 مليون دولار من المساعدات الأميركية لإثيوبيا. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020 صرح ترمب بأن فشل المسار التفاوضي قد يدفع القاهرة إلى "تدمير السد".
علاقات القاهرة وواشنطن التي وصفها ترمب عام 2019 بأنها "لم تكن جيدة كما هي في ذلك الوقت"، لم تشهد كثيراً من التواصل الرئاسي وجهاً لوجه في عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذي قام بزيارة واحدة إلى شرم الشيخ، لحضور مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، فيما لم يزر السيسي واشنطن.
وكانت الآمال معلقة على عودة ترمب لاستعادة العلاقات المتينة في ولايته الأولى، فعقب الإعلان عن فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 كان الرئيس المصري أول زعيم عربي يهنئ ترمب. ومع ظهور النتائج الأولية للانتخابات كتب السيسي على صفحته في "فيسبوك" مهنئاً ترمب، معرباً عن تطلعه للوصول لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي. وبعد ذلك بساعات أجرى السيسي اتصالاً بالرئيس الأميركي المنتخب آنذاك أكد خلاله التطلع إلى استمرار العمل معه خلال ولايته الجديدة، في ضوء "التعاون المميز بين الجانبين الذي شهدته فترة ولايته الأولى".
ووفق تصريحات للرئيس السيسي في ديسمبر (كانون الأول) 2024، فإن التواصل مع الإدارة الجديدة بدأ حتى قبل تنصيب ترمب، إذ أكد وجود تواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة. مشيراً إلى وجود حجم من الثقة المتبادلة بين الجانبين، وأن الرأي المصري يحظى بتقدير وقبول من قبل الجانب الأميركي.
وحمل حديث الرئيس المصري خلال لقائه مع عدد من الإعلاميين أن العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة تعرضت لاختبارات كثيرة على مدار الـ40 عاماً الماضية، وأثبتت التجارب أنها علاقات صامدة وقوية وقادرة. لافتاً إلى أن التجارب أثبتت أيضاً حاجة الولايات المتحدة إلى استمرار العلاقات الاستراتيجية مع مصر وثباتها.
"العلاقة اختلفت"
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، حملت أول أيام ولاية ترمب الثانية بوادر عودة الدفء بين البيت الأبيض وقصر الاتحادية، حيث استثنت واشنطن مصر إلى جانب إسرائيل من قرار تجميد المساعدات الخارجية، لكن تصريحات ترمب بعد خمسة أيام فقط من تنصيبه في شأن "تطهير" قطاع غزة من سكانه تمهيداً لإعادة إعماره، موضحاً أن انتقال الغزاويين سيكون "لفترة موقتة أو طويلة"، أعادت خلط الأوراق.
دعوات التهجير ثم الاستقبال العاصف للعاهل الأردني عبدالله الثاني، دفعا الرئيس المصري إلى تأجيل زيارة كانت مجدولة إلى واشنطن لأجل غير مسمى، وفق ما نقلته وكالة "رويترز" في فبراير (شباط) الماضي، وذلك بعد "دعوة مفتوحة" لزيارة البيت الأبيض وجهها ترمب للسيسي في اتصالهما في الأول من فبراير.
وعلى رغم إجراء الرئيسين اتصالين في فبراير وأبريل، فإن اللقاء المباشر ظل منتظراً بالنظر لما كانت عليه علاقاتهما في الولاية الأولى لترمب، وكان لافتاً عدم تلبية السيسي دعوة المشاركة في قمة تجمع ترمب مع قادة ثماني دول عربية وإسلامية، لبحث الأوضاع في غزة، التي أناب فيها عنه رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي.
وعن تلك العلاقة وتحولاتها يقول المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية حازم الغبرا، "علاقة السيسي بترمب اختلفت عما كانت عليه في الولاية الأولى، وهناك الآن مشكلة بين الزعيمين تفاقمت، بسبب طرح النقل الموقت للفلسطينيين من غزة، ريثما تتم إعادة الإعمار"، بحسب تعبيره. وهو ما أدى إلى "تأزم كبير في علاقات البلدين".
وأضاف الغبرا، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "هناك حاجة إلى حوار أفضل بين البلدين، وتغيير اللهجة الدبلوماسية المصرية". مشيراً إلى أن تصريحات وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي "تسهم في تأزيم الأمور لا حلها"، وفق قوله.
وكرر ترمب في عدة مناسبات دعمه إخراج الفلسطينيين من أراضيهم، في رؤية لإنشاء ما يسمى "ريفييرا غزة" تشمل منتجعات سياحية واستثمارات عقارية. وفي الأيام الأولى لترمب زعم أن "السيسي سيساعدنا" في تنفيذ مخططه للقطاع، لكن القاهرة نفت على لسان مصدر رفيع المستوى إجراء محادثة بين الرئيسين في ذلك الوقت.
وظل الموقف المصري ثابتاً حتى الآن بتأكيد رفض التهجير القسري، فيما وصف وزير الخارجية المصري حديث إسرائيل عن هجرة الفلسطينيين طوعاً بأنه "هراء"، إلا أن الخطاب المصري حافظ على "مسافة آمنة" من الولايات المتحدة، على رغم تصعيد اللهجة الدبلوماسية تجاه إسرائيل.
الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية والعلاقات المدنية العسكرية والدراسات الإسرائيلية في جامعة مريلاند مروة مزيد، قالت لـ"اندبندنت عربية"، إن تجنب لقاء مباشر بين الرئيسين السيسي وترمب "ربما يكون ذكاء أو حكمة من جانب مصر"، لتجنب "مفاجآت ترمب"، بعد ما حدث في لقاء الرئيس الأميركي مع ملك الأردن ثم الرئيس الأوكراني، اللذين حملا إحراجاً لزوار البيت الأبيض، وهو ما بدا أنه نسق متعمد من جانب ترمب سيواصل القيام به.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قنوات أخرى للتواصل
واستدركت مزيد، أن هذا لا يعني التقليل من علاقات مصر والولايات المتحدة، التي لا تزال قوية وتتمتع بصفة الاستراتيجية ولها بعد تاريخي. موضحة أن هناك قنوات أخرى قائمة للتواصل بخلاف اللقاءات الرئاسية. موضحة أن القاهرة أوصلت موقفها بوضوح للجانب الأميركي في شأن رفض تهجير الفلسطينيين، وعلى الجانب الآخر لا تضغط واشنطن بصورة فجة على مصر في هذا الملف، أو بمعنى آخر تضع في حسبانها الموقف المصري.
وترى مزيد أن واشنطن تدرك أن القاهرة لن تعمل لحساب إسرائيل والولايات المتحدة في ملف التهجير، بالتالي هناك فهم مصري - أميركي مشترك لموقف كل منهما، بالتالي لا يوجد "عقاب" أميركي لمصر، أو ضريبة تدفعها مصر نتيجة مواقفها، أو ما يمكن وصفة بتجنب السيسي لقاء ترمب.
الرفض المصري القاطع لتهجير الفلسطينيين دفع إسرائيل إلى الحديث عن إخراجهم من غزة "جواً وبحراً"، حيث أشارت مزيد إلى تقارير إعلامية إسرائيلية عن مناقشة الكابينيت ملف التهجير مع استبعاد الخيار البري، مما يعني أن مصر "لن تكون طرفاً فيه"، كما رجحت أن تشارك مصر في القوات العربية بغزة التي دعا إليها ترمب، "كي تسهم بصورة فعلية على الأرض في وقف الأسباب المؤدية إلى التهجير".
كذلك، أشار مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير رخا أحمد حسن، إلى أن اللقاءات الرئاسية على وجه العموم إن لم يكن مخططاً لها أن تخرج بنتائج إيجابية فمن الأفضل ألا تعقد، مؤكداً أن ملف غزة طغى على العلاقات المصرية - الأميركية في ولاية ترمب الحالية.
وأضاف حسن، لـ"اندبندنت عربية"، على رغم تقديم ترمب خطة تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وإعلانه رفض ضم الضفة، فإن خطته التي كشف عنها الإعلام تضم نقل السكان لمكان آمن خلال عملية إعادة الإعمار، ومع عدم وجود مكان لم تطله الدمار في القطاع، فإن احتمالات بروز شبح التهجير قائمة، بالتالي يعد ما قدمته واشنطن "التفافاً" حول المطالب العربية بوقف الحرب، بهدف تخفيف الضغط الدولي عن إسرائيل.
وعلى رغم غيابه عن قمة الثلاثاء الماضي، حرص الرئيس المصري على تأكيد "تقديره" جهود ترمب من أجل وقف الحرب في غزة"، واصفاً الاجتماع بأنه "أساس يمكن البناء عليه لتحقيق السلام"، وذلك في تدوينة على صفحاته بمواقع التواصل. وتلا ذلك إعلانه الترحيب بمبادرة ترمب لوقف إطلاق النار في غزة والتطلع إلى تنفيذها قريباً.
ولم تعلن الولايات المتحدة رسمياً عن خطتها لوقف الحرب في غزة، لكن بيان للرئاسة المصرية نقل عن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، الذي حضر الاجتماع، أن الولايات المتحدة لديها خطة لوقف الحرب، و"أن الرئيس ترمب أكد كذلك إمكانية تنفيذ خطة لإعادة إعمار القطاع "من دون تهجير أهله".
يعتقد المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة موري ستايت الأميركية إحسان الخطيب، أن الولايات المتحدة تدرك الموقف المصري "لذلك لم تستمر في الضغط عليها باتجاه التهجير، إنما عرضت حوافز مالية في عهد بايدن ولم تستجب القاهرة"، وفق الخطيب.
وأضاف الخطيب، لـ"اندبندنت عربية"، أن ثبات الموقف المصري الرافض التهجير والداعي لوقف الحرب يقابله تخبط وتبعية تامة من جانب الولايات المتحدة لحكومة نتنياهو، لذلك لم يكن هناك داعٍ للقاء بين الرئيسين السيسي وترمب، بل ربما كان من الممكن أن يؤدي اللقاء إلى مزيد من تأزيم العلاقات، لذلك كان "من الحكمة أن يتفادى السيسي لقاء ترمب".
وأشار إلى أن إدارة ترمب مستاءة من موقف مصر في شأن غزة، وتفاجأت من صلابة وعدم تغير الرفض المصري للتهجير، لكن مع مرور الوقت ثبت أن الدول العربية والعالم يتبنى نفس الموقف، بالتالي مصر لم تعد وحدها، بل أصبحت أميركا معزولة مع دعمها لإسرائيل "المنبوذة" بحسب تعبيره.
كان الرئيس المصري قد أكد، الجمعة الماضي، أن الرئيس الأميركي يستطيع إيقاف الحرب في غزة، وإنهاء هذه الأزمة، ورحب بمبادرته لوقف الحرب وأعرب عن تطلعه إلى تنفيذها في أقرب وقت ممكن.