Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بطل دان براون في "سر الأسرار" يعيش مغامرات معقدة في براغ

رواية التشويق والأحاجي الباطنية صدرت في 16 لغة وتجاوزت المليون ونيفاً في أميركا

داون براون الظاهرة الروائية العالمية (أ ب)

ملخص

بعد أعوام على صدور روايته الأخيرة، يعود اسم دان براون (مواليد عام 1964) إلى الواجهة مع نشره رواية جديدة بعنوان "سر الأسرار"، صدرت خلال التاسع من سبتمبر (أيلول) 2025، عن دار نشر "دابلداي" في الولايات المتحدة، ودار"ترانسورلد" التابعة لـ"بنغوين راندوم هاوس" في إنجلترا.

 دان براون هو الروائي الأميركي صاحب" شيفرة دافنشي" وحبكتها المعقدة حول الذرية المفترضة للمسيح، ولوحة الموناليزا، والماسونية التي جذبت ملايين القراء وباعت أكثر من 90 مليون نسخة مترجمة إلى 56 لغة وأصبحت فيلماً سينمائياً.

صدرت الرواية تزامناً في 16 لغة حول العالم داخل أميركا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا مع طباعة أولية بلغت مليوناً ونصف المليون نسخة داخل الولايات المتحدة و500 ألف نسخة في فرنسا (عن دار جان كلود لاتيس بترجمة فرنسية لدومينيك ديفير وكارول ديلبورت)، وفق ما أعلن ناشرها الأميركي.

في هذه الرواية ينقل براون بطله روبرت لانغدون إلى براغ، حيث المغامرات والمطاردات البوليسية المثيرة والتأملات في الوعي الإنساني وعلم الأعصاب والأساطير المتشابكة على نحو وثيق مع العصور القديمة والوسطى.

 الرواية ككل روايات براون ذات طابع باطني تشويقي، تسرد على ما يقارب 700 صفحة بالإنجليزية و640 صفحة بالفرنسية، مغامرات بطله المفضل الأستاذ في جامعة هارفرد المتخصص في الرموزية ودلالاتها. إنها على ما يقول بروان نفسه أكثر رواياته تعقيداً وطموحاً وإمتاعاً، وهي بحسب ناشره، بحث متفجر عن طبيعة الوعي الإنساني قد يشقلب قروناً من المعتقدات الراسخة. إنها السادسة في السلسلة الروائية المخصصة لمغامرات عالم الرموز روبرت لانغدون وتدور حول "النويطيقا" أو علم الفكر والوعي، وهو فرع من الفلسفة الميتافيزيقية وفلسفة العقل التي تدرس قدرات الإنسان المعرفية.

 

 

 تبدأ الرواية بوصول الأستاذ لانغدون إلى براغ في عز الشتاء، برفقة صديقته وحبيبته العالمة كاثرين سولومون الأكبر منه سناً بقليل، والمتخصصة في علم النويطيقا والتي تدرس الظواهر الخارقة مثل الإدراك الحسي الفائق، ودُعيت لإلقاء محاضرة داخل قاعة في قلعة براغ، أكبر قلاع العالم.

الوعي الإنساني

كاثرين باحثة على وشك نشر مؤلف ثوري حول طبيعة الوعي الإنساني، تدافع فيه عن أطروحة مفادها أن الوعي ليس متمركزاً في الدماغ، بل إنه موجود بصورة مستقلة حولنا، أشبه ما يكون بخدمة "السحابة الإلكترونية"، "الكلاود"، وأن أدمغتنا ليست سوى مستقبلات، تماماً مثل أجهزة الراديو التي تلتقط وعياً كونياً يطفو من حولنا. وهذا، بحسب الرواية، ما يفسر تجارب الخروج من الجسد عند الاقتراب من الموت، أو ظاهرة أشخاص يستيقظون فجأة بعد حادثة ليجدوا أنفسهم يتكلمون لغة أخرى. لكن مضمون هذه الأبحاث لا يروق للجميع، إذ يسعى بعضهم إلى منع نشرها.

ومن هنا نفهم جريمة القتل الوحشية التي ستقلب مجرى الأحداث رأساً على عقب، إذ تختفي كاثرين وتسرق مخطوطة كتابها من برنامج مخدم الملفات في حاسوب دار النشر المخترق على يد "غولم"، العملاق الأسطوري الذي خلق في الغيتو اليهودي على يد أحد حاخامات براغ خلال القرن الـ16. و"الغولم" يصور عادة على هيئة مخلوق بشري طيني، يحيى من قبل رجال الدين بواسطة حروف عبرية مقدسة وفقاً لمرويات تقليدية. ومثل عبر العصور في الثقافة اليهودية الأشكنازية رمزاً لعدد من المعاني مثل الحماية من الاضطهاد والعزلة والأمل واليأس. وورد ذكره في التلمود، إذ قيل إن آدم خلق بداية كغولم قبل أن تبث فيه الروح.

 بعد الجريمة البشعة التي طاولت سولومون حبيبة لانغدون وصديقته، تبدأ مطاردة محمومة عبر أزقة براغ وأسرار متاهاتها، إذ يجد البروفيسور نفسه ملاحقاً من قبل هذا الكائن الغامض في شوارع المدينة وجسورها المغطاة بالثلج، صائراً هدفاً لمنظمة سرية دولية تحمل اسم "Q" تسعى إلى مشروع قد يغير إلى الأبد مفهومنا عن العقل والوعي البشري. وستكون هناك جرائم قتل أخرى وإطلاق نار، مما يجند الاستخبارات التشيكية والسفارة الأميركية وهذه المنظمة السرية ومختبراتها المقامة تحت الأرض.

 

 

نتعرف على ساشا فيسنا المساعدة المخبرية، الروسية الأصل، لعالمة الأعصاب بريغيتا غيسنر التي تتعاون في السر مع إيفرت فينش، العقل المدبر وراء منشأة سرية للغاية في براغ، وعلى مايكل هاريس، الملحق القانوني بالسفارة الأميركية لدى براغ، والذي سيلقى حتفه على يد الغولم، وعلى المحرر في دار نشر "بنغوين راندوم هاوس" يوناس فوكمان، والذي يشرف على إصدار مخطوطة كاثرين سولومون، وعلى السفيرة الأميركية لدى جمهورية التشيك هايدي ناغل، والعميل الميداني لوكالة الاستخبارات الأميركية المركزية هاوسمور، وغيرهم من الشخصيات الثانوية.

ردود وقراءات

لكن هذه الحبكة الروائية سرعان ما استدعت ردوداً وقراءات نقدية رأت أن براون يسوق لعلوم زائفة وأن ضحايا روايته التشويقية التي تجري أحداثها في براغ، العاصمة التشيكية، إنما هي فيزياء الكم وعلوم الأعصاب ومدينة براغ نفسها. فبراغ التي تعد قبلة السياحة العالمية، والتي ابتليت بـ"ديزنلاندية" مركزها التاريخي واحتفالات توديع العزوبية الصاخبة، تجد نفسها اليوم بالنسبة إلى بعض المعلقين والنقاد مثقلة بآفة أخرى من آفات العصر: رواية جديدة لدان براون. فبعد باريس وروما وفلورنسا وبرشلونة، ها هي براغ، المدينة الساحرة، تصبح مسرح أحداث رواية مطاردات متسارعة تتخللها ألغاز باطنية يجب حلها وشيفرات ينبغي تفكيكها، كما في "شيفرة دافنشي" وحبكتها المستندة إلى المسيحية، أو كما في رواية "الأصل" التي تناولت مسألة أصول وبدايات الإنسانية.

لكن ما قيمة هذه الرواية من الناحية العلمية؟ لا بد من الإشارة بداية إلى أن الحبكة الروائية مشوقة والفصول قصيرة جداً وسهلة القراءة، تتنقل من شخصية إلى أخرى بسهولة، وهي مطعمة بعناصر ميتافيزيقية ومجموعة ألغاز كتلك التي عودنا عليها براون في كل رواياته، فضلاً عن كم وافر من المعلومات التاريخية والمعرفية التي تضفي على السرد طابعاً موسوعياً جذاباً. فيها يروي براون مثلاً تاريخ بعض المباني القديمة داخل المدينة التي تتميز بعمارة متنوعة تعكس الأساليب الرومانسكية والقوطية وعصر النهضة والباروك منذ أن كانت عاصمة مملكة بوهيميا، ومقراً لعدد من الأباطرة الرومان، أو تاريخ المخطوط المسمى "كتاب الشيطان المقدس" الذي كتب في ليلة واحد ويعود إلى العصور الوسطى وتحديداً إلى القرن الـ13.

على رغم طابعها التشويقي وإيقاعها السريع وألغازها العديدة، تنطوي الرواية على كثير من الأخطاء المعرفية كأن يقدم براون مثلاً "النويطيقا" كعلم قائم بذاته، علماً أنها، كما سبق وأشرت، فرع من فروع الميتافيزيقا، أي إنها ليست علماً بالمعنى الدقيق للكلمة.

أما من حيث بنيتها الروائية، فإن براون وإن نجح في رسم ملامح أبطالها الرئيسين، أخفق في رسم شخصياتها الثانوية التي بقيت سطحية غير مكتملة الملامح والسمات، وفي كتابة حواراتها التي ظلت واهنة وقصيرة لا ترقى إلى عمق الحوارات التي تميز عيون الروايات الكبرى، وإن انطلقت بسلاسة. كما أننا لا نجد في متنها نفساً أدبياً يصف مدينة براغ بما يليق بها، إذ يقتصر الأمر على شذرات أشبه بما تلتقطه مقالات "ويكيبيديا"، حتى حين يتعلق الأمر بوصف كنيس براغ "القديم - الجديد" القابع في الحي اليهودي، وحجارته المنتزعة من هيكل أورشليم الذي دمره الرومان عام 70 للميلاد، والتي يقال إنها معدة لبناء الهيكل الثالث.

فلاش بلاك

 أشير كذلك إلى إفراط الروائي في استخدام تقنية "الفلاش باك"، الذي يفترض بها دفع مسار الرواية إلى الأمام، على نحو مزعج وربما مربك، حتى ليخيل للقارئ أنه أضاع خيطاً ما في الصفحات السابقة.

على رغم بعض هذه الهنات والهفوات والأخطاء، يتبدى دان براون كروائي يتقن فن المزج بين هالات القديسين، و"غولم" براغ، والتقمص والتأمل البوذيين، وتجارب الاقتراب من الموت، والنشوة الجنسية، ومشروع الشرائح الدماغية "نيورالينك" لإيلون ماسك، والفيزياء الكوانتية واللغات اليونانية واللاتينية والإنوخية وهي لغة مصطنعة غامضة يفترض أنها ملائكية، تمتلك أبجديتها الخاصة، اكتشفت في دفاتر ملاحظات العرافين والغنوصيين الإنجليز خلال القرن الـ16، وهي مستخدمة على نطاق واسع في السحر الإنوخي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على تتالي صفحات الرواية، يملأ دان بروان نصه إذاً بمجموعة من الأخبار الغريبة التي تدور مثلاً حول المخطوط البنديكتي الغامض "كتاب الشيطان المقدس"، وبرج إيفل المصغر الذي بني عام 1891، والتعبير الفرنسي "الموت الصغير" الذي يرمز إلى النشوة الجنسية والذي يكتسب في الرواية معنى آخر، إذ ترى كاثرين أن الموت والمتعة الجنسية لحظتان يتجاوز فيهما الدماغ البشري حدود الفرد ليلامس الوعي الكوني، مسوياً كذلك حساباته مع بعض منغصات الحياة الحديثة، كالذكاء الاصطناعي وألعاب الفيديو والإباحية التي تعطل القدرة على إقامة علاقة جنسية طبيعية، واستهزائه بشعار "ستاربكس" (حورية بحر مزدوجة الذيل)، إلخ.

باختصار، "سر الأسرار" هي رواية تمزج بين المطاردات المشوقة والألغاز الرمزية والمرجعيات التاريخية، ولو افتقرت إلى بعض العمق النفسي والجمالية الأدبية. لكنها عكست قبل كل شيء قدرة براون على تسويق "الخلطة" التي صنعت نجاحه: اللغز والتشويق والمؤامرة، والموضوعات الفلسفية والدينية وأدب الرحلات والرموز والألغاز والجمعيات السرية، مستكملاً الأسلوب الذي ميز رواياته السابقة ذات المبيعات المليونية.

بدأ دان براون، البالغ من العمر 61 سنة، يوم الثلاثاء الماضي في نيويورك حملته الترويجية للرواية والتي ستستمر شهراً كاملاً ستقوده إلى 12 بلداً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة