ملخص
إيران تعي أن تصنيع السلاح النووي يجعلها هدفاً يسيراً للآلة العسكرية الإسرائيلية والأميركية، بل إن النخبة الإيرانية تعي أنه ربما من الصعب على إيران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.
في خطابه بالدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان سلمية البرنامج النووي الإيراني وأن طهران لم تسع قط إلى صنع أسلحة نووية ولا امتلاكها، وأن هذه القناعة وفق اعتقاد ديني، وأن بلده لم ولن يسعى لذلك. الخطاب تلى مطالبة أكثر من 70 مشرعاً إيرانياً مجلس الأمن القومي بتغيير العقيدة النووية والدفاعية لإيران عبر تصنيع قنبلة نووية. لكن الأهم أن كلمة بزشكيان تزامنت مع عرض إيران وثائقياً يتحدث فيه وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل الخطيب عن حصول بلاده على وثائق ومعلومات مهمة وصفها بالكنز من داخل إسرائيل.
وفي ما يخص مطالبة المشرعين الإيرانيين علناً بتصنيع القنبلة النووية، فهو أمر لم يعد المجتمع الدولي يأخذه على محمل الجد. فإيران تعي أن تصنيع السلاح النووي يجعلها هدفاً يسيراً للآلة العسكرية الإسرائيلية والأميركية، بل إن النخبة الإيرانية تعي أنه ربما من الصعب على إيران الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، فإيران ليست موقعة على الاتفاق فحسب بل أيضاً البروتوكول الإضافي الذي يضع مزيداً من إجراءات الرقابة والتفتيش الزائدة على المنصوص عليها في المعاهدة، ومن ثم فإن إيران الموقعة طواعية على المعاهدة والبروتوكول تعي أن ليس من مصلحتها الانسحاب الذي سيجعل من أي هدف داخل إيران ومنشآتها النووية هدفاً مشروعاً للضربات الأميركية والإسرائيلية. قد تكون هناك سوابق للاستهداف الإسرائيلي لأهداف داخل إيران وكذلك الضربة الأميركية، لكن الانسحاب من المعاهدة سيمنحهما إطاراً مشروعاً للحديث عن التهديد الإيراني ونيات إيران للتسليح النووي، ومن ثم فالإبقاء أدخل إطار الشرعية الدولية عبر العلاقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومعاهدة الانتشار النووي، وهو ما قد يمنح إيران بعض الضمانات القانونية والسياسية.
لكن المسألة الأهم، خلال وقت يتحدث بزشكيان عن سلمية البرنامج النووي وعدم نية امتلاك سلاح نووي قام وزير الاستخبارات بالتصعيد ضد إسرائيل، في محاولة لإظهار التفوق الاستخباراتي الإيراني على إسرائيل عبر عملية تم من خلال الحصول على معلومات كاملة تتضمن أسماء ومواصفات وعناوين وعلاقات عمل 189 خبيراً نووياً وعسكرياً للنظام، إضافة إلى المشاريع المتعلقة بكل منهم، وعلى معلومات دقيقة حول مواقع عسكرية وعلمية حساسة ذات استخدام مزدوج، بعضها استهدف من قبل وحدات الصواريخ الإيرانية خلال حرب الأيام الـ12. وأكد الخطيب أن تلك المعلومات تكشف عن تعاون واشنطن وبعض الدول الأوروبية مع إسرائيل، إضافة إلى وثائق لمسؤولين داخل واشنطن وأعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي يمارسون نفوذاً على الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يعد وثائقي وزارة الاستخبارات الإيرانية كمطالبة المشرعين الإيرانيين بتصنيع السلاح النووي، فالبيان الاستخباراتي الإيراني يُفهم منه أن إيران تحاول بناء ردع في مواجهة أية خطوات مستقبلية من إسرائيل لمهاجمتها. فقد سبق ونشر خبر الحصول على معلومات استخباراتية خلال يونيو (حزيران) الماضي، لكن الهدف الآن من إعادة التركيز على هذه القضية هو دفع الأوروبيين واوشنطن ووكالة الطاقة الذرية لإظهار مرونة في ما يخص المسارات القادمة لحل الملف الإيراني، لا سيما أن الوفد الإيراني الذي يضم بزشكيان ووزير خارجيته عليه اتباع دبلوماسية مكثفة للحديث مع الأوروبيين ومدير وكالة الطاقة الذرية لمنع تطبيق "سناب باك" بصورة نهائية ولاستئناف المفاوضات، لكن وفقاً للشروط الإيرانية التي أولها رفض مبدأ التخصيب الصفري والاحتفاظ بحق التخصيب المحلي، والأمر الآخر أن تكون القدرات الصاروخية الإيرانية خطاً أحمر لا يدخل ضمن أية محادثات، وبخاصة أن إيران تعد أن أهم قدراتها الدفاعية خلال حربها مع إسرائيل هي الصواريخ التي لم تكن تمتلكها وقت حرب الأعوام الثمانية مع العراق.
المطالب الإيرانية ذاتها أكدها المرشد الإيراني خلال خطابه التلفزيوني بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد وأسبوع الدفاع المقدس، حين أوضح أن التفاوض مع الولايات المتحدة في ظل الوضع الراهن لن يحل أياً من مشكلات إيران، بل قد يسبب مزيداً من الضرر. واعتبر أن واشنطن لا تسعى إلى مفاوضات متكافئة، بل تسعى ببساطة إلى فرض أجندتها، وأن أي تنازل غير ضروري مع الغرب سيؤدي إلى سلسلة من المطالب المبالغ فيها من جانبه ضد إيران. النقطة الثانية هي تأكيده أهمية قضية التخصيب بالنسبة لإيران، وأن حق تخصيب اليورانيوم يعد مظهراً ملموساً للقوة الوطنية والوعي الوطني للأمة الإيرانية، وأن إصرار الغرب على ضرورة تعليق إيران تخصيب اليورانيوم يعني، إلى حد ما، إغلاق الصناعة النووية الإيرانية بالكامل واعتماد إيران على الدول الأجنبية لتلبية حاجاتها.
من هنا ستسعى إيران جاهدة لأن تمنع تطبيق العقوبات الأممية وتأكيد نفس مطالبها مع ستيف ويتكوف المبعوث الأميركي خلال المحادثات مع واشنطن، وهو التخصيب المحلي ولكن بنسب ضئيلة، مضافاً إلى تلك المطالب الابتعاد من تناول مسألة الصواريخ الإيرانية.
لا تخشى إيران تطبيق العقوبات الأممية لأسباب اقتصادية لأنها تعي أن إعادة فرضها لن يعني تأثيراً كبيراً بالنسبة لاقتصاد مأزوم منذ أربعة عقود، لكن المغزى هو البعد السياسي لفرض العقوبات والذي سيعني غلق أي أفق سياسي ودبلوماسي بين إيران والأوروبيين، وتعقيد المسارات بينهما. لا تزال إيران تعتمد على التواصل مع الأوروبيين ومؤسسات المجتمع الدولي كوكالة الطاقة الذرية، حتى تتفادى تصنيفها كدولة مارقة وتهديد للمجتمع الدولي وهدف سهل لإسرائيل وواشنطن. من جهة أخرى، ما زالت واشنطن تعلن عبر مسؤوليها استعدادها للمفاوضات مع إيران، والأوروبيون والأميركيون والإيرانيون يعون جيداً أن العودة للمفاوضات هي المسار الوحيد للمسألة الإيرانية.