Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشاهدة بلا تركيز... هل انتهى عصر التلفزيون الجاد؟

مع توالي عرض مسلسلات مثل "الرهينة" و"مياه باردة" و"الضيف" بفارق أسابيع قليلة فقط، هل بات تراجع قدرتنا على التركيز عاملاً يهدد بتقويض الدراما التلفزيونية الحديثة؟

سوران جونز في دور رئيسة وزراء تواجه صراعاً شخصياً في مسلسل "الرهينة" على شبكة نتفليكس (نتفليكس)

ملخص

ثقافة التصفح المستمر والمشاهدة الماراثونية تفرغ الدراما التلفزيونية من عمقها، وتحولها إلى محتوى سطحي سريع الاستهلاك، مدفوعاً بانتباه مشتت وحبكات مباشرة، في ظل تراجع الندرة وتزايد الاعتماد على نماذج سردية تفتقر إلى التشويق الحقيقي.

تفتتح الدراما الجديدة التي تعرضها قناة "آي تي في" ITV البريطانية "مياه باردة" Coldwater أحداثها بـ20 دقيقة ربما تعد من أكثر المشاهد الافتتاحية طرافة، وإن كان ذلك من غير قصد، في تاريخ الدراما الحديثة، وهي في الوقت نفسه كاشفة تماماً عن مناخ التلفزيون الراهن. فإلى أي حد يمكن تكرار الإشارة إلى أن جون، الشخصية التي يؤديها أندرو لينكولن، رجل مضطرب وضعيف وهش؟ يهرب من شجار عنيف في ساحة للعب بسرعة تجعله ينسى أحد أطفاله. إنه يعجز حتى عن الاقتراب من زوجته وممارسة العلاقة الحميمة، وتعرض للتنمر من رجل غريب في محطة وقود. ويقع تحت إرهاب جاره الجديد، ثم يجلس أمام طبيب نفسي لا ليكشف عن أعماقه، بل ليثبت هشاشته. الرسالة واضحة: إنه رجل مضطرب، ضعيف، هش! هل فهمتم ذلك؟ إذاً يمكننا المتابعة.

هذا النوع من التقديم المباشر، الفاقد لأي تدرج أو عمق، بات ظاهرة خطرة متنامية في الدراما التلفزيونية. ويمكن ملاحظته أيضاً في افتتاحية مسلسل الإثارة السياسي الذي تعرضه شبكة نتفليكس "الرهينة" Hostage، إذ نرى الوزيرة الطموحة أبيغيل دالتون (تجسدها سوران جونز) تتحاور مع زوجها أليكس (آشلي توماس) حول احتمال ترشحها للمنصب رئيس الوزراء.

لكن ثمة هاجس يطارد أبيغيل: ماذا لو جاء يوم تجبر فيه على الاختيار بين مصلحة أسرتها والقرار المهني الصائب؟ يرد زوجها أليكس مطمئناً: "إذا وضعت أمام خيار كهذا في أي وقت، ستتخذين القرار الصحيح".

ربما سمعتم عن مصطلح "بندقية تشيخوف" الذي يقضي بأن أي مسدس يظهر في المشهد الأول لا بد أن يطلق النار في الفصل الثاني أو الثالث، لكن ما نشهده هنا أقرب إلى "بندقية تشيخوف آلية": وابل من التلميحات المباشرة والوقحة التي تهدر أي إحساس بالتشويق، وتمنح المشاهد العذر المثالي للتحديق في هاتفه لـ10 دقائق، في انتظار اللحظة التي تبدأ فيها الإشارات الواضحة إلى خيانة أبيغيل لعائلتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المخرجة جوستين بيتمان، في حديثها إلى منصة "هوليوود ريبورتر" عام 2023، كشفت عن أن صناع الأعمال كثيراً ما يتلقون ملاحظات بأن المشاهد ليست "ملائمة بما يكفي للشاشة الثانية" [يقصد بها عادة أن المشاهد يتابع العمل على الشاشة الرئيسة (التلفزيون مثلاً)، بينما ينشغل في الوقت ذاته بشاشة أخرى (الهاتف أو الحاسوب اللوحي) للتفاعل عبر وسائل التواصل أو القيام بأنشطة موازية]، أي لا تجذب انتباه مشاهد يتنقل بين التلفزيون وهاتفه. والآن يبدو أننا بدأنا نتلمس نتائج محاولة استرضاء انتباه المشاهدين المشتت، ولا يقتصر الأمر على الدراما وحدها، فحتى عدد من الوثائقيات وبرامج تلفزيون الواقع باتت تعاني ترهلاً وافتقاراً للزخم، وكأن تأثيرها يبهت مع كل حلقة، لكن كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟

هذا المسار له أسباب متعددة، والمفارقة أن جذوره تعود لما يسمى "العصر الذهبي للدراما التلفزيونية". أعمال مثل "ذا واير" The Wire و"رجال مجانين" Mad Men و"آل سوبرانو" The Sopranos كانت تتطلب مساحة واسعة، طموحة في مواضيعها وضخمة في بنائها، وتستدعي انتباهاً كاملاً من المشاهد، ومع ذلك انسجمت بسلاسة مع حقبة البث التدفقي، التي وعدت بفضاءات غير محدودة لحكايات ممتدة ومعقدة، لكن النتيجة لم تكن كما توقع كثيرون، إذ مهدت الطريق لظهور عصر المشاهدة الماراثونية.

وها نحن اليوم أمام ما يمكن تسميته بـ"التلفزيون القائم على التصفح المستمر" Scroll TV [نمط من المحتوى التلفزيوني أو الرقمي الذي يستهلك بطريقة مشابهة لتصفح المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي]، وهو المرحلة النهائية لتلك الماراثونات، وقد أفرغ بالفعل جانباً كبيراً من قيمة ما نراه على الشاشة. إنه تلفزيون يشبه تناول كيس كبير من قطع الحلوى الصغيرة: تابع التصفح، تابع المشاهدة، فأنت تعرف أنك لن تقاوم. وبعدها، ستشعر بالوهن حين يتبخر مفعول السكر، ممتلئ حتى التخمة لكن بلا غذاء حقيقي، غير أنه شعور مؤجل، مشكلة ستواجهها لاحقاً.

ليس من قبيل المصادفة أن صعود التلفزيون القائم على التصفح المستمر تزامن مع عصر طرح المواسم كاملة دفعة واحدة، فقد بدأت هذه الظاهرة مع منصات البث الرقمية، التي استلهمت بدورها على الأرجح من ظاهرة مجموعات الأقراص الكاملة، ولاحقاً تبنتها شبكات مثل "بي بي سي" و"آي تي في". أما العروض التي تترقبها الجماهير أسبوعياً فباتت نادرة، مثل "سلك الخدمة" (لاين أوف ديوتي) Line of Duty أو "الوادي السعيد" Happy Valley. وعندما يجري طرح 10 حلقات دفعة واحدة، لا بد أن يتغير أسلوب الكتابة.

لقد أصبحت الندرة والمكافأة المؤجلة أموراً من الماضي، فالحبكات المشوقة موجودة اليوم فقط لتدفع المشاهد للضغط على زر "الحلقة التالية"، وبين هذه اللحظات تنتشر ساعات من الإغراءات بلا هدف. عندما أصبح بإمكاننا مشاهدة موسم كامل من "أشياء غريبة" Stranger Things في عطلة نهاية الأسبوع، فقدنا شيئاً آخر أيضاً. نسبة كبيرة من العروض الحالية تكاد لا تترك أثراً، مجرد ندبة خفيفة على النسخة الخوارزمية من ذاتك.

جائحة كورونا كانت عامل تسريع لهذه الظاهرة أيضاً، فقد فتحت فترة الإغلاق مساحات واسعة من وقت الفراغ كانت مشغولة سابقاً بحياتنا العملية والاجتماعية. وإذا كان هناك ما يميز تلك الفترة الغريبة، فهو المشاهدة التلفزيون الرديء بتشتت أثناء التصفح المستمر للأخبار والمحتوى بلا نهاية. فلماذا حقق وثائقي "تايغر كينغ" Tiger King هذا النجاح الكبير على منصة "نتفليكس"؟ كان قصة غريبة لكنها مجردة إلى حد ما، لافتة بما يكفي لجذب الانتباه لفترة قصيرة، لكنها منخفضة الأخطار ولا تحمل أهمية حقيقية.

أليس هذا وصفاً مثالياً لأعمال مثل "مياه باردة" و"الرهينة" والدراما الهستيرية إلى حد ما والمضحكة قليلاً "الضيف" The Guest التي تعرضها "بي بي سي"؟ إنها مسلية على السطح، لكنها لا تهدف فعلياً إلى الكشف عن أي شيء عميق عن الطبيعة البشرية. بدلاً من ذلك، تستخدم عوامل الجودة - مثل طواقم التمثيل الممتازة، وتكاليف الإنتاج العالية، والانطباع العام بالثقل والجدية - لملامسة السطح فقط. وفي نهاية المطاف، إذا تركت النهايات مفتوحة، قد يكون هناك موسم ثان لاحق.

مع ذلك، هناك بالفعل بعض المؤشرات على حدوث رد فعل. كثيراً ما يفترض بطريقة سطحية أن ضعف القدرة على الانتباه مشكلة تؤثر أساساً في الشباب، لكن هذه الظاهرة تتحدى هذا الافتراض. ففي النهاية، من هو جمهور هذه الدراما؟ بالتأكيد ليس الأشخاص تحت سن الـ30.

في الواقع، الشباب في الفضاء الرقمي قادرون تماماً على التركيز لفترات طويلة، والقيام بأعمالهم بأنفسهم. ألقوا نظرة على عالم الفيديوهات التحليلية على "يوتيوب"، وستكتشفون عالماً مذهلاً من الأفلام الأصلية والموسعة والمحتوى ذاتي الصنع. على سبيل المثال، الفيلم المعقد والمسلي والمبني على حجة دقيقة، الذي يقارب طوله الساعات الأربع، "الانتحال ويوتيوب" Plagiarism and You(Tube)، عن الانتحال على الإنترنت للمدون البريطاني "إتش بومبر غاي" Hbomberguy، حقق 38 مليون مشاهدة. ربما يكون التلفزيون القائم على التصفح المستمر نهاية شيء قديم؟ ومع تحول التلفزيون، قد يكون هناك شيء جديد في الأفق؟

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات