Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من حسن إلى نعيم... ماذا يريد "حزب الله" من السعودية؟

يسعى الحزب إلى إيجاد مخرج أو وساطة ربما من عزلة أو انتهاء دوره السياسي وهنا تصبح الرياض بوابة إلزامية

دعوة نعيم قاسم للحوار أثارت استهجانًا، فالحزب وعلى لسان حسن نصرالله هاجم السعودية في السنوات السابقة(صورة مصممة عبر الذكاء الاصطناعي) 

ملخص

لا تبدو دعوة "حزب الله" إلى الحوار مع السعودية سوى محاولة يائسة للخروج من العزلة التي يعيشها راهناً، فالحوار لا يبنى على الإنكار ولا يستجدى بشروط المنتصر الوهمي، بل على مراجعة صادقة واعتراف بالخطايا. ومن يظن أن بإمكانه الانتقال من لغة الصواريخ إلى لغة المصالحات بلمح البصر، إنما يستخف بذاكرة العرب قبل أن يستخف بذاكرة اللبنانيين.

أثار الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم عاصفة من الجدل بعد أن وجه نداء للسعودية قبل أيام قليلة، يدعو فيه إلى فتح صفحة جديدة من الحوار. وجاءت تصريحاته لتشعل مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تباينت ردود الفعل بين الاستغراب والاستنكار، واعتبارها تناقضاً صارخاً مع تاريخ الحزب في مهاجمة المملكة.

وقال قاسم في كلمة له، يوم الجمعة الـ19 من سبتمبر (أيلول) الجاري، إن "مواجهة الخطر الإسرائيلي كدول وأنظمة وشعوب ومقاومة، والطريق الوحيد لهذه المواجهة هو التوحد ضد العدو المشترك"، داعياً الرياض إلى فتح صفحة جديدة على أساس "حوار يعالج الإشكالات ويجيب عن المخاوف ويؤمن المصالح، والحوار مع السعودية يجب أن يبنى على أن إسرائيل هي العدو وليست المقاومة. وتجميد الخلافات التي مرت في الماضي في الأقل خلال هذه المرحلة الاستثنائية من أجل مواجهة ولجم إسرائيل، والتأكيد أن سلاح المقاومة موجه ضد العدو الإسرائيلي وليس لبنان ولا السعودية ولا أية جهة في العالم".

بأي حق يطلب قاسم "الحوار" مع الرياض؟

لا غرابة أن تثير دعوة نعيم قاسم السعودية إلى "الحوار" موجة واسعة من الاستهجان والاستغراب والاستنكار، فالحزب الذي لم يوفر مناسبة إلا وهاجم فيها دول الخليج وعلى رأسها المملكة، وهدد أراضيها بالصواريخ عبر منبر أمينه العام السابق حسن نصرالله، هو نفسه الذي يطرق اليوم أبوابها بلهجة الباحث عن تسوية.

هذا التناقض الفج يجعل الدعوة أقرب إلى مناورة اضطرارية لا إلى انفتاح صادق، إذ لا يمكن أن يطلب الحوار من دولة كان يعتبرها بالأمس "عدواً" و"أصل الشرور" من دون أن يقدم مراجعة أو اعتذار أو حتى اعتراف بما اقترفه في حقها، ولعل الاستنكار اللبناني والعربي لهذه الدعوة يعكس رفضاً للتسليم بمعادلة مقلوبة، من حرض وشارك في الحرب على السعودية واليمن وسوريا، بأي حق يطلب اليوم فتح صفحة جديدة.

الحزب الذي هدد أمن المملكة القومي عبر خطابات نصرالله الداعمة لـ "جماعة الحوثي"، هو نفسه الذي يمد يده اليوم طالباً تسوية أو نافذة إنقاذ.

وفي السياق أعاد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نشر مقطع فيديو للأمين العام السابق لـ"حزب الله"، في كلمة له كان ألقاها، في الأول من شهر مارس (أذار) 2016، كان قد تحدث فيها عن أهمية "الجهاد" ضد السعودية، وأن خطابه بعد التدخل العسكري السعودي في اليمن من أكثر الأمور التي يفتخر بها. ويقول نصرالله في ذلك الوقت إنه "إذا سألتني عن أشرف ما قمت به في حياتي وأفضل شيء وأعظم شيء، سأجيب الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن"، ويتابع "وأشعر أن هذا هو الجهاد الحقيقي هذا أعظم من حرب يوليو (تموز) هذا هو إحساسي".

لذلك فإن الاستنكار الشعبي والسياسي لهذه الدعوة لا يرتبط فقط بمضمونها، بل أيضاً بالتوقيت والسياق، وأي حق يمتلكه "حزب الله" لمطالبة الرياض بالحوار، بعد أن أسهم في تهديدها وإشعال النيران ضدها لسنوات؟ أضف إلى تورطه ولسنوات وبالشراكة مع نظام بشار الأسد بإغراق الأسواق العربية والخليجية بالمخدرات وتحديداً مادة "الكبتاغون".

سنوات من التحريض ضد السعودية

هذا التناقض الصارخ يثير أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة، ويكشف عن هشاشة المنطق السياسي الذي يحكم مقاربة الحزب لعلاقاته العربية.

الأدهى من ذلك أن الدعوة لم تأت في إطار مراجعة أو اعتراف بأخطاء الماضي، بل قدمت بشروط مسبقة، أن يبنى الحوار على قاعدة أن إسرائيل هي العدو، وأن تطوى صفحة الخلافات السابقة كأنها لم تكن. وبكلام آخر، لم يقترح الحزب "حواراً متكافئاً"، بل طالب السعودية بالانضمام إلى سرديته الخاصة، متجاهلاً سنوات من التحريض الإعلامي والتدخل العسكري والتهديد المباشر لأراضيها. وهذا ما يجعل الاستهجان مشروعاً، فكيف يتحول تنظيم مسلح كان يهاجم دولة قيادة وشعباً إلى طرف باحث عن تواصل من دون أن يغير موقفه أو يراجع خطابه؟

مراقبون علقوا على دعوة "الحوار"، بأنه انصب على مخاوف الحزب، لا على هواجس الدول العربية من سلوكه. وكأن هناك دعوة إلى تجميد الماضي، أي المطلوب طي سنوات من التدخلات والتصعيد والتخريب، وكأنها لم تكن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تناسى قاسم حقيقة، وهي أن السعودية دولة عظمى، لا تتحاور مع حزب رهن نفسه لمشروع خارجي وجلب الويلات على لبنان وشعبه، أيضاً الحوار وإن كان لا بد منه، فيجب أن يكون بين دولة ودولة، وليس بين دولة وتنظيم مسلح، يراه كثيرون ميليشيات، ويصنف في الغرب على قوائم الإرهاب.

وقال مغردون "فليتحاور قاسم مع الدولة اللبنانية بداية، وليمد يده للحكومة، قبل أن يطلب الحوار مع السعودية". بل حتى هذا السلاح الذي يتباهى، قد تلوث منذ أن استخدم في حرب اليمن ضد المملكة، ومنذ أن انخرط في الحرب السورية دفاعاً عن نظام الرئيس السابق بشار بشار، ومنذ أن دخل بيروت غازياً (في إشارة إلى أحداث عام 2008)، وذلك وفقاً لمتابعين.

وكان الحزب ومنذ بدء الحرب في اليمن، تبنى بالكامل خطاب إيران ضد السعودية، وفي أكثر من تصريح، لوح نصرالله بأن أراضي المملكة ستصبح "ضمن مدى صواريخ المقاومة"، وأن الحزب قادر على دعم الحوثيين في نقل المعركة إلى العمق السعودي.

أضف إلى ذلك أنه وظف أدواته الإعلامية للتحريض على السعودية وتصويرها كعدو مركزي إلى جانب إسرائيل وأميركا، مما جعل العلاقة معها في أعلى مستويات العداء.

مأزق الحزب في مرحلة مصيرية

في الجوهر، تكشف الدعوة عن مأزق أكثر مما تعكس انفتاحاً، فهي نتيجة الضغط الإسرائيلي المتصاعد ضمن مرحلة مصيرية وغير مسبوقة في تاريخ الحزب، ناهيك بالهزائم المتتالية التي ألحقت به طوال الحرب التي خاضها تحت شعار "حرب الإسناد"، والانعزال العربي المتراكم، وفقدان أوراق القوة التي راهن عليها في سوريا واليمن. ودعوة قاسم السعودية للحوار ليست مجرد مبادرة دبلوماسية أو لفتة انفتاح، بل خطوة محسوبة تعكس مأزق "حزب الله" ومحدودية خياراته في هذه اللحظة الإقليمية.

ويمكن قراءتها من زوايا عدة، في السياق الإقليمي وبعد تقارب إيران مع السعودية وتوقيع اتفاق بكين مارس 2023، لم تغير الرياض موقفها الجذري من "حزب الله" كأداة إيرانية تهدد استقرار لبنان والمنطقة.

كما أنه يواجه ضغطاً إسرائيلياً غير مسبوق، ومع تهديدات معلنة بتصفية بناه التحتية في لبنان، وصولاً إلى القضاء عليه، وذلك ما جاء على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، خلال يونيو (حزيران) الماضي، الذي قال "أنصح الوكيل اللبناني أن يلزم الحذر ويدرك أن إسرائيل فقدت صبرها حيال الإرهابيين الذين يهددونها". وأضاف أنه "إذا حصل إرهاب، لن يعود هناك حزب الله"، وهذا ما يفرض على الحزب البحث عن مخرج سياسي أو مظلة عربية لتخفيف العزلة.

وعلى الصعيد الداخل اللبناني، يدرك الحزب جيداً، أن السعودية، وإن كانت لا تتدخل بصورة مباشرة في الداخل اللبناني، لكنها تملك تأثيراً كبيراً في مكونات أساسية، والحوار مع الرياض، ولو شكلياً بالنسبة إليه، سيستخدم لإعطاء انطباع داخلي أن الحزب ليس في عزلة مطلقة، وأنه منفتح على تسوية لبنانية برعاية إقليمية. من هنا يحاول الحزب استباق تحولات محتملة، فإذا ذهبت المنطقة نحو تسويات جديدة تشمل لبنان، أي نزع السلاح وضبط نفوذ الميليشيات، يكون قد استبق الأمور بتواصل مباشر مع السعودية.

في الوقت نفسه، هي رسالة إلى إيران، يحاول الحزب أن يقدم نفسه كفاعل قادر على فتح قنوات مع العرب، لا مجرد تابع لطهران، في محاولة لرفع رصيده التفاوضي داخل "محور الممانعة".

محاولة لتلميع صورته

دعوة نعيم قاسم ليست دليل قوة، بل تعبير عن حاجة مزدوجة، الحاجة إلى مخرج إقليمي يحمي الحزب من الضغوط الإسرائيلية والداخلية، والحاجة إلى إعادة تلميع صورته عربياً بعدما تلوث سلاحه في اليمن وسوريا وحتى في الداخل اللبناني.

لكن، بما أن الدعوة جاءت بشروط غير واقعية، فهي أقرب إلى مناورة سياسية لكسب الوقت وخلط الأوراق، لا إلى انفتاح حقيقي على تسوية مع الرياض.

وذلك لأن "أوراق الضغط" التي كان يمتلكها تآكلت، بعد سنوات من التورط في سوريا واليمن، وتلوث صورته عربياً، وسلاحه الذي روج له على أنه ضرورة للقتال ضد إسرائيل" تحول إلى أداة عدوان ضد دول عربية، وعلى رأسها السعودية. وتحت وطأة هذه الضغوط يسعى الحزب إلى إيجاد مخرج أو وساطة إقليمية قد تحد من حجم ما ينتظره، ربما من عزلة أو انتهاء دوره السياسي.

غياب الاعتراف بالخطأ

الحزب وطوال الفترة الماضية لم يقدم أية مراجعة لمواقفه السابقة، لا عن تدخله في اليمن، ولا في الحرب السورية، ولا عن الحملات الإعلامية الممنهجة ضد الدول العربية. وحتى في شكل الدعوة التي جاءت بلغة الشروط لا الاعتذار، أو وفق بادرة حسن نية أو اعتراف بخطايا الماضي.

أضف إلى أن هذه الدعوة يشوبها التناقض الأخلاقي والسياسي، فمن يهدد بلداً عربياً بالحرب ويشارك في قصف أراضيه عبر دعم الحوثيين، لا يمكن أن يتحول فجأة إلى طرف "باحث عن حوار" إلا بدافع المصلحة الآنية وتحت ضغط الخطر الوجودي.

في المحصلة، لا تبدو دعوة الحزب إلى الحوار مع السعودية إلا محاولة يائسة لتلميع صورة تلطخت بسنوات من التحريض والتهديد والتورط في شؤون اليمنيين والسوريين. فالحوار لا يبنى على الإنكار ولا يستجدى بشروط المنتصر الوهمي، بل على مراجعة صادقة واعتراف بالخطايا. ومن يظن أن بإمكانه الانتقال من لغة الصواريخ إلى لغة المصالحات بلمح البصر، إنما يستخف بذاكرة العرب، قبل أن يستخف بذاكرة اللبنانيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل