Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القلق على الاقتصاد يزيد الضغوط على العملة الأميركية

على رغم ارتفاع مؤشرات الأسواق نتيجة شراء الأصول فإن المستثمرين يتخلصون من الدولار

يتوقع الاقتصاديون والمحللون أن الربع المتبقي من هذا العام سيشهد مزيداً من هبوط قيمة الدولار (اندبندنت عربية)

ملخص

قد يكون الرئيس ترمب وفريقه الاقتصادي على قناعة بأن انخفاض قيمة الدولار سيساعد على زيادة النشاط الصناعي في الاقتصاد الأميركي

تواصل العملة الأميركية، الدولار، التراجع في سعر صرفها مقابل غالب العملات الكبرى في العالم منذ مطلع هذا العام لتفقد أكثر من 10 في المئة من قيمتها حتى الآن.

ومع خفض "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي) الأميركي سعر الفائدة هذا الشهر ربع نقطة مئوية وتوقعات خفض الفائدة الأميركية مرتين أخريين حتى نهاية العام وليس مرة واحدة كما كان متوقعاً من قبل سيستمر منحى هبوط قيمة الدولار.

إلا أن هبوط الدولار لا يمكن ربطه بانخفاض أسعار الفائدة عليه فحسب، وإن كان سعر الفائدة يمثل نحو نصف عوامل تحديد سعر العملة في الاقتصاد، إذ إن الفائدة حالياً عند مستوى 4 – 4.25 في المئة تظل مرتفعة نسبياً في الأقل قياساً على ما كانت عليه عندما وقعت أزمة وباء كورونا حين كانت قرب صفر في المئة تقريباً.

يرى بعض المحللين أن الارتفاع في مؤشرات الأسواق الأميركية التي أضافت 16 تريليون دولار منذ مطلع عام 2025، ليس ظاهرة صحية بالمطلق، بل إنه ربما يخفي قلق المستثمرين حول العالم في شأن مستقبل أكبر اقتصاد في العالم.

ومثلما كتبت كيتي مارتن في مقالها الأسبوعي بصحيفة "فاينانشيال تايمز" فإنه في وقت يقبل فيه المستثمرون الأجانب على شراء الأصول الأميركية، يتخلصون من العملة الأميركية كوسيلة تحوط لاحتمال انهيار قيمة تلك الأصول المقيمة بالدولار.

يلاحظ أيضاً أن الأسواق التي أصيبت بصدمة مطلع أبريل (نيسان) الماضي حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن التعريفة الجمركية المتبادلة على كل شركاء بلاده التجاريين سرعان ما استعادت عافيتها لتواصل الارتفاع حتى الآن بينما الدولار يواصل الهبوط.

تحوط لمزيد من هبوط الدولار

يتوقع الاقتصاديون والمحللون أن الربع المتبقي من هذا العام سيشهد مزيداً من هبوط قيمة الدولار، ربما ليس بسبب خروج المستثمرين حول العالم من الأصول الأميركية، فاستمرار ارتفاع مؤشرات الأسهم في السوق الأميركية ينفي هذا السبب، إنما في مقابل شراء المستثمرين الأجانب للأصول الأميركية يبيعون الدولار كوسيلة لتلافي انهيار قيمة ما سيحصلون عليه عند بيع تلك الأصول بعملتهم الأجنبية.

هذا التحوط، وهو شراء الأصول مع بيع الدولار في المقابل، كانت معدلاته قرب الصفر تقريباً مطلع هذا العام، وفي مذكرة للمستثمرين كتب جورج سارافلوس من "دويتشه بنك" عن كيف أن "المستثمرين الأجانب يتخلصون الآن من انكشافهم على الدولار بوتيرة غير مسبوقة". ويضيف أن رؤوس الأموال التي تدخل في الأصول الأميركية بالتحوط المشار إليه تفوق الآن رؤوس الأموال غير المتحوطة.

يبدو ذلك واضحاً بشدة في شراء الأسهم، إذ وصل التحوط إلى نسبة 80 في المئة من الاستثمارات في الأسهم. لا يقتصر الأمر على الأسهم، بل إن التحوط في سوق السندات أيضاً، إذ تبلغ رؤوس الأموال المنسابة إلى السندات الأميركية التي يقابلها تحوط المستثمرين نحو نصف إجمال استثمارات الاجانب في سندات الدين.

إذا كان المستثمرون يواصلون شراء أسهم الشركات الكبرى التي يتوقع استمرار نموها، بخاصة شركات التكنولوجيا، وغالبها في الولايات المتحدة، فإنهم في تحوطهم للاستثمار في الأصول الأميركية يصفون مراكزهم الدولارية، ويزيد ذلك من الضغط على العملة الأميركية لتفقد مزيداً من قيمتها مع عمليات البيع الكبيرة للدولار.

سعر الفائدة وقيمة العملة

المنطق الاقتصادي التقليدي هو أن قيمة العملة تتناسب طردياً مع سعر الفائدة عليها، بالتالي يرتفع سعر صرف العملة مع زيادة نسبة الفائدة عليها، والعكس صحيح، وإذا كانت غالبية البنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة تقترب من نهاية دورة التيسير النقدي، أي خفض أسعار الفائدة، فان "الاحتياطي الفيدرالي" لا يزال أمامه فترة لمزيد من خفض أسعار الفائدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم أن قرار "الاحتياطي الفيدرالي" الأخير بخفض سعر الفائدة بنسبة 0.25 في المئة لا يلبي مطالبات الرئيس ترمب الذي يريد خفضاً أكبر، فإنه مؤشر إلى أن الضغوط السياسية ربما تلعب دوراً في مزيد من التخفيض.

وسواء تمكن ترمب من تعيين عضو آخر في مجلس محافظي البنك المركزي من الموالين له – أي من الصقور المؤيدين لمزيد من تخفيض الفائدة بنسبة أكبر – أو لم يتمكن فإن هناك احتمالاً بخفض سعر الفائدة الأميركية ربما بأكثر من نقطة مئوية كاملة في ما تبقى من العام الحالي. وهناك اجتماعان متبقيان لـ"الاحتياطي الفيدرالي" حتى نهاية العام، بل إن البعض يتوقع خفضاً بمقدار نسبة 1.25 في المئة حتى مطلع عام 2026، أي أن تصل نسبة الفائدة الأساسية في الولايات المتحدة إلى 3 في المئة أو أقل.

لا شك أن انخفاض سعر الفائدة سيعني مزيداً من التراجع في سعر صرف الدولار، وهذا أحد أسباب تحوط المستثمرين الأجانب بالتخلص من الدولار لتوقعهم انخفاض قيمته أكثر، بالتالي يتفادون خسارة قيمة عائد استثماراتهم في الأصول الأميركية بعملاتهم الأجنبية.

يبدو ذلك منطقياً إذا لاحظنا مدى استقرار العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، على رغم انخفاض سعر الفائدة الأوروبية والمشكلات الهائلة التي تواجه الاقتصادات الكبرى في القارة كما في فرنسا مثلاً، والسبب أن المستثمرين في الأصول الأوروبية لا يواجهون مشكلة الاضطراب وعدم اليقين التي أصبحت تميز الوضع في الولايات المتحدة منذ بداية فترة الرئاسة الحالية لترمب. أي أن الاستقرار الاقتصادي ينعكس على استقرار سعر صرف العملة.

الوضع الأميركي وتأثيره

هذا الاضطراب وعدم اليقين ينذران بتهميش دور المؤسسات ومنها البنوك المركزية سيراً على ما يجري في أميركا، ودفع ذلك كثيراً من المؤسسات وشركات الاستشارات لزيادة نسبة احتمال الاضطراب الكامل للنظام المالي العالمي، إذ رفعت شركة "روبيكو" الأسبوع الماضي احتمال انهيار النظام المالي العالمي إلى نسبة 35 في المئة. ومصدر زيادة الاحتمالات هو القلق من مستقبل وضع أكبر اقتصاد في العالم الذي يمكن أن يجر وراءه الاقتصاد العالمي كله على مسار التدهور.

قد يكون الرئيس ترمب وفريقه الاقتصادي على قناعة بأن انخفاض قيمة الدولار سيساعد على زيادة النشاط الصناعي في الاقتصاد الأميركي وتشجيع التصدير لما يوفره الدولار الضعيف من ميزة تنافسية للصادرات الأميركية، علاوة على أن انخفاض قيمة الدولار يقلل من القيمة الفعلية للدين العام الأميركي، بخاصة المستحق لمستثمرين أجانب، إلا أنه لا يمكن استبعاد أن ينال تدهور سعر صرف الدولار من مكانة العملة الأميركية في سوق الاحتياطات العالمية. وذلك ما لا تريده إدارة ترمب التي تعلن باستمرار أنها حريصة على دور الدولار كعملة عالمية أساسية.

اقرأ المزيد