ملخص
تعرف إسرائيل قيمة مدينة غزة جيداً، وتدرك أنه بتدميرها يعني أن قطاع غزة سقط بالكامل، وتنظر تل أبيب للمجمع الحضري على أنه أكبر وأقوى معاقل حركة "حماس"، ويهدد قائد الجيش الإسرائيلي إيال زامير بتحويلها إلى مدينة أشباح.
بدأت إسرائيل هجومها البري على مدينة غزة، وليس صدفة اختارت ذلك المكان لتدميره، فهو ليس مجرد أكبر مجمع حضري وحسب، وإنما مدينة تاريخية قديمة عمرها يقارب 7 آلاف عام، احتضنت عبر التاريخ مباني أثرية وبيوتاً قديمة ذات طابع معماري فريد، كما أنها بمثابة العاصمة الاقتصادية والإدارية للقطاع، وتشكل المركز التجاري الأول لبقية المحافظات، وتضم الأسواق المركزية والمصارف والمؤسسات الحكومية والشركات الكبرى.
تعرف إسرائيل قيمة مدينة غزة جيداً، وتدرك أنه بتدميرها يعني أن قطاع غزة سقط بالكامل، وتنظر تل أبيب للمجمع الحضري على أنه أكبر وأقوى معاقل حركة "حماس"، ويهدد قائد الجيش الإسرائيلي إيال زامير بتحويلها إلى مدينة أشباح.
تاريخ طويل
قبل الحرب كانت مدينة غزة المركزية تحتضن في شوارعها تاريخاً طويلاً من مواقع أثرية ومتاحف تراثية ومساجد وكنائس وبيوتاً قديمة، ومن العصر الحديث فيها تطور عمراني وأبراج وشركات تجارية واستثمارية، واستهدافها اليوم يعني ضرب القلب النابض لبقية محافظات القطاع.
يقول أستاذ الخرائط العمرانية يوسف حماد "تعد مدينة غزة واحدة من أعرق مدن العالم المأهولة، واليوم تواجه انهياراً غير مسبوق، الاجتياح البري لها يعني تدمير العاصمة الاقتصادية والإدارية للقطاع، ونسف المركز التجاري الأول والأسواق المركزية والمصارف والمؤسسات الحكومية والشركات الكبرى".
ويضيف المتخصص العمراني "احتلال مدينة غزة يعني ضرب المؤسسات الاقتصادية والتعليمية والصحية الكبرى، إذ إن تدميرها لا يؤدي فقط إلى خسائر عمرانية هائلة، بل له انعكاسات على الدورة الاقتصادية بأكملها بما في ذلك توقف الأنشطة التجارية والمصرفية والتعليمية بصورة كاملة".
يوضح حماد أن تدمير مدينة غزة يعني محو هوية حضارية ممتدة لقرون ومع سقوطها يصبح المشهد العمراني عبارة عن ركام وفيه طمس لملامح المدينة وتاريخها، لافتاً إلى أن عملية احتلال المدينة أدت إلى شل مظاهر الحياة خاصة مع توغل الجيش إلى قلب المدينة.
القلب النابض للقطاع أم معقل لـ"حماس"؟
وفقاً لبيانات المكتب الإعلامي الحكومي فإن عملية احتلال غزة ألحقت دماراً كاملاً في 1600 برج متعدد الطبقات، وتعرضت 2000 بناية عالية الارتفاع إلى تدمير بليغ، ونحو 90 في المئة من البنية التحتية باتت خراباً.
من وجهة نظر الغزيين فإن إسرائيل ترغب في تدمير غزة بالذات لأنها القلب النابض للقطاع، أما لإسرائيل مبررات أخرى، يقول المتحدث العسكري إيفي ديفرين "تعد مدينة غزة أكبر مجمع لحركة ’حماس‘ وفيها مركز الثقل العسكري، أكبر شبكة أنفاق وأضخم بنى تحتية قتالية، ومنها أعادت الفصائل ترتيب وتأهيل قدراتها".
ترى إسرائيل أنه بسقوط مدينة غزة واحتلالها ستنهار حركة ’حماس‘، ويقول ذلك وزير الدفاع يسرائيل كاتس الذي يتوعد المجمع الحضري بإعصار مزلزل يمحوه عن الخريطة، مع إعلانه أن غزة تحترق والجيش يضرب بقبضة من حديد.
الإعصار يضرب المدينة
ميدانياً بدأ الإعصار فعلياً في ضرب غزة إذ فتح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيديه أبواب الجحيم على مدينة غزة، وركز الجيش في عمليات القصف والتدمير في بداية الأمر على الأبراج السكنية، ثم أغلق معبر "زيكيم" المخصص للمساعدات والبضائع.
وقطعت تل أبيب المياه عن مدينة غزة، واستهدف الجيش مركبات توزيع المياه التي تنتقل بين الشوارع والأحياء، وقصف مراكز خدمات الاتصالات والإنترنت، وعرقل أو منع وصول الوقود والمستلزمات الطبية للمستشفيات.
وقصفت الطائرات الحربية مراكز الإيواء التي تضم آلاف النازحين، ودمرت المقاتلات 10 مبان تابعة للأمم المتحدة، وفجر مرافق أنظمة الطاقة الشمسية وآبار المياه وقطع خدمات الاتصالات والإنترنت عن جميع أحياء مدينة غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب متحدث صحة غزة خليل الدقران فإن الجيش أفشل محاولات منظمة الصحة العالمية لإدخال الوقود إلى مستشفيات محافظة غزة، ويقول "الجيش يصر على منع المنظمة من استخدام طرق بديلة لإيصال الوقود".
ويضيف "الأزمة تهدد بتوقف عمل مجمع الصحابة الطبي ومستشفى الخدمة العامة ومحطة الأوكسجين المركزية وسيارات الإسعاف ومستشفيات أخرى وهذا يعني أننا أمام كارثة صحية وإنسانية خطرة"، لافتاً إلى أن الطيران أغار على الطوابق العلوية لمستشفى الرنتيسي، وهذا المرفق التخصصي الوحيد في القطاع، حيث يضم تخصصات الأورام وغسل الكلى وتخصصات أخرى كأمراض الجهاز التنفسي والهضمي.
تجويع وظروف إنسانية كارثية
يقول المدير التنفيذي لشبكة المنظمات الأهلية أمجد الشوا "جميع الإجراءات الإسرائيلية تهدف لتسريع وتيرة التجويع وتؤدي إلى تفاقم الكارثة، كل ذلك بهدف تحريك السكان وإجبارهم على النزوح، ليسهل عليه الدخول إلى مدينة غزة وإلى مراكز الثقل ضمن خطته الرامية لاحتلالها".
ويضيف الشوا "استهداف منظومتي الصحة والاتصالات جريمة، الاتصالات خدمة إنسانية أساسية وغيابها يؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية برمتها، من خلال عزل غزة عن العالم الخارجي وقطع التواصل بين الجرحى والمرضى وجهاز الإسعاف، فضلاً عن تفتيت النسيج الاجتماعي وخلق حال من الرعب والضغط النفسي".
يؤكد الشوا أن الخطر يهدد مئات آلاف الغزيين الذين لا يزالون داخل مدينة غزة، خصوصاً المرضى والجرحى وذوي الإعاقة والأطفال اليتامى والأرامل غير القادرين على الحركة أو التنقل، هؤلاء عالقون أمام واقع بالغ الخطر.
تقدر شبكة المنظمات الأهلية وجود قرابة 700 إلى 800 ألف شخص في مدينة غزة، وهو ما يعني أكثر من ثلثي عدد السكان، في وقت بدأت الفرق العسكرية الإسرائيلية في التوغل لقلب المدينة.
تشبه نهاية العالم في السينما
في الاجتياح البري لمدينة غزة، توغلت فرقتان من الجيش الإسرائيلي إلى داخل مدينة غزة من اتجاهين مختلفين، واصلت تلك القوات الضغط على السكان من طريق تفجير الروبوتات المفخخة والسيطرة النارية بالقصف المدفعي والطائرات المسيرة، إضافة إلى استهداف المباني السكنية في جميع مناطق مدينة غزة.
مع هذا التوغل، بدأت فيروز في إعداد خطة الطوارئ، تقول "تحت ضغط نفسي شديد، يكاد يشل تفكيري جهزت نفسي لأسوأ السيناريوهات، تعيش مدينة غزة مشاهد مأسوية متلاحقة، إن المجمع الحضري يذبح من الوريد إلى الوريد".
وتضيف "رائحة الموت والبارود تنتشر في الأزقة، فيما السكان هائمون يبحثون عن مأوى موقت قد يحميهم لساعات قبل أن تطاولهم المجازر، يشبه الوضع في غزة لحظة انهيار تفوق الزلازل والبراكين، تشبه ما تنتجه السينما من مشاهد نهاية العالم".
وتتابع "تنهار الأبراج السكنية تحت وابل القصف، وتتصاعد الحرائق التي تحاصر المدنيين، فيما تسقط القذائف والصواريخ كالمطر، قضينا ليلة في العراء، خرجنا من بيتنا الدبابات اقتربت والقصف اشتد، فبتنا في الشارع، طوال الليل شاهدنا لهيب النار وسمعنا أصوات الطائرات، كنا نموت كل دقيقة من الخوف".
تودع فيروز بيتها بعيون باكية تقبل باب بيتها، وتقول "أصبحت منازلنا حجراً بعد حجر، تتحول إلى أطلال مع كل تقدم إسرائيلي" تترك منزلها وتهرع بسرعة فالانفجارات بدأت تقترب منها والشظايا تتطاير فوقها.
يقول المتحدث العسكري إيفي ديفرين "عمقنا العمليات العسكرية في مدينة غزة، العملية البرية تستمر عدة أشهر بهدف هزيمة ’حماس‘، نحن لسنا مقيدين بجدول زمني، كل عمليات الجيش الإسرائيلي تتم وفقاً لخطة منظمة، ’حماس‘ تلقت ضربات قوية وهزمنا الجزء الرئيس من قوتها العسكرية، والآن نعمق إنجازاتنا، بما يسمح لنا بالاقتراب من إنهاء الحرب".