ملخص
منذ أواخر أبريل الماضي عقدت الأطراف الكردية في سوريا اجتماعاً وحدت فيه موقفها السياسي، وبعدها تشكل وفد سياسي تفاوضي مشترك للاستعداد لمفاوضات مرتقبة مع الحكومة في دمشق، إلا أن هذا الوفد لم يكتب له اللقاء مع الرئيس أحمد الشرع، في حين وجهت الحكومة أكثر من مرة دعوات للمجلس الوطني الكردي، ليثير ذلك مخاوف بانقسام في الصف السياسي الكردي تجاه التعامل مع دمشق.
خلال الأيام القليلة الماضية ضجت الأوساط الكردية في سوريا بخبر صرح به قياديون في المجلس الوطني الكردي، أحد أبرز التشكيلات السياسية الكردية، مفاده تلقيهم دعوة رسمية من الحكومة السورية إلى لقاء رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في دمشق.
وتداولت مواقع إخبارية مقربة وأخرى مرتبطة بالمجلس الكردي خبر تلقي دعوة اللقاء، ونقل "ولات تي في" عن مصدر مقرب من الحكومة السورية أن الدعوة تأتي في إطار "بدء مرحلة من العمل المشترك ضمن الفضاء الوطني السوري"، مشيراً إلى أن المجلس الوطني الكردي كان منذ انطلاق الثورة السورية منخرطاً في صفوف المعارضة وشارك في جميع المؤتمرات والفعاليات السياسية المرتبطة بها.
وأضاف الموقع نقلاً عن مصدره المقرب من الحكومة في دمشق أن الإدارة السورية "منفتحة على معالجة جميع الملفات المتعلقة بالكرد"، وأن وفد المجلس الوطني الكردي قد يُستقبل مباشرةً من قبل الرئيس الشرع، أو من ينوب عنه كوزير الخارجية أسعد الشيباني.
ليست الدعوة الأولى
في الـ28 من أغسطس (آب) الماضي أصدرت هيئة الرئاسة في المجلس الوطني الكردي توضيحاً حول حضور إحدى قيادياتهم حفل افتتاح معرض دمشق الدولي الذي شارك فيه الرئيس أحمد الشرع، مشيرة إلى أنها تلقت الدعوة رسمياً من الجهات المعنية، وأنه جرى تكليف السيدة فصلة يوسف، عضو هيئة الرئاسة، تمثيل المجلس في هذه الفعالية والمشاركة في مراسم الافتتاح.
وأضافت أن هيئة رئاسة المجلس تتعامل بإيجابية مع كل خطوة من شأنها أن تمهّد الطريق لمفاوضات جدية بين الوفد الكردي المشترك والإدارة في دمشق، "بهدف إيجاد حل عادل للقضية الكردية في البلاد، ونسج شراكة حقيقية على مختلف الأصعدة، لبناء سوريا لامركزية يُقر دستورها بحقوق الشعب الكردي، إلى جانب حقوق بقية المكونات السورية".
إلا أن الدعوة الحالية تختلف عن المشاركة الرمزية في معرض دمشق الدولي، حيث من المتوقع أن يسافر وفد كبير مكون من 15 قيادياً من المجلس الكردي إلى دمشق ويجري لقاءات هناك، في ظل تنامي موجة من التشكيك بطبيعة الدعوة والجدوى من اللقاءات، مع غياب الوفد الكردي المشترك الذي تمخض عن مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" الذي عُقد في الـ26 من أبريل (نيسان) الماضي، والمؤلف من 10 أشخاص من مختلف التيارات والأحزاب الكردية، بما فيها حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي.
موعد غير محدد بعد
يقول الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الكرديفيصل يوسف في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن المجلس الوطني الكردي، ومنذ بداية الثورة السورية، عمل ضمن أطر المعارضة الوطنية ويسعى باستمرار لإيجاد حل عادل للقضية الكردية في سوريا. وقد جرى تواصل بين المجلس والإدارة في دمشق بعد إسقاط النظام السابق في أكثر من مناسبة، وجرى خلالها النقاش حول أهمية عقد لقاء مع الرئيس الشرع، وأبدينا استعدادنا لذلك، غير أن موعد اللقاء لم يحدد حتى الآن.
وتابع يوسف أنهم يعدون أي دعوة أو مبادرة من شأنها أن تسهم في معالجة القضية الكردية فرصة مهمة يجب التعامل معها بجدية، "لأنها تفتح الباب أمام حوار وطني مسؤول يهدف إلى تحقيق شراكة حقيقية للشعب الكردي وضمان حقوقه القومية دستورياً في إطار سوريا ديمقراطية لامركزية". وشدد في الوقت نفسه على أن "المجلس الوطني الكردي فصيل سياسي مستقل، ومن حقه القيام بما يراه مناسباً من خطوات سياسية لخدمة قضية شعبنا، وهذا لا يتعارض مع مخرجات كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي ولا مع شرعية الوفد الكردي الموحد المكلّف بالحوار مع الجهات المعنية"، بحسب قوله. وأكد أن المجلس يضع وحدة الصف الكردي في صميم استراتيجيته، ويثق بأن الشعب الكردي سيدعم أي جهد أو مبادرة تصب في مصلحة قضيته العادلة وتحقق طموحاته المشروعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحفظ كردي
على الجانب الآخر من التيارات الكردية في سوريا، وبهذا الخصوص، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعد الفصيل الأبرز في الساحة الكردية والإدارة الذاتية، التعليق على تلقي المجلس دعوة اللقاء المزمع مع الشرع أو ذهابه منفرداً إلى دمشق، كما أن أطرافاً أخرى لم تعلق على الموضوع المتداول كردياً، لكن مصدراً مطلعاً كشف لـ"اندبندنت عربية" عن عقد لقاء بين أعضاء الوفد الكردي المشترك بحضور القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، وكذلك أطراف دولية "صديقة"، كما سماها، جرى في الحسكة حول رغبة المجلس بالسفر إلى دمشق ولقاء الرئيس السوري، من دون أن يوضح القرارات التي توصل إليها المجتمعون، في وقت يتم الحديث عن وجود ورقة كردية واحدة في الشأنين السوري والكردي صادرة عن الاجتماع الذي عقد في أبريل الماضي.
"حالة صحيحة"
من جهته قال المدير التنفيذي لمنصة "ديفاكتو للحوار" شيروان يوسف إن من حق أي جسم سياسي أن يقيم علاقات تواصل مع مختلف الأطراف، بما فيها المجلس الوطني الكردي، وكذلك من حق الحكومة السورية توجيه الدعوات للأطراف السياسية المختلفة.
إلا أنه في هذا الصدد، وفق ما يراه شيروان يوسف، ثمة إشكالية في المسار التفاوضي بين كل من دمشق وشمال شرقي سوريا، حيث من الواجب ألا تكون الحالة الصحيحة في التواصل السياسي بين الأطراف متضاربة مع عملية المفاوضات، بخاصة أن الكرد في سوريا لديهم قضية، وقد عقدوا مؤتمراً بمشاركة فاعلة من المجلس الوطني الكردي من أجل إحداث موقف كردي موحد في سوريا، وعليه جرى قبول مشروع مشترك.
مفاوضات معرقلة
لكن المدير التنفيذي لمنصة الحوار الذي أسهم مع فريقه في بعض مراحل تهيئة الأجواء للحوار بين الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية من جهة، والحكومة من جهة أخرى، يلمس وجود شعور عام لدى المجلس الوطني الكردي بـ"الإحساس بالظلم والحرمان من المشاركة في المسار التفاوضي"، موضحاً أن هذا المسار نفسه لم يقلع بالصورة المطلوبة، وتعتريه جملة من التحديات والإشكاليات من حيث الجدول الزمني ومكان التفاوض وتفسير اتفاق الـ10 من مارس (آذار). وقال "عملياً، المفاوضات الحقيقية لم تبدأ، إنما جرى فقط وقف لإطلاق النار وإعلان عن مواقف إيجابية من قبل كل من الحكومة وقوات سوريا الديمقراطية، لكن على أرض الواقع لم يُعقد سوى لقاء على المستوى العسكري بين الطرفين وآخر بين الإدارة الذاتية ونظرائهم في الحكومة".
وعليه، بحسب المدير التنفيذي لمنصة "ديفاكتو"، فإن مهام المجلس الوطني الكردي على مستوى مناقشة الوضع الكردي لم يحن بعد، وينطبق ذات الموقف على حزب الاتحاد الديمقراطي في عدم انخراطه في أية مفاوضات حتى الآن.
تحذير من التفرد
كشف عن أنه من المفترض أن يجتمع الوفد الكردي المشترك مع اللجنة الدستورية لدى الحكومة السورية في وقت قريب "لضمان حل القضية الكردية من خلال الدستور السوري"، معتبراً أن الأمر يحتاج إلى مزيد من التنسيق بين الإدارة الذاتية ووفده التفاوضي مع المجلس الوطني الكردي، وكذلك بين الوفد الكردي نفسه، من خلال اطلاعهم على تفاصيل سير عملية التفاوض والإشكاليات التي تواجهها، وعلى أساسها تُحدد الخطوات التالية، مشيراً في الوقت نفسه إلى عزم المجلس الوطني الكردي على إبلاغ قائد قوات سوريا الديمقراطية بشأن لقائهم في دمشق.
وحذر شيروان يوسف من حدوث التفرد في بعض الخطوات لدى الصف الكردي، قائلاً، "سيجلب ذلك في نتيجته خلط الأوضاع ونتائج سلبية على الملف الكردي ومن جهة الحكومة"، وكذلك من تدخلات تركية تؤثر في نوايا دمشق.
وقال مسؤولون في المجلس الوطني الكردي إن هدف اللقاء سيكون طرح القضية الكردية من خلال النقاش مع المسؤولين السوريين، ويعلق المدير التنفيذي لمنصة الحوار بأن من حق المجلس الوطني الكردي القيام بعملية مناصرة للمطالب الكردية وطرح الأجندة الكردية مع الجهات السورية المختلفة، بمن فيهم الرئيس السوري، "لكن من دون دخول المجلس وحده في عملية التفاوض بشأنها، ولابد من التمييز بين الخطوات الواجب اتخاذها وتوخي الحذر في ذلك".
وختم يوسف كلامه بأهمية الالتزام بوحدة الوفد المنبثق عن "وحدة الموقف والصف الكردي" كشركاء، لافتاً إلى أن الخطوات المقبلة سيكون للمجلس دور فاعل فيها، لا سيما أنه عندما عُقد المؤتمر فإن داعمي المجلس الوطني الكردي، وبالخصوص الزعيم مسعود بارزاني، يشددون على هذه الوحدة، وكذلك علاقته مع مظلوم عبدي تصب في ذات التوجه، "وعليه فإن المجلس الكردي مضطر للسير بسياسته وفق الاتفاقات والالتزامات الموقعة والمتفق عليها مع الأطراف الكردية الأخرى"، وفق تعبيره.