ملخص
انتقال جيانلويجي دوناروما إلى مانشستر سيتي يفتح نقاشاً عميقاً حول هوية الفريق بعد حقبة بيب غوارديولا. فبينما اشتهر المدرب بفلسفة الحارس الموزع للكرة، يمثل الإيطالي نموذجاً تقليدياً يعتمد على التصديات الحاسمة. خطوة قد تعكس تحولاً تكتيكياً أو بداية ملامح مرحلة جديدة.
قد يكون من المفهوم أن تتجه أفكار بيب غوارديولا أكثر فأكثر نحو إسطنبول، تلك المدينة التي تمتد عبر القارات هي المكان الذي فاز فيه المدرب الكتالوني بما قد يكون آخر كأس أوروبي له، تلك الكأس التي توج بها مانشستر سيتي أخيراً في 2023 ورفعها لاعب غلطة سراي الحالي إلكاي غوندوغان.
إرث إديرسون وذكريات إسطنبول
عندما استعاد غوارديولا ذكرياته عن النهائي أمام إنترناسيونالي، كان دائماً ما يميل إلى إرجاع الفضل الأكبر لحارس مرمى فريقه آنذاك وحارس مرمى فنربخشة حالياً إديرسون، بفضل سلسلة تصدياته المتأخرة، ولعل تلك كانت المفارقة الأقصى لحارس المرمى الكروي الحاسم، فبعدما انتهت مسيرته مع سيتي، جاءت أعظم لحظاته من المهارات التقليدية لحارس المرمى.
دوناروما… حارس استثنائي خارج زمن غوارديولا
إديرسون كان ثورياً، أما خليفته، جيانلويجي دوناروما، فعلى رغم أنه يبلغ 26 سنة فحسب، فقد بدا طويلاً أصغر أفراد النظام القديم، أو حارس مرمى خارج زمنه، وبخاصة خارج زمن غوارديولا، فإذا كان ممكناً أن تكون في الوقت ذاته أفضل حارس مرمى في العالم وأقل حارس ملاءمة لفلسفة غوارديولا في العالم، فإن دوناروما هو المثال، لكن ربما جعل غوارديولا، وأسلوبه في كرة القدم، من معجزة شابة تبدو وكأنها عتيقة منذ أن كان بالكاد في سن المراهقة.
مرونة تكتيكية أم مرحلة ما بعد غوارديولا؟
وهذا ما يفسر ردود الفعل المتباينة تجاه صفقة كانت ستعد لولا ذلك ضربة قوية، فمهما أنفق سيتي في الأعوام الـ17 الأخيرة، نادراً ما استقدم لاعبين سبق لهم الفوز بدوري الأبطال، ولا أولئك الذين نصبوا كأفضل لاعبي العالم في مراكزهم. ومع ذلك إذا كان إديرسون صفقة ذات دلالة، إشارة إلى الاتجاه الذي يسلكه الفريق، فما الذي يمثله دوناروما؟ هل هو لمحة عن الحياة بعد غوارديولا ربما؟ إشارة إلى أن سيتي سيكون أقل تميزاً، وأقل خضوعاً لأيديولوجيا كروية؟ أم مثال على انتهازية كروية، واعتراف بأن أفضل حارس في دوري الأبطال الموسم الماضي كان متاحاً بسعر معقول في وقت كان فيه إديرسون، للعام الثاني على التوالي، قد اكتسب نزعة للرحيل؟ أم إقرار بأن سيتي في حاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى حارس مرمى يتصدى للتسديدات؟
هناك إغراء في اعتبار دوناروما أقرب إلى صفقة من نوع المدير الرياضي الجديد هوغو فيانا أكثر من كونها اختياراً لغوارديولا، لا سيما أنه عندما كان سيتي قد تعاقد بالفعل مع حارس مرمى، هو جيمس ترافورد، هذا الصيف، بدا الأمر أشبه بتفكير مرتبك في بداية ولاية مدير كرة قدم جديد. ولعل المدير الرياضي السابق وحليف غوارديولا الطويل الأمد تشيكي بيغريستين كان أكثر انسجاماً مع طريقة تفكير زميله السابق.
فكر غوارديولا المتجدد
لكن غوارديولا قادر على إرباك التوقعات، فقد استقدم لاعبين بدوا بعيدين تماماً عن نظرته المثالية في أدوارهم مثل جاك غريليش، وعلى رغم مساهمته في الثلاثية التي حسمها إديرسون، لا يمكن اعتباره ناجحاً، بينما إيرلينغ هالاند يمكن بالتأكيد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد أظهر غوارديولا مرونة كافية لإعادة تشكيل فريقه بما يتناسب مع وجود رأس حربة عملاق. وإذا كانت فرق غوارديولا النموذجية مكتظة باللاعبين الصغار المهرة في التمرير، فربما يستطيع جيل (2025 - 2026) إخافة خصومه في نفق الملعب بحجم هالاند ودوناروما وغيرهما من العمالقة الذين يتجاوز طولهم ستة أقدام (183 سم).
الإحصاءات تدعم الحاجة إلى حارس تصديات
وإذا كانت فرق غوارديولا الكلاسيكية أشبه بجماعية ساحرة وسلسة، فقد يبدو أن مجموعته الجديدة ستعتمد على إلهام فردي لحسم النتائج، فمع هالاند ودوناروما قد يمتلك حاسمي مباريات عند طرفي الملعب، وربما يعوضان النواقص في الوسط.
لقد تخلوا عن فرص محققة أكثر في الأشهر الـ13 الماضية. فقد قفز معدل الأهداف المتوقعة (xG) ضد سيتي إلى 47.7 في الدوري الإنجليزي الموسم الماضي، وهو سابع أفضل رقم فحسب، وبينما أنهى إديرسون موسماً متذبذباً بوضوح وهو يملك معدل أهداف متوقعة بعد التسديد قدره +5.0 (أو بلغة أبسط: أنقذ خمسة أهداف أكثر مما كان متوقعاً)، فإن المنطق يقود إلى جلب حارس بارع في التصدي للتسديدات، ففي الدوري الفرنسي لموسم (2023 - 2024)، سجل دوناروما (xG) بعد التسديد بلغ 10.4.
وربما الأهم أن مسيرة باريس سان جيرمان في دوري الأبطال أثبتت امتلاكه قدرة لا تقدر بثمن على القيام بتصديات حاسمة في لحظات حاسمة، ومهما كان هذا المقياس غير قابل للحساب الدقيق، فإنه يبعث على الطمأنينة.
كذلك فإن إديرسون شارك العيب التقليدي لحراس مرمى غوارديولا، وهو استقبال الهدف من أول تسديدة على المرمى، فكان كلاوديو برافو أبرز المذنبين، لكنه لم يكن الوحيد. وإذا كان التحول في التفكير خلال موسم الثلاثية قد مثل شغفاً جديداً لدى غوارديولا بمدافعين قادرين على المواجهات الفردية، بدلاً من الاعتماد على لاعبي وسط كأظهرة بدلاء مكشوفين في الهجمات المرتدة، فربما حان الوقت لحارس مرمى قادر على كسب معاركه الفردية.
هل يتأقلم مانشستر سيتي؟
لكن الأمر يتطلب تحولاً في الأسلوب، فعلى رغم أن دوناروما ليس بهذا السوء في اللعب بالكرة بقدميه كما يشاع أحياناً، فإن الحقيقة تبقى أن لويس إنريكي، زميل غوارديولا السابق وخليفته في برشلونة، قد جلب إلى باريس سان جيرمان حارساً يجيد اللعب بقدميه هو لوكاس شيفالييه، ليحل محل دوناروما.
في الوقت نفسه استقبل سيتي بالفعل هذا الموسم هدفاً مكلفاً جاء من محاولة فاشلة للخروج بالكرة من الخلف، وكان ترافورد مسؤولاً عنه عندما ضاعف جواو بالينيا تقدم توتنهام، لقد أوضح ذلك الأخطار التي يواجهها الحراس الذين لا يقومون بدور اللاعب الـ11 في الملعب. كذلك فإنه قد يجعل ترافورد غير محظوظ على نحو خاص، فبعد عودته إلى سيتي وهو يملك الثقة لمنافسة إديرسون في عامه الأخير مع النادي، يبدو الآن أنه تراجع إلى الظل أمام دوناروما المجهز بعقد يمتد خمسة أعوام.
لقد تغيرت قواعد اللعبة، إلى جانب وصف الوظيفة، ويبدو من الآمن الافتراض أن دوناروما لن يهدد رقم إديرسون القياسي البالغ أربع تمريرات حاسمة في موسم واحد من الدوري الإنجليزي، لكنه ليس تطويراً ولا تراجعاً بقدر ما هو نظام مختلف تماماً للقياس.
وأن يلقى به في أول ظهور له في ديربي مانشستر، ربما في مواجهة نظيره سينه لامنس، المنضم هو الآخر في سبتمبر (أيلول) لكن من دون سجله الحافل، قد يكون أمراً مقلقاً، وإن لم يكن كذلك بالنسبة إلى رجل أنقذت تصدياته إيطاليا في "يورو 2020" وقادت باريس سان جيرمان إلى نهائي دوري الأبطال، لكن الظروف تعني أن دوناروما قد يكون إما مؤشراً إلى أزمة هوية وشيكة في سيتي أو وجه واقع جديد، إذ يقتصر دور حارس المرمى ببساطة على التصدي للتسديدات.
© The Independent