Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زعيم ميانمار المنبوذ دوليا هو الرابح في القمة الصينية

الجنرال الميانماري مين أونغ هلاينغ، الذي كان منبوذاً على الساحة الدولية، يشق طريق العودة بمساعدة قادة آخرين، لكن هل احتضان آسيا له يمنح الشرعية لنظام قائم على التعذيب والمجازر والخوف؟

رئيس المجلس العسكري في ميانمار، مين أونغ هلاينغ (وسط الصورة)، يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع الرئيس الصيني شي جينبينغ قبيل قمة منظمة شنغهاي للتعاون (أ ف ب عبر غيتي)

ملخص

يحاول الجنرال مين أونغ هلاينغ، زعيم المجلس العسكري في ميانمار، كسر العزلة الدولية عبر قمة تيانجين، مستفيداً من دعم الصين والهند، في خطوة تثير جدلاً حول شرعية نظامه المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

بعد مرور أربع سنوات على انقلاب الجيش في ميانمار واستيلائه على السلطة، ما زال المجلس العسكري يعاني عزلة دولية شبه كاملة، إلا أنه حقق اختراقاً مفاجئاً وذا دلالة في آسيا أخيراً، إذ يتجه عدد متزايد من أبرز قادة المنطقة نحو منح الاعتراف الدبلوماسي للجنرال مين أونغ هلاينغ، موفرين له منبراً على المسرح العالمي على رغم الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

فرش شي جينبينغ السجادة الحمراء في تيانجين خلال قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" الأسبوع الماضي [استمرت يومي الأحد والاثنين في الـ31 من أغسطس (آب) والأول من سبتمبر (أيلول)]، إذ جالس مين أونغ هلاينغ الطغاة والقادة المنتخبين ديمقراطياً من دون تمييز. واحتفى المجلس العسكري بالزيارة، واصفاً إياها بـ"الناجحة والمثمرة"، معتبراً إياها برهاناً على تزايد "الاعتراف الدولي" به.

وأجرى الجنرال محادثات ثنائية مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وتباحث في سبل التعاون مع شي، كما ظهر في الصور الرسمية إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعماء يمثلون أكثر من 20 دولة. وبالنسبة إلى رجل فرض عليه المجتمع الدولي عزلة شبه تامة عقب إطاحته بأونغ سان سو تشي عام 2021 وإشعاله فتيل حرب أهلية دموية، شكلت هذه اللحظة منعطفاً بارزاً في مسار إعادة تأهيله دولياً.

وظلت الصين وروسيا على الدوام توفران الغطاء الدبلوماسي والدعم العسكري للنظام، إلا أن المثير للدهشة الآن هو إبداء الهند - أكبر ديمقراطية في العالم - استعدادها لمنح الاعتراف العلني لجنرالات ميانمار. فانخراط الهند على هذا النحو يتعارض جذرياً مع هويتها الديمقراطية، ومع الدور الذي كثيراً ما نصبت نفسها فيه كثقل موازن للأنظمة الاستبدادية في آسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التقى مودي يوم الأحد (الـ31 من أغسطس) بمين أونغ هلاينغ على هامش القمة، وتجاوز مودي حدود المجاملات الدبلوماسية ليعرب عن أمله في إجراء الانتخابات المقبلة في ميانمار "بصورة عادلة وشاملة تضم الأطراف المعنية كافة".

والانتخابات التي أشار إليها مودي لن تكون سوى عرض مسرحي محكم الإخراج، خصوصاً وأن الجيش قام بإلقاء القبض على معظم القيادات المدنية في البلاد وزجها في السجون عقب تنفيذ الانقلاب، إلى جانب آلاف المؤيدين والمتطوعين من الحزب السياسي الأكثر شعبية. وكانت "اندبندنت" أنتجت فيلماً وثائقياً نهاية العام الماضي يسبر أغوار هذه المرحلة، ويكشف كيف خسرت سو تشي دعم المجتمع الدولي في الفترة التي مهدت للانقلاب.

ووفقاً لإعلان المجلس العسكري، ستنظم الانتخابات على دفعات خلال ديسمبر (كانون الأول) 2025 ويناير (كانون الثاني) 2026. وأشار المجلس إلى احتمال إعلان مواعيد لاحقة، لكنه تذرع بالأخطار الأمنية لتبرير عدم تحديدها حالياً - في اعتراف مبطن بأنه ما زال يخوض معارك ضارية للإمساك بزمام السيطرة على أجزاء واسعة من أراضي البلاد.

واستنكرت حكومة الوحدة الوطنية وهي الحكومة الشرعية لميانمار في المنفى، التواصل الدبلوماسي مع مين أونغ هلاينغ، مؤكدة أن من يعترفون بانتخاباته الهزلية "يمنحون ضمنياً الضوء الأخضر لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يقترفها الجيش".

"هذه الانتخابات الصورية لن تحظى بأي قدر من الحرية أو النزاهة، الشيء الوحيد المؤكد أنها ستكون انتخابات غارقة في الدماء"، بهذه الكلمات صرح يو ناي فون لات، المتحدث باسم حكومة الوحدة الوطنية، لـ"اندبندنت"، مضيفاً "اللقاء مع القائد العسكري بهذا الشكل هو انتهاك صارخ لإرادة شعب ميانمار وموقفه الثابت".

وتتهم حكومة الوحدة الوطنية، الممثل الشرعي للإدارة المنتخبة التي أسقطها الانقلاب، المجلس العسكري باستغلال صور هذه اللقاءات كأداة دعائية، محذرة في الوقت ذاته من أن الجيش سيكثف من "الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان والفظائع الوحشية" مع اقتراب موعد انتخاباته المصطنعة.

ويؤكد توم أندروز، المقرر الأممي الخاص المعني بشؤون ميانمار، أن استمرارية المجلس العسكري ترتكز على ثلاثة أعمدة أساسية: "المال والسلاح والشرعية".

ويحذر أندروز في حديثه لـ"اندبندنت" من أن لقاء رئيس الوزراء الهندي مودي بالجنرال وتصريحاته في شأن الانتخابات قد يمنحان المجلس العسكري قدراً من الشرعية، التي يتطلع إليها بشدة لترسيخ بقائه في السلطة.

وأوضح "تحدثت الهند عن أملها في انتخابات ’عادلة وشاملة‘ في ميانمار، غير أن الواقع المرير يكشف عن أن عشرات الآلاف من هؤلاء الذين يفترض مشاركتهم هم في الحقيقة سجناء سياسيون يقبعون خلف القضبان، وفي مقدمهم رئيس البلاد المنتخب ديمقراطياً ومستشارة الدولة أونغ سان سو تشي".

وتابع "من المستحيل الحديث عن انتخابات عادلة وشاملة، في ظل واقع يعتقل فيه معارضون سياسيون ويحتجزون ويعذبون ويعدمون."

وأعلنت الصين للمرة الأولى تعهدها بمساندة مساعي ميانمار للحصول على العضوية الكاملة في "منظمة شنغهاي للتعاون"، وذلك خلال اجتماع شي بمين أونغ هلاينغ في تيانجين.

وتطرق الزعيم الصيني إلى "رفض التدخلات الأجنبية في الشؤون السياسية لميانمار، والموقف الصيني الداعم والخطوات المستقبلية لتحقيق الاستقرار والسلام في البلاد"، وفقاً لما ورد في بيان صادر عن مجلس الدفاع والأمن القومي.

ومثلت هذه الزيارة الثانية للجنرال مين أونغ هلاينغ إلى الصين واجتماعه الثاني مع شي منذ انقلاب عام 2021، وبخلاف لقائهما العابر في موسكو في مايو (أيار) على هامش احتفالات يوم النصر الروسي، وجه شي هذه المرة دعوة شخصية له إلى حضور قمة "منظمة شنغهاي للتعاون" والاستعراض العسكري الذي أقيم يوم الأربعاء الماضي، مانحاً إياه موقعاً مرموقاً بين قادة يمثلون أكثر من 20 دولة.

وفي هذا الصدد، يعتبر بنديكت روجرز، المدير الأول في منظمة "فورتيفاي رايتس" Fortify Rights الحقوقية، في تصريح لـ"اندبندنت"، أن "مساندة الصين لطلب عضوية ميانمار في ’منظمة شنغهاي للتعاون‘ ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل محاولاتها إضفاء الشرعية على المجلس العسكري، علينا أن نواصل تذكير العالم: هذا المجلس كيان غير شرعي وإجرامي، ولا يحق له التمثيل في أي محفل دولي".

ويحذر من أن التعاطي الدبلوماسي الذي نشهده حاضراً ينطوي على خطر جسيم، يتمثل في منح شرعية زائفة للمجلس العسكري.

ويوضح "يجب ألا يغيب عن أذهاننا أبداً أن هذا المجلس العسكري فاقد للشرعية كلياً، لقد اغتصب السلطة عبر انقلاب غير دستوري أطاح بالحكومة المنتخبة ديمقراطياً. زج بالقيادات الشرعية للبلاد في غياهب السجون، واعتقل وحبس نحو 30 ألف معتقل سياسي خلال السنوات الأربع الماضية. إنه يخوض حرباً ضد أبناء ميانمار عبر القصف الجوي والاعتداءات البرية والمذابح التي حصدت أرواح الآلاف وتسببت في نزوح ما يناهز 4 ملايين إنسان".

وأكد أن النظام يستحق العقوبات والمحاكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، لا أن يستقبل بحفاوة بالغة من دولة لا تكف عن ترديد أنها راعية للسلام العالمي.

ويغرق الموقف الهندي في بحر من التناقضات، فبوصفها أكبر ديمقراطية في العالم، أثارت مغازلة نيودلهي للمجلس العسكري في ميانمار موجة من التساؤلات والانتقادات. لم تكن مصافحة مودي للجنرال مين أونغ هلاينغ مجرد مجاملة دبلوماسية عابرة، بل جسدت النزعة البراغماتية الجافة لدولة جارة تضع هواجس أمن الحدود والتسابق مع الصين في مرتبة تعلو دوماً على مبادئ التضامن الديمقراطي.

غير أن هذا المسار محفوف بأخطار تنال من سمعة الهند، "على الهند أن تعيد حساباتها جذرياً، فهي تملك المقومات لتكون قائداً أخلاقياً للمنطقة وثقلاً حقيقياً في مواجهة محور الاستبداد الذي تتزعمه الصين وروسيا"، كما يرى روجرز، ويضيف "مكانها ليس في نادي الطغاة الذي يترأسه شي جينبينغ وفلاديمير بوتين".

ويشدد على أن "احتضان مين أونغ هلاينغ ومجلسه العسكري الإجرامي المضرج بالدماء لن يجلب سوى الوبال على من يقدمون على ذلك، وعلينا جميعاً.

يذكر أن محققي الأمم المتحدة وثقوا أدلة دامغة على ممارسات التعذيب الممنهج، وإعدامات ميدانية للمقاتلين ومن يشتبه بتعاونهم مع المعارضة، واحتجاز أطفال رضع لا تتعدى أعمارهم سنتين كرهائن بديلة عن ذويهم، فضلاً عن شن غارات جوية تستهدف عمداً المدارس والبيوت والمستشفيات.

وكشفت آلية التحقيق المستقلة لميانمار - في تقريرها الذي يغطي الفترة من الأول من يوليو (تموز) 2024 إلى الـ30 من يونيو (حزيران) 2025 - عن أدلة قاطعة على "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" في ميانمار بوتيرة متصاعدة منذ الانقلاب العسكري عام 2021.

وتحذر شاينا باوخنر، الباحثة المختصة بشؤون آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، من أن أي تواصل مع مين أونغ هلاينغ يقوض الجهود المضنية التي يبذلها نشطاء ميانمار لمحاصرة وعزل شخص سعى مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى استصدار مذكرة توقيف دولية في حقه لارتكابه جرائم ضد الإنسانية.

وأضافت "بدلاً من مصافحة مجرم حرب مزعوم، يجب على القادة إدانة ’انتخابات‘ المجلس العسكري الهزلية علناً والتنسيق مع الحكومات المعنية الأخرى، وخصوصاً الجهات الفاعلة الإقليمية، لحرمان المجلس العسكري من أية مساعدة أو دعم تقني".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل