Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إبرة كل ستة أشهر"... جنون التجميل يجتاح الأردن

نساء دفعن أثماناً نفسية وصحية لعمليات فاشلة وسوق فوضوية بملايين الدنانير وسط تحذيرات من أطباء يخشون انفلات الظاهرة

سوق بملايين الدولارات بلا رقيب وأردنيات يدفعن ضريبة الجمال في عيادات غير مرخصة (pixabay)

ملخص

في عمان، لا تحتاج إلى أن تكون متخصصاً لتلحظ جنون "البوتوكس" و"الفيلر" وقد تسلل إلى مختلف الفئات: شابات في مقتبل العمر وأمهات، بل وحتى من محدودي الدخل. جولة قصيرة بين الأحياء تكشف كيف تبدل التجميل من رفاهية إلى ما يشبه "الضرورة"، فمحا الفوارق الفردية وخلف وجوهاً متشابهة.

كيف اجتاح "البوتوكس" و"الفيلر" ملامح الأردنيين؟

"إبرة كل ستة أشهر" باتت شعاراً غير معلن يختصر موجة التجميل التي تجتاح الأردن، حيث تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى منصات دعائية تعيد رسم معايير الجمال وتسوق وجوهاً مثالية مصنوعة.

في عمان، لا تحتاج إلى أن تكون متخصصاً لتلحظ جنون "البوتوكس" و"الفيلر" وقد تسلل إلى مختلف الفئات، شابات في مقتبل العمر وأمهات، بل وحتى من محدودي الدخل. جولة قصيرة بين الأحياء تكشف كيف تبدل التجميل من رفاهية إلى ما يشبه "الضرورة"، فمحا الفوارق الفردية وخلف وجوهاً متشابهة.

لكن خلف هذه الملامح المستنسخة تختبئ قصص أكثر تعقيداً، نساء دفعن أثماناً نفسية وصحية لعمليات فاشلة، وسوق فوضوية بملايين الدنانير تتنازعها عيادات فاخرة ومراكز غير مرخصة، وسط تحذيرات من أطباء يخشون انفلات الظاهرة.

"البوتوكس" و"الفيلر"

بحسب أطباء جلدية وتجميل يتصدر توكسين البوتولينوم (البوتوكس) و"الفيلر" قائمة الإجراءات غير الجراحية الأكثر طلباً في عيادات التجميل الأردنية خلال الفترة الأخيرة. ويستخدم "البوتوكس" كإجراء طبي وتجميلي واسع الانتشار لتقليل التجاعيد الدقيقة وعلامات التقدم في السن، إضافة إلى رفع الحاجبين أو شد الرقبة بطرق غير جراحية. أما "الفيلر" فهو مادة تحقن تحت الجلد لملء الفراغات أو التجاعيد واستعادة الحجم المفقود، ويعد من أكثر الإجراءات التجميلية غير الجراحية شيوعاً على مستوى العالم.

وتتسابق منصات التواصل الاجتماعي في بث مئات الإعلانات لعيادات ومراكز تجميلية تروج لأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الطبية، سواء عبر إجراءات بسيطة أو عمليات جراحية متقدمة. ومع وجود ما يقارب 6.38 مليون مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي في الأردن، يشكل ذلك سوقاً ضخمة للتسويق الرقمي، تضاف إليها ميزة السياحة العلاجية التي تشهد إقبالاً متزايداً على المملكة.

غير أن هذا الانتشار لم يخل من أخطار، إذ تعمل بعض المراكز والعيادات من دون ترخيص رسمي، وتقدم خدمات لا يجيز القانون ممارستها، خصوصاً في مجال العناية بالبشرة. والأسوأ أن بعضها تجاوز الإطار القانوني تماماً بممارسة نشاطه في شقق سكنية أو صالونات تجميل، مستخدماً مستحضرات مجهولة المصدر، مستغلاً نظام البيع بالتقسيط والعروض المغرية لاستقطاب الزبائن. هذه الفوضى أسفرت عن مئات الشكاوى سنوياً، مما يعكس حجم التحدي الذي يواجهه القطاع الطبي والرقابي في ضبط هذه السوق سريعة النمو.

ثقافة الوجه المفلتر

ويعد انتشار عمليات التجميل في الأردن ظاهرة حديثة نسبياً، لكن جذورها التاريخية والاجتماعية تعود إلى عوامل عدة، إذ لم تكن عمليات التجميل شائعة في الأردن، حيث كانت الثقافة المحلية تعطي الأولوية للجمال الطبيعي، وكان الاهتمام بالمظهر الجسدي ينظر إليه غالباً على أنه نوع من الترف أو الاهتمام المفرط بالذات.

بدأ هذا الهوس بالتجميل في الانتشار بصورة ملحوظة خلال العقدين الماضيين، نتيجة الانفتاح الإعلامي وانتشار القنوات الفضائية وبرامج تلفزيون الواقع، بحيث أصبحت وجوه المشاهير وعمليات التجميل التي خضعوا لها مادة للحوار والتقليد.

ومع تحسن المستوى المعيشي لدى فئات واسعة من المجتمع الأردني، أصبحت هناك قدرة شرائية أكبر للإنفاق على خدمات غير أساسية مثل التجميل، فضلاً عن تطور القطاع الطبي.

كما أدى الجيل الحالي ووسائل التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً في تسريع وتيرة هذا الهوس. وأسهم المؤثرون بدورهم في الترويج بحيث تحول "البوتوكس" و"الفيلر" من إجراء تجميلي إلى رمز للقدرة على مواكبة العصر.

يقول مراقبون إن معايير الجمال في العشرية الأخيرة لدى الأردنيين أخذت منحى مختلفاً، بفعل نشاط نحو 60 في المئة من سكان الأردن على شبكات التواصل الاجتماعي والزخم الرقمي، الذي يخلق معياراً بصرياً ملحاً ويطبع الذائقة الجماعية للجمال بصيغة واحدة، تتلاشى فيها التفاصيل لتحل مكانها أقنعة مفرطة من البحث عن الكمال.

عوامل نفسية

يؤكد متخصصون في الصحة النفسية أن الرغبة في إجراء عمليات تجميلية مثل "البوتوكس" و"الفيلر" غالباً ما تكون مدفوعة بعوامل نفسية عميقة تتجاوز مجرد الرغبة في تحسين المظهر، كاضطراب تشوه الجسم وتدني احترام الذات، وضغوط المجتمع ووسائل الإعلام التي تعرض بصورة مستمرة صوراً "مثالية" على منصات التواصل الاجتماعي مثل "إنستغرام" و"تيك توك" لمعايير جمال غير واقعية، مما يؤدي إلى "المقارنة الاجتماعية".

وفي هذا الشأن، تؤكد الاختصاصية الاجتماعية والنفسية ليلى سالم أن الأفراد الذين تعرضوا للتنمر والصدمات، أو الإهمال في الماضي قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشكلات تتعلق بصورة الجسد، قد ينظرون إلى تغيير مظهرهم كوسيلة لاستعادة السيطرة على حياتهم أو محو جزء مؤلم من ماضيهم.

أسعار متباينة

تراوح الأسعار بحسب نوع الإجراء وحال المريض، كذلك فإن بعض العيادات تقدم عروضاً خاصة أو باقات مخصصة تشمل أكثر من إجراء.

ويتحدث المستشار الصحي نعيم ياسين عن أسعار متفاوتة للعمليات التجميلية، على سبيل المثال تصل كلفة عمليات الجفون ما بين 600 و1200 دينار أردني (الدينار يساوي 1.41 دولار).

أما شد الوجه والرقبة فيراوح ما بين 3500 و4 آلاف دينار، في حين أن إجراءات معالجة التجاعيد وتجميل الذقن تراوح ما بين 600 و2000 دينار أردني حسب الحال.

وتراوح قيمة عملية شد ترهلات البطن من 2600 و3500 دينار أردني. أما تكبير الصدر وتصغيره فهو إجراء يراوح سعره ما بين 100 و3 آلاف دينار، وتراوح أسعار حقن الدهون وشفطها ما بين 800 و2500 دينار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول عاملون في مراكز تجميل إن حقن "البوتوكس" تسعر "بالوحدة" أو "بالمنطقة" المراد حقنها، لكن في المجمل تبقى الأسعار في الأردن أقل بكثير من دول أوروبية وعربية أخرى، ويحذر آخرون من أن الأسعار المنخفضة جداً أو العروض تعني في الغالب أن المنتج مجهول أو تشير إلى غياب إشراف اختصاصي متمكن ومرخص. ويكشف طبيب جلدية عن أن خمسة في المئة من الحالات التي يقوم بعلاجها هي نتيجة الإفراط في حقن الشفاه أو تحديد الفك.

يوجد في السوق الأردنية كما هي الحال في الأسواق العالمية، كثير من أنواع "البوتوكس" و"الفيلر" معظمها موثوق وآمن، لكن ثمة أصنافاً رديئة وغير مرخصة.

وتتم عملية استيراد المستحضرات التجميلية في الأردن، بما في ذلك "البوتوكس" و"الفيلر"، تحت رقابة صارمة من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأردنية التي تضمن أن تكون هذه المنتجات مطابقة لمعايير الصحية العالمية.

أخطار ومتضررون

وثمة أخطار طبية ناجمة عن هذا الهوس تبدأ من زرقة الشفاه وتنتهي بالعمى أو التشويه والإصابة بعاهات مستدامة، فعلى رغم شيوع إجراءات الحقن وبساطتها التسويقية، فإن كثيراً من أطباء الجلدية وجراحات التجميل يجمعون على أن الحقن ليست بلا أخطار.

ويذكر بعض الأطباء على سبيل المثال الانسداد الوعائي الذي قد يقود إلى نخر جلدي أو فقدان جزئي وكامل للرؤية عند الحقن بطرق خاطئة في مناطق عالية الخطورة كالأنف والجبهة. وثمة تقديرات عالمية حول الإصابة بالعمى المرتبط ب"الفيلر" بمئات الحالات سنوياً.

تروي إحدى السيدات، التي فضلت عدم ذكر اسمها، كيف تحولت تجربتها مع إحدى عيادات التجميل في عمان إلى كابوس صحي ونفسي لا تزال تعاني تبعاته حتى اليوم. وتقول إنها كانت مغتربة وعادت إلى الأردن أواخر عام 2023، ولاحظت عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات مكثفة لطبيبة تجميل مشهورة في عمان، فقررت تجربة الجلسات. تضيف "حين قصدت العيادة، فوجئت بالفخامة وكثرة المراجعات داخلها، مما أعطاني انطباعاً بالثقة. وبعد ساعات من بقائي هناك، نجحت الطبيبة في إقناعي بحقن مادة ’الفيلر‘، مؤكدة أن النتيجة ستكون مثالية، لكن بعد جلسات عدة سرعان ما بدأت أعاني تورماً شديداً وأعراضاً غير طبيعية. وعندما طلبت توضيحاً، طمأنتني الطبيبة بأن ما يحدث هو ’ضريبة الجمال‘. إلا أن وضعي ازداد سوءاً، حتى إن شفاهي تشوهت، واضطررت للجوء إلى أطباء آخرين لمحاولة إذابة المادة التي اتضح لاحقاً أنها ليست ’فيلر‘ طبي معتمد بل مادة بلاستيكية غير مرخصة من مؤسسة الغذاء والدواء".

الصدمة الكبرى - كما تروي السيدة - كانت "حين اكتشفت أن من تعاملت معها ليست طبيبة أصلاً، بل شخص ينتحل صفة طبيب ويمارس عمله بعيادة غير مرخصة، سبق أن أغلقت أكثر من مرة بالشمع الأحمر، لكنها تعود للعمل وكأن شيئاً لم يكن".

فوضى التجميل

إلى جانب قصة هذه السيدة ثمة كثير من شكاوى لمرضى تكشف فوضى مالية وتنظيمية داخل قطاع التجميل عموماً في الأردن، من بينها غياب تسعيرة العمليات أو ما يحدد كلفة الطبيب والتخدير والإجراءات، في ظل تفاوت كبير في الأسعار وغياب الرقابة على آلية الدفع والفواتير. فضلاً عن ضغوط تمارس على المريضات للإسراع في الحجز والدفع مما يعكس انعدام الشفافية والرقابة. في حين أن بعض العمليات تجرى على يد أطباء لا يحملون أي تصريح رسمي لمزاولة جراحة التجميل.

وتقر وزارة الصحة الأردنية بوجود ثغرات تشريعية في قانون المسؤولية الطبية، إذ إن العقوبات المعمول بها حالياً تعتبر متساهلة ولا تزيد في بعض الحالات على غرامة مالية تقدر بـ500 دولار.

وتصف جمعية جراحي التجميل ما يجري من مخالفات في هذا القطاع بأنه جريمة تهدد حياة الناس وسمعة الأردن. وهنا يشير رئيس جمعية جراحي التجميل والترميم، جرير الخالدي، إلى ضرورة تضافر الجهود بين وزارة الصحة والنقابات المهنية ومجلس النواب والجهات القضائية لضمان حماية المرضى وصون سمعة الطب الأردني، مشدداً على أن المخالفات الفردية، إذا لم تتم معالجتها، تؤثر في سمعة القطاع بأكمله.

ويوضح رئيس شكاوى نقابة الأطباء، محمد حسن الطراونة، أن النقابة رصدت تجاوزات عدة ضد أطباء غير مرخصين، وأن بعض المستشفيات الخاصة فتحت أبوابها لهم متجاهلة المسؤولية القانونية، وأكد أن النقابة بالتعاون مع وزارة الصحة تتخذ الإجراءات التأديبية، بما يشمل منع ممارسة المهنة ومحاسبة المتورطين.

إحصاءات ومؤشرات

بحسب وزارة الصحة الأردنية تجاوز عدد الشكاوى المقدمة ضد مراكز التجميل العام الماضي 1355 شكوى، في وقت أكدت فيه نقابة الأطباء الأردنيين أن قطاع التجميل يشكل ثلث الشكاوى التي تدرسها لجانها المتخصصة وتجري إحالة بعضها على المجلس التأديبي.

أما عدد المراكز غير المرخصة التي أغلقت في الأعوام الأخيرة وإحالة القائمين عليها للنائب العام، فقد زادت على 160 مركزاً.

وطوال أعوام مضت، كشفت المؤسسة العامة للغذاء والدواء عن ضبطها كميات كبيرة من المستلزمات الطبية التجميلية غير المرخصة والمجهولة المصدر أو تلك المنتهية الصلاحية.

وتؤكد وزارة الصحة بدورها أن حقن "البوتوكس" و"الفيلر" يجب أن تكون حصراً ضمن الممارسة الطبية المرخصة وبيد مؤهلين، وأن مراكز العناية بالبشرة غير مخولة بالحقن، في مسعى منها إلى ضبط الإعلانات الطبية على منصات التواصل وتنظيم القطاع.

سوق بـ500 مليون دولار

تعد سوق "البوتوكس" و"الفيلر" في الأردن جزءاً لا يتجزأ من قطاع التجميل الأوسع، الذي يشهد نمواً ملحوظاً، ولا توجد إحصاءات دقيقة حولها، لكن بعض التقديرات تقول إن حجم سوق مستحضرات التجميل في الأردن بلغ نحو 500 مليون دولار أميركي عام 2023.

وتشير تقارير غرفة صناعة الأردن إلى أن قطاع الصناعات الكيماوية ومستحضرات التجميل يشهد تطوراً مستداماً، إذ يغطي ما يقارب 79 في المئة من حجم السوق المحلية.

ويشكل أطباء الجلد والجراحة التجميلية المتخصصون في الحقن اللاعبين الأساسيين في هذه السوق، إضافة إلى شركات الاستيراد والتوزيع والعيادات والمراكز التجميلية.

رجال ونساء

وعلى رغم كون النساء يمثلن الفئة الأكبر والأكثر إقبالاً على حقن "البوتوكس" و"الفيلر"، فإن ثمة إقبالاً من الرجال الأردنيين اليوم على هذه الإجراءات.

تشير بعض الدراسات غير الرسمية إلى أن نسبة الرجال قد وصلت إلى ما يقارب 35 في المئة من إجمال العمليات التجميلية، بخاصة "الفيلر" الذي يستخدم لتحديد خط الفك والذقن وتعزيز الملامح الذكورية.

ويشير استطلاع للرأي لطالبات جامعة اليرموك شمال الأردن حول تأثير الفلاتر على تطبيقات التواصل الاجتماعي على الرغبة في الخضوع لإجراءات تجميلية، أن 72 في المئة يستخدمن الفلاتر بانتظام.

في سياق متصل أظهرت دراسة استكشافية حول مدى وعي البالغين بمختلف الإجراءات التجميلية للباحث صفوان العدوان، أن نسبة الراغبين بالخضوع لإجراء تجميلي مستقبلاً 87 في المئة من الإناث و35 في المئة من الذكور.

وفي دراسة عن اضطراب تشوه الجسم بين المترددين على عيادات الجلدية في مستشفى الجامعة الأردنية، خضع نحو 1500 مشارك لفحص نفسي، وأظهر الفحص أن انتشار اضطراب تشوه الجسم بلغ نحو 78 في المئة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات