Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

آبي أحمد يقرع طبول الحرب بوصفه استقلال إريتريا بـ"الخطأ التاريخي"

اعتبرت مصادر دبلوماسية أن هذا الكلام يحمل مؤشرات واضحة بعدم اعتراف رئيس الوزراء الإثيوبي بسيادة أسمرة على أراضيها وسواحلها

قال آبي أحمد "منذ ثلاثة عقود فقط كنا نمتلك منافذ بحرية على سواحل البحر الأحمر، والخطأ التاريخي الذي حدث ينبغي تصحيحه بيسر" (التلفزيون الإثيوبي)

ملخص

ردت المندوبة الدائمة لإريتريا لدى الأمم المتحدة السفيرة ‏صوفيا تيسفامريام على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بالقول "الطموح وحده لا يكفي لإعادة رسم الخرائط"، واصفة تصريحاته بأنها بمثابة الأسطوانة المكررة التي أدت إلى إشعال عدد من النزاعات في هذه المنطقة، وأضافت أن قادة إثيوبيا ما زالوا أسرى هذه الأسطورة الإمبراطورية، "متغافلين عن التزامات القانون الدولي، ومواثيق الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، التي تنص على قدسية الحدود المعترف بها دولياً".

أثارت التصريحات التي أدلى بها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد جدلاً في الأوساط السياسية والدبلوماسية، بخاصة ما يتعلق منها بكلامه حول فقدان بلاده السواحل البحرية في بداية تسعينيات القرن الماضي. وقال أحمد، في حوار مطول لـ"التلفزيون الإثيوبي" من أمام بحيرة سد النهضة الإثيوبي، "إن بلاده حققت انتصاراً كبيراً ببنائها هذا السد على النيل الأزرق"، مشيراً إلى أنها ظلت محرومة من الاستفادة من ثروتها المائية أكثر من 10 قرون مضت.

وبطريقة أثارت كثيراً من الجدل، ووصفها مراقبون أنها تفتقد البعد السياسي والدبلوماسي، قال رئيس الوزراء الإثيوبي إن "بلاده فقدت سيطرتها على موانئها على البحر الأحمر منذ ثلاثة عقود مضت"، واصفاً الأمر بأنه "خطأ تاريخي ينبغي تصحيحه"، وذلك في إشارة إلى استقلال إريتريا عن إثيوبيا بعد ثلاثة عقود من الحرب بينهما، إذ كانت إريتريا اقترنت باتحاد فيدرالي مع إثيوبيا في الـ15 من سبتمبر (أيلول) عام 1952، قبل أن يقرر الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي بقرار أحادي إلغاء الاتحاد الفيدرالي، وضم إريتريا قسراً إلى الإمبراطورية الإثيوبية في الـ15 من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1962، لتصبح بذلك إريتريا مقاطعة إثيوبية، مما أدى إلى اندلاع الثورة الإريترية للاستقلال في الفترة ذاتها.

وتابع آبي أحمد "منذ ثلاثة عقود فقط كنا نمتلك منافذ بحرية على سواحل البحر الأحمر، والخطأ التاريخي الذي حدث ينبغي تصحيحه بيسر".

واعتبر مراقبون أن التصريحات الأخيرة حول عدم اعتراف آبي أحمد بالاستقلال الإريتري مؤشر خطر يغذي التكهنات برغبة أديس أبابا في شن حرب على إريتريا، بحجة استعادة المنافذ البحرية.

واعتبرت مصادر دبلوماسية أن هذا الكلام يحمل مؤشرات واضحة بعدم اعتراف رئيس الوزراء الإثيوبي باستقلال إريتريا وسيادتها على أراضيها وسواحلها، الذي استند على قرار مجلس الأمن الدولي الذي جرى إقراره في الـ26 من مايو (أيار) عام 1993، لتصبح إريتريا دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، في أعقاب استفتاء شعبي عام أشرفت عليه الأمم المتحدة، واعترفت إثيوبيا بنتائجه التي بلغت نحو 99.83 في المئة لصالح الاستقلال.

 

أطماع توسعية

من جهتها، ردت المندوبة الدائمة لإريتريا لدى الأمم المتحدة السفيرة ‏صوفيا تيسفامريام على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بالقول "الطموح وحده لا يكفي لإعادة رسم الخرائط"، واصفة تصريحاته بأنها بمثابة الأسطوانة المكررة التي أدت إلى إشعال عدد من النزاعات في هذه المنطقة، وأضافت أن قادة إثيوبيا ما زالوا أسرى هذه الأسطورة الإمبراطورية، "متغافلين عن التزامات القانون الدولي، ومواثيق الامم المتحدة والاتحاد الأفريقي التي تنص على قدسية الحدود المعترف بها دولياً"، وتابعت "طوال الأعوام الـ70 الماضية، غذى هذا الهوس المتعلق بتوفير منفذ إلى البحر نزاعات عدة، من حروب شاملة إلى اشتباكات حدودية ومواجهات عسكرية، خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وعدداً لا يحصى من الجرحى، مما أسهم في تدمير اقتصاديات المنطقة، من خلال تحويل الموارد الأساسية للبلاد نحو ساحات الحرب عوض توجيهها لإحداث نهضة تنموية"، مشيرة إلى أن ما بدأ كهوس استراتيجي للإمبراطور سيلاسي في خمسينيات القرن الماضي تحول إلى صدمة وطنية متكررة ومكلفة، إذ انهارت البنى التحتية تحت الهجمات المتكررة، وتراجعت التجارة والصناعة، وتآكل التماسك الاجتماعي، وأضافت تيسفامريام "لقد دفعت المنطقة ثمن هذا الوهم من قبل، وها هو الوهم ذاته يعاد تكراره على لسان الحكام الحاليين. سر تحقيق الازدهار لا يقبع خلف الحدود، بل من خلال تبني خطط وطنية تنموية تستحضر الحقائق الجغرافية والقانونية، وخلق فرص حقيقية للسلم في المنطقة، إذ لا أحد من شعوب القرن الأفريقي بحاجة إلى دفع ثمن أحلام حكام إثيوبيا التي تنجرف أبعد فأبعد في البحر، لقد حان الوقت لوضع حد لهذا الخطاب العدائي". ونوهت إلى أن إريتريا وجيبوتي والصومال ليست سواحل احتياطية بانتظار إعادة التوزيع، مضيفة "كون الدولة حبيسة هو تحد لوجستي، لا ظلماً تاريخياً، ويمكن حله عبر اتفاقات التجارة والدبلوماسية، لا عبر مظالم مصطنعة أو إكراه"، وقالت أيضاً "البحر الأحمر الإريتري ليس للإيجار، وإريتريا ليست ممراً قصيراً، ولا ورقة مساومة، ولا وسيلة لتحقيق أهداف جيوسياسية أو اقتصادية لغيرها. ومهما طرقت الأبواب أو أرسلت الرسائل، فلكل دولة سيادتها القانونية، التي لا يمكن تجاوزها لتحقيق الاحتياجات الداخلية أو الطموحات الإقليمية لإثيوبيا".

وأكدت في تصريحات نشرتها على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، "أن اعتقاد قادة إثيوبيا أن بلادهم تتعرض لظلم تاريخي لكونها دولة حبيسة، أمر يتناقض مع الواقع الدولي، إذ توجد أكثر من 44 دولة حبيسة في العالم، لم تسع يوماً إلى تغيير الواقع الجغرافي"، مشيرة إلى أن الحجج التي تكررها نخب أديس أبابا حول حجم السكان المتعاظم، والتطلع للنمو الاقتصادي، لا يمكن أن تمثل مسوغاً قانونياً لإعادة رسم الخرائط، "كما لا يمكن أن تعلو على حقيقة الاستقلال الإريتري الذي انتزع بجهد وتضحيات كبيرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مطالب شرعية

بدوره رأى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن التصريحات التي أدلى بها آبي أحمد بمناسبة اكتمال سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، تنسجم مع تطلعات الإثيوبيين لتوفير ممر آمن نحو البحر الأحمر، مشيراً إلى أن ما سماه "الخطأ التاريخي" لا يتعلق باستقلال إيريتريا كأمر أصبح واقعاً دولياً متعارفاً عليه، "لكن في صيغة الاتفاق الذي وقعته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عام 1993، مع حليفتها في أسمرة الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، وكان من الواجب أخد حاجة إثيوبيا إلى المنفذ البحري في الاعتبار، والوصول إلى اتفاقات قانونية محددة، تسمح لإثيوبيا باستغلال المنافذ البحرية بصيغة تفصيلية قبل قبول مبدأ استقلال إريتريا"، وأضاف "ثمة حجج قانونية أخرى كان بوسع قادة الجبهة الاستفادة منها، من بينها أن أقليم دنكاليا الذي يضم ميناء عصب، كان يخضع للحكم الذاتي في فترة حكم نظام منغستو هيلا مريام، وكان يستوجب النظر في ما يحقق التطلع الإثيوبي لتأمين منفذ بحري، من خلال التعاطي مع ميناء عصب باعتباره خاضعاً لحكم ذاتي، على عكس ما كان سائداً في بقية الأقاليم الإريترية الأخرى"، وذكر غيداون أن عدداً من المذكرات التي كتبها سياسيون ودبلوماسيون غربيون أشارت إلى هذه المسائل، "إلا أن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ملس زيناوي، الذي كان يتعجل حكم إثيوبيا، وواقعاً تحت سطوة وتأثير الزعيم الإريتري أسياس أفورقي، عزف عن مناقشة المسائل الجوهرية المتعلقة بمستقبل إثيوبيا بعيداً من البحر الأحمر، بخاصة أنه كان يخشى من أن ينازعه أفورقي النفوذ في هذه المنطقة بما فيها إثيوبيا، ومن ثم سعى إلى التخلص من إريتريا بأي ثمن"، من دون الأخذ بالحسبان حجم الخسائر الناجمة عن فقدان إثيوبيا المنافذ البحرية. واستشهد غيداون بالحرب الإريترية - الإثيوبية التي اندلعت بعد خمس سنوات من إعلان استقلال إريتريا، على خلفية التنازع حول مثلث بادمي الحدودي، كدليل على محاولة زيناوي إصلاح الخطأ التاريخي المتعلق بفقدان المنافذ البحرية، وأشار إلى أن فتح "جبهة بوري" البعيدة من محيط بادمي، والقريبة من ميناء عصب، كان هدفها الرئيس استعادة جزء من المنافذ البحرية المفقودة، موضحاً أن تلك المحاولات لم تكلل بالنجاح لأسباب عسكرية، لكن مسوغها الجيوسياسي والاقتصادي ما يزال قائماً.

القوة والنفوذ                                 

وفي رده على قانونية مثل هذه الحلول، رأى أن ثمة تجارب عدة في العالم، لم يتمكن القانون الدولي من منع حدوثها، آخرها التجربة الروسية في أوكرانيا وما انتهت إليه حتى الآن، ولفت إلى أن "المطلب الإثيوبي كما تكرر خلال العامين الماضيين، يستند إلى الحلول السلمية بالدرجة الأولى، لكنه لا يستبعد الحلول الأخرى في حال تعثرت كل المحاولات السلمية"، مشيراً إلى أن تخريج إثيوبيا دفعة أولى من القوات البحرية "قد يكون  مؤشراً لهذا التوجه الساعي إلى العودة لسواحل البحر الأحمر"، لكن في الوقت نفسه، شكك غيداون في جدية آبي أحمد في ما يخص التحرك العسكري لتحرير ميناء عصب بالقوة، في الأقل خلال الوقت الراهن، وذلك لسببين مهمين، "أولهما أن الجيش منهك في حروب داخلية، وثانيهما أن ثمة احتمالاً قوياً أن يكون هدف كل هذه الحملات حول العودة للبحر الأحمر، دعائي الطابع غايته استعادة الشرعية السياسية، بخاصة بعد تآكل شعبية النظام في حروبه الداخلية، لا سيما في تيغراي وأمهرة وأوروميا".                                             

حروب الوكالة

من جهته رأى المختص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبو هاشم أن التصريحات الأخيرة لآبي أحمد وأعمدة نظامه "تأتي في إطار عزم النظام الإثيوبي خوض حروب بالوكالة، بهدف زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي لحساب بعض القوى الإقليمية والدولية، بغرض إطالة عمر النظام الذي يفتقد الشرعية السياسية اللازمة للاستمرار في الحكم، بخاصة بعد الحروب المتوالية التي خاضها ضد الأقاليم الإثيوبية خلال الأعوام الخمسة الماضية"، وتابع أبو هاشم "إذا كان ثمة خطأ تاريخي حقيقي فيتمثل في موقف ملوك إثيوبيا وسعيهم إلى تقويض مبدأ حق تقرير المصير لشعوب منطقة القرن الأفريقي أثناء فترة الاستعمار الأوروبي للقارة الأفريقية"، مضيفاً "في الوقت الذي أتيحت فيه فرصة تاريخية أخرى أمام الإمبراطور سيلاسي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، لدعم استقلال الشعوب المجاورة وتعزيز استقرار المنطقة والمساهمة في ازدهار القرن الأفريقي، آثر التحالف مع البريطانيين والأميركيين لتقويض الاستقلال الإريتري، وأقدم على إلغاء النظام الفيدرالي، وضم إريتريا قسراً إلى إثيوبيا، مما استدعى قيام ثورة مسلحة تمكنت من تحرير كامل التراب الإريتري بعد ثلاثة عقود من النضال"، وأشار أبو هاشم إلى أن هذا "الخطأ التاريخي" لحكام إثيوبيا حاول تصحيحه رئيس الوزراء الإثيوبي السابق سبق مليس زيناوي عندما وافق على ممارسة الشعب الإريتري حقه في تقرير المصير  عبر استفتاء شعبي أجري تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1993، ونوه إلى أن وصف تلك الخطوة المعترف بها دولياً بـ"خطأ تاريخي" من رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد "يكشف عن الذهنية التوسعية القديمة لحكام إثيوبيا الذين يتعاملون مع حدود الدول المجاورة باعتبارها كعكة يتعين اقتسامها بما يخدم مصالح نظامهم السياسي ويوسع نفوذهم الإقليمي"، وتابع "حدود إريتريا مرسمة من الاستعمار الإيطالي والفرنسي والإنجليزي، مما يجعلها من أكثر الحدود وضوحاً، لأنها أقرت بموجب معاهدات دولية غير قابلة للتعديل أو التحريف، إضافة إلى أن اتفاق الجزائر عام 2000، الموقع بين الحكومتين الإثيوبية والإريترية وبرعاية دولية، أقر بهذه الحدود الموروثة من الاستعمار الأوروبي، وبذلك لا وجود لما يسمى خطأ تاريخياً في الاعتراف بهذه الحدود، وليس ثمة إمكان لإعادة ترسيم حدود دولة عضو في الأمم المتحدة".                                               

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير