Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رئيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني: السلاح فقد دوره... وهذه عقدة المخيمات

رامز دمشقية: عدد الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز 200 ألف شخص، وهم طاقة بشرية يمكن أن ترفد الاقتصاد

ملخص

تشهد العلاقات اللبنانية – الفلسطينية مرحلة مفصلية مع انطلاق عملية تجريد المخيمات من السلاح وتسليمه إلى الدولة اللبنانية، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من 50 عاماً.

يؤكد رئيس لجنة الحوار اللبناني– الفلسطيني السفير رامز دمشقية أن القرار اتُخذ ويشمل كل المخيمات من دون استثناء، لافتاً إلى أن السلاح لم يعد يحمي الفلسطينيين بل يغطي العصابات، وأن الهدف هو إنهاء الملف قبل نهاية العام الحالي.

على امتداد 50 عاماً، ظلت العلاقات اللبنانية– الفلسطينية أحد أبرز الملفات التي هزت الاستقرار الداخلي اللبناني، بعدما تحولت المخيمات الفلسطينية من ملاذ للاجئين إلى بؤر مسلحة وصندوق بريد إقليمي استُخدم لتصفية الحسابات.

لم يكن لبنان في معزل عن الصراع العربي– الإسرائيلي ولا عن التنافس الإقليمي، بل وجد نفسه ساحة مفتوحة لتدخلات متناقضة غذاها سلاح المخيمات، فدخل في متاهات وصراعات وأزمات لم يخرج منها بعد.

منذ عام 2010، أبدى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تصميماً على وضع حد لهذه الحالة، التي كرسها فعلياً اتفاق القاهرة الموقع عام 1969، وقد طرح الرئيس عباس للمرة الأولى فكرة تسليم السلاح الفلسطيني للدولة اللبنانية مع الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان والذي كان جاداً في المضي بالتنفيذ.

لكن المبادرة أُجهضت بفعل تقاطع عوامل محلية وإقليمية: من جهة، هيمنة حركة "حماس" على القرار الفلسطيني الخارجي آنذاك وبالتالي رفضها التام لتسليم أي سلاح. ومن جهة ثانية، سيطرة "حزب الله" وحلفائه على القرار اللبناني بدعم مباشر من النظام السوري بقيادة الرئيس السابق بشار الأسد وتنفيذاً لقرار استراتيجي إيراني هدفه إبقاء المخيمات ورقة ضغط أمنية في لبنان.

تبدل المعادلة ومقاربة ملف السلاح 

ومع انتخاب الرئيس جوزاف عون في يناير (كانون الثاني) الماضي، تبدلت المعادلة. وجاء خطاب القسم والبيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام ليؤكدا أن السلاح يجب أن يكون حصراً بيد الدولة. هذا الموقف ثبت بعد قمة استثنائية جمعته بالرئيس محمود عباس في بيروت خلال مايو (أيار) الماضي، وحينها أعيد فتح ملف تسليم السلاح بجدية غير مسبوقة. عباس كشف لاحقاً أنه أرسل وفوداً متعاقبة إلى العاصمة اللبنانية لترجمة المبادرة، لكنه اصطدم بعراقيل داخلية من الجانبين. ولتجاوزها، لجأت السلطة الفلسطينية إلى تغييرات تنظيمية جذرية، شملت إزاحة السفير الفلسطيني السابق أشرف دبور وعدد من المسؤولين الأمنيين المقربين كما قالت تقارير إعلامية من محور "الممانعة" في لبنان.

ووفق المعلومات، هناك تحضيرات وشيكة لتسلم الجيش اللبناني أسلحة "فتح" من نهري البارد والبداوي شمالاً، فيما أطلق بعيداً من الأضواء، مسار اتصالات مكثفة مع "حماس" وسائر الفصائل، تحت عنوان ألا تراجع عن تنفيذ القرار. وقد التقى رئيس لجنة الحوار اللبناني– الفلسطيني السفير السابق رامز دمشقية ممثل "حماس" في بيروت الدكتور أحمد عبد الهادي، فيما يُنتظر لقاء مبدئي مع "تحالف القوى الفلسطينية" الذي يضم فصائل خارج إطار منظمة التحرير، وتملك السلاح في المخيمات الفلسطينية.

وبذلك، أبلغت الدولة اللبنانية جميع القوى الفلسطينية أن القرار نافذ ولا مجال للتملص منه، على أن يُنفذ بآليات مرنة بعدما تعذر الالتزام بالروزنامة الزمنية السابقة، التي كان يُفترض أن تبدأ على مراحل ثلاث منذ 15 يونيو/ حزيران) الماضي. ولإحراج الفصائل المترددة، بادرت "فتح" إلى تسليم سلاحها أولاً، لتضع الجميع أمام الأمر الواقع.


السلاح الفلسطيني فقد دوره

في مقابلة مع "اندبندنت عربية"، كشف رئيس لجنة الحوار اللبناني– الفلسطيني السفير رامز دمشقية، تفاصيل ما جرى في المرحلة الأولى من تسليم السلاح الفلسطيني، والآليات المعتمدة، والتعقيدات التي تواجه استكمال العملية، بخاصة في مخيم عين الحلوة جنوب مدينة صيدا، وصولاً إلى الأبعاد السياسية والأمنية لهذه الخطوة التاريخية.

يؤكد دمشقية أن فكرة تسليم السلاح الفلسطيني ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى مبادرات أطلقها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العامين 2010 و2011. غير أنها اصطدمت حينها بجدار الانقسام السياسي اللبناني، وبتوازنات فرضها "حزب الله" وحلفاؤه، ما حال دون ترجمتها عملياً، كما يقول.

ويضيف "اليوم الوضع مختلف. خطاب قسم الرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام أعلنا بوضوح أن السلاح يجب أن يكون حصرياً بيد الدولة. هذا الموقف تزامن مع زيارة الرئيس عباس إلى بيروت في مايو الماضي، حيث تم الاتفاق على خطة واضحة لسحب السلاح من المخيمات، بعدما تبين أن هذا السلاح لم يعد يؤدي الغاية التي أُنشئ من أجلها، أي تحرير فلسطين".

يوضح دمشقية أن الاتفاق احتاج إلى بعض الوقت كي ينطلق عملياً، وذلك بسبب إعادة هيكلة التمثيل الفلسطيني في لبنان، ويقول "تغير السفير أشرف دبور، كما أجريت تعديلات واسعة في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للسلطة الفلسطينية داخل لبنان. هذه التغييرات أجلت التنفيذ قليلاً، لكنها كانت ضرورية لضمان أن تكون هناك سلطة فلسطينية واحدة قادرة على اتخاذ القرار ومتابعته ميدانياً".

البداية الرمزية لسحب السلاح

يستعيد دمشقية اللحظة الأولى قائلاً "بدأت أول تجربة في مخيم برج البراجنة في العاصمة اللبنانية، وصحيح أن الكمية كانت محدودة، وانتقدها البعض واعتبرها أشبه بأكياس بطاطا أو بندورة (في إشارة إلى سخرية عبر عنها البعض)، لكنها كانت تجربة رمزية لقياس ردود الفعل، وللتأكد من المسار اللوجستي".

ويشدد أن ما حصل في مخيم برج البراجنة لم يكن مسرحية، بل أول دفعة سلاح تُسلم منذ 40 سنة، وبالتالي تحمل رمزية ودلالات بالغة الأهمية، حتى لو كانت الكمية صغيرة.

وبعد التجربة الأولى، جاءت الخطوة الأهم من جنوب نهر الليطاني، في نطاق القرار الدولي 1701. وهنا يكشف دمشقية أنه "في مخيم الرشيدية تم تسليم ست شاحنات محملة بالصواريخ والأسلحة الثقيلة، فيما سلم مخيم البص شاحنة واحدة، وأخرى من البرج الشمالي. هذه الكمية لا يمكن الاستهانة بها، والأجهزة الأمنية ومخابرات الجيش قادرة على التأكد من ذلك".

ويضيف أن ما جرى جنوباً عكس "تنظيماً وفعالية أكبر بكثير من تجربة برج البراجنة، حيث جُمعت الأسلحة من قبل السلطة الفلسطينية نفسها، وسُلمت إلى الجيش اللبناني خارج المخيمات وفق لوائح دقيقة، من دون أي دخول للجيش إلى داخلها، وهو ما يبدد المخاوف من أي احتكاك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عين الحلوة: العقدة الأصعب

في الأيام اللاحقة، استُكملت العملية في بيروت، حيث جرى تسليم شحنة من مخيم برج البراجنة، وأخرى من مار الياس، إضافة إلى شحنتين من مخيم صبرا وشاتيلا. وبذلك، كما يتابع رئيس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني، يمكن القول إن ملف بيروت وجنوب الليطاني قد أُقفل من ناحية السلاح الثقيل التابع للسلطة الفلسطينية والتحالفات المرتبطة بها".

ويكمل دمشقية أن "العقدة الكبرى تبقى في عين الحلوة والمية ومية في صيدا، إلى جانب البداوي في الشمال والجليل في البقاع. عين الحلوة تحديداً أكثر تعقيداً، لأن عدد الفصائل فيه أكبر وبعضها أكثر تشدداً. لكن القرار واضح لا بد من سحب السلاح قبل نهاية السنة، وهو التزام قطعه لبنان على نفسه".

ويشرح أن المعالجة ستكون بالتفاهم "نحن لا نريد اقتحام المخيمات. المفاوضات والتفاهمات مع الفصائل ستُظهر أن القرار يخدم مصلحة اللبنانيين والفلسطينيين معاً. الجيش اللبناني قادر على حماية الجميع، وبالتالي لا مبرر للتمسك بالسلاح تحت شعار الخوف من تكرار مجازر مثل صبرا وشاتيلا". (في إشارة إلى تلك التي حصلت في ثمانينيات القرن الماضي).

أبعاد لبنانية ودولية

يعتبر دمشقية أن هذا المسار "ليس مجرد مطلب لبناني داخلي، بل أممي من خلال قرارات مجلس الأمن مثل 1559 و1701، فضلاً عن كونه استجابة لتوازنات إقليمية جديدة". لكنه يصر على أن "جوهر القرار لبناني، وهو يعكس إرادة الدولة في استعادة سيادتها على كامل أراضيها".

يبدو واضحاً أن الدولة اللبنانية ليست في وارد الاكتفاء بتسليم حركة "فتح" سلاحها، يؤكد دمشقية ويتابع أن "القرار يشمل كل الفصائل الفلسطينية. صحيح أن السلطة بادرت وسلمت سلاحها الثقيل في بيروت والجنوب، لكن هناك أطراف أخرى ما زالت تحتفظ بسلاحها، وهي أيضاً مطالبة بتسليمه... لا استثناءات في هذا المجال".

ويشير إلى أن اتصالات ولقاءات مكثفة تُجرى بهدوء مع مختلف القوى الفلسطينية في الشمال والبقاع، استعداداً لخطوات مقبلة في مخيمي نهر البارد والبداوي، وكذلك في الجليل، "المسار انطلق ولن يتوقف، والدولة حازمة في تنفيذه بدعم كامل من الرئيس محمود عباس".


من العسكرة إلى المدنية

في معرض رده على الأصوات الفلسطينية التي ترى في السلاح ضمانة، يوضح دمشقية "السلاح لم يحم المخيمات في الماضي، ولن يحميها في المستقبل. بالعكس، بات غطاء لعصابات المخدرات والدعارة. سكان المخيمات أنفسهم مرتاحون لانخفاض مستوى السلاح، لأنهم يعرفون أنه يشكل خطراً عليهم أكثر مما يشكل حماية".إلى جانب البعد الأمني، يرى دمشقية أن العملية تفتح أفقاً اجتماعياً واقتصادياً مهماً "المخيمات الفلسطينية تعيش اليوم مرحلة انتقالية من واقع العسكرة إلى الطابع المدني. صحيح أن الأمر يحتاج إلى وقت، لكنه سيفضي في النهاية إلى اندماج أفضل للفلسطينيين في المجتمع اللبناني، وإلى تخفيف المخاوف المتبادلة".

ويضيف أن عدد الفلسطينيين في لبنان أقل بكثير من الأرقام المتداولة، ولا يتجاوز 200 ألف. هؤلاء يشكلون طاقة بشرية يمكن أن ترفد الاقتصاد اللبناني بدل أن تبقى محصورة في إطار المخيمات المسلحة. عندما يتحول الفلسطيني من مقيم في مخيم عسكري إلى فرد في مجتمع مدني، يسهل على اللبناني أن يتقبله ويمنحه حقوقاً إنسانية أساسية.

الحقوق والقيود

لا يخفي دمشقية وجود مظالم في واقع الفلسطينيين، ويقول "هناك غبن كبير. الفلسطيني لا يستطيع الحصول على رخصة سوق بسهولة، ولا يمكنه ممارسة مهن حرة كالهندسة أو المحاماة أو الطب، حتى لو كان يحمل شهادات عليا. هذا الوضع غير منطقي، ولا بد من تغييره تدريجاً عبر تعديل القوانين والأنظمة".

ويشير إلى أن "بعض النقابات تحتاج إلى إصلاحات، وبعض المراسيم التطبيقية يجب أن تصدر. الأمر يتطلب وقتاً وتشريعات، لكن الهدف هو الانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقة، تُبنى على حقوق وواجبات متبادلة".

الذاكرة المشتركة بين اللبنانيين والفلسطينيين

يتوقف دمشقية عند ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، معتبراً أنها ما زالت تشكل عائقاً نفسياً و"الفلسطينيون يتذكرون ما حصل في مخيمي تل الزعتر وصبرا وشاتيلا، كذلك يتذكر اللبنانيون أحداث الرملة البيضاء وعين الرمانة. هذه ترومات (صدمات) متبادلة، حتى لو لم يعشها الجيل الحالي. لا بد من تجاوزها عبر مصالحة حقيقية، وإخراج الفلسطيني من حالة العزلة والحصار".

يختم بالتشديد على أن "القرار هو تجريد كل المخيمات من السلاح، وليس فقط فتح أو بيروت أو الجنوب. الهدف أن يُنجز هذا المسار قبل نهاية العام، ونحن ملتزمون بذلك. لا عودة إلى الوراء، ولا مكان بعد اليوم لسلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات