ملخص
خطة دمشق الأولية تستند إلى منح المحافظات السورية هامشاً لإدارة موازناتها في إطار سبل التطوير المحلي الداخلي لكل محافظة، على أن تبقى تلك المحافظات محكومة بقبضة أجهزة الجيش والأمن والاستخبارات والشرطة التي تتبع مباشرة للإدارة العامة في دمشق.
تتجه سلطات دمشق نحو اعتماد مبدأ اللامركزية الإدارية في كل المحافظات السورية عقب الانتهاء من ملف انتخابات مجلس الشعب أواخر سبتمبر (أيلول) الجاري، ومن أجل هذا الهدف تعقد اجتماعات مكثفة تبحث في آليات التنفيذ الممكنة والشكل الإداري الأمثل، وقد حققت تقدماً على صعيد رؤيتها لوضع تصور شبه نهائي للملف.
وبحسب مصادر سورية، فإن رؤية دمشق تنطلق باعتماد اللامركزية عبر إشراك جميع السوريين في شؤون البلاد التنموية والمالية التي يمكن من خلالها بناء مستشفيات ومدارس وشؤون خدمية أخرى، بالتالي منح المحافظات مساحة إدارية خاصة.
لا مركزية محكومة بالجيش والأمن
خطة دمشق الأولية تستند إلى منح المحافظات السورية هامشاً لإدارة موازناتها في إطار سبل التطوير المحلي الداخلي لكل محافظة، على أن تبقى تلك المحافظات محكومة بقبضة أجهزة الجيش والأمن والاستخبارات والشرطة التي تتبع مباشرة للإدارة العامة في دمشق.
خطوة لتدارك التقسيم
وتسعى دمشق جاهدة عبر إقرار هذا النموذج إلى إيجاد بيئة خصبة تمكنها من تجاوز الخلافات والنزاعات القائمة مع المكونات السورية التي بات ينحو بعضها إلى الانفصال التام أو الاستقلال، كنموذجي السويداء جنوباً والأكراد شرقاً، والسعي الحثيث إلى محاكاة هذين النموذجين في وسط سوريا وغربها من قبل العلويين، مما يجعل من إمكان تطبيق الفكرة، حتى قبل التفكير بنجاحها، أمراً محفوفاً بالأخطار والعقبات والتحديات التي ستجعل من أية محاولة تنفيذ غير مضمونة، بخاصة أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن سياسة التحكم المركزي أمنياً وعسكرياً وسياسياً ستبقى محصورة بصورة مشددة بيد دمشق، لتترك لبقية المحافظات هامشاً ضيقاً للغاية في مجال التطوير الإداري والتنموي عبر الإدارات المحلية التي بصورة أو بأخرى ستتبع نهجاً شمولياً هي الأخرى، على اعتبار أن قرارها لن يكون بيدها عملياً أكثر مما هو نظري.
محاولة لشراء الوقت
المحامي المستشار والمتخصص في القانون الدولي عبداللطيف يونس من أهالي الساحل، وهو مطلع على مطالب البيئة التي ينتمي إليها والقضايا التي يطالبون بحلها جذرياً، رأى أن "ما سيحصل إن حصل فعلياً فهو ليس أكثر من محاولة لشراء الوقت من قبل السلطة أمام الضغوط الدولية. وقبل أن نغوص في الشأن القانوني، لنتحدث بلسان الناس قليلاً، هم يشعرون الآن بأنهم كمن طلب دجاجة فأعطي بيضة، بمعنى تسخيف المطالب الكبرى نحو محاولة التقليل منها إلى حد تصبح فيه غير مرئية، مما سيخلق مشكلات سياسية واجتماعية أكبر بدلا من أن تكون هناك حلول جذرية. هنا في الساحل مجلس علوي أعلى يتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالبعدين الديني والسياسي، وقد ركز عبر قيادته أن الفيدرالية حل نهائي لا تراجع عنه، ولاحقاً صار هناك مجلس سياسي لوسط وغرب سوريا شدد أيضاً على فيدرالية محكمة"، وتابع "صحيح أن وضع الساحل يختلف عن وضع بقية المدن أو المكونات السورية، فالمنطقة على امتدادها منزوعة السلاح، أي إن فرص دعمها العسكري لتحقيق استقلالها الإداري أقل بكثير من غيرها، لكن هذا لا يعني أن الناس باتوا يتقبلون التعايش مع سلطة دمشق، ربما كان الأمر ممكناً كثيراً قبل مجازر مارس (آذار) الماضي، وقبل ذلك سلّم جميع العلويين أسلحتهم من حمص إلى اللاذقية، ولكن بعد تلك المجازر وآلاف المختطفين والجرحى وغياب المحاسبة والمماطلة وتقارير الأمم المتحدة التي أكدت المؤكد في اتهام السلطة بالضلوع في ما حصل، بات الناس لا يأمنون السلطات، فأعتقد بأن أي نوع موارب من اللامركزية التي تبقي يد دمشق على عنق الساحل لن يكون مقبولاً شعبياً، وهي بالأساس لم تعُد بذلك القبول أممياً حتى".
التجربة الكردية
وأبدى مواطنون أكراد في الجزيرة شرق سوريا استهجانهم هذا المنطق المتعلق باعتماد نوع اللامركزية الذي استقرت عليه السلطة، على اعتبار أن الجزيرة تعيش أساساً منذ أكثر من عقد في ظل حكم إداري خاص لا يخضع لاعتبارات السلطة القائمة في دمشق أياً كان على رأسها.
وقال خريج كلية العلوم السياسية سمير أحمد وهو كردي إن "دمشق تناور في الوقت بدل الضائع، وتعتقد بأنها تحكم جغرافيا كاملة يمكنها فرض شروطها التنفيذية على أراضيها، لكن الجزيرة بمدنها تحت سيطرة الأكراد والسويداء تحت سيطرة الدروز والوضع في درعا مرتبك والعين التركية على حلب والساحل يتمرد والبادية باتساعها الشاسع ليست تحت سيطرة السلطة بقدر ما هي ممر لـ’داعش‘ وسواه، ماذا بقي إذاً؟ المدن الرئيسة، حمص وحماه ودمشق وإدلب؟"، وأضاف "لنتحدث عن الأكراد، موقفنا واضح، ندير مناطقنا بجدارة مطلقة، نمنع تمدد ’داعش‘ ونحمي أراضينا وسكانها، وما زلنا بعيدين جداً من دمشق في سياق المطالب والمطالب المتبادلة، ’قسد‘ اليوم أصبحت بمثابة محور تلتف حوله المكونات الرافضة أو الممتعضة من سلطة دمشق، وكان مؤتمر وحدة الموقف الشهر الماضي خير دليل، ولن تهوي الجزيرة من حكم متماسك نحو نمط تقرّه السلطة لا يراعي أدنى شروط التمثيل والاعتماد والبيئة السياسية والمعنوية التي لم تتمكن معها من المضي قدماً خطوة واحدة في اتفاق الـ 10 من مارس بين الجنرال عبدي (قائد ’قسد‘ مظلوم عبدي) والرئيس الشرع (الرئيس السوري أحمد الشرع)".
الموقف الدرزي المتقدم
"سندخل من قام بقتلنا وانتهاك حرماتنا واغتصاب نسائنا واختطافهن وحرق منازلنا ونهب ممتلكاتنا وقص شوارب رجال ديننا، ليحكمنا من جديد، فعلاً ثمة سلطات عسكرية - سياسية في المنطقة تتمتع بقدر لا نظير له من انعدام بعد النظر، أو لنقل من سوق الأمنيات التي لا ترقى إلى أن تكون أحلام ظهيرة حتى"، قال الشيخ الدرزي موفق عادل من السويداء حول مشروع اللامركزية الجديد، مضيفاً "قد تكون الأمور اختلطت على كثرٍ بادئ الأمر في الجنوب، فلم تعُد الرؤية واضحة وضاع الهدف وتصارعت المرجعيات وتنوعت الآراء حد الاختلاف الحاد، وكان ذلك مستمراً حتى عشية مجازر المدينة أواسط يوليو (تموز) الماضي، لكن بعد ذلك نبذت المحافظة المضللين منها إلى خارجها، وصاروا أعوان السلطة وأحبابها، أما البقية وهم غالبية الغالبية، فتوحدوا على موقف واحد في نبذ أي خلاف مضى خلف رأي المرجعية الروحية الشيخ حكمت الهجري"، وتابع أن "الشيخ الهجري قالها صراحة، نمد يدنا ونطمح لتعاون دولي وإقليمي، طريق السويداء بعد آلاف القتلى والجرحى والمختطفين صار الانفصال، ويمكننا أن نتعاون مع دول الإقليم والعالم في الشأنين الأمني والاستخباري لمكافحة ’داعش‘، كما أنه قام برعاية تشكيل الحرس الوطني ليكون الجيش الجديد الذي يضم كل فصائل السويداء تحت رايته من دون اعتراض من أحد، وليوحد البنادق كلها في اتجاه واحد، وهو حماية الجبل والدروز، وبعد تلك الخطوات المتقدمة التي جاءت حماية للنفس والعرض والأرض سنقول للسلطة، تفضلوا لنتشارك من جديد؟ لم يعُد هناك إمكان للعودة إطلاقاً ولو نصف خطوة للوراء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
السلطة لا تملك عصا سحرية
في المقابل، يبدو الموضوع أكثر قابلية وترحيباً بصورة كبيرة في المدن التي يطغى عليها المكون المؤيد للسلطة، كما في العاصمة دمشق وحماة وسواهما وحتى حلب.
المهندس المدني علاء خميس أحد سكان دمشق قال "السلطة تحاول لم شمل البلاد في وجه أية محاولة تفتيت مدفوعة من الخارج، لكن للأسف هناك مكونات وشركاء لنا في الوطن من دعاة التقسيم والانفصال والاستقواء بالخارج، وهؤلاء لا يريدون سوريا مزدهرة ولا يثقون بحكم الدولة الجديدة التي لم تمضِ سوى أشهر قليلة في الحكم، وعلى عاتقها إصلاح عقود من تخريب وتدمير وفساد آل الأسد، وأنا لا أنكر أن انتهاكات وقعت هنا وهناك، لكن الدولة لا شك في أنها ستحاسب الجميع، كما ستحاسب فلول النظام، لكنها لا تملك عصا سحرية لأجل ذلك، الجميع مستعجلون ولا أحد يريد الصبر ليرى قدرتنا على النهوض، وأسفي أن بعضهم بات يريد حماية الغريب عوضاً عن ابن وطنه وشعبه".
آراء مسبقة
من جهته أشاد الطبيب محسن فيصل من حماة بأداء إدارة الشرع وفريقه، وقال إن "الساكت عن مجازر الأمس لا يحق له التحدث عن أشخاص جاؤوا على أرواحهم لتخليص السوريين من حكم البطش. لدى مكونات كثيرة تصورات نهائية عن الحكم السوري الحالي، ولا يريدون تغييرها مهما بذلت السلطة من مجهود، وضحايا بشار (الرئيس المخلوع بشار الأسد) سامحوا، وعلى من يقول إنه ضحية في عهد ما بعد بشار أن يسامح لنتمكن من بناء الدولة من جديد، ويرفض دعاة الأقاليم المستقلة الحكم اللامركزي الجديد لأنهم أساساً رافضو أي شيء يجيئهم من قبل دمشق قبل أن يطلعوا على تفاصيله حتى، نحن نعاني حال أحقاد مريرة في الشارع السوري، والبناء يتطلب زوالها والإيمان بالغد وبأن سوريا لا شك في أنها ستُحكم بالعدالة والقضاء على إثر سقوط نظام وتسلّم آخر".