ملخص
"كتالوج" مسلسل مصرى نجح في الأيام الأخيرة في تصدر نسب المشاهدات بموضوع إنساني يعبر عن أزمات حقيقية تتعلق بالأسرة وعلاقة الأب بالأبناء وكيفية التعامل مع فقد أقرب الأشخاص.
تظل الدراما العائلية التي تحمل مشاعر الأسرة وما بينها من روابط ودفء تحتل مقدم الاهتمامات بين كل أنواع الجماهير، مهما كانت اللغة والأدوات واختلاف تناول المواضيع، وفي مسلسل "كتالوج" الذي يتناول قصة عائلة مصرية تمر بأزمة تعصف بها وتغير مصير أفرادها تتصدر العلاقات الإنسانية المشهد من جديد بلا منافس لتتجدد عبارة خالدة تقول إن المشاعر لغة عالمية لا تنافسها كل لغات العالم.
عودة الأب الغائب
يوسف القاضي رجل في الأربعينيات من عمره يبدأ حياته فقيراً ومعدماً لكنه ينجح أن يشق طريقه نحو نجاح مميز ويشيد شركة بارزة، وفي مقابل ذلك يتفرغ لرحلته المهنية بشكل كامل على حساب حياته الأسرية التي تقودها زوجته الجميلة "أمينة" المرأة المميزة الصبورة المدعمة له والمتكفلة بكل المسؤوليات الإنسانية والتعليمية والتربوية لأولادها من يوسف "منصور" و "كريمة".
تتعرض أمينة لمرض خطير وفي خلال عام ترحل تاركة يوسف والابنين في حال ضياع سببها الأساس غياب دور الأب لأعوام طويلة من حياة أبنائه، وفجأة يجد يوسف نفسه مسؤولاً عن حياة شخصين عاطفياً وانسانياً وتعليمياً وتربوياً.
على رغم حزن يوسف على زوجته الراحلة يشعر بحزن أكبر لأنه وقع في فخ المسؤولية المفاجئ الذي لا يعلم عنه شيئاً، وربما لم يمر بموقف واحد يجعله يفهم كيف يتعامل مع حاجات أبنائه أو مشاعرهم أو حتى واجباتهم المدرسة، ولا يجد أمام هذا الأمر الواقع إلا أن يحاول البدء من تحت الصفر رحلة جديدة من حياته بعنوان عودة الأب الغائب.
تألق محمد فراج بموهبته المميزة وأدائه السهل الممتنع كعادته في دور الأب يوسف القاضي الرجل الطموح الذكي في عمله، والساذج منعدم الحس والفهم كأب، واستطاع على رغم مبالغة المشاهد أن يقدم صورة لملايين الرجال الذين يغيبون عن حياتهم الأسرية وتفاصيل أبنائهم ويحصرون دورهم في المال واللهث وراء نجاحهم الشخصي مهما كلفهم الأمر مستغلين وفاء الزوجات وحال التفاني التي تتمتع بها الأمهات والزوجات.
أفضل مرحلة
يكتشف يوسف فجأة أنه رجل أناني أضاع من عمره أفضل مرحلة وهي رحلته مع زوجته وبداية إنجابه لأبنائه ومتعة الحضور لمشاهدة كيف تسير الحياة وتتطور أمام عيونه.
وعندما تعصف الحياة به وبأسرته يكتشف أن قرب الأب من أبنائه ومشاركته تفاصيل حياتهم اليومية لا يمكن مقارنتهما بأي مقابل آخر ولو كان شركة ناجحة يمتلك زمام إداراتها.
شاركت ريهام عبدالغفور في كتالوج بدور الزوجة أمينة أبو الفضل التي تقدم محتوى مصور عبر قناة في "يوتيوب" وتشرح تفاصيل الحياة اليومية والأسرية وكيفية التعامل مع المشكلات العائلية، وكان اختيارها للدور مؤثراً جداً ومثالياً لما تتمتع به من بساطة وعفوية في الأداء.
مثلت العلاقة بين يوسف وابنته كريمة الفتاة المراهقة، والتي قامت بدورها الممثلة الواعدة ريتال عبدالعزيز منعطفاً مهماً ومؤثراً في أحداث المسلسل، فالفتاة المتعلقة بوالدتها الرحلة والفاقدة لكل أنواع الاتصال مع أبيها كانت نقطة ضعف قاتلة بالنسبة إليه، وكانت أهم أزمة واجهها هي كيف سيتعامل مع حساسيتها ومشاعرها وفقدانها لوالدتها وأعراض البلوغ وعلاقاتها العاطفية التي في مهدها.
قدم المسلسل طرقاً عدة لكيفية تعامل الأب مع ابنته المراهقة وتحويلها إلى صديقة مقربة تصارحه بكل شيء وتستخدم المناقشة والتفاهم لحل خلافاتهما.
الثواب والعقاب
وكانت علاقة يوسف بابنه منصور "على البيلي" الطفل الذي يعشق كرة القدم ويعاني صعوبات دراسية مهمة جداً لإبراز كيفية التعامل مع الطفل في هذه المرحلة وهل يستحق الثواب أم العقاب إذا أهمل دراسته بسبب تفوقه الرياضي المميز جداً؟
ومن العناصر المهمة في مسلسل كتالوج العلاقات المتشابكة بين أفراد العائلة وبخاصة يوسف وشقيقه الأكبر "كابتن حنفي" مدرب كرة القدم، وهو الشخص الذي ربى يوسف وتكفل بتعليمه بعد وفاة والدتهما في صغرهما، وعلى رغم بساطة حنفي المتصدرة تكشف الأحداث عن عمق كبير في شخصيته وكم ضحى بنفسه من أجل شقيقه من دون أن يخبره، ويضرب حنفي مثالاً حياً في التضحية من دون مقابل ليثبت أنها أعظم ما يمكن أن يمنحه الشخص.
وقدم الممثل خالد كمال الشخصية بطريقة عميقة وبسيطة جداً عكست أبعاد شخصية حنفي بكل دقة، كما كانت علاقته بشقيقه وإصراره أن يظل مسؤولاً عنه وعن أولاده ويمنحهم الحب والدعم في صمت ودون التباهي بما يقدمه من أفضل المشاعر الإنسانية بالعمل، ونقاط القوة في الدراما.
فشل التجاوز
قدم المسلسل نماذج عدة من الواقع تحمل كثيراً من الرسائل المهمة منها شخصية القبطان جار يوسف الذي يقطن في الشقة المقابلة له ويعرف كل أسرار العائلة، وهو رجل أصيب بصدمة عصبية بعد وفاة زوجته التي كان يرتبط بها كثيراً فرفض بعدها الخروج من منزله وأحاط نفسه بأقفال حديدة كنوع من الحماية من الآخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعكس الشخصية أخطار عدم تخطي رحيل الزوج لزوجته أو العكس وعدم النجاح في الاندماج بعد رحيل شخص يمثل توأم الروح، وقام بالدور بيومي فؤاد ونجح في تقديم التركيبة النفسية المضطربة بتفوق كبير.
أما سماح أنور فلعبت بخفة ظل وعمق شخصية المربية الستينية "أم هاشم" وهي امرأة بسيطة من حيث التعليم والوضع المادي والاجتماعي، لكنها تحمل حكمة بسيطة تجعل كل الأمور مهما كانت صعوبتها تسير بشكل أفضل، وتكشف الأحداث أنها امرأة لم تنجب ومع ذلك لم تفقد إحساس الأمومة ولم تتوان عن عطاء هذه الغريزة التي لم تتحقق لها على أرض الواقع، لتثبت أن فاقد الشيء يمكن أن يعطيه أكثر من أي شخص، وأن أي شخص يمكن أن يبدأ مهما تأخر الوقت.
معايير الوفاء
طرح العمل رسالة مهمة في نهايته عندما وقع يوسف في حب معلمة الأولاد "هويدا"، وشعر الأبناء بغيرة عارمة من فكرة وجود سيدة بديلة للأم، أو زوجة تشاركهم أبيهم وحبه واهتمامه، وهنا كان التساؤل هل من حق الزوج الذي رحلت زوجته أن يستكمل حياته مع امرأة أخرى أم هذا ضد معايير الوفاء في حق أم وزوجة عظيمة؟
وأجاب المسلسل أنه أحياناً لا يمكننا تقبل أن يكون للأشخاص بديل، ولا تستطيع الحياة أن تستمر بمجريات المنطق بعد رحيل أعز الناس حتى إن لم يتعارض الأمر مع الوفاء، وحتى إن تقبل الأولاد الزوجة الجديدة من مبدأ أن هذه سنّة الحياة ومن حق الأب أن يستكمل حياته كرجل وكإنسان، وحتى أيضاً لو باركت الزوجة الراحلة فكرة وجود سيدة بديلة وتركت رسالة صوتية توصي بذلك.
مبالغة درامية
حقق المسلسل نجاحاً كبيراً في تأكيد رسائل لا تفنى ولا تستحدث متعلقة بالأسرة والحب والترابط والتضحية والتفاني والعطاء وإمكان البدء من جديد، وإن العائلة لا تقدر بثمن ولا بديل عنها مهما كان ثميناً يمكن أن يوازيها.
وعلى رغم النجاح في التكريس لمبادئ ومشاعر مهمة كان هناك كثير من المشكلات الدرامية في العمل أهمها المبالغة الشديدة في الحلقات الأولى في التعبير عن غياب الأب عن أسرته على رغم أنه يعيش معهم والأولاد في سن لا يقل عن 15 و12 سنة، فليس من المنطقي أن الأب لا يعرف أين يخرج أبناؤه في أيام العطل الأسبوعية، ولا يعرف أن ابنه الوحيد مصاب بنوع من الحساسية، وكأن الطفل لم يمرض أبداً على مدى أعوام حياته، أو تطرق الحديث بين الزوج وزوجته ولو مرة عن مشكلات الابن الصحية.
وقد يكون ملايين من الآباء غائبين بنسبة كبيرة عن التفاعل والمسؤولية والحضور الكامل في حياة أبنائهم لكن في الأقل يعرفون معلومات عن مشكلات أبنائهم وأمراضهم ومدارسهم وميولهم.
فرصة ذهبية
ظهر في العمل كثير من النجوم كضيوف شرف مثل أمينة خليل في دور زوجة مرشحة ليوسف من طريق أصدقائه، وعمرو يوسف في دور أب يحضر مباراة كرة قدم يلعب بها ابنه وفي جملة من الحوار بينه وبين يوسف يقول له "الأب مهمته مع أبنائه تبدأ عندما تخبره الزوجة أنها حامل".
وكان لضيوف الشرف بريق خاص في كل حلقة لكن وجود اللاعب الأشهر في تاريخ الكرة المصرية محمود الخطيب "بيبو" في احدى الحلقات هو أبرز وأهم ما قدمه المسلسل، لأن هذا هو الظهور التمثيلي الأول والوحيد حتى الآن في حياة اللاعب الشهير رئيس النادي الأهلي، ولكن يبدو أن أسرة المسلسل لم تجيد استغلال هذه الفرصة الذهبية الفريدة فقدموا الخطيب في مشهد ساذج وهو يجلس
إلى جانب يوسف في مدرجات النادي الرياضي وهما يشاهدان مران الأطفال في الملعب، ولا يتعرف يوسف على شكل أو شخصية الخطيب التي لا يمكن أن تخفى على أي شخص مهما كانت بساطته الكروية أو الثقافية بوصفه من أشهر الوجوه الكروية في الوطن العربي ومصر، وبعد حديث عن اللعب والأطفال يقول يوسف للخطيب "أنا يوسف وحضرتك مين؟ متعرفتش عليك" فيقول له الخطيب أنا اسمي محمود، فيرد يوسف بقول أكثر سذاجة أهلاً يا أستاذ محمود.
سذاجة الحوار وعبثية المشهد كانت نقطة استفهام غير مفهومة، واستخفاف غير مبرر برمز كروي هو الأبرز في تاريخ الرياضة المصرية، وللأسف فعلى رغم فرحة الجمهور بظهور الخطيب في عمل فني أهدر مخرج العمل وليد الحلفاوي ومؤلفه فرصة لا تعوض.