ملخص
"لو لم يصلني تبليغ إسقاط الحضانة في يونيو، لما عرفت أصلاً أن العقد قد جرى تحويله"، هكذا تقول فرح (اسم مستعار) مضيفة، أنها قرأت ورقة تحويل العقد مرتين وثلاثاً، كأنها تبحث عن خطأ إملائي ينقذ ما تبقى من أملها. كانت مرعوبة. طوال أعوام كانت تمشي على قاعدة بسيطة: تزوجت وطلقت على قانون 188، هذا يعني، كما فهمت، أن حضانة طفلها لها. فجأة تكتشف أن الخيط الذي تتشبث به قطع بصمت.
لم يكد يمضي الشهر الأول من زواج ليلى (اسم مستعار) حتى خرجت من بيتها للمرة الأولى. تحول المنزل سريعاً إلى غرفة انضباط: طعام بإذن وتلفاز محظور وانقطاع عن التواصل. توالت الإهانات على مظهرها وحركاتها وروائح جسدها، وأرغمت، على حد قولها، على الاغتسال مرات متتابعة وتبديل العطور "لإزالة رائحة" يتهمها بها، مع اتهامات أخرى بمرض نفسي وألعاب ضغط ذهني.
"كان يدفعني إلى الخلع لأخرج من زواج مملوء بالتعنيف بأقل الحقوق، طالبني بدفع بدل إيجار لأني سكنت معه. وحين حملت، أنكر النسب وطلب مني إسقاط الجنين، بل أخفى حبوب إسقاط في الطعام، قبل أن تلزمني طبيبة بالرقاد ومنع الحركة"، هكذا تقول ليلى التي عادت إلى بيت أهلها، وبدأت دورة منهكة، إذ يرجعها أياماً ثم يطردها أعواماً ويرفض تطليقها. كبر طفلها عند الجدين، فيما الأب يحضر متقطعاً "ليستفزه ويختفي". منذ السنة الأولى حصلت على تأييد حضانة، وقال الأب للقاضي، "دعوها تأخذ الطفل، لكن امنعوها من السفر". رفع دعاوى مشاهدة واصطحاب، غير أنه نادراً ما حضر الجلسات.
في يونيو (حزيران) الماضي، وبينما كانت ليلى، بحسب أوراقها، لا تزال على ذمته لكن مهجورة، تقدم زوجها بطلب لتغيير العقد القانوني لزواجهما إلى الأحكام الجعفرية من دون تبليغها مسبقاً. كانت تراجع المحكمة أسبوعياً، ووجدت في إحدى مراجعاتها أن التحويل نفذ. لم تلحق سوى الطعن تمييزاً، وبعد أقل من شهرين صدرت "الحجة"، وتعني رفض طعنها. تلتها دعوى الطلاق، وحسم الطلاق من غير حضورها أو حضور وكيلها.
قبل ذلك. كانت ليلى مطمئنة، لأنها ببساطة، تزوجت على قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لعام 1959، وعلمت كغيرها من العراقيين بدخول تعديلات على ذلك القانون، وفق مدونة الأحكام الشرعية، ودخلت حيز التنفيذ في فبراير (شباط) 2025. لكن لم تتخيل يوماً أن التعديل سيمسها، ولم تتخيل للحظة واحدة أن زوجها قد يستطيع تحويله. بالصدفة اكتشفت أن ملفها تحول إلى مدونة الأحكام الشرعية للفقه الجعفري، أي إلى التعديل الديني الجديد من دون توقيعها أو حتى اتصال يستطلع رأيها، وعرفت بالأمر من طريق مراجعتها الدورية للمحكمة. كانت الورقة القضائية الجديدة غيرت عقدهما على مدونة 188 إلى القانون الجديد من طريق زوجها وحده، من دون إعلامها.
وتقول ليلى بينما الدموع تهبط من عينها وتحاول مسحها سريعاً، "عند لحظة تحويله لهذا العقد قام بتطليقي، لأعوام لم يُرد تطليقي حتى لا يعطني نفقة، كان ينتظر تعديل القانون ليفعل كل ذلك وأنا لا أعلم. وبعد عام واحد سيتمكن من نيل حضانة طفلي الذي لم يمنحه الحب كأب يوماً، فقط سيسقط حضانتي نكاية بي، بعدما حملته وربيته أنا وعائلتي وحدنا كل هذه الأعوام. كنت أظن أن اختيار القانون قرار مشترك بيننا لحماية حق المرأة والطفل من هذا التلاعب، ثم اكتشفت أن كلمة واحدة تكفي لتغيير كل شيء. هذا شيء ظالم وكسر قلبي وسيكسر قلوب آلاف النساء".
مخالفة الدستور
على مدار نحو سبعة أعوام من زواج متقطع، كانت ليلى تعاد إلى منزل زوجها أياماً قليلة ثم تطرد طويلاً، من دون مسكن زوجي ولا نفقة لها. وصلت نفقة الطفل لعامين ثم توقفت بسبب تهديدات بالاصطحاب. وتقول إن الأب يعنف الصغير ويمنع عنه أشياء أساسية، "حينما يقابله يجعله يبكي، ولا أستطيع أن أدافع عنه. يعنفني مباشرة. لا أفهم كيف تبدل القانون وأنا لم أوقع شيئاً؟"، تتساءل ليلى مبينة أن ورقة زواجها، التي حصلت برضا الطرفين، تبدلت وأصبحت ورقة جديدة برضاه وحده.
في فبراير الماضي وإلى جانب قانون الأحوال الشخصية رقم 188 (القانون المدني الموحد الذي حكم مسائل الزواج والطلاق والحضانة لسنوات)، أدخل إطار جديد هو مدونة الأحكام الشرعية إلى الفقه الجعفري وهي مدونة دينية تتعلق بالمذهب الشيعي ويمكن للمحاكم أن تفصل بموجبها.
ويصطدم القانون المعدل بالدستور، إذ إن المادة 41 من الدستور تجعل حرية تنظيم الأحوال الشخصية حقاً مشتركاً بين الزوجين، وتقر الاختيار ولا تجيز لأحدهما أن يفرض مذهبه على الآخر. أما المادة "2" من مدونة الأحكام الشرعية أي القانون الجديد، فقد حولت هذه الحرية إلى سلطة أحادية، وشكلت باباً لطلب منفرد يستطيع من خلاله أحد الطرفين نقل النزاع إلى المدونة الجعفرية من دون موافقة شريكه، ثم قاعدة "اعتماد اختيار المطلق" عند الخلاف في الطلاق، بحيث يفرض المرجع على من لم يختره. وتقول المادة "2" إنه "بالنسبة إلى عقود الزواج التي أبرمت وسجلت قبل تاريخ نفاذ هذا القانون، يحق لكل من طرفيها كاملي الأهلية تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية لتطبق عليهما وعلى أولادهما القاصرين الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية في المذهب الشيعي الجعفري إذا كان العقد وقع وفق هذا المذهب، ويستدل على ذلك بتضمنه استحقاق المهر المؤجل عند المطالبة والميسرة.
ولشرح الأمر بصورة مبسطة، يقول الباحث القانوني أحمد حاتم، إن المادة "2" تنص على أنه "يحق لكل من طرفي العقد كاملي الأهلية تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية لتطبيق الأحكام الشرعية وفق المذهب الجعفري"، و"الصياغة هنا لا تشترط موافقة الطرف الآخر ولا توقيعه. أي إنها تخول أحد الزوجين منفرداً أن يقدم الطلب، فتقبل التحويل حتى من دون علم أو موافقة الشريك. وهذا يعني أن عشرات الأزواج سيقومون بتحويل عقود زواجهم أو طلاقهم السابقة، إلى المدونة الجديدة دون علم شركائهم".
"المشكلة تتضاعف مع الفقرة 3" كما يوضح حاتم، إذ "فتحت الأثر الرجعي على عقود أبرمت قبل نفاذ المدونة. بينما القاعدة في دولة القانون هي عدم الرجعية حفاظاً على اليقين القانوني والاعتماد المشروع. الناس تتعاقد لتكون على علم بقواعد اللعبة. وحين نبدل المرجع بعد وقوع العقد، نلحق ضرراً صريحاً بأحد الطرفين ونقترب من عقد إذعان وليس عقداً متكافئ الأطراف. كم من زوجة كانت لتبرم عقداً لو علمت أن القانون من الممكن أن يستبدل لاحقاً، ومن دون علمها وموافقتها؟". وأضاف، "الأصل، ومن باب عدالة القانون، أن القوانين تسري على المستقبل لا الماضي، أي لا يعمل بالقانون إلا من وقت صيرورته نافذاً، ولا يرتب أثراً على ما وقع قبله، إلا في حالات خاصة لا يترتب فيها على التطبيق أثر ضار على الغير. أما هنا، ومن خلال هذا التعديل، فإن التطبيق سيضر بأحد طرفي العقد، والمرأة هي الحلقة الأضعف هنا".
وتابع حاتم "وعليه، فإن الرجعية أو الأثر الرجعي يمس استقرار المجتمع ويضرب روح العدالة التشريعية في الصميم. ومن الطبيعي احتجاج أحد الزوجين إذ لو علم بصدور المدونة وما تفرضه من آثار جديدة لما أبرم عقده من الأساس. كان الأجدر بالمشرع أن يجعل رجعية القانون مشروطة بموافقة الزوجين أو الطليقين، أو أن يجعل نفاذ القانون من تاريخ إصداره".
لماذا يريد البعض تحويل عقودهم؟
من ناحيتها، تقول المحامية نادية الخفاجي، أن "كثيراً من الأزواج يسارعون إلى استغلال هذا المادة للتحويل من قانون188، أو حتى من المذهب الحنفي وهو الخاص بالمذهب السني، إلى الإطار الجعفري لأن ميزان القوة يتبدل في مواد عدة، ومنها أو ربما أهمها أنه بعد سن السابعة تحديداً تصبح الحضانة للأب تلقائياً، إن أرادها، وغالب من يحول المدونات والعقود إلى القانون الجديد من دون علم زوجاتهم أو زوجاتهم السابقات، يفعل ذلك من أجل هذه المادة تحديداً، لأن المادة 57 من القانون 188 تجعل الأم أحق بالحضانة أثناء قيام الحياة الزوجية، وبعد الفرقة ما لم يتضرر الطفل. ويظل للأب النظر في شؤون المحضون وتعليمه حتى سن العاشرة. على أن يبقى مبيت الطفل عند حاضنته، ويجوز للمحكمة تمديد حضانة الأم حتى سن الـ15 متى ترجحت مصلحة المحضون. وعند سن الـ15 يمنح الطفل حق الاختيار في الإقامة مع أحد الأبوين حتى الـ18".
التمييز من دون جدوى
بعد صدور حجة التحويل واعتمادها في دعوى الطلاق، قدمت ليلى، بحسب أوراقها، لائحة تمييز ضمن المدة القانونية، وطلبت وقف التنفيذ إلى حين البت وأكدت أنها لا تعلم بقرار زوجها وغير موافقة عليه. لكن، صدر القرار التمييزي بعد نحو شهرين، وجاء مؤيداً للحكم لمصلحة الزوج وبذلك تحولت هي على العقد الجديد من دون موافقتها وعلى رغم اعتراضها.
بالتوازي، تقول ليلى إنها، منذ بدء التعديل، شاركت مع مجموعة من النساء في طعن دستوري يجادل بأن التعديل يخل بالمساواة ويتيح ترجيح كفة طرف واحد في الطلاق. وحتى إعداد هذا النص، تشير ليلى إلى أن المرافعة مؤجلة ولم يحسم الطعن بعد.
"طفلي لا يحتمل العنف ولا يريد الذهاب" تقول ليلى، "إن كل خطوة تناقش اليوم تحت مرجع لم أوافق عليه. لكن يجب أن أكون مستعدة لطلب إسقاط الحضانة خلال الفترة المقبلة".
تأريخ قانون الأحوال الشخصية في العراق
في عام 1959، وحين صدر قانون الأحوال الشخصية رقم 188 ضمن إطار مدني موحد، بدا وكأنه خطوة متقدمة قياساً بما كان سائداً في المنطقة. القانون جمع العراقيين تحت مظلة قانونية واحدة، وحدد سن الزواج، ونظم الطلاق، وقنن مسائل الحضانة والميراث ضمن إطار مدني بعيداً من المرجعيات المذهبية، مما جعله آنذاك قانوناً تقدمياً على المستوى الإقليمي.
لكن مسيرة القانون لم تتوقف عند لحظة التأسيس، فقد شهد تعديلات لاحقة كان أبرزها تعديل عام 1963 الذي مس "مواد التحريم"، ثم تعديلات عامي 1978 و1987 التي طاولت مسائل سن الزواج والحضانة والتعدد، قبل أن يشهد إقليم كردستان عام 2008 نسخته الخاصة التي شددت القيود على التعدد وأدخلت تعديلات مختلفة على سن الحضانة.
ومع مرور الوقت، أخذت الضغوط المذهبية تطفو على السطح. ففي عام 2014 طرح مشروع "القانون الجعفري"، وهو مشروع أثار موجة رفض واسعة داخلياً وخارجياً. منظمات دولية مثل "هيومن رايتس ووتش" حذرت من أنه يفتح الباب أمام تزويج القاصرات، بينما تظاهر عشرات الناشطين والناشطات للتنبيه من خطورته على حقوق المرأة والطفل.
لم يكن هذا الحراك الأخير، ففي عام 2017 حاولت كتل سياسية تمرير تعديل جديد يدخل المرجعيات المذهبية في قانون الأحوال الشخصية. إلا أن تلك المحاولة قوبلت برفض واضح من منظمات المجتمع المدني والجهات الحقوقية، وكانت "هيومن رايتس ووتش" في مقدمة من نبهوا إلى التداعيات الخطرة لمثل هذه التعديلات. غير أن الضغوط تجددت بعد عقد تقريباً، وخلال عامي 2024 و2025 عاد الدفع بقوة باتجاه "التمذهب القانوني". هذه المرة لم تبق المحاولة في إطار النقاش، بل انتهت بإقرار البرلمان قانون التعديل الأول لعام 2025، الذي أتاح للعراقيين اختيار الخضوع لقواعد المذهب الجعفري في الزواج والحضانة والإرث، فاتحاً الباب أمام مرحلة جديدة من الانقسام القانوني والاجتماعي، بحسب "هيومن رايتس ووتش".
نقل النزاع إلى "المدونة" بلا توقيع الأم
"لو لم يصلني تبليغ إسقاط الحضانة في يونيو (حزيران)، لما عرفت أصلاً أن العقد قد جرى تحويله"، هكذا تقول فرح (اسم مستعار) مضيفة أنها قرأت ورقة تحويل العقد مرتين وثلاثاً، كأنها تبحث عن خطأ إملائي ينقذ ما تبقى من أملها. كانت مرعوبة. طوال أعوام كانت تمشي على قاعدة بسيطة: تزوجت وطلقت على قانون 188، هذا يعني، كما فهمت، أن حضانة طفلها لها. فجأة تكتشف أن الخيط الذي تتشبث به قطع بصمت. المرجع تغير من دون أن تسأل، ومن دون أن تبلغ. ومن تبليغ الحضانة فقط عرفت أن التحويل سبق الدعوى وأن "الحجة" صدرت أصلاً. إذ حول زوجها عقد الطلاق دون علمها، ثم رفع دعوى إسقاط الحضانة منها، لأن الطفل عمره 10 سنوات وبحسب القانون الجديد، يمكن سحبه من حاضنته مباشرة.
تستعيد فرح الطريق الطويل كما لو أنها تعد أنفاسه، "زواج 2014، بداية خلاف 2015، انفصال طال 10 أعوام، وطلاق على قانون 188". لم يكن لها مسكن زوجي ولا نفقة، تعيش مع عائلتها وتصرف على ابنها من راتبها الخاص. كل ما حصلت عليه هو تقسيط نصف قيمة "الغائب" من المهر المؤجل. وتقول "لم يتضمن عقدي أي شرط خاص. كيف لي أن أتنبه وأنا أتزوج؟ لم أكن أتخيل أصلاً أن القانون سيتبدل بعد كل هذا الزمن. وإن استبدل، فما شأني وأنا عقدت وتطلقت على قانون آخر؟".
"ما حدث غير إنساني"، تكمل فرح، "بعد 10 أعوام كاملة وأنا غريبة عنه يفعل هذا، أعيش كوابيس ولا أنام، أنظر إلى ابني الذي ينتظره كثير من المجهول بعد رفعه الدعوى". وتضيف، "لم تذكر أسباب تحويله العقد، وكأني لا أستحق حتى أن أعلم، تعامل هو والقضاء والمحكمة والقانون معي وكأني غير موجودة، وكأني كائن غير مؤهل وليس ذا قيمة وهو أكثر عقلاً وأهمية مني بقرارات طلاقي حتى بعد انفصالنا. نعم هكذا شعرت بهذا القانون. طلب تطبيق الحجة عليّ وعلى طفلي القاصر. بالنسبة إليّ، الغاية واضحة، حوله ليسقط حضانتي وصار يقول لابنه، إنه سيأخذه وبالغصب، سواء أراد ابني ذلك أم لا. ساعده القانون على ذلك".
كغيرها من النساء المتضررات، بدأت فرح بعد ذلك مسارها، تظلم وتمييز إلى الاستئناف. وطعنت بعدم دستورية تحويل طليقها القانون من دون علمها، وكذلك رفض القاضي طلبها وحكم لمصلحة طليقها من دون أن يستمع إليها حتى، بحسب ما قالت.
وتابعت فرح، "بعدما رفض القاضي طلبي، قدمت طلباً آخر للقضية الأخرى التي رفعها (زوجها) وهي إسقاط الحضانة، ميزت القرار وتوقفت الدعوى بطلب من القاضي إلى حين صدور قرار التمييز. وبعد ذلك ستمضي إلى المحكمة الاتحادية. أنا مرعوبة وأتمنى أن أحتفظ بابني بعدما سلب مني زواجي وطلاقي". وتضيف، "ابني مريض بالتهاب الأمعاء الحاد، وفي حاجة إلى رعاية خاصة. والده لا يعلم شيئاً عن دراسته أو أكله المفضل أو أين تقع مدرسته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرية تنظيم الأحوال الشخصية تسقط في ثغرة
لم يكن الجدل حول قانون الأحوال الشخصية محصوراً في أروقة المحاكم والبرلمان فحسب، بل تحول إلى ساحة مواجهة بين فاعلين متعددين تتقاطع مصالحهم وخلفياتهم. فمن جهة، برزت الكتل السياسية ذات المرجعية الإسلامية، لا سيما الأحزاب الشيعية المحافظة، كأكبر الدافعين باتجاه فتح الباب أمام "الخيار المذهبي". هذه الكتل استندت إلى المادة (41) من الدستور، التي تتيح للعراقيين تنظيم أحوالهم الشخصية وفق أديانهم ومذاهبهم، وقدمتها كمسوغ قانوني لشرعنة إدخال المذهب الجعفري في نصوص القانون (الدستور العراقي – المادة 41).
وإلى جانب القوى السياسية، لعب ديوان الوقف الشيعي دوراً محورياً عبر "المجلس العلمي" الذي أوكل إليه التعديل الأخير (قانون 1 لعام 2025) مهمة صياغة "مدونة الأحكام الشرعية" وفق المذهب الجعفري.
في المقابل، جاء ديوان الوقف السني على الضفة الأخرى، رافضاً إدخال النصوص المذهبية في القانون الموحد. ورأى الوقف السني أن التعديل يضرب وحدة العراقيين، ويفتح الباب أمام ازدواجية قانونية تزيد من الانقسام المجتمعي، فضلاً عن أنه يمنح مؤسسة دينية سلطة موازية للقضاء في مسائل الأحوال الشخصية.
ووفق بيانات مجلس القضاء الأعلى، يعقد في العراق ما بين 250 و300 ألف زواج سنوياً، في حين تتأسس البيانات الرسمية على أن حالات الطلاق تراوح ما بين 66 و72 ألفاً. ففي عام 2024 وحده، سجل نحو 66243 حالة طلاق خلال 11 شهراً، مع توقعات أن يبلغ العدد قرابة 70 ألف حالة بنهاية العام.
ويبين المحامي محمد جمعة أن "العقود الزواجية قانوناً، عقود رضائية لا تقوم إلا بإرادتين متطابقتين. في عقد الزواج لا يمكن تعديل المؤخر، أو المذهب/المرجعية، أو إضافة أي شرط، إلا بموافقة الطرفين، لذلك فإن تحويل المرجعية إلى المدونة الجعفرية بإرادة الزوج وحده، ومن دون علم أو موافقة الزوجة، يعد خرقاً قانونياً لا يستقيم مع طبيعة العقد الرضائي". ويضيف أن "أي تغيير من هذا النوع يمس آثار العقد كلها، لأن تغيير المرجع القانوني يعني عملياً تغيير الزواج وما يترتب عليه من نفقة وحضانة وتنفيذ وميراث وغيرها من التفاصيل"، لذا برأيه، "إذا تزوج الطرفان على قانون معين وبرضاهما، فـأصل العدالة يقتضي أن يكون أي تعديل لاحق برضاهما معاً لا بإرادة منفردة".
وكانت بعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) عبرت عن "قلق عميق" إثر تعديل القانون، داعية إلى مراجعة التعديلات بما يتوافق مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) التي انضم إليها العراق عام 1986. بينما أصدرت منظمتا "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" بيانات متتالية رأت فيها أن التعديل يقنن التمييز بدلاً من أن يحد منه.
كيف وصلت المحاكم إلى اعتماد الطلب الأحادي؟
يشرح جمعة أن "صياغة الفقرة هي محل الجدل، وتركت بلا قيد صريح على موافقة الطرف الثاني. وهذا ما جعل بعض القضاة يذهبون إلى تفسير لغوي حرفي. طالما لم يذكر شرط موافقة الشريك، كما ذكر صراحة في مواد أخرى، فلا مانع من قبول الطلب منفرداً". ويقول جمعة "هذا فراغ تشريعي. كان يمكن فهم النص أيضاً على أن المقصود هو أن يقدم أحد الطرفين الطلب، ويستكمل بموافقة الآخر، لكن التطبيق القضائي استقر للأسف على قبول طلب الزوج من دون علم أو موافقة من الزوجة، لغياب الإيضاح والتفسير الملزم".
وشدد جمعة على نطاق التطبيق، مؤكداً أن "هذه الفقرة تتعلق بالعقود المبرمة قبل عام 2025، أي إن كل زواج أو طلاق تم قبل التعديل يخضع اليوم لهذا المسار ما لم يرد نص يقيده. أما بعد التعديل، فالأصل أن يجري الاختيار عند التعاقد، ولا يغير لاحقاً".
"الأطفال سيكونون كبش الفداء"، تقول المحامية نادية الخفاجي، إذ إن "التحويل إلى المدونة لا يشترط سماع الطفل أصلاً في خطوة التحويل ومع عدم قدرته على التغيير، مما يعني أنه وإن بلغ سيكون مضطراً للعيش وفق قانون قد لا يتوافق معه". وتضيف، "بموجب القانون 188، كان القاضي يستند صراحة وأولاً إلى معيار مصلحة المحضون/ الطفل وأهليته، وصولاً إلى حق الاختيار بعد سن معينة. اليوم، مع إمكان التحويل المنفرد، يصدر قرار يغير الإطار أولاً ثم تُبت التفاصيل لاحقاً، وغالباً من دون حضور الصغير أو سماعه في لحظة التحويل ذاتها أو معرفة تفضيلاته. وهذه كارثة كبيرة".
من "مصلحة المحضون" إلى حضانة بالغصب
سهير (اسم مستعار) فضلت عدم رفع دعوى طعن ضد قرار القاضي، وتنتظر بهدوء دعوى إسقاط الحضانة من طليقها لابنها البالغ 10 أعوام. تيقنت، كما تقول، إن "جميع دعاوى النساء الأخريات، انتهت بخيبات وبكاء". وعلى رغم أن قضيتها قد تختلف، إذ إن طليقها محكوم ستة أشهر جنحة بسبب تعنيفه لها قبل الانفصال، ولا يلتزم بالمشاهدات، "فهو يأتي أحياناً يوقع ويخرج من دون أن يتكلم مع الطفل". وتضيف "لكن مع ذلك فإن القانون اليوم منحه هذا الامتياز. هل سيفلت طفلي، لو أخذه، من التعنيف؟ لن أقبل بذلك ولو كان الأمر مردوداً على حياتي".
يوم علمت سهير أن زوجها حول عقد الطلاق، كانت في زيارة عفوية روتينية عند الساعة 8:50 صباحاً إلى المحكمة. وتقول إنها تعيش قلقاً منذ اليوم الذي وقع فيه البرلمان على تعديل القانون، مما يدفعها إلى زيارة المحكمة كل أسبوع لتتأكد إن كان زوجها قد أقدم على تغيير المرجعية. "اتجهت إلى موظفة الحجج، وبمساعدتها فتشت السجلات. هناك قرأت حجة تغيير المذهب. سمحوا لي بالاطلاع، لكن من دون نسخ أو تصوير حتى، لأن الحجة طبقت"، كما كتب، عليها وعلى ولده القاصر. وتتابع سهير "كان الأمر مفزعاً، لا يتعلق بعدم اخباري وحسب، إنهم رفضوا حتى أن أحتفظ بنسخة من شيء يتعلق بحياتي".
تروي سهير أن زواجها عقد في 2012، وتضمن العقد، كما تذكر، عبارة تخص المهر المؤجل. ’يقبض المهر المؤجل عند المطالبة والميسرة‘، وهي العبارة التي اعتبرها البعض لاحقاً إشارة إلى الإطار الجعفري. خلافهما انفجر في مارس (آذار) 2015 والطفل كان عمره أيام فقط. وتروي "لم ينفق علينا، لم يتصل نهائياً، ولم يعرف ولو لليوم كيف عشت أنا وابني، كان غريباً كلياً وبإرادته وطلبه".
المحامي نصح سهير بأن تنتظر تبليغاً رسمياً، دعوى ضم حضانة أو نحوها، لترفع تظلماً ثم تمييزاً. وتقول "بعد التحويل إلى القانون الجديد، تقدم الطليق بدعوى إسقاط أجرة الحضانة (25 ألف دينار عراقي) ولولا إني بمجهودي الخاص علمت بتحويله، لاستغربت طلبه إسقاط الأجرة قبل نهايتها".
تؤكد سهير أن المشاهدات التي رفعها الأب منذ 2019 لم يلتزم بها "إلا مرات معدودة خلال ستة أعوام"، وأنها تنتظر الآن تبليغ إسقاط أو ضم حضانة لتباشر تظلماً وتمييزاً كما نصحها محاميها.
وبين عقد على 188 وحجة تحويل في 2025، تصف شعورها بجملة: "ابني على أعتاب دوام المدارس، ومشتت لا يعرف مصيره ويبكي طوال الوقت. كيف أشرح له أن القانون الذي تزوجت عليه تغير في غيابي ورغماً عني؟ كيف أقنعه أني سأحاول حمايته من هذا الاختطاف الذي بات شرعياً ومن سيقف معي؟ أنا خائفة على صغيري أكثر من أي وقت مضى".
يذكر أن "اندبندنت عربية" حاولت التواصل مع صناع قرار ومسؤولين عراقيين ومنهم النائبة نور نافع، والنائبة السابقة، آلا طالباني والنائب محمد عنوز، ولم تحصل على إجابة من أي منهم.