Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التنقل والإقامة... عنوان جدل جزائري حول حرية المرأة

البعض يعتبر القرار نقطة تحول رمزية تؤكد أن حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية

رفع التحفظ على الفقرة 4 من المادة 15 من اتفاقية "سيداو" التي تمنح المرأة الجزائرية حقوقاً متساوية مع الرجل (أ ف ب)

ملخص

"إبقاء التحفظ على نص المادة 15 فقرة 4 كان يستغل من قبل جهات تروج لدى المنظمات الحقوقية بأن الجزائر تكرس تمييزاً بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن، وذلك على رغم أن القانون الجزائري لا ينص أساساً على أي تدابير تقييدية على المرأة في هذا الشأن".

فتح رفع الجزائر التحفظ عن الفقرة الرابعة من المادة 15 لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، نقاشاً واسعاً بين من يرى بأنه إنجاز جديد في ميدان ترقية حقوق المرأة، ومن يحذر من خطر الانسياق نحو نماذج لا تتماشى مع عادات وتقاليد الشعب، وبين من اعتبر القرار تقنياً سياسياً لا يمس هوية وشخصية البلاد باعتبار أن المادة الثانية من الدستور تؤكد أن الإسلام دين الدولة، وإنما الغرض من الخطوة قطع الطريق على جهات تستهدف زعزعة استقرار الجزائر ليس إلا.

قرار ونقاش

وانطلق الجدل بين الجزائريين حول قرار السلطات منح المرأة حقوقاً متساوية مع الرجل في حرية التنقل واختيار محل السكن والإقامة، الذي جاء استجابة للفقرة 4 من المادة 15 من معاهدة "سيداو" التي تم رفع التحفظ عليها، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية للبلاد، على رغم أنه صودق على الاتفاقية في عام 1996، وبلغ الشد والجذب الطبقة السياسية والحقوقيين والاجتماعيين والنفسانيين والأكاديميين وحتى الشارع، والذي لا يزال مستمراً إلى غاية الآن بعد أن أخذ بُعداً دينياً.

ووصف موقع "صوت النساء" أحد المنابر النسوية في الجزائر، القرار بأنه أكثر من مجرد إجراء قانوني، بل نقطة تحول رمزية تؤكد أن حقوق المرأة لم تعد قابلة للمساومة بين التشريعات الوطنية والالتزامات الدولية. وأبرز في مقال أن التحفظ الجزائري كان انعكاساً لبنية اجتماعية وثقافية كرست سلطة الزوج باعتباره رئيس العائلة، ومنحته سلطة الفصل في السكن والإقامة، وأن إلغاءه اليوم يمثل إعادة الاعتبار لاستقلالية المرأة داخل الأسرة.

وأوضح الموقع أن القرار جاء ثمرة جهود الجمعيات النسوية ومنظمات المجتمع المدني التي مارست ضغوطاً متواصلة عبر التقارير الموازية وحملات التوعية، مؤكداً أن المساواة لن تتحقق فعلياً إلا إذا رافق القرار إصلاح شامل لقانون الأسرة، ودمج مفاهيم العدالة الجندرية في السياسات العمومية والثقافة المجتمعية.

"صدام" بين التيارات والمرجعيات

كما تحرّكت الطبقة السياسية وخاضت في الموضوع بشكل أحدث "صداماً" بين مختلف التيارات والمرجعيات، حيث أبدت حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، رفضاً شديداً للقرار واعتبرته متسرعاً وغير منسجم مع الأطر القانونية والدستورية. وأوضحت في بيان أن انضمام الجزائر إلى اتفاقية "سيداو" في عام 1996 تم بمرسوم رئاسي بعد موافقة المجلس الانتقالي، وأن رفع التحفظات يجب أن يخضع لنفس الإجراءات عبر البرلمان حفاظاً على قاعدة توازي الأشكال في التشريع.

وأشارت إلى أن رفع التحفظ قد تترتب عليه آثار عملية تمس بنية الأسرة، بما أنه يكرس قانونياً حق المرأة في اختيار السكن والتنقل من دون الرجوع إلى زوجها أو وليها، ما قد يفتح باب النزاعات الأسرية ويهدد الاستقرار الاجتماعي. وأضافت أن الاتفاقيات الدولية تسمو على القوانين الوطنية بموجب دستور 2020، وبالتالي فإن بنود "سيداو" قد تُطبق مباشرة في حال التعارض مع قانون الأسرة، وهو ما يشكل خطراً على الهوية والمرجعية الإسلامية، داعية إلى حماية الأسرة من الضغوط الدولية التي تدفع لرفع التحفظات تباعاً ما سيكرس الانقسام المجتمعي ويفتح المجال لمطالب أوسع قد تمس مؤسسة الزواج وقضايا الحضانة والطلاق والنفقة.

الموالاة تدافع

من جانبه، دافع حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، أحد أحزاب الموالاة، عن القرار باعتباره خطوة سيادية ودستورية منسجمة مع المرجعية الإسلامية، موضحاً في بيان أن الرئيس يمارس صلاحياته كاملة في مجال السياسة الخارجية وفق الدستور، وأن إصدار مرسوم رئاسي لرفع التحفظ لا يتعارض مع القوانين ولا يمس بقانون الأسرة. وأكد أن الشريعة نفسها منحت المرأة حق السكن والتنقل والتصرف في أملاكها منذ قرون، وأن ما جاء في الاتفاقية ليس غريباً عن روح الإسلام.

وأبرز "التجمع الوطني الديمقراطي" أن المرأة الجزائرية تمارس فعلياً هذه الحقوق في حياتها اليومية، سواء في الدراسة أو العمل أو السفر، وأن التخوف من تفكيك الأسرة مبالغ فيه، لأن الأسرة محمية بقوانينها وأعرافها الراسخة، واعتبر أن الجزائر عززت صورتها كدولة مسؤولة تحترم التزاماتها الدولية من دون التفريط في ثوابتها، تماماً كما فعلت دول مسلمة أخرى وجدت التوازن بين الخصوصية الوطنية والالتزامات العالمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواجهة جهات "معادية"

إلى ذلك، تعتبر الحقوقية لطيفة ديب أن "القرار خطوة تقنية كسبيل لمواجهة جميع الاعتداءات التي تتهم الجزائر بالتمييز بين الرجل والمرأة، على اعتبار أن المادة التي تقابل هذا التحفظ في قانون الأسرة هي المادة 37 التي جرى إلغاؤها خلال تعديل قانون الأسرة لعام 2005، ما استدعى إسقاط التحفظ عن البند المقصود"، موضحة أن "الخطوة لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية لأن الإسلام أعزّ المرأة وأكرمها ومنحها الحرية كاملة، أما التقاليد والأعراف فهي تتغير وفق الظروف حيث أن لكل فترة تقاليدها وأعرافها بل هناك منها ما هو ظالم".

وتواصل ديب أن توقيت الإقدام على رفع التحفظ إنما يرجع إلى محاولات جهات "معادية" إيجاد ثغرات لتهديد استقرار وأمن البلاد، لذا فهو قرار سياسي أكثر منه تغيير يستهدف قانون الأسرة الجزائري. ولفتت إلى أن المرأة الجزائرية تعيش في حرية محترمة، فهي تسافر وحدها بل هناك أولياء يشجعون بناتهم على الهجرة لإتمام الدراسة، وبالتالي فهي تسكن وتبيت وحدها، والأمر كذلك بالنسبة للمرأة العاملة بعيداً من مقر سكن العائلة. وقالت إن الإجراء لا يغيّر من واقع المجتمع والأسرة شيئاً، والمشكلة ليست في القوانين بل في التوازن داخل الأسرة، وختمت أن ردود الأفعال السياسية التي رافقت القرار معاكسة للواقع، فهي تمثيلية تستعمل الدين لأغراض سياسية.

الحكومة تتدخل لإزالة المخاوف

وأمام الوضع "الساخن" وبهدف إزالة المخاوف التي أفرزها قرار رفع التحفظ، تدخلت الحكومة عبر وكالة الأنباء الرسمية التي نشرت مقالاً يعتبر أن ما جرى ليس سوى "تحصيل حاصل" لن يلزم البلاد بأي تغيير في قوانينها الداخلية، وعلى رأسها قانون الأسرة. وذكرت أن الأمر يتعلق بمجرد إجراء تقني أملاه زوال السبب الذي أدى إلى تحفظ البلاد على نص المادة 15 الفقرة 4 بمناسبة مصادقتها على اتفاقية عام 1996، حيث كانت الجزائر قد تحفظت آنذاك على خمسة أحكام لتعارضها مع القوانين الوطنية، لا سيما قانون الأسرة وقانون الجنسية، وقالت إن إلغاء أحكام المادة 37 من قانون الأسرة عام 2005، جعل التحفظ يفقد علة وجوده ولم يعد يستند إلى أي أساس قانوني في التشريع الوطني.

وتابعت أنه على عكس ما روجت له بعض الأصوات والأقلام في الأيام الأخيرة، فإن رفع هذا التحفظ لن ينجر عنه إجراء أي تعديلات على القوانين الوطنية، على اعتبار أن المقاربة الجزائرية بشأن هذا النوع من الاتفاقيات على وجه الخصوص تعتمد على تعديل التشريع الداخلي أولاً ثم رفع التحفظات المسجلة على الصعيد الدولي في مرحلة ثانية، مضيفة أن "هناك نقطة هامة تتمثل في أن إبقاء التحفظ على نص المادة 15 فقرة 4 كان يستغل من قبل الجهات المعادية للجزائر للترويج لدى المنظمات الحقوقية بأن بلادنا تكرس تمييزاً بين الرجل والمرأة بخصوص الحق في التنقل والسكن، وذلك على رغم أن القانون الجزائري لا ينص أساساً على أي تدابير تقييدية على المرأة في هذا الشأن".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي