ملخص
دراسة من جامعة هارفارد تكشف أن خفض الأوكسجين إلى مستويات مشابهة لمعسكر قاعدة إيفرست قد يحمي الخلايا العصبية من التلف ويعكس بعض أعراض "باركنسون". التجارب على الفئران أظهرت أن البيئة منخفضة الأوكسجين أوقفت فقدان الخلايا العصبية وحسّنت القدرات الحركية، فاتحة الطريق أمام تطوير "حبوب نقص الأوكسجين" كخيار علاجي محتمل.
تشير دراسة جديدة إلى أن بيئة منخفضة الأوكسجين، كتلك التي تحيط بمعسكر قاعدة جبل إيفرست، قد تمثل مفتاحاً للتصدي لمرض "باركنسون" بل حتى عكس مساره.
ونشرت نتائج الدراسة في مجلة "نيتشر نيوروساينس Nature Neuroscience، وأظهرت أن الخلل في العمليات الخلوية داخل الدماغ يؤدي إلى تراكم فائض من جزيئات الأوكسجين، مما يفضي إلى ظهور أعراض "باركنسون".
وبحسب باحثين من كلية الطب في جامعة هارفارد، فإن هذا الفائض من الأوكسجين يبدو المحرك وراء تحلل الخلايا العصبية، مما يشير إلى أن تقليل استهلاك الأوكسجين قد يساعد في إبطاء الأعراض أو حتى عكسها.
ويعاني مرضى "باركنسون" فقداناً متدرجاً للخلايا العصبية في الدماغ، مما يؤدي إلى ارتجافات وتباطؤ في الحركة، فيما يصيب المرض أكثر من 10 ملايين شخص حول العالم.
كما أن الخلايا العصبية المتضررة من "باركنسون" تميل أيضاً إلى تراكم كتل بروتينية سامة تعرف بـ"أجسام ليوي"، وتشير بعض الأبحاث إلى أن هذه الكتل تعرقل عمل الميتوكوندريا، وهي بمثابة "محطة الطاقة" في الخلية.
وأظهرت دراسات مستندة إلى روايات وتجارب فردية أن مرضى "باركنسون" قد يبدون قدرة أفضل على التكيف عند وجودهم في المرتفعات.
وقال فوميتو إيتشينوسي، أحد مؤلفي الدراسة: "بناء على هذه الأدلة، أصبحنا مهتمين للغاية بتأثير نقص الأوكسجين في مرض باركنسون".
من جانبه، أضاف فامسي موثا، وهو مؤلف مشارك في الدراسة: "لاحظنا أولاً أن تقليل الأوكسجين قد يخفف الأعراض الدماغية في بعض الأمراض النادرة المرتبطة بالميتوكوندريا، مثل "متلازمة" لي و"رنح فريدرايخ"... مما دفعنا إلى التساؤل: ’هل يمكن أن ينطبق الأمر نفسه على أمراض تنكسية عصبية أكثر شيوعاً مثل باركنسون‘"؟
وفي إطار البحث، حقن العلماء فئراناً بتجمعات من بروتين "ألفا-ساينوكليين" الذي يحفز تكوّن أجسام ليوي، لمحاكاة ظروف تشبه "باركنسون".
ثم قسمت الفئران إلى مجموعتين: الأولى تنفست هواء عادياً يحوي 21 في المئة من الأوكسجين، فيما وضعت الثانية بصورة دائمة في غرف تحوي 11 في المئة فقط من الأوكسجين، مما يعادل العيش على ارتفاع نحو 4800 متر فوق سطح البحر.
ووجد الباحثون أنه بعد ثلاثة أشهر من الحقن ببروتين "ألفا-ساينوكليين"، ظهرت لدى الفئران التي تنفست الهواء العادي مستويات عالية من أجسام ليوي وموت في الخلايا العصبية واضطرابات حركية حادة.
في المقابل، لم تفقد الفئران الموضوعة في ظروف منخفضة الأوكسجين أياً من خلاياها العصبية، ولم تظهر أية مشكلات حركية، على رغم ظهور أجسام ليوي لديها.
وتبين أن نقص الأوكسجين لم يمنع نشوء أجسام ليوي، لكنه وفر حماية للخلايا العصبية من الآثار المدمرة لهذه التكتلات البروتينية.
ويأمل الباحثون أن تمهد هذه النتائج الطريق نحو نهج جديد لفهم وعلاج "باركنسون"، بعيداً من استهداف بروتين "ألفا-ساينوكليين" أو أجسام ليوي مباشرة.
كما اكتشف العلماء أن العلاج بخفض الأوكسجين بقي فاعلاً حتى عند تطبيقه بعد ستة أسابيع من الحقن، أي في مرحلة بدأت خلالها الأعراض بالظهور بالفعل.
وبعد هذه الفترة، استعادت الفئران قدراتها الحركية، واختفت السلوكيات المشابهة لأعراض القلق، وتوقف فقدان الخلايا العصبية في الدماغ.
وعند فحص خلايا أدمغة الفئران، وجد العلماء أن الفئران التي ظهرت عليها أعراض "باركنسون" كانت تحوي مستويات أعلى بكثير من الأوكسجين في بعض مناطق الدماغ مقارنة بالفئران السليمة أو تلك التي تنفست هواء منخفض الأوكسجين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع الباحثون أن هذا الفائض من الأوكسجين ناتج على الأرجح من خلل في عمل الميتوكوندريا.
وأوضحوا أن الميتوكوندريا التالفة، باعتبارها مركز توليد الطاقة في الخلية، لم تعُد قادرة على استهلاك الأوكسجين بكفاءة، مما أدى إلى تراكمه إلى مستويات ضارة.
وقال الدكتور موثا: "اتضح أن ارتفاع الأوكسجين في الدماغ سام. وعبر تقليل الإمداد الكلي منه، نكون في الواقع نقطع الوقود الذي يغذي هذا الضرر".
ويعمل العلماء حالياً على تطوير عقاقير تعرف مجازاً بـ"حبوب نقص الأوكسجين"، صممت لمحاكاة أثر البيئات الفقيرة بالأوكسجين في علاج الاضطرابات المرتبطة بخلل الميتوكوندريا.
لكن على رغم النتائج المشجعة، يحذر الباحثون من أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات قبل اعتماد هذه النتائج في علاج "باركنسون" لدى البشر.
وقال الدكتور موثا: "قد لا يكون هذا العلاج مناسباً لكل أنواع التنكس العصبي... لكنه يمثل تصوراً قوياً قد يغير الطريقة التي ننظر بها إلى علاج بعض هذه الأمراض".
© The Independent