Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصم في غزة... أمل النجاة بقوارب الإشارة

تطوع معلم لغة الإشارة فضل كراز لتدريبهم على مهارات منقذة للحياة تحت القصف الإسرائيلي

  ارتفع عدد الصم في غزة إلى 35 ألفاً في حرب القطاع (لقطة من فيلم سابق للصم والبكم لـ أ ب)

 

ملخص

تعيش فئة الصم مأساة بلا حدود خلال حرب غزة، وأدى إلى زيادة مرارة تلك الفئة أنهم لا يسمعون صوت الغارات وباتوا يدفعون أرواحهم ثمناً لعدم سماعهم الانفجارات وتطاير الشظايا.

مع كل قصف إسرائيلي يهز غزة تتذكر سارة ابنها حسين الذي لا يسمع ولا يتكلم عندما خرج من خيمتها نحو المطبخ المجتمعي حاملاً بين يديه وعاءً ليجلب فيه الطعام، وفجأةً أطلق جنود جيش الاحتلال النار صوب الجائعين، ولأنه من فئة الصم لم يتمكن من الانتباه للخطر فسقط ضحية للقتال على الفور.

عاد حسين جثة هامدة إلى خيمته لتودعه أمه وتواريه الثرى بنفسها، ومن بعد تلك الحادثة تعيش الأم سارة خائفة على أبنائها الثلاثة الذين يعانون فقدان السمع ولا يستطيعون الكلام، وفي كل مرة تسمع صوت إطلاق النار أو انفجار الغارات تشعر بالقلق على أولادها الصم والبكم.

إقامة في الخيمة أفضل من الموت خارجها

تعيش سارة الأسى والحزن في روحها بصمت بعد رحيل ابنها الذي لا يستطيع سماع أصوات الغارات وارتطام القذائف وأزيز الرصاص وتحرك المدرعات العسكرية، وتشعر بخوف شديد على أبنائها الثلاثة الصم، وتفرض عليهم إقامة جبرية في الخيمة حتى لا يتعرضوا لأي خطر في الحرب الإسرائيلية على غزة.

تقول سارة، "عشت لحظات قاسية عندما دفنت ابني لا أريدها أن تتكرر مع أبنائي إن جميعهم من فئة الصم، والخطر قد يدهمهم في حرب لا ملاذ آمناً فيها، لذلك أرفض خروجهم وحدهم من المأوى الذين نعيش فيه".

 

مع كل قصف على خيام النازحين تحضن سارة أبنائها علها تحميهم من شظايا الصواريخ وترافقهم في كل مرة يخرجون من الخيمة. وتوضح أنها تفعل ذلك لأنها تخاف عليهم لأنهم لا يسمعون أي صوت، وإذا كان هناك قصف قريب فقد يتعرضون لأذى.

أرواح الصم ثمن المعاناة

تتمنى سارة إيجاد طريقة لمساعدة أبنائها الصم الاستشعار بالقصف وتعلم طريقة لتفادي الخطر في حال حدث قصف أو إطلاق نار قريب منهم، فواقع حرب غزة لا تمييز فيه بين مدني جائع ومقاتل مسلح.

تعكس قصة هذه السيدة وأبنائها الواقع المر الذي تعيشه فئة الصم خلال حرب القطاع، فما يزيد مرارة الإعاقة عند هؤلاء الأشخاص أنهم لا يسمعون صوت الغارات وباتوا يدفعون أرواحهم ثمناً لعدم سماعهم الانفجارات وتطاير الشظايا.

تدريبات منقذة للحياة

كان معلم لغة الإشارة فضل كراز يتنقل بين خيام النازحين محاولاً الوصول إلى من يعرفهم من ذوي الإعاقة السمعية، وعندما وصل إلى مأوى الأم سارة شعرت بأن نجاة أبنائها ممكنة بسبب مبادرته في تدريب الصم على الاستشعار بالقصف والخطر وتعليمهم آليات التصرف الصحيح وقت وقوع الخطر للنجاة بأرواحهم.

 

يقول كراز "مع اندلاع الحرب تطوعت لمساعدة فئة الصم بالمجان، منذ 33 عاماً أعمل في مجال لغة الإشارة وهذا ما خلق علاقة رائعة بيني وبين الصم، في فترة القتال شعرت بأن هذه الفئة في حاجة إلى تدريب وتعليمات منقذة للحياة".

يعرف معلم لغة الإشارة أن الصم لا يستطيعون الاستشعار بالقصف صوتياً، وفجأة يجدون أنفسهم في وسط النار أو مصابين بأعيرة نارية، ولذلك بدأ يرتاد مخيمات النزوح ويعلم الصم تدريبات على تفادي الخطر أثناء العمليات العسكرية.

الملاحظة البصرية سر النجاة

لدى الصم قدرة عالية على الملاحظة البصرية، ومن هنا استثمر كراز هذا الجانب وأخذ يدرب أبناء سارة على كيفية التعامل في وقت القصف وإطلاق النار وحتى أثناء عمليات توغل الدبابات برياً داخل غزة.

في الميدان رافق المدرب فضل عدداً من الأشخاص الصم يشرح لهم بلغة الإشارة "في الليل عندما تطلق الطائرات الحربية القنابل، يحدث وميض لونه برتقالي لمدة ثانية، إذا رأيت ذلك الضوء حينها يجب أن تفهم أن هناك غارة قريبة منك".

ينبطح المدرب كراز على الأرض ينام على بطنه ويضع ذراعيه متشابكتين فوق رأسه ويمد قدميه، ويواصل الشرح "هذه الوضعية منقذة للحياة وتحمي أعضاء الجسم الداخلية. وضع اليدين على الرأس تحميه من تلقي ضربات قاسية أو شظايا متطايرة".

"ابقَ ثابتاً في مكانك لمدة دقيقة، وقبل أن تتحرك انظر إلى من حولك إذا كانت حركتهم مستقرة انهض، وإذا كان هناك فوضى فابقَ في مكانك وازحف على الأرض لأقرب مأوى، أو أطلب النجدة ممن حولك"، هكذا يُلقي كراز التعليمات للصم.

لاحظ حركة المحيط

أما في النهار، فإن كراز يعرف أن الصم يكونون منشغلين في مجريات حياتهم اليومية، ولذلك فإن تدريبهم على التعامل مع الغارات الإسرائيلية صعب نوعاً ما، وهنا يقول "يجب تدريب هذه الفئة على تمييز القصف من حركات المحيطين بهم".

 

في العادة يسبق الغارة صوت اختراق القنبلة للهواء ويصدر منه صفير عالٍ يمكن سماعه بوضوح أثناء الليل والنهار، وعادةً ما يهرب الغزيون من المكان لتفادي سقوطهم ضحايا أو إصابتهم بشظايا، وعلى هذا السلوك المعتاد بدأ كراز يدرب الصم على آليات التعامل مع الخطر في وقت حدوثه.

يشرح كراز أمام الصم "إذا كان هناك قصف قريب، فإن الأشخاص السليمين يستطيعون سماع الانفجارات، وحينها يبدأون بالركض السريع جميعهم في اتجاه واحد، عليكم ملاحظة هذا الشيء وتقليدهم والتوجه معهم نحو الأمان".

أكثر الفئات هشاشة

يعرف معلم لغة الإشارة فضل كراز أن هناك قدرات مختلفة للبشر، لذلك ينصح الصم بالانبطاح أرضاً في حال عدم قدرتهم على الركض أو الخروج من مكان القصف، ويؤكد لهم اتباع هذه الخطوات لأنها تعليمات منقذة للحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعلق كراز في حديثه إلى "اندبندنت عربية" بقوله، "هذه خطوات الاستجابة المُثلى التي يجب أن يفعلوها في وقت الخطر للحفاظ على حياتهم، ومن دون ذلك فإنهم معرضون للموت حتماً، لأن فئة الصم أكثر الفئات هشاشة في غزة وتأثراً بالحرب".

بات لمعلم لغة الإشارة دور مهم في تعليم استراتيجيات البقاء، إذ يضيف "علمت الصم أنهم عندما يشاهدون الناس الانفجارات ألا يخرجوا إلى الشارع، ويظلون في أماكنهم حتى يكون المكان آمناً وتأتي فرق الإنقاذ والطوارئ لنجدتهم".

تعليم الجيران أساسات لغة الإشارة

لا يقتصر دور كراز على استراتيجيات البقاء، وإنما بدأ يعلم جيران الصم أساسات لغة الإشارة ويدربهم على إشارات توحي بالخطر والقصف والانفجارات وإشارات أخرى يمكن استخدامهما عندما يطلب من الصم عدم الحركة والبقاء في أماكنهم.

يوضح أنه بادر بفكرة تعليم الأشخاص المحيطين بالصم والبكم في مخيمات النزوح أساسات لغة الإشارة، كي يكونوا قادرين على التواصل معهم وإنقاذهم وقت الخطر.

جهود كراز تسانده فيها جمعية "أطفالنا للصم"، وهي المؤسسة المدنية الوحيدة التي ما زالت تقدم خدماتها لفاقدي السمع في قطاع غزة، على رغم تعرض مقرها للقصف، يقول مديرها فادي عابد "فئة الصم بغزة لم تحصل على الحماية الدولية الخاصة في فترة الحرب".

ويختم عابد حديثه بقوله، "يواجهون معاناة شديدة لعدم شعورهم بمكامن الخطر الذي يحيط بهم، الجيش الإسرائيلي لم يتخذ أي تدابير لحماية هؤلاء الأشخاص خلال الحرب. عدد الصم في غزة ارتفع من 20 ألفاً إلى 35 ألفاً، جميعهم في حاجة إلى تدريبات على تفادي الخطر أثناء العمليات العسكرية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير