ملخص
شهدت مدينة الفاشر مواجهات شرسة بالأسلحة الثقيلة بين الجيش و"الدعم السريع"، وجرت اشتباكات بمناطق العيارة وأبو قعود في محور شمال كردفان.
تجددت أمس الأربعاء الـ20 من أغسطس (آب) الجاري المعارك الضارية والمواجهات العنيفة بين الجيش وحلفائه وقوات "الدعم السريع" في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وفي مناطق العيارة وأبو قعود بمحيط مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان.
وشنت قوات "الدعم السريع" أمس هجوماً متعدد المحاور على الفاشر، وتحديداً على شرق وشمال وغرب المدينة، التي تمثل آخر عواصم إقليم دارفور التي يسيطر عليها الجيش، بعد سيطرة "الدعم السريع" على عواصم ولايات الإقليم الأربع الأخرى (شرق وغرب وجنوب ووسط) دارفور.
تصدي الجيش
وأكد بيان لـ"القوات المشتركة" تصدي الجيش و"القوات المشتركة" و"المقاومة الشعبية" لهجوم عنيف شنته ميليشيات "الدعم السريع" ومرتزقتها على ثلاثة محاور، الشرقي والشمالي الشرقي والشمالي الغربي للمدينة. وقال المتحدث الرسمي لـ"المشتركة" أحمد حسين مصطفى إن "الميليشيات حاولت أمس اختراق خطوط الدفاع مستخدمة القصف المدفعي العشوائي والطائرات المسيرة منذ ساعات الفجر الأولى، وتكبدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد".
وأوضح مصطفى أن الجيش و"المشتركة" تمكنا من الاستيلاء على 15 عربة قتالية وحرق تسع عربات، وتحييد قائد الهجوم المدعو محمدين حبيب موسى، فيما لا تزال فلول الميليشيات في حالة فرار وتشتت.
من جانبها أوضحت "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر" أن الاشتباكات الشرسة تجددت أمس في نواحي المدينة الشرقية والغربية والشمالية، وأفاد مواطنون بأن أصوات الانفجارات القوية لم تنقطع طوال يوم أمس نتيجة استخدام الأسلحة الثقيلة واستمر القصف المدفعي العنيف على أحياء المدنية لفترات طويلة من كل الاتجاهات بالمسيرات والمدافع.
وعلق حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، على صفحته بمنصة "فيسبوك"، حول هجمات الميليشيات على الفاشر أمس الأربعاء بأن "الحق انتصر مجدداً في المدينة الصامدة، إذ سجل الأبطال بدمائهم الطاهرة فصلاً جديداً من ملاحم العزة والكرامة، لقد تمكنوا من هزيمة دانات العدو ومدافعه، مؤكدين أن إرادة الرجال لا تقهر وأن بشائر النصر الحاسم قادمة مهما تكالبت قوى الباطل".
ومع احتدام القتال والهجمات المتواصلة على مدينة الفاشر، حذر متطوعون إنسانيون من أن سكان المدينة باتوا على حافة مجاعة حقيقية بسبب الحصار الطويل الذي جفف المدينة من الغذاء والدواء، وجردها من كل أسباب ومقومات الحياة الإنسانية الكريمة.
وأعرب متطوعون عن خيبة أملهم وقلقهم من تطاول الأزمة الإنسانية بالفاشر، لإهمال المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية المتفاقمة في الفاشر، وعدم جديته في بذل جهود فعالة لإنهاء حصار المدينة.
تزايد الوفيات
وكشفت المنسقية العامة للنازحين بدارفور أن وباء الكوليرا يواصل تمدده المخيف في دارفور وعلى وشك الخروج عن السيطرة، مشيرة إلى تجاوز إجمالي الحالات التراكمية في الإقليم 7268 حالة، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 309 وفيات.
وأشار آخر تحديث للمنسقية أمس الأربعاء إلى أن الوباء يواصل انتشاره المرعب في مناطق عدة وجديدة بدارفور، لا سيما معسكرات النزوح المكتظة في محليات: طويلة، وجبل مرة، وزالنجي، ونيالا، وخزان جديد بمحلية شعيرية، حيث ينتشر المرض بمعدلات غير مسبوقة.
وشهدت مناطق أبو قعود في محيط مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، أمس مواجهات ضارية بين الجانبين.
وفيما أوضحت مصادر عسكرية أن قوات الجيش وحلفائها تحقق تقدماً مطرداً وعلى وشك استرداد المنطقة، بعد إجبارها لقوات "الدعم السريع" على التراجع من المنطقة، أعلن المستشار القانوني لتلك القوات محمد المختار، في منشور على صفحته بمنصة "فيسبوك"، إحراز قواتهم لانتصارات كبيرة وتكبيد قوات الجيش خسائر فادحة في الأرواح والعتاد في معارك أبو قعود بشمال كردفان.
أما في وسط دارفور التي تسيطر عليها "الدعم السريع"، فعلقت منظمة "أطباء بلا حدود" أنشطتها في مستشفى مدينة زالنجي عاصمة الولاية، عقب تفجير قنبلة داخل المستشفى أدى إلى مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين.
وفي وقت تشهد فيه الولاية تفشياً واسعاً لوباء الكوليرا، قلصت المنظمة عدد فرقها وأوقفت تقديم الخدمات الطبية إلى حين توفر ضمانات أمنية واضحة من جميع الأطراف المعنية لحماية الطواقم والمرضى.
وقال منسق الطوارئ لدى "أطباء بلا حدود" في دارفور مروان طاهر، "لقد فقد شخص حياته في هذا الانفجار، وكان من الممكن أن يقتل المزيد لو أنه وقع نهاراً أثناء ساعات اكتظاظ المستشفى". وأضاف طاهر "تعليق أنشطتنا وإجلاء فرقنا قرار صعب لا ترغب أية منظمة طبية في اتخاذه، لكن لا يمكن أن نخاطر بحياة الطاقم أثناء تقديم الرعاية".
ويعتبر مستشفى زالنجي بولاية وسط دارفور الوحيد العامل في المدينة، ويخدم نحو 500 ألف مواطن، مما يعرض مزيداً من أرواح المواطنين للخطر.
وكانت "شبكة أطباء السودان" اتهمت "الدعم السريع" بقصف استهدف المستشفى الجنوبي في مدينة الفاشر، وأدى إلى تدمير قسم الحوادث والإصابات وخروجه عن الخدمة بالكامل. وقالت الشبكة إن القسم كان يخدم آلاف المرضى، إلا أن القصف المتكرر تسبب بتوقف معظم المستشفيات عن العمل، مضيفة أن هذه العملية تعد امتداداً لسلسلة هجمات ممنهجة على المنشآت الصحية في الولاية.
ويشهد السودان وضعاً صحياً متدنياً مع تزايد حدة الأوبئة وتفشي الكوليرا في معظم ولايات البلاد، وتفشي متزايد في إقليم دارفور بصفة خاصة، فضلاً عن ارتفاع الإصابات بالأمراض الوبائية الأخرى بالبلاد مع حلول فصل الخريف.
تبادل الاتهامات
في الأثناء تبادل كل من الجيش و"الدعم السريع" الاتهامات بقصف قافلة أخرى من المساعدات الإنسانية، تتبع لبرنامج الغذاء العالمي بمدينة مليط بشمال دارفور.
واتهم بيان لـ"الدعم السريع" طيران الجيش المسير بقصف قافلة إغاثية تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تضم 16 شاحنة، وتدمير شاحنتين منها أثناء وجودها داخل حظيرة جمارك مدينة مليط.
وأوضح بيان للمتحدث الرسمي للقوات أن "العدوان الغادر طاول أيضاً سوق مدينة مليط والنقطة الجمركية، وأسفر عن سقوط عشرات الضحايا والجرحى من المدنيين الأبرياء".
إلى ذلك جددت الحكومة السودانية حرصها والتزامها التام، بتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتذليل العقبات أمام عمل الفرق الإغاثية، والمنظمات الدولية والإقليمية العاملة في المجال الإنساني وتمكينها من أداء مهماتها الإنسانية.
وأعربت عضو مجلس السيادة الانتقالي سلمى عبدالجبار المبارك، لدى لقائها أمس رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان دانيال أومالي، عن أملها في تعزيز التعاون المشترك مع المنظمات الدولية والإقليمية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في ولايات السودان كافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استياء أممي دولي
دولياً أصدرت كل من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات وسويسرا ومصر والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة أمس بياناً مشتركاً، شددت فيه على ضرورة تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للشعب السوداني، واحترام القانون الإنساني الدولي بصورة كاملة، بجانب متطلبات تنفيذ الالتزامات التي جرى التعهد بها بموجب "إعلان جدة". وعبر البيان عن بالغ الاستياء من التدهور المستمر للوضع الإنساني في السودان، وتعدد معوقات وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، مع تزايد أعداد من يعانون سوء التغذية والمجاعة، مشدداً على ضرورة اتخاذ أطراف النزاع إجراءات عاجلة لحماية المدنيين في ظل تدهور الوضع ووصول الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات حرجة، إذ يدفع المدنيون في السودان الثمن الأكبر لهذه الحرب.
ولفت البيان إلى أهمية استعادة الوصول إلى خدمات الاتصالات في جميع أنحاء السودان وضمان حماية البنية التحتية المدينة الحيوية، خصوصاً في مجالات الطاقة والمياه والصحة.
دعت المجموعة أطراف النزاع في السودان إلى إزالة جميع العوائق البيروقراطية التي تؤثر في الأنشطة الإنسانية وتمنعها، والالتزام بالحفاظ على طرق الإمداد الرئيسة مفتوحة أمام القوافل والعاملين في المجال الإنساني.
السودان وغزة
أممياً أكدت مديرة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيفيرين راي أن الأزمة الإنسانية في السودان لا تقل خطورة عن الوضع في غزة، إذ يواجه ملايين المدنيين خطر المجاعة وسط الانهيار الكامل للبنية الأساسية، والتحديات الكبيرة التي تجابه إيصال المساعدات الإنسانية.
ونوهت راي إلى أن الأزمة الإنسانية بالسودان تكاد تكون منسية على رغم فداحتها، بينما تسيطر على ساحات الصراع جرائم الحرب والانتهاكات واسعة النطاق، وتواجه فرق الإغاثة تحديات جسيمة خصوصاً في ما يتعلق بالأطفال.
الأزمة المنسية
وحذر برنامج الغذاء العالمي من خطورة الأوضاع في السودان، مشيراً إلى أن البلاد تواجه خطر الجوع الكارثي، وأن الفاشر في شمال دارفور، بجانب بعض مناطق جنوب كردفان (الدلنج وكادوقلي)، من أكثر المناطق تضرراً، إذ يعيش السكان المحاصرون في مستويات انعدام غذائي حادة ويحتاجون إلى مساعدات منتظمة وعاجلة.
أكد البرنامج حاجته إلى نحو 645 مليون دولار لتغطية عملياته خلال الأشهر الستة المقبلة، لتجنب المجاعة ودعم ملايين المحتاجين، وشكا البرنامج من تعطيل القيود الأمنية في البلاد لحركة قوافل الإغاثة التابعة للبرنامج، وجعل عملياته أكثر كلفة وتعقيداً، في وقت لم تتلق المنظمة حتى الآن تأكيداً من "الدعم السريع" بتمكين القوافل من المرور بأمان.
من جهتها، أكدت المنظمة الأفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية أن الأزمة السودانية تخطت المديين المحلي والإقليمي، وتحولت إلى قضية إنسانية وأخلاقية ذات أبعاد عالمية، تمثل اختباراً جدياً لمدى التزام المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، بقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
وطلبت المنظمة من الولايات المتحدة قيادة تحرك دولي لاستصدار قرار ملزم من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع لوقف الأعمال العدائية فوراً، ووضع إطار دولي لمراقبة الوضع وحماية المدنيين من الانتهاكات.
وفي بيان رسمي وجهته إلى مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مسعد بولس، طالبت المنظمة بأن تكون اللقاءات والمشاورات حول الوضع بالسودان علنية وشفافة، تجنباً لتحولها إلى أدوات توظف من الأطراف المتحاربة لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية.
ونادى البيان بفرض عقوبات صارمة ومباشرة على قادة النزاع ومموليهم، تشمل تجميد الأرصدة، ومنع السفر، وتعطيل شبكات التمويل القائمة على تجارة الذهب والموارد الطبيعية، التي اعتبرتها المنظمة المصدر الأساس لاستمرار الحرب.