ملخص
في تحقيق استقصائي كشف الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام، أن "خلية إضفاء الشرعية" تتولى مهمة تبييض صورة الجيش أمام الرأي العام الدولي عبر الزعم بأن العمليات العسكرية تستهدف عناصر الفصائل المسلحة وحسب، مما يمنح آلية عملها دوراً حاسماً في تضليل الرأي العام العالمي عندما تغتال تل أبيب صحافياً.
في غارة جوية واحدة قتل الجيش الإسرائيلي ستة صحافيين ميدانيين يعملون على تغطية حرب غزة، ويرفع هذا الاستهداف عدد الضحايا من الإعلاميين الذين يعملون على نقل مجريات القتال إلى 240، مما يطرح سؤال من بقي من الصحافيين في غزة، وكيف تبرر تل أبيب قتلهم؟
تفيد بيانات نقابة الصحافيين الفلسطينيين بأن عدد العاملين في المجال داخل القطاع وصل لنحو 2500 صحافي وإعلامي قبل اندلاع الحرب من وسائل إعلام محلية أو دولية.
لكن نائب نقيب الصحافيين تحسين الأسطل، يقول "عندما اندلع القتال توقف جزء كبير من الصحافيين عن العمل، كانت الظروف الإنسانية والمعيشية صعبة للغاية، واضطر عدد منهم إلى تعليق نشاطه الإعلامي". ويضيف "انشغل الصحافيون الذين علقوا نشاطهم في متابعة متطلبات منازلهم، وتوفير المياه والطعام لأسرهم، وتأمينهم في مأوى وخيام بمناطق من المفترض أنها آمنة، لقد انسحب من مهنة الإعلام نحو 1500 صحافي".
أيضاً اضطر عدد كبير من صحافيي غزة إلى السفر من مدينة الحرب في محاولة للنجاة من الموت، يوضح الأسطل أن العاملين في مجال الإعلام استشعروا أن غزة أخطر مكان على حياتهم بعدما تحولت إلى أرض بور لا حياة فيها فغادروا القطاع.
وبحسبه فإن إسرائيل خلقت ظروفاً معقدة في غزة تصعب على الإعلاميين مواصلة عملهم، إذ بات الوصول إلى الإنترنت صعباً للغاية، والكهرباء مقطوعة طوال الوقت، ومعدات السلامة المهنية نادرة ولا تحمي الصحافيين، مشيراً إلى أن جزءاً منهم فهم الرسالة ورحل.
وغادر غزة نحو 350 صحافياً وإعلامياً مضطرين، إذ أصيب عدد منهم بجروح وكان في حاجة إلى تلقي العلاج في الخارج، كما اضطر البقية إلى السفر من غزة بعدما خنقتهم الظروف المعيشية الصعبة، وحتى الظروف المهنية المعقدة.
قتلوا وأصيبوا
واصل نحو 650 صحافياً في غزة عملهم في رصد أحداث القتال ونقل القصص المأسوية التي حلت بالقطاع. يشير الأسطل إلى أن هؤلاء تولوا المهمة الصعبة والمعقدة لوحدهم، إذ لم تسمح إسرائيل للصحافيين الدوليين بدخول قطاع غزة لتغطية الأحداث بصورة مستقلة، وهذا ما جعل مهمة إعلاميي القطاع أكثر صعوبة وتعقيداً، وأتاح الفرصة لتل أبيب للتحريض ضدهم.
ولم يسلم الصحافيون في غزة من أحداث القتال، بل خاضوا حرباً وحدهم، كما كانوا هدفاً للقتل، إذ قتل الجيش الإسرائيلي نحو 240 منهم، وأصيب 90 آخرون بجروح خطرة أوقفتهم عن العمل، وكذلك فقد صحافيان اثنان في الحرب، ولا معلومات عنهما حتى اللحظة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بقي نحو 318 صحافياً في غزة يواصلون عملهم وينقلون للعالم أحداث الحرب وقصص النازحين، يؤكد نائب نقيب الصحافيين أن جميعهم يشعرون بالخوف من الموت، ويعيشون جوعاً قاسياً، كذلك فإنهم مشردون في الشوارع بعيداً من أسرهم، وعلى رغم ذلك يواصلون ممارسة الصحافة.
وقتل الجيش الإسرائيلي هذا العدد الضخم من صحافيي غزة في عمليات عسكرية مختلفة ومتفرقة، لكن ما حدث في الـ11 من أغسطس (آب) الجاري كان فاجعة كبرى للصحافة في القطاع.
في ذلك اليوم اغتالت تل أبيب ستة صحافيين في ضربة جوية واحدة، أبرزهم الصحافي أنس الشريف ورفاقه الخمسة، وتعد حادثة استهدافهم أكبر عملية اغتيال تنفذها إسرائيل في حق الإعلاميين منذ بدء الحرب في غزة، إذ لم يسبق أن قتل الجيش بصورة جماعية الصحافيين كهذه المرة.
يقول رئيس لجنة الحريات الصحافية محمد اللحام "تغتال إسرائيل الصحافيين في غزة ضمن حملة ممنهجة لطمس الحقيقة عن جرائمها، والتشكيك في كل ما يخرج من قطاع غزة، وشيطنة الصحافي الفلسطيني لزعزعة الثقة به كمصدر لنقل الأخبار، وتتهم الإعلاميين بأنهم تابعون للفصائل المسلحة". ويضيف "تحاول إسرائيل التحكم في السرد الإعلامي، فعندما تمنع أو تستهدف الصحافيين المحليين وتعرقل وجود الصحافة الدولية يقل الوصول إلى صور وآراء مستقلة من ميدان المعركة، مما يساعد على بسط السرد الرسمي الإسرائيلي وتقليل أثر التقارير المناقضة".
ويوضح اللحام أن "اغتيال الصحافيين هو رسالة ردع مفادها عدم نقل مجريات المجازر"، مشيراً إلى أن معظم حوادث قتل الصحافيين في قطاع غزة ترقى إلى مستوى الانتهاك الخطر لحقوق الصحافة والقانون الدولي.
وبحسب اللحام فإن إسرائيل صعدت في هذه المرحلة بالتحديد استهداف الصحافيين في سياق عسكري جديد، إذ تخطط لتوسيع الحرب وتدمير غزة، ولا تريد أن تنكشف أمام العالم، وأن ينقل الصحافيون أحداث تلك الحرب المروعة.
خلية "إضفاء الشرعية"
ما تتحدث عنه لجنة حماية الصحافيين حول أن إسرائيل تقتل صحافيي غزة وتبرر ذلك بأنهم عناصر تابعون للفصائل المسلحة ينسجم فعلياً ما تفعله تل أبيب، إذ برر المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي قتل أنس الشريف وما سبقه من زملاء المهنة بأنهم قادة خلايا تابعة لحركة "حماس".
واتهم أدرعي أحد الصحافيين الذين قتلهم الجيش بأنه كان مسؤولاً عن إطلاق صواريخ على المدن العبرية، وعلق مبرراً "نرفض اتهامات قتل صحافي غزة عمداً، لم ولن نستهدف الصحافيين عمداً أبداً، نحن لا نستهدف المدنيين والأهداف المدنية، بمن فيهم المؤسسات الإعلامية والصحافيون".
هذه التبريرات الصادرة عن الجيش الإسرائيلي تروج بين المجتمع الإسرائيلي والعالمي عبر خلية خاصة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية وتسمى "خلية إضفاء الشرعية"، مهمتها البحث عن ذرائع لتبرير عمليات استهداف وقتل الصحافيين.
في تحقيق استقصائي كشف الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام، أن "خلية إضفاء الشرعية" تتولى مهمة تبييض صورة الجيش أمام الرأي العام الدولي عبر الزعم بأن العمليات العسكرية تستهدف عناصر الفصائل المسلحة وحسب، مما يمنح آلية عملها دوراً حاسماً في تضليل الرأي العام العالمي عندما تغتال تل أبيب صحافياً.
تحاول خلية "إضفاء الشرعية" إظهار الجيش الإسرائيلي على أنه تصرف وفق القوانين الدولية في غزة، لكن مهمتها الخفية تتمثل في الإسهام بعمليات استهداف الصحافيين الذين يوثقون مجريات الحرب ويفضحون انتهاكات الجيش الإسرائيلي.
بحسب أبراهام فإن "إضفاء الشرعية" تصور إعلاميي غزة على أنهم ينتمون إلى "حماس" لتبرير استهدافهم، ويشرح "عندما تشتد الانتقادات الإعلامية العالمية ضد إسرائيل في قضية معينة، يتم تكليف الفريق بجمع معلومات استخباراتية يمكن رفع السرية عنها ونشرها في إطار الدعاية الإسرائيلية للرد على تلك الانتقادات، مثلما حدث في قضية أنس الشريف".
وفقاً لموقع "سيحاه مكوميت" العبري، فإن "خلية إضفاء الشرعية" أنشئت بعد عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتهدف إلى البحث عن ذرائع لتبرير استهداف الصحافيين في غزة، عبر ربطهم بـ"حماس" أو أنشطة عسكرية، وتعميم هذه المبررات لتغطية قتل آخرين، كما تتولى حماية صورة إسرائيل دولياً.
يقول أدرعي "هذه الخلية تتواصل مع العالم وتنقل رسائل حقيقة وفق إثباتات وأدلة، وليس ما ينشر عنها من معلومات مضللاً، في غزة ينقل الصحافيون وجهة نظرهم ونحن نبلغ العالم الحقيقة ووجهة نظرنا".