Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بين الانحسار والتمدد... نفوذ المغرب والجزائر في الساحل الأفريقي

مبادرات اقتصادية تجعل المنطقة جاذبة للاستثمارات وأخرى دبلوماسية الهدف منها فض النزاعات وتفضيل الحلول السلمية للأزمات

تمر منطقة الساحل والصحراء الأفريقية بعدد من محاولات النفوذ لكثير من القوى الدولية والإقليمية (أ ف ب)

ملخص

بسبب توافرها على موارد طبيعية هائلة مثل الغاز والمعادن، ووجودها ضمن موقع استراتيجي محوري، باعتبارها ممراً رئيساً للتجارة والنقل بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، تجذب منطقة الساحل الأفريقي اهتمام عدد من الدول التي باتت لا تخفي تنافسها المحموم على الاستحواذ على موارد ومقدرات هذه المنطقة.

تحولت منطقة الساحل والصحراء الأفريقية منذ أعوام وما زالت، إلى جغرافيا تمر بعدد من محاولات النفوذ لكثير من القوى الدولية والإقليمية التي تبحث عن موطئ قدم لتحقيق مصالحها الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية والأمنية، خصوصاً النفوذ الأميركي والغربي وبخاصة منه الفرنسي، ثم محاولات النفوذ الصيني والروسي، من دون نسيان محاولات بسط النفوذ على منطقة الساحل بين البلدين الجارين المغرب والجزائر.

ويرى محللون أنه خلال وقت يختار المغرب بسط نفوذه وهيمنته في منطقة الساحل الأفريقي من خلال مبادرات اقتصادية بالأساس تلتزم بمبدأ "رابح رابح" بين المملكة ودول أفريقية، فإن الجزائر تحاول لعب دور "المصلح" في النزاعات الأفريقية الممتدة، مع تفضيل الحلول السلمية للأزمات.

في المقابل، يسجل مراقبون أن هناك نوعاً من انحسار النفوذ الجزائري داخل منطقة الساحل والصحراء الأفريقية بسبب وجود شرخ في العلاقات الجزائرية مع بعض بلدان المنطقة، خصوصاً مالي، وهو الوضع الذي يفتح الباب موارباً أمام المغرب ليرسخ حضوره الدبلوماسي والاقتصادي في هذه المنطقة.

"كعكة"

بسبب توافرها على موارد طبيعية هائلة مثل الغاز والمعادن ووجودها ضمن موقع استراتيجي محوري، باعتبارها ممراً رئيساً للتجارة والنقل بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، تجذب منطقة الساحل اهتمام عدداً من الدول التي باتت لا تخفي تنافسها المحموم على الاستحواذ على موارد ومقدرات هذه المنطقة.

ويسهم انتشار الجماعات المسلحة والإرهابية داخل منطقة الساحل والصحراء في تيسير وجود هذه القوى الدولية على الأراضي الأفريقية، إذ إنها تبسط نفوذها بالمنطقة بدعوى حماية البلدان الأفريقية المعنية من أخطار الحركات المسلحة وتقديم يد المساعدة العسكرية والأمنية لها.

وجذبت منطقة الساحل الأفريقي اهتمام قوى كبرى مثل فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، بحثاً عن مصالح اقتصادية بالأساس، وهو الشأن نفسه بالنسبة إلى قوى توصف بالجديدة أو الصاعدة، وهي روسيا والصين اللتان صارتا لاعبتين مهمتين في منطقة الساحل.

وإلى جانب هذه القوى التقليدية و"الصاعدة"، ظهرت أطراف أخرى تتنافس على حصتها من "كعكة منطقة الساحل"، ومنها على وجه الخصوص تركيا والبلدان الجاران المغرب والجزائر، من خلال تقديم الدعم السياسي أو المبادرات الاقتصادية.

دور "الممول"

بخصوص الحضور المغربي في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، يقول المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة مراكش زهير لعميم إن للمغرب علاقات تاريخية تليدة في منطقة الساحل والصحراء، وهو يواصل ترسيخ حضوره كلاعب محوري في معادلة الاستقرار والتنمية داخل المنطقة، مستفيداً من مجموعة من التحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية والأمنية التي تعيد تشكيل موازين القوى في الإقليم.

ولفت لعميم إلى أن الحضور المغربي في منطقة الساحل لا يرتهن فقط لعوامل أمنية أو سياسية صرفة، بل لرؤية طويلة الأمد تروم جعل تلك المنطقة منطقة تنمية واستقرار، قادرة على تحقيق مبتغى الشعوب الأفريقية، بالنظر إلى ما تزخر به من موارد بشرية وطاقية ومعدنية هائلة.

وتابع الأستاذ الجامعي أن المغرب يحضر في منطقة الساحل بمنطق الشراكة و"اليد المدودة"، مثل مشروع أنبوب الغاز مع نيجيريا و"المبادرة الأطلسية" التي تهدف إلى فتح ممرات لوجيستية لدول الساحل، حتى تكسر عزلتها وتحقق اندماجاً اقتصادياً إقليمياً، بما يعود بالمنفعة على المواطن الأفريقي.

والغاية من هذه السياسة الخارجية المغربية، وفق المحلل نفسه، أن تغدو منطقة الساحل جاذبة للاستثمارات الاقتصادية، وتتغير تلك الصورة النمطية الرائجة التي وسمت المنطقة بكونها بؤرة للهشاشة والتطرف، لتتحول إلى منطقة خصبة مليئة بفرص واعدة للحياة والازدهار.

وخلص لعميم إلى أن حضور المغرب في منطقة الساحل لا يقوم على الهيمنة أو بسط النفوذ بل على منطق الشراكة والوعي بمستقبل القارة السمراء، من خلال التعاون البيني متعدد الأقطاب في مختلف مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة والدين والحضارة، مما يجعل المملكة مؤهلة لتلعب دوراً ريادياً في منطقة الساحل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دور "الإطفائي" أو المصلح

إذا كان المغرب يتعامل مع منطقة الساحل بمنطق الاقتصاد ومبدأ "رابح رابح"، فإن الجزائر تسعى أكثر إلى لعب دور أساس في مجال الوساطات السياسية في النزاعات بين الدول الأفريقية، مستفيدة من علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من بلدان منطقة الساحل.

هذا التوجه للدبلوماسية الجزائرية داخل منطقة الساحل الأفريقي عبر عنه حكام البلاد ضمن أكثر من مناسبة، حتى إن هذا التوجه صار من دعائم العقيدة السياسية للجزائر في القارة الأفريقية، التي تعدها الجزائر امتدادها الطبيعي والجغرافي والسياسي أيضاً.

وسبق لرئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة أن أكد أخيراً أن "الجزائر تلتزم دورها المحوري في منطقة الساحل الأفريقي، على رغم محاولات التشويش على هذا الدور، وأنها رقم فاعل للأمن والسلام في القارة السمراء"، على حد تعبيره.

وتبعاً لشنقريحة "تبذل الجزائر الملتزمة مبادئ سياستها الخارجية الثابتة، على غرار الاحترام المتبادل وحسن الجوار ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها الوطنية ووحدتها الترابية، جهوداً حثيثة عبر مساعيها الدبلوماسية لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الساحل، من خلال تفضيل الحلول السلمية للأزمات ورفض منطق السلاح وتشجيع أسلوب الحوار والمفاوضات".

ويرى محللون أن الجزائر تسعى أيضاً إلى جانب لعب دور "المصلح" إلى إبرام شراكات وتدريبات عسكرية مشتركة مع جيرانها في منطقة الساحل الأفريقي، من أجل التعاون على محاربة الإرهاب واجتثاث الجماعات المسلحة التي تشكل خطراً على الجزائر نفسها.

مقاربات ومقارنات

يعلق على الموضوع المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة مراكش عبدالواحد أولاد ملود، وهو متخصص في الشأن الأمني لمنطقة شمال أفريقيا والساحل، بالقول إن "المغرب والجزائر يريدان أن تطأ قدمهما في المنطقة كل حسب أجندته ومقاربته السياسية والأمنية والاقتصادية".

وأوضح أولاد ملود أنه في ظل غياب مقاربة شاملة إقليمية بخاصة بين البلدين الجارين، برزت هيمنة دولية مثل المبادرات الأميركية التي عمرت طويلاً في منطقة الساحل، ثم مقاربات فرنسية من قبيل عملية "سرفال" العسكرية عام 2013، وبعدها عملية "برخان" عام 2014 لمواجهة التمرد في الساحل الأفريقي، وعمليات "تاكوبا"، فضلاً عن محاولات هيمنة روسيا والصين داخل المنطقة ذاتها.

وبمقارنة النفوذين المغربي والجزائري بمنطقة الساحل، أفاد المحلل نفسه بأن الجزائر تنهج دبلوماسية مناسباتية ترتبط بظهور التهديدات الإرهابية في المنطقة وأزمة خطف الرهائن من طرف الجماعات المسلحة والأزمة في مالي والانقلابات العسكرية، وعمدت الجزائر إلى محاولات لم شمل البلدين المتنازعين.

وأكمل أولاد ملود بأنه "بخصوص المغرب كانت دبلوماسيته شبه مغيبة في منطقة الساحل، غير أنه منذ اندلاع الأزمة داخل مالي عام 2013 وإلى اليوم ظهرت متغيرات على مستوى الدبلوماسية المغربية في منطقة الساحل، تتسم بالحضور الذي يرتكز على تقديم مبادرات ورسم مقاربات تنموية وأمنية وسياسية واقتصادية.

واستطرد المتحدث عينه بأن "المقاربة المغربية ارتكزت على مبدأ إشراك دول الساحل لتحظى بالتنمية، خصوصاً من خلال مبادرة الأطلسي التي تسمح لدول الساحل الأفريقي التي لا تطل على بحر أو محيط من الاستفادة من خيرات المحيط الأطلسي"، قبل أن يشدد على أنه "يتعين على المغرب والجزائر التركيز على المشترك بينهما، بهدف تحقيق رؤية إقليمية للنهوض بدول الساحل ودرء التهديدات الإرهابية والهجرة غير النظامية، وخلق شراكات اقتصادية بمبدأ "رابح رابح".

انحسار وتمدد

كذلك تطرق تقرير جديد لمجلة "جون أفريك" الفرنسية لموضوع نفوذ المغرب والجزائر داخل منطقة الساحل الأفريقي، أوجزه في ما سماه انحسار الدور الجزائري في منطقة الساحل مقابل "تمدد" أو انتعاشة للنفوذ المغربي.

تقرير المجلة الفرنسية أورد أن الحضور الجزائري الذي كان قوياً في الساحل تعرض لضربتين أو "انتكاستين"، الأولى عندما انسحبت دولة مالي خلال يناير (كانون الثاني) 2024 من "اتفاق الجزائر" الموقع عام 2015 بين أطراف النزاع، والانتكاسة الثانية حين رفضت النيجر خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مقترح الجزائر بانتقال سياسي مدني بعد الانقلاب العسكري.

واعتبر التقرير أن مبادرات الوساطة الجزائرية لدى مالي والنيجر على وجه الخصوص اصطدمت برفض السلطات العسكرية لهذه الدول الأفريقية، الشيء الذي عقد مأمورية الدبلوماسية الجزائرية في منطقة الساحل خلال الأعوام القليلة الأخيرة.

وسجل المصدر ذاته أن المغرب انتهز هذا الوضع ليتحرك بصورة أكثر أريحية في منطقة الساحل، مقدماً عروضه التي تجمع بين ثلاثي "الاقتصاد والأمن والدين"، في خلطة استراتيجية تغري بلدان منطقة الساحل بالنمو والازدهار، خصوصاً أن "دول تحالف الساحل الثلاث تشكل سوقاً خصبة وواعدة للمغرب، وتمنحه أيضاً دور الوسيط بين هذا التحالف وبلدان أوروبا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "سيداو"، وفق المجلة الفرنسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير