Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تدخل فضاء السودان السبيراني... فهل يكون منصة لأهدافها؟

تقوم هذه الاستراتيجية على ربط منظومات الخرطوم بشبكات وأنظمة متطورة تدار بالكامل من داخل طهران أو عبر دول وسيطة صديقة

من المرجح أن تطالب طهران بتوفير تسهيلات عسكرية على البحر الأحمر أو منحها موطئ قدم استخباراتي يتيح مراقبة خطوط الملاحة الدولية (اندبندنت عربية- حسن حامد)

ملخص

يمثل التعاون السيبراني المحتمل بين إيران والسودان امتداداً لاستراتيجية طهران في توظيف القدرات الرقمية كأداة نفوذ جيوسياسي، خصوصاً في بيئات هشة تعاني ضعف البنية التحتية الرقمية، مثل السودان.

لن يكون هذا التعاون مجانياً، فمن المرجح أن تنشط طهران مطالبها السابقة بتوفير تسهيلات عسكرية على البحر الأحمر، أو منحها موطئ قدم استخباري يتيح مراقبة خطوط الملاحة الدولية وأنشطتها في القرن الأفريقي. كما يمكن أن يشمل المقابل توفير قنوات لوجستية، لتجاوز العقوبات عبر شبكات تجارية أو مالية موازية.

منذ اندلاع النزاع بين القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع" في الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، لم تقتصر المعارك على ميادين القتال التقليدية، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي. شهدت البلاد انهياراً واسعاً في بنيتها الإعلامية التقليدية، إذ توقفت 25 صحيفة ورقية عن الصدور، وأغلقت أكثر من سبع محطات تلفزيونية و12 محطة إذاعية، لتترك الساحة لوسائل الإعلام المستقلة العابرة للحدود، إلى جانب المنصات الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي، كمصادر رئيسة للمعلومات.

ومع اتساع رقعة الاستهداف الميداني، صعد طرفا الصراع من وتيرة هجماتهما في الفضاء السيبراني. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعلنت صحيفة "سودانايل" الإلكترونية إحباط محاولة اختراق متطورة تسببت في توقف موقعها لأسبوع كامل. هذه الحادثة نموذج فقط لحرب رقمية آخذة في الاتساع، تنفذ عبر حسابات موجهة وغرف قرصنة ومجموعات افتراضية تستهدف النشطاء والمواقع السودانية، متزامنة مع حملات دعائية منظمة لتبرير الحرب وحجب الحقائق حول الانتهاكات.

يكشف تحليل عدد من المواقع الإلكترونية والقنوات السودانية التي تنشط في الفضاء الرقمي، عن هيمنة خطاب التضليل وتزييف الحقائق وحشد الجماهير لخدمة أجندات الحرب، كل من موقعه الداعم لأحد طرفي النزاع. وفي ظل هذا المشهد، تتحول الساحة الإعلامية إلى ساحة معركة موازية، تعتمد على تقويض الثقة في المعلومات والأخبار.

يتجلى في هذه المرحلة انتقال الصراع من تهكير المواقع إلى مرحلة أخرى، وما يبدو محتملاً بصورة كبيرة هو التحول إلى عمليات سيبرانية أكثر تعقيداً، خصوصاً مع استمرار استهداف البنية المعلوماتية الهشة، وغياب منظومات حماية متطورة، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات أوسع تتجاوز الإعلام إلى قطاعات الطاقة والاتصالات والخدمات الحيوية، جاعلة من الحرب السيبرانية أحد أخطر فصول النزاع السوداني.

أداة نفوذ

يمثل التعاون السيبراني المحتمل بين إيران والسودان امتداداً لاستراتيجية طهران في توظيف القدرات الرقمية كأداة نفوذ جيوسياسي، خصوصاً في بيئات هشة تعاني ضعف البنية التحتية الرقمية، مثل السودان. وعلى رغم حداثة هذا المجال نسبياً، إلا أن الأمن السيبراني بات اليوم في قلب الصراع الدولي، إذ تتقاطع مصالح الدول والفاعلين غير الدوليين في استهداف الحكومات وقطاعات الطاقة والمصارف وشبكات الاتصالات والمرافق الصحية، وغيرها.

إيران التي تواجه اتهامات متكررة بشن هجمات سيبرانية على أهداف أميركية وإسرائيلية وخليجية، مثلما حدث في سبتمبر (أيلول) 2024 حين اتهم ثلاثة من عناصر "الحرس الثوري" باختراق حسابات البريد الإلكتروني لحملة دونالد ترمب الرئاسية، تملك خبرة واسعة في استخدام الهجمات الرقمية كأداة سياسية وعسكرية. هذه الخبرة تمنحها القدرة على نقل تقنيات وأدوات هجومية ودفاعية متقدمة إلى السودان، سواء عبر تشغيل أنظمة سيبرانية عن بعد من داخل إيران أم عبر دول وسيطة، أم من خلال دمج الدعم السيبراني مع منصات عسكرية مثل الطائرات المسيرة وأنظمة الاستطلاع.

في المقابل، لن يكون هذا التعاون مجانياً، فمن المرجح أن تنشط طهران مطالبها السابقة بتوفير تسهيلات عسكرية على البحر الأحمر، أو منحها موطئ قدم استخباري يتيح مراقبة خطوط الملاحة الدولية وأنشطتها في القرن الأفريقي، كما يمكن أن يشمل المقابل توفير قنوات لوجستية لتجاوز العقوبات عبر شبكات تجارية أو مالية موازية.

نموذج التعاون السيبراني الإيراني، يمكن أن يحول السودان إلى منصة عمليات هجومية بالوكالة، مع الإبقاء على السيطرة التشغيلية لدى طهران، مما يحد من الأخطار التقنية والأمنية المرتبطة بتسليم التكنولوجيا الحساسة. وفي الوقت ذاته، يوفر لإيران نقطة ارتكاز استراتيجية في منطقة تشهد تنافساً دولياً متصاعداً، ويمنح السودان، على رغم ضعفه البنيوي، أداة غير تقليدية لتعزيز أوراقه في الصراع الإقليمي، وإن كان ذلك بثمن قد يضعه في قلب مواجهة سيبرانية أوسع نطاقاً.

حرب هجينة

في ظل محدودية البنية التحتية الإلكترونية في السودان وضعف قدراته الذاتية في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، تبدو استراتيجية الاعتماد على التشغيل عن بعد خياراً عملياً لإيران إذا ما أرادت تعزيز نفوذها وتوسيع نطاق دعمها العسكري التقني. تقوم هذه الاستراتيجية على ربط المنظومات السودانية بشبكات وأنظمة سيبرانية إيرانية متطورة تدار بالكامل من داخل الأراضي الإيرانية أو عبر دول وسيطة صديقة، بحيث يصبح السودان مجرد قاعدة انطلاق أو واجهة عملياتية من دون الحاجة إلى تطوير منظومات متقدمة محلياً. هذا الأسلوب يتيح لطهران التحكم المباشر في التخطيط والتنفيذ والتشغيل، مع تقليل الأخطار الأمنية المرتبطة بنقل التكنولوجيا الحساسة إلى بيئة منخفضة التحصين التقني.

إلى جانب التشغيل عن بعد، يمكن لإيران أن تمزج بين الوسائل العسكرية التقليدية والتقنيات الحديثة، مما يفتح المجال أمام تنفيذ عمليات معقدة تشمل الاستطلاع والتشويش والهجمات الإلكترونية وحتى دعم العمليات العسكرية التقليدية. والأهم أن هذه المنظومات يمكن أن تعمل بكفاءة حتى في بيئات تتسم بغياب البنية التحتية الرقمية، إذ درجت إيران على الاعتماد على قنوات اتصال مشفرة وبروتوكولات اتصال فضائية أو لاسلكية بعيدة المدى، مما يقلل من تعرضها للاختراق أو التعطيل.

بهذه الآليات، تستطيع إيران تجاوز القيود البنيوية للسودان وتحويله إلى منصة متقدمة لعمليات هجومية أو دفاعية بالوكالة، بما يخدم استراتيجياتها الإقليمية في إدارة الصراعات منخفضة الكلفة. كما أن اعتمادها على خبرتها المتراكمة في تطوير الأسلحة غير المتماثلة، يمنحها قدرة على استثمار الأراضي السودانية كجزء من شبكة أوسع للحرب الهجينة التي تمزج بين الأدوات العسكرية والرقمية والإعلامية. وبذلك، يمكن لطهران أن تعزز نفوذها في القرن الأفريقي والبحر الأحمر من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، مع الاحتفاظ بمرونة عالية في تحريك أوراقها الإقليمية، وفق حسابات الربح والخسارة الاستراتيجية.

غير أن هذا التحول لا يجري في فراغ، إذ يمكن لقوات "الدعم السريع"، استشعاراً لتغير موازين القوة، أن تسعى إلى موازنة هذا التفوق المحتمل عبر التحالف مع أطراف أخرى مثل مجموعة "فاغنر" الروسية أو ما يعرف بـ"فيلق أفريقيا"، وهي قوى قد توفر لها بدورها قدرات سيبرانية أو لوجستية مدعومة من روسيا. مثل هذا التصعيد المتبادل سيحول الساحة السودانية إلى ميدان تنافس بين شبكات نفوذ إقليمية ودولية، تتقاطع فيه أدوات الحرب التقليدية مع تقنيات الصراع الافتراضي.

أهداف متداخلة

تبرز الساحة السودانية كمسرح محتمل لتجليات الحرب السيبرانية العابرة للحدود، خصوصاً في ضوء ما يتردد من أخبار تفيد بانخراط إيران في تقديم دعم تقني وأمني للجيش السوداني، ليس فقط لمواجهة "الدعم السريع"، بل أيضاً كمنصة لتنفيذ عمليات سيبرانية ذات أبعاد مزدوجة تخدم مصالح طهران المباشرة. وهذا النمط من الشراكات الأمنية غير المتكافئة يفتح الباب أمام سيناريو معقد، إذ تتقاطع مصالح الدولة المضيفة مع حسابات القوة الخارجية، لتتحول البنية التحتية الرقمية السودانية إلى أداة هجومية في صراعات لا تعكس بالضرورة أولوياتها الوطنية.

إيران، التي راكمت خبرة واسعة في هذا المجال منذ تأسيس "المجلس الأعلى للفضاء السيبراني" عام 2012، بأوامر من المرشد الأعلى علي خامنئي، نجحت في بناء منظومة متكاملة للهجمات السيبرانية تعتمد على مزيج من المؤسسات الحكومية والمتعاقدين الخاضعين لتوجيه الأجهزة الأمنية والعسكرية، وعلى رأسها الحرس الثوري. أثبتت التجارب السابقة، من هجوم "ستوكسنت" عام 2010، وصولاً إلى العمليات المعقدة ضد أهداف في الشرق الأوسط والغرب، أن طهران ترى في الفضاء السيبراني أداة استراتيجية لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية تتجاوز حدودها الإقليمية.

في السياق السوداني، فإن أي انخراط إيراني في بناء أو تشغيل قدرات سيبرانية هجومية سيحمل بالضرورة بعداً استغلالياً، إذ يمكن لإيران، بحكم قدراتها الفنية والتحكم في أدوات التشغيل، أن تستخدم البنية التحتية الهشة أو الخوادم السودانية في الخارج لشن هجمات على خصومها الإقليميين والدوليين، مستفيدة من الغطاء السيادي للسودان وصعوبة تتبع مصدر الهجمات بدقة. هذا النمط من "الدعم المشروط" لا يمنح الشريك المحلي السيطرة الكاملة، بل يجعله طرفاً في لعبة أكبر تدار من خارج حدوده.

كما أن هذه الشراكة، ستضع السودان في موضع حساس أمام دول المنطقة والمجتمع الدولي، إذ ستقرأ أية هجمات من أراضيه، سواء كانت موجهة لدعم أهدافه العسكرية أم لخدمة الأجندة الإيرانية، كجزء من سلوكه السيادي، مما قد يفتح الباب أمام عقوبات أو إجراءات مضادة. ولعل الخطورة الكبرى تكمن في أن الاستراتيجية الإيرانية في هذا المجال لا تتسم برد الفعل الموقت، بل تقوم على بناء حضور طويل الأمد في بيئات مضطربة، إذ يمكنها الاستفادة من هشاشة الأنظمة الأمنية المحلية لتكريس نفوذها.

 في المحصلة، فإن توظيف القدرات السيبرانية كأداة مشتركة بين السودان وإيران، في ظل الأهداف المتداخلة والمتباينة، لا يهدد فقط بتوسيع رقعة الصراع، بل يضع السودان على خط التماس في مواجهة شبكة من الخصومات العابرة للمنطقة، وهو وضع يتطلب إدراكاً عميقاً لتبعاته الاستراتيجية قبل الانخراط فيه.

سيناريوهات محتملة

نسبة لما يواجهه السودان من تحديات أمنية واقتصادية متشابكة، فإن التعاون مع إيران، ولو في حدوده الدنيا لتنفيذ هجمات سيبرانية قد يشكل خياراً يلجأ إليه لتعويض ضعف أدواته التقليدية. ووفقاً لذلك تبرز ثلاثة سيناريوهات، السيناريو الأول يتمثل في الشراكة التقنية المحدودة، إذ توفر إيران للسودان المعرفة التشغيلية والخبرة الاستخبارية لتنسيق هجمات منخفضة التعقيد، مثل حملات التصيد الإلكتروني واستهداف منصات التواصل الخاصة بـ"الدعم السريع". هذا النمط قد يكون صعب الاكتشاف، لكنه يمنح الخرطوم هامش مناورة سياسياً وإعلامياً مع الحفاظ على إمكان الإنكار الرسمي.

السيناريو الثاني هو التصعيد المدروس، إذ تصبح البنية التحتية السودانية أو تلك المستأجرة عبر شبكات "الاستضافة المضمونة" خارج البلاد، منصة مزدوجة الأغراض. في هذا الإطار، قد تسمح الخرطوم لطهران باستخدام هذه البنية لاستهداف خصومها، في مقابل دعم سيبراني مباشر في مواجهة قوات "الدعم السريع" أو لاعبين إقليميين آخرين. هذه المعادلة تحقق مكاسب متبادلة، السودان يحصل على قدرات هجومية ودفاعية إضافية، بينما تفتح إيران جبهة جديدة يصعب ربطها بها مباشرة.

أما السيناريو الثالث، فهو التحول إلى عقدة إقليمية في حروب الوكالة السيبرانية، إذ يؤدي التعاون المتزايد مع إيران إلى رد فعل مضاد، عبر دعم قوات "الدعم السريع" بتقنيات سيبرانية من أطراف أخرى كروسيا أو كيانات شبه عسكرية مثل "فاغنر" (فيلق أفريقيا). هنا، تتحول بيئة الصراع السودانية إلى ساحة تنافس بين قوى خارجية، تختبر فيها استراتيجيات الهجوم والدفاع السيبراني في سياق حروب بالوكالة.

ومن الناحية العملية، فإن نظام العقوبات الدولي لا يشكل عائقاً جوهرياً أمام تطوير هذه القدرات، إذ تعتمد أنشطة الفضاء السيبراني على الكوادر البشرية والتنظيم أكثر من اعتمادها على البنية المادية، مما يجعل القيود التقنية أقل فاعلية. استخدام الخوادم الخارجية، وتسجيل البنى التحتية الرقمية بمعلومات زائفة، وتوظيف منصات تقدم خدمات لشبكات الجريمة الإلكترونية، كلها وسائل تتيح تجاوز القيود القانونية بسهولة نسبية. كما أن الدخول للسودان في هذا المسار، ولو بمستويات متواضعة، قد يعيد رسم ملامح الصراع الداخلي والإقليمي، ويفتح الباب أمام معادلات جديدة تتجاوز حدود القوة العسكرية التقليدية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير