Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة الطيران الروسي مع عقوبات الغرب... أزمة صامتة ومعقدة

الشركات خططت قبل الحرب للوصول إلى إنتاج 108 طائرات صنعت منها 7 فقط والدولة تتحايل لتوفير قطع الغيار

يتصدر العام الحالي عدد أعطال الطائرات نظراً إلى حظر توريد قطع الغيار إلى روسيا (رويترز)

ملخص

يتصدر العام الحالي أيضاً عدد أعطال الطائرات، نظراً إلى حظر توريد قطع الغيار إلى روسيا. ووفقاً لتقارير جهاز الأمن الفيدرالي "في أس بي"، وُثقت 150 حالة عطل فني خلال تسعة أشهر، بينما لم تُسجل سوى 50 حادثة خلال الفترة نفسها عام 2022، وهذا يعني أن خطر الرحلات الجوية في روسيا تضاعف ثلاث مرات.

يعاني قطاع الطيران المدني الروسي وضعاً حرجاً وأزمة صامتة بسبب العقوبات الغربية، إذ تشهد البلاد عدداً متزايداً من حوادث الطيران، ويتزايد عدد أعطال الطائرات، ويتناقص عدد الرحلات الجوية. وتنفي السلطات الرسمية وجود مثل هذه الأزمة، على رغم أن منظمة الطيران المدني الدولية (الإيكاو) دقت نواقيس "التحذير" في روسيا قبل أكثر من عام بناءً على نتائج تدقيق السلامة.

وواجهت شركات الطيران الروسية صعوبات في توفير قطع الغيار وصيانة الطائرات بسبب العقوبات المفروضة بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا. وحظر الاتحاد الأوروبي، على وجه الخصوص، تصدير الطائرات وقطع الغيار وتكنولوجيا الطائرات إلى روسيا.

وبالتوازي مع ذلك، فقدت روسيا سيادتها في مجال الطيران المدني منذ خروجها من عباءة الاتحاد السوفياتي عام 1991، وانتقالها للاعتماد على شراء الطائرات الأجنبية بعدما خسرت مصانعها الضخمة لصناعة طائرات الركاب نتيجة عمليات الخصخصة العشوائية والمتوحشة آنذاك، وفقدت بالتوازي مع ذلك جدوى إنتاج معدات الطيران. ونتيجة لذلك، تواجه حالياً مشكلات في سلامة الطيران، لأنه غالباً ما يكون من غير المعروف مصدر قطع الغيار التي تحصل عليها شركات الطيران الروسية، وما إذا كانت معتمدة.

ووفقاً للقواعد الدولية، يجب أن تحصل جميع المكونات، بغض النظر عن مكان شرائها، على شهادة الشركة المصنعة. ولهذا السبب أُبعدت روسيا حتى من مجلس منظمة الطيران المدني الدولي، إذ كانت عضواً فيه منذ عام 1970، ومن منظمة الطيران المدني الدولي وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة تضع المعايير الدولية للطيران المدني، وتنسق تطويرها من أجل تحسين السلامة والكفاءة وتضم 193 دولة في العالم، وبسبب العقوبات علقت هذه المنظمة راية حمراء ضد موسكو.

تزايد حوادث الطيران

بحسب نشرة "أوروبا الجديدة"، وقع على سبيل المثال أكثر من 120 حادثة جوية لطائرات مدنية في روسيا خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أغسطس (آب) 2023، أي أكثر بـ2.2 مرة من الأعوام السابقة.

وتتضمن الوثائق السرية لـ"روسافياتسيا" المؤسسة الرسمية الروسية المتخصصة بمراقبة حركة الطيران المدني في البلاد، أرقاماً مشابهة تقريباً، ففي روسيا سجلت 185 حادثة طيران خلال شهر يناير وحده، وصُنف نحو ثلثها على أنها حوادث بمستويات متفاوتة من الخطورة.

ونشرت مجلة "نيوزويك" أخيراً تقديرات جديدة، من سبتمبر (أيلول) إلى أوائل ديسمبر (كانون الأول)، وقع ما مجموعه 60 حادثة داخل روسيا (15 خلال سبتمبر، و25 خلال أكتوبر "تشرين الأول"، و12 خلال نوفمبر "تشرين الثاني"، وثماني في ديسمبر)، بما في ذلك هبوط اضطراري وحرائق في المحركات وأعطال ومشكلات فنية أخرى، اضطرت بسببها الطائرات إلى تغيير مساراتها المخطط لها.

ردت وكالة "روزافياتسيا" على ذلك مؤكدة أنه "لا يوجد اتجاه لزيادة عدد حوادث الطيران" في قطاع النقل الجوي الروسي. وحسب إحصاءاتها، انخفض عدد الحوادث بنسبة 1.3 في المئة.

وبأخذ هذه الأرقام في الاعتبار، فإن العقوبات الغربية أسفرت عن عوامل كان لها التأثير الأكبر على روسيا، وهي حظر توريد الطائرات وقطع الغيار لها، والرفض التام لتوفير الصيانة والخدمات الفنية، ورفض تحديث البرامج، واحتجاز الطائرات الروسية في الخارج، والقيود المفروضة على الوصول إلى المعلومات الجوية للملاحة في الفضاء.

إضافة إلى ذلك ووفقاً لبيانات إعلامية، انخفضت حركة النقل الجوي في روسيا بعد اندلاع الحرب مع أوكرانيا. على سبيل المثال، بلغت نسبة حركة ركاب شركات الطيران 86 في المئة بنهاية عام 2022 مقارنة بعام 2021 الذي سبقه.

وأفادت وسائل الإعلام الروسية بصورة متزايدة بأخبار أعطال الطائرات والهبوط الاضطراري وتأخير الرحلات الجوية لساعات عدة لأسباب فنية. وكان أكثر هذه الأخبار صدى هو الذي صدم الجمهور خلال سبتمبر 2023، إذ هبطت طائرة تابعة لشركة الخطوط الروسية اضطرارياً في حقل قمح، وكشف لاحقاً أن سبب الهبوط الاضطراري كان، من بين أمور أخرى، عطلاً في النظام الهيدروليكي. وبعد ذلك، تساءل خبراء الطيران واحداً تلو الآخر عما إذا كان هناك أي سبب للخوف من الطيران في روسيا.

وخلال الوقت نفسه، تحتل روسيا بالفعل المركز الأول في العالم منذ 23 عاماً من حيث عدد الوفيات نتيجة حوادث الطيران، فمنذ عام 2000 لقي ما لا يقل عن 1712 شخصاً حتفهم إثر حوادث جوية.

يتصدر العام الحالي أيضاً عدد أعطال الطائرات، نظراً إلى حظر توريد قطع الغيار إلى روسيا. ووفقاً لتقارير جهاز الأمن الفيدرالي "في أس بي"، وُثقت 150 حالة عطل فني خلال تسعة أشهر، بينما لم يسجل سوى 50 حادثة خلال الفترة نفسها من عام 2022. وهذا يعني أن خطر الرحلات الجوية في روسيا تضاعف ثلاث مرات.

 

خلال فبراير (شباط) الماضي، كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تضاعف عدد حوادث الطيران في روسيا. وأحصى الأميركيون 74 حادثة دفعة واحدة، وحاولوا إقناع العالم بأن العقوبات هي سبب الأعطال. كان عدد منها حرجاً، حيث كتب الصحافيون عن أعطال في محركات الطائرات وأنظمة التحكم فيها.

المجالات الأكثر حساسية

تظل المجالات الأكثر إشكالية في الطيران الروسي هي المحركات (30 في المئة من الحالات) والشاسيه (25 في المئة)، فضلاً عن العناصر المهمة الأخرى للنظام الهيدروليكي واللوحات والبرمجيات.

وتشمل هذه الحوادث حرائق المحركات والهبوط الاضطراري والأعطال، وغيرها من المشكلات الفنية التي أجبرت الطائرات على تغيير مساراتها المخطط لها.

وأدى النقص في قطع الغيار إلى سماح السلطات الروسية باستخدام قطع غيار غير أصلية للإصلاحات، والسماح أيضاً بـ"أكل لحوم البشر" (عندما يتم تفكيك بعض الطائرات لإصلاح أخرى).

وهكذا، خضع 70 في المئة من أسطول الطائرات المدنية الروسية لإصلاحات غير معتمدة. واستخدم نحو ثلث هذه الطائرات كـ"طائرات مانحة".

أزمة سرية صامتة

عادة ما تلتزم السلطات الروسية الصمت حيال المشكلات التي يعانيها قطاع الطيران المدني، فهي تعدها سراً من أسرار الدولة. فقد خضع الطيران المدني الروسي لعقوبات دولية غير مسبوقة. ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، مُنعت روسيا من استيراد قطع غيار للطائرات، إضافة إلى ذلك لا يسمح لنحو 500 طائرة بالإقلاع إلى خارج المجال الجوي الروسي، إذ يطالب المؤجرون الغربيون بإعادتها إليهم.

يتذكر الجميع ربيع عام 2022، حين أعلنت شركات التكنولوجيا الغربية حرباً حقيقية على روسيا. حظرت كثيراً من الأشياء، من الهواتف الذكية البسيطة إلى توريد قطع غيار طائرات الركاب.

ويرى الخبراء أن زيادة عدد حوادث الطيران لا تتأثر بالعقوبات والعواقب المترتبة عليها فحسب، بل وعوامل أخرى أيضاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال عام 2022، أغلقت السلطات الروسية مطارات جنوب البلاد وبعض المجالات الجوية لأسباب أمنية، مما أدى إلى زيادة أوقات الرحلات. وبدأت أجزاء الطائرات "تتآكل" بصورة أسرع.

ومن الغريب أن أكبر الصعوبات واجهتها طائرات "سوبر جيت 100" الروسية الصنع، لأن هذه الطائرة تتكون بنسبة 70 في المئة من مكونات مستوردة، وهي ليست مكونات بسيطة، بل مكونات فريدة من نوعها. فمحرك الطائرة الفرنسي-الروسي وحده ذو قيمة كبيرة. بمجرد أن يطلب طرف ثالث قطع غيار محركات أو قطع غيار فريدة أخرى، يتوتر البائع على الفور، هل سترسل إلى روسيا؟ حسناً، دعهم يطيرون بصحة جيدة، لكن لا أحد مستعد لتحمل العقوبات الثانوية.

ولم يحالف الحظ شركة "أس-7" الروسية للطيران، فقد خزنت بالكامل طائرات إيرباص المستوردة بمحركات "برات أند ويتني" شديدة التقلب. وتتطلب هذه المنتجات صيانة شاقة، مما أجبر الشركة في النهاية على إيقاف جميع طائرات السلسلة عن العمل. فمن بين 39 طائرة في السلسلة، هناك 13 طائرة متوقفة عن الطيران.

هناك كل الأسباب التي تدعو للشك في اهتمام شركتي "إيرباص" الأوروبية، و"بوينغ" الأميركية بعدم توريد قطع الغيار إلى روسيا عبر قنوات رمادية ودول ثالثة.

أولاً، مهما كان المنظور هناك مئات الطائرات في الخدمة داخل روسيا، ويمكنهما تحقيق أرباح جيدة من ذلك.

ثانياً، الخسائر البشرية الجماعية في حوادث الطيران لن تلحق ضرراً لا يعوض بروسيا فحسب، بل ستؤثر أيضاً في سمعة الشركتين الاحتكاريتين. إن الإضرار بسمعة "إيرباص" و"بوينغ" ليس أفضل دعاية في السوق الدولية. يدرك المسوقون هذا جيداً، ويبدو أنهم نجحوا في إقناع المديرين بعدم عرقلة توريد الوحدات إلى روسيا.

إن الاتجاه الملحوظ حالياً في العلاقات بين روسيا والغرب، آخذ في التباطؤ. ويحاول أولئك الذين تكبدوا خسائر فادحة في الغرب جراء العقوبات المفروضة على روسيا، استغلال الوضع. ومن بين هؤلاء الضحايا شركة "بوينغ" لتصنيع الطائرات التي اضطرت لأسباب سياسية إلى فرض عقوبات على طائراتها، التي تسير رحلات إلى روسيا.

كما هو معلوم، حدت "بوينغ" من توفير قطع الغيار والمكونات وتوقفت عن تقديم المعلومات حول الحال الفنية للطائرات، وتوقفت عن المساعدة في إصلاح الطائرات ومحركاتها، أي إنها قصت أجنحتها في روسيا. ونتيجة لذلك، تكبدت "بوينغ" خسائر بالمليارات.

إنهم يطرحون الآن مسألة استعادة إمدادات معدات "بوينغ"، أي إنهم يريدون العودة إلى النظام الذي كان قائماً قبل العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، هذا يعني أنهم مستعدون مجدداً لتزويد الطائرات التي تمتلكها روسيا بقطع الغيار والإصلاحات وتزويدها بطائرات جديدة، وما إلى ذلك. ويأملون الآن في تعويض كل تلك الأرباح المفقودة بسبب العقوبات المفروضة على روسيا.

ووفقاً لشركات الطيران، يمكن الآن الحصول على أية قطعة غيار عبر الدول الصديقة. فقط وقت الانتظار زاد من 24 ساعة إلى أسبوع أو أكثر. وبالطبع، ارتفعت أيضاً كلفة الطلبات، إذ تراوح الرسوم الإضافية لـ"المخطط الرمادي" ما بين 15 و70 في المئة. إن فارق الوقت هو ما أجبر شركات الطيران على البحث عن مانحين للوحدات من بين الطائرات الصالحة للطيران.

لكن النظام تكيف بسرعة كبيرة، والآن أصبح توقف الجهات المانحة إما مستبعداً تماماً أو مقللاً إلى أدنى حد. جميع الدول الصديقة من الإمارات العربية المتحدة إلى قيرغيزستان، مستعدة لجني الأرباح من الخدمات اللوجيستية المعقدة في روسيا. إذا حللنا بدقة تدفقات قطع غيار الطائرات خلال الأعوام الأخيرة، فمن المرجح أن يكون حجم الشحنات ازداد خلال العامين الماضيين. ولعل هذا هو سبب استمرار هذه الدول في صداقتها، إذ تسمح لنفسها بالاستفادة كثيراً من مشكلات روسيا.

كيف تُصلح الطائرات الروسية في ظل العقوبات؟

في غضون ذلك، يتعين على روسيا إيجاد سبل للالتفاف على العقوبات. تُصلح الطائرات محلياً أو تُرسل إلى الخارج. على سبيل المثال، خلال أبريل 2023، أرسلت "أيروفلوت" طائرات "إيرباص" للصيانة للمرة الأولى إلى إيران. لكن الخبراء يشيرون إلى أن متوسط مدة تنفيذ الطلبات هناك هو ستة أشهر، بدلاً من شهر واحد كما هو معتاد.

لذلك، يجب توجيه شكر خاص لإيران، التي لم تكتف بتوفير قنوات توريد قطع الغيار النادرة لروسيا، بل شاركت مباشرة في عمليات الإصلاح. خلال ربيع العام الماضي، وصلت طائرة "إيرباص" إلى طهران، حيث نفذ الإيرانيون عملية ترميم مخطط لها لمعدات الهبوط. وهذه معلومات متاحة للعامة فحسب، أما حجم أعمال الإصلاح التي يقوم بها الإيرانيون فعلياً على أرضهم، فلا يسع المرء إلا التكهن به.

 

من المرضي أن هيئات تنظيم الطيران الحكومية في روسيا، بهدف زيادة "العمر الافتراضي" للطائرات، لم تخفف من متطلبات السلامة. لا أحد مستعد لتحمل مسؤولية مئات، بل آلاف، الأرواح بجرة قلم.

صحيح أن النقل المدني في روسيا لم يتوقف عن كونه آمناً، وقد أكد العامان الماضيان ذلك. خلال الوقت نفسه، ارتفعت كلف صيانة الطائرات الصالحة للطيران على عاتق المشغلين، ومعها ارتفعت أسعار التذاكر. ووجدت شركات الطيران حلولاً بديلة من خلال التسليم والإصلاح، لكن هذا لا يلغي المشكلات القادمة.

إذا لم تغير قواعد السلامة الجوية جذرياً، فسيتعين إيقاف الدفعة الأولى من الطائرات عن العمل خلال خمسة أو ستة أعوام. ولن يسمح حجم وكلفة صيانة الطائرات القديمة لشركات الطيران بتحقيق أرباح منها. وفي أسوأ الأحوال، لن تتمكن الطائرات من الطيران دون أخطار على الركاب، فمتطلبات صلاحية الطيران، كما نعلم، مكتوبة بخط الخطر.

والآن السؤال الرئيس هو، هل ستتمكن مصانع الطائرات المحلية من بدء الإنتاج التسلسلي والمنتظم لطائراتها بحلول ذلك الوقت؟

بالنظر إلى التغييرات الأخيرة في مواعيد الإنتاج ببضعة أعوام تأخيراً، فإن الإجابة ليست واضحة على الإطلاق.

خططت شركة الطائرات المتحدة الروسية للوصول لإنتاج 108 طائرات مدنية سنوياً بعد بدء الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا خلال فبراير 2022. لكنها بنت سبع طائرات منها فحسب.

كان أحد أكبر الكوارث التكنولوجية في تاريخ الطيران العالمي، هو تدمير صناعة الطيران السوفياتي في روسيا بأكملها، والانتقال إلى استخدام الإنتاج الأجنبي، وهذا ما وضع البلاد على وشك الفشل والارتهان لمصنعي طائرات الركاب الأجانب.

بالنسبة إلى روسيا، لا يقتصر بناء طائرات الركاب على تحقيق الهيبة أو الربح التجاري. فعدد من المناطق النائية تعتمد كلياً على الطيران. وتجعل مساحة روسيا الشاسعة ربط المناطق المتقابلة عبر النقل البري أمراً غير واقعي.

قال رئيس شركة "روستك" الصناعية والتكنولوجية الرئيسة في روسيا سيرغي تشيميزوف "لقد تنافسنا خلال الحقبة السوفياتية، وأنا واثق تماماً من قدرتنا على تحقيق ذلك اليوم". وأكد أمام مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ)، أن صناعة الطيران الروسية مستعدة تماماً لمنافسة "بوينغ" و"إيرباص".

جاءت هذه الكلمات خلال اليوم الـ973 منذ بداية الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا، والذي ردت عليه الدول الغربية بفرض عقوبات صارمة ضد صناعة الطيران وتصنيع الطائرات الروسية.

وكانت العقوبات شديدة لدرجة أنها وضعت صناعة الطيران على حافة البقاء.

وفي أعقاب فرض هذه العقوبات، أصبحت شركة الطائرات المتحدة، وهي جزء من شركة "روس تيك"، غير قادرة على إنتاج طائرات الركاب.

رداً على العقوبات الغربية، اعتمدت الحكومة الروسية خلال الـ27 من يونيو (حزيران) 2022 برنامجاً لتنمية صناعة النقل الجوي حتى عام 2030.

كان البرنامج طموحاً. وبنهاية عام 2022 كان من المفترض إنتاج 14 طائرة، وخلال عام 2023 كان يفترض إنتاج 23 طائرة و69 في نهاية عام 2024. وكان من المقرر بناء 1032 طائرة ركاب إجمالاً بنهاية عام 2030، إلا أن البرنامج بدأ يتعثر فوراً، وعلى مر الأعوام، أُجل موعد تسليم الطائرات مرتين.

ويمكن تفسير هذه التحولات في المواعيد النهائية وتقليص خطط حجم الإنتاج بالصعوبات الموضوعية التي كان من الصعب التنبؤ بها مسبقاً.

في الواقع، يعتمد إنتاج أية طائرة في أي مصنع على مئات من موردي المكونات، ويمكن لأي منهم أن يعطل الخطة إذا لم يلب طلباً. ويعد "التحول نحو اليمين" مرضاً يصيب مشاريع الطيران في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، وكما قال مصدر في صناعة الطيران الروسية لـ"ندبندنت عربية"، فإن هذا البرنامج في الواقع لم يكن ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد على الإطلاق، في الأقل من حيث الحجم والتوقيت.

كان مجرد "دعاية" لتهدئة أعصاب الحكومة. لم يعده أحد من واضعيه دليلاً مباشراً لخطة عمل. أي إنهم ربما نظروا إليه في مكان ما واعتقدوا أن هذه الخطة ستسير كما هو مخطط لها، وستُبنى آلاف الطائرات بحلول عام 2030، لكنها في الواقع كانت مجرد محاكاة للطموحات وليس أكثر.

من أين تأتي قطع غيار الطائرات إلى روسيا؟

مع أنه توجد مشكلات خطرة في قطع الغيار، كما يؤكد خبراء صناعة الطيران. لكن هذا حتى الآن، لا يثقل كاهل شركات الطيران والدولة الروسية. قبل بضعة أعوام فحسب، كان طلب قطعة غيار يكفي لتقديم طلب إلى الشركة، وفي غضون أسبوع، كانت القطعة تصل إلى أي مكان في العالم، بغض النظر عن مكان تعطل الطائرة.

الآن، وبسبب العقوبات، ينقل هذا عبر دول أخرى. تزداد الخدمات اللوجيستية تعقيداً، مما يؤدي إلى ارتفاع كلفة قطع الغيار. تسعى الشركات الوسيطة التي تقوم بذلك إلى الربح، ولذلك غالباً ما تتضاعف أسعار قطع الغيار ثلاثة أضعاف.

في السابق، كان هناك ثلاثة موردين رئيسين رسميين تشتري منهم شركات الطيران المحلية قطع غيار لطائرات "بوينغ" و"إيرباص". أما الآن، فيبلغ عددهم 330 مورداً، وجميعهم من الشركات الصغيرة.

يتم حالياً توريد قطع الغيار من الإمارات العربية المتحدة وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان. وتسعى موسكو إلى توسيع نطاق الموردين وإشراك دول أخرى في هذا المجال، لا سيما ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا.

في كثير من الأحيان، لا تكون قطع الغيار "أصلية"، لكنها ليست مقلدة أيضاً بل مصنوعة في الصين، لكن "بوينغ" و"إيرباص" تعترفان بها رسمياً.

ويقول خبير الطيران، الطيار سرغي ليتفينوف "تحدثت أخيراً مع مسؤول عن مراقبة قطع الغيار في روسيا. يقول إن هذا النظام صارم للغاية في البلاد. إذا وصلت قطعة غيار ووجدوا أنها مقلدة، فإنهم يرفضونها".

مع ذلك، يعرقل الغرب بنشاط قنوات توريد قطع الغيار، ولا يقتصر الأمر على فرض شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية متعددة الصناعات، والتي تنتج محركات الطائرات من بين منتجات أخرى غرامات على روسيا. بل على سبيل المثال، تطالب الموردين بتقييد اسم المستهلك النهائي. ومن المهم للشركة أن تعرف أية طائرة ستستخدم هذه القطعة أو تلك.

جميع قطع غيار الطائرات مرقمة، وتشترط شركة "جنرال إلكتريك" إعادتها بعد الاستخدام أو في حال وجود أية عيوب. ويتم ذلك لتمكين الشركة من إعادة الإنتاج عند الحاجة.

إذا أمكن إصلاح الوحدة، ترسل لإجراء إصلاحات شاملة وتمنح رقماً جديداً. وإذا لم تعد الوحدة القديمة إلى الشركة، فقد تفرض عليك عقوبات ولن تتمكن من طلب قطع غيار منها.

لهذا السبب، حتى الدول الصديقة التي ترغب بصدق في المساعدة، ترفض أحياناً توريد قطع غيار لروسيا. جميعها تستخدم طائرات "إيرباص" و"بوينغ"، وتخشى الوقوع تحت طائلة العقوبات.

أكل لحوم البشر في الطيران

على رغم الظروف الصعبة التي يمر بها قطاع الطيران، لا تزال روسيا تحافظ على أسطولها الجوي. وخلال وقت سابق من نوفمبر، أشارت وزارة النقل إلى أن لديها حالياً 1165 طائرة ركاب مدنية، وهو العدد نفسه تقريباً الذي كانت تمتلكه قبل عام ونصف العام.

وقال المتخصص فلاديمير بوبوف "لا توجد مشكلات تشغيلية حرجة. حتى في حال حدوثها، على سبيل المثال، عند وجود عدد كبير من الرحلات الجوية خلال العطلات أو أيام ما قبلها، فإننا نلجأ إلى ما يسمى (التدخل في شؤون الطيران أو أكل لحوم البشر في الطيران)".

 

يزال جزء، أو قطعة غيار، أو حتى كتلة كاملة من طائرة ويعطى لطائرات أخرى. نتيجة لذلك، تفرغ طائرة واحدة، وترسل الطائرات الخمس الأخرى ضمن رحلات جوية.

من الممكن أحياناً أن تبقى هذه الطائرات المانحة معطلة لستة أشهر أو حتى أعوام عدة. بعد ذلك، تشطب ويُتخلص منها تماماً. لا جدوى من ترميمها، نظراً إلى قلة قدرتها على الطيران. هذه هي بالضبط صورة دورة حياة الطائرات.

العقوبات الغربية ترعب الشركاء

ناقشت روسيا استئجار الطائرات خلال محادثات سرية في أديس أبابا خلال يوليو (تموز) الماضي. لكن هيئة الطيران المدني في إثيوبيا رفضت تأجيرها طائرات تابعة لها خوفاً من العقوبات الغربية الثانوية، وبخاصة الأميركية منها.

ورفضت إثيوبيا تأجير طائرات مدنية من الخطوط الجوية الإثيوبية إلى روسيا، بحسب ما ذكرت صحيفة "كابيتال" المحلية نقلاً عن هيئة الطيران المدني الإثيوبية.

وقالت إن روسيا أبدت اهتمامها باستئجار طائرات مع صيانتها من الخطوط الجوية الإثيوبية، واقترحت أيضاً التعاون في مجال صيانة الطائرات. ووفقاً للصحيفة، جرت مفاوضات حول هذا الموضوع خلال الـ29 من يوليو الماضي داخل أديس أبابا، حيث التقى الوفد الروسي برئاسة الممثل التجاري في إثيوبيا ياروسلاف تاراسيوك، والمدير العام لهيئة الطيران المدني الإثيوبية يوهانس أبيرا.

وصرح الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية الإثيوبية مسفين تاسيف بأن الشركة لم تجر محادثات جوهرية مع روسيا في شأن استئجار الطائرات، ولم يُتوصل إلى اتفاق في هذا الشأن. وأوضح قائلاً "روسيا تخضع لعقوبات أميركية، وللخطوط الجوية الإثيوبية علاقات تشغيلية وتجارية قوية مع الولايات المتحدة. نحن نعمل وفقاً للأنظمة الدولية والقوانين الأميركية، ولسنا مستعدين لتحمل أخطار انتهاك هذه القوانين".

وأشار تاسيف أيضاً إلى أن شركة الطيران الإثيوبية نفسها تبحث عن طائرات إضافية لتلبية الطلب المتزايد على نقل البضائع والركاب.

رب ضارة نافعة

في أوائل مارس (آذار) الماضي، أجرى ممثلو الاتحاد الروسي للصناعيين ورواد الأعمال محادثات مع غرفة التجارة الأميركية في شأن مسألة تخفيف القيود الاقتصادية، ووفقاً لرئيس الاتحاد ألكسندر شوخين اقترح الأميركيون إعداد "ورقة بيضاء" حول المجالات ذات الأولوية لرفع العقوبات، وشملت هذه القائمة الطيران المدني وقطع الغيار والمكونات وصيانة السفن.

وصرح الرئيس والمدير التنفيذي لغرفة التجارة الأميركية في روسيا روبرت آجي خلال مارس الماضي، بأن الشركات الأميركية والأجنبية داخل البلاد تنتظر بالدرجة الأولى تخفيف العقوبات في مجال صيانة الطائرات وتوريد قطع غيارها. وعدَّ رواد الأعمال الروس هذه القضية أولوية.

ووصفت موسكو مراراً وتكراراً العقوبات الغربية بأنها غير قانونية.

إلا أن الطيار المخضرم في الاتحاد السوفياتي أوليغ سميرنوف نائب وزير الطيران المدني السابق، والرئيس الحالي للجنة الطيران المدني التابعة للمجلس العام لشركة "روترانسنادزور" له رأي آخر حول ما إذا كان رفع العقوبات سيؤثر إيجاباً أم سلباً على صناعة الطائرات المحلية.

وقال "بالطبع، لدينا أيضاً من يحلمون باستعادة التعاون الطبيعي مع ’بوينغ‘ سريعاً، لأنهم يمتلكون طائرات من هذه العلامة التجارية. هذه هي شركات الطيران التابعة لنا التي تعاني العقوبات، وتواجه صعوبات في العثور على قطع الغيار، ليس من الواضح من يملك هذه القطع، ومدى صحتها واعتمادها. وهذا التآزر بين الجانبين يحدث. وبالطبع، يمكن أن يؤدي ذلك إلى استعادة رحلات ’بوينغ‘ العادية فوق أراضينا. لكن يجب أن نفكر في الأمن القومي، وفي سيادة الطيران".

وأضاف "إذا رضخت الدولة لمزاج شركات الطيران، وعادت إلى صيغة ’الغرب سيساعدنا‘، كما فعل وساعدنا اليوم، فسنتلقى نفس الضربات التي تلقيناها بعد فرض العقوبات، بينما كنا نلتزم بهذه الصيغة".

وتابع "هذا يعني أننا نواجه خطر عدم استئناف تصنيع الطائرات المحلية، ونحرم من طائراتنا الخاصة، ونعتمد مجدداً على ’بوينغ‘ وشركات أجنبية أخرى. ونرى جميعاً عواقب هذا الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية الآن. وبالطبع، يجب على الدولة اتخاذ موقف واضح وحازم ضمن هذه القضية. ففي نهاية المطاف، تسهم موازنة الدولة في إحلال الواردات. ميزانيتنا وأموالنا. وفجأة، وبسبب أهواء مسؤولي شركات الطيران، تهدر هذه الموازنة مرة أخرى، إن صح التعبير".

وختم قائلاً "هذا أمر لا يمكن السماح به. يجب أن نفكر في سيادة بلدنا، التي فقدناها في صورة معدات طيران. ونتيجة لذلك، نواجه مشكلات في سلامة الطيران".

أزمة متعددة الوجوه

العقوبات الغربية لم تخلق أزمة لقطاع الطيران في روسيا وحدها، بل تعرضت الدول الغربية لانتكاسة كبيرة في العقوبات المفروضة على قطاع الطيران الروسي. ويظهر تحليل شامل أن قطع طيران وأجزاء طائرات بقيمة مليار يورو في الأقل وصلت إلى روسيا سنوياً بطرق ملتوية منذ فبراير 2022، على رغم حقيقة أن مثل هذه التسليمات لم يكن من الممكن أن تكون ممكنة.

لقد فُرضت عقوبات غربية قاسية للغاية على صناعة الطيران الروسية، كانت تهدف إلى شل حركة الطيران المدني في المقام الأول، والقضاء على آخر أمل في استعادة قطاع صناعة الطيران المدني في روسيا عافيته.

ومع ذلك، أنشأت روسيا شبكة التفافية تحصل من خلالها على كميات كبيرة من أجزاء الطائرات للاستخدام المحلي.

روسيا في حاجة ماسة إلى هذه القطع لأنها قبل الحرب استأجرت نحو 500 طائرة من شركات تأجير غربية، ولم تعدها عندما طالبها الغرب بها. في الواقع، استولت روسيا على هذه الطائرات، على رغم أنها تدعي أنها ما زالت تستأجرها.

تشمل القطع التي تشتريها روسيا مكونات أساس للطيران المدني مثل المحركات، إضافة إلى قطع شائعة في مقصورات الركاب. وتشمل قطعاً عسكرية مثل أنظمة الرادار وأجهزة الكمبيوتر على متن الطائرات.

ركز تقرير استخباراتي غربي على قطع غيار تنتجها أكبر شركتي تصنيع طائرات في العالم، "إيرباص" الأوروبية و"بوينغ" الأميركية. وتم الحصول على المعلومات باستخدام بيانات جمركية روسية من شركة تشغيل تجارية.

لقد توصلت روسيا إلى طريقة ذكية للالتفاف على العقوبات الغربية، فبعد حظر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة توريد أجزاء الطائرات إلى روسيا من خلال العقوبات، لجأت روسيا لشرائها من دول ثالثة لا ينطبق عليها هذا الحظر.

حجم هذه الأعمال مثير للإعجاب، قطع غيار "إيرباص" بقيمة لا تقل عن 600 مليون يورو سنوياً، وقطع غيار "بوينغ" بقيمة تقارب 400 مليون يورو وصلت إلى روسيا سنوياً. حدث كل هذا بعد فبراير 2022، أي بعدما شنت روسيا غزواً شاملاً لأوكرانيا، وقد تكون أحجام الواردات الفعلية أكبر من ذلك.

لا تشتري روسيا قطع الغيار مباشرة من "إيرباص" و"بوينغ"، بل تعتمد على سبيل المثال على شركات وسيطة في تركيا والصين والإمارات العربية المتحدة. إضافة إلى شركات الطيران التي تنتج قطع الغيار أيضاً من قبل عدد من مقاولي الباطن.

تتوافر قطع غيار مستعملة أيضاً في السوق. مع ذلك، لا تأخذ بيانات الجمارك في الاعتبار ما إذا كانت القطع جديدة أم مستعملة. في الواقع، لا يمكن للمصنعين التأثير في تجارة قطع الغيار المستعملة بأية صورة من الصور.

"إيرباص" و"بوينغ": نلتزم بالعقوبات

طلب قسم الصحافة الاستقصائية في جامعة "ييل" إجراء مقابلات مع شركتي "إيرباص" و"بوينغ"، لكنهما رفضتا ذلك. وعوضاً عن ذلك، أرسلتا بيانات موجزة وعامة.

على سبيل المثال، لم ترد الشركتان على الأسئلة حول كيفية منع دخول أجزاء الطائرات إلى روسيا عبر وسطاء.

 

وتلتزم شركة "إيرباص" بجميع القوانين والعقوبات السارية المتعلقة بروسيا. لا توجد أية وسيلة قانونية لتصدير الطائرات أو قطع الغيار أو الوثائق أو الخدمات إلى روسيا.

وقالت "إيرباص" في بيان "بالنسبة إلى قطع الغيار، تستطيع ’إيرباص‘ تتبع الأجزاء الأصلية والوثائق وتحديد التزامات المستخدم النهائي (على سبيل المثال، لا يمكن استخدام جزء إلا لشركة طيران محددة ولرقم تسلسلي محدد لهيكل الطائرة)، لكن الشركات المصنعة ليس لديها وسيلة للتحكم في استخدام الأجزاء غير الأصلية أو الوثائق أو الخدمات".

وقالت شركة "بوينغ" للاتصالات في رسالة عبر البريد الإلكتروني "علقت شركة ’بوينغ‘ توفير قطع الغيار والخدمات والدعم للعملاء ومقدمي الخدمات في روسيا أوائل عام 2022. ونواصل الامتثال للعقوبات الأميركية والقوانين واللوائح الدولية".

التفاف على العقوبات

قام قسم الصحافة الاستقصائية في جامعة "ييل" بتحليل بيانات الجمارك الدولية، وكشف التحقيق عن نحو 4000 شحنة تحوي قطع غيار طائرات "إيرباص" أو "بوينغ" بين فبراير 2022 وسبتمبر 2024. ولم تتوافر بيانات جمركية أحدث بعد.

تظهر البيانات أن روسيا بنت شبكة واسعة تمكنها من الحفاظ بصعوبة على حركة النقل الجوي واستمرارها. ووفقاً للتحليل، شاركت أكثر من 360 شركة حول العالم في توريد قطع غيار الطائرات إلى روسيا. وعدد من هذه الشركات مدرج الآن على قوائم العقوبات الغربية.

كانت الإمارات العربية المتحدة والغابون، الواقعة في وسط أفريقيا، أكبر الدول المصدرة، إضافة إلى الصين وتركيا. في بعض الحالات، كان بإمكان شركة واحدة تسليم أكثر من 100 شحنة إلى روسيا، لكن كان هناك أيضاً عدد من الشركات التي سلمت شحنة أو شحنتين فحسب.

ومن خلال وسطاء، تمكنت روسيا من الحصول على عدد من قطع الغيار المهمة، بما في ذلك محركات جديدة لطائرات "إيرباص".

روسيا فقدت كفاءاتها

ومع ذلك، أكد خبير في مجال الطيران أن هناك حاجة كبيرة لقطع الغيار الغربية للطائرات التجارية في روسيا. ويقول البروفيسور ستيفن رايت إن روسيا كانت رائدة في تكنولوجيا الطيران قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها فقدت كثيراً من خبراتها منذ ذلك الحين.

كان الغرب رائداً في إنتاج أجزاء الطائرات المدنية، في حين ركزت روسيا على الطيران العسكري.

وإضافة إلى شراء قطع الغيار من الدول الصديقة، تستطيع روسيا أيضاً صيانة طائراتها واستبدال قطع الغيار في هذه الدول، حيث قد يكون هذا أسهل وأرخص.

يقول رئيس قسم النقل والطيران في جامعة دبلن التكنولوجية، رايت، "بإمكان روسيا تصنيع أجزاء الطائرات بنفسها، لكن هل هي مستعدة لاستثمار مبالغ طائلة في هذا المجال الآن؟ لا أعتقد ذلك".

وبحسب رايت، فمن غير المرجح أن تستخدم روسيا الطائرات التي حصلت عليها من الخارج لأغراض عسكرية.

وأضاف رايت "من الممكن أن يحدث هذا، لكنه غير منطقي لأن التكنولوجيا العسكرية الروسية متقدمة للغاية مقارنة بالتكنولوجيا المستخدمة في الطائرات المدنية".

صحيح أن النقل المدني في روسيا لم يتوقف عن الحركة، مع أنه أصبح أقل أماناً بسبب حرمان روسيا من قطع الغيار والصيانة، وأكدت الأعوام القليلة الماضية ذلك. وخلال الوقت نفسه، ارتفعت كلف صيانة الطائرات الصالحة للطيران على عاتق المشغلين، ومعها ارتفعت أسعار التذاكر. ووجدت شركات الطيران حلولاً بديلة من خلال التسليم والإصلاح، لكن هذا لا يلغي المشكلات المنتظرة.

يدفع هذا الوضع شركات الطيران الروسية إلى البحث عن بدائل في السوق العالمية، والسعي لشراء طائرات "بوينغ" و"إيرباص"، إضافة إلى قطع غيارها. وخلال وقت عدلت فيه وزارة الصناعة والتجارة خططها، أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي فيتالي سافيليف استعداد موسكو لاستئناف العمل مع "بوينغ" و"إيرباص"، بما في ذلك مسألة الطائرات الجديدة. وكان الدافع وراء ذلك نمو النقل الجوي داخل روسيا والحاجة إلى عدد كاف من الطائرات.

أكبر فرص النجاح تكمن لدى الأميركيين، الذين يتعاملون دائماً مع مثل هذه الصفقات على أنها تجارة أكثر مما هي سياسة. وتزعم "بلومبيرغ" أن "هذه المسألة طرحت خلال المشاورات الأخيرة بين موسكو وواشنطن في شأن أوكرانيا. سيكون هذا حلاً مربحاً لكلا الجانبين، فقد خسر الأميركيون أموالاً طائلة بسبب مغادرتهم روسيا. اليوم، تخدم طائرات ’بوينغ‘ الروسية في إيران والشرق الأوسط ومناطق أخرى، وتتجاوز الأميركيين. هذا الأمر لا يعجبهم، ولا جدوى منه، فمن الواضح للجميع منذ فترة طويلة أن الاتحاد الروسي سيتجاوز أي حظر".

الوضع مع الأوروبيين مختلف، لكن في حال التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة في شأن الطيران المدني، ستتمكن روسيا بسهولة من التخلي عن "إيرباص" لمصلحة منتجات "بوينغ"، وبذلك تكون واشنطن تربحت من عقوباتها وتمكنت من احتكار سوق الطيران المدني الروسي وأخرجت الأوروبيين نهائياً منه.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات