ملخص
هذا المساء، سيحصل جاكي شان في مهرجان لوكارنو السينمائي (6-16 أغسطس "آب")، على جائزة "الفهد الذهبي الشرفي"، تقديراً لمسيرته الفنية الحافلة، وسيعرض في هذه المناسبة فيلمان لنجم الفنون القتالية هما "مشروع أ" (1983) و"قصة شرطة" (1985)، وتولى إخراجهما ولعب دور البطولة فيهما في آن معاً. وسيتاح لجمهور التظاهرة السينمائية الأولى في سويسرا لقاء النجم ضمن جلسة حوارية عامة تقام يوم غد الأحد، علماً أنه وصل إلى لوكارنو قبل بضعة أيام ويتنقل بين ربوعها للاستمتاع.
كثر يعدون شان الذي يبلغ الـ71 من العمر، أيقونة الفنون القتالية في السينما الآسيوية على غرار بروس لي. إنه أحد وجوه هذا النوع من السينما الذي عبر اختبار هوليوود بنجاح. وأحبه الجمهور في القارات الخمس بفضل أفلامه التي تجمع بين الإثارة والفكاهة. استطاع أن "يشيِّد جسراً فريداً بين الشرق والغرب، جامعاً في فنه بين حساسية الثقافات وتنوعها وروح المغامرة التي لا تعرف حدوداً"، كما تعرف الإدارة عنه.
بدأ مسيرته طفلاً على الشاشات خلال ستينيات القرن الماضي، قبل أن يظفر بانطلاقته الذهبية عام 1978 عبر فيلمي "ثعبان في ظل النسر" و"المعلم السكير" اللذين رسخا اسمه كموهبة استثنائية. ومنذ ذلك الحين، ودائماً بحسب المهرجان، "صار مزيجه الفريد بين مهارات الكونغ فو وخفة الظل بمثابة توقيع فني يميزه، وركيزة من ركائز نجاح استوديو غولدن هارفست الأسطوري في هونغ كونغ". ومع كل فيلم جديد، كانت المشاهد الخطرة التي ينفذها بنفسه، وكاريزماه اللافتة، تستقطب جموع المعجبين إلى صالات العرض في أرجاء العالم.
خلال التسعينيات، تربع جاكي شان على عرش نجومية أفلام الحركة في آسيا، فتهافتت عليه هوليوود، لتنطلق مسيرته نحو انتشار عالمي غير مسبوق، مع "ساعة الذروة" (1998)، بعدما كانت كشفت أعماله الإخراجية مثل "قصة شرطة" و"درع الإله" (1986)، عن وجه آخر لهذا الفنان الذي لم يكتف بالوقوف قبالة الكاميرا.
إلى ما يبثه من ديناميكية وخفة وسرعة بديهة، فإنه من الصعب وصف ما يصنع فعلاً تفوق جاكي شان في مجاله. وما هو أكيد أنه لا يشبه أحداً، لا على الشاشة ولا خارجها. فنان صنع أسطورته من الحكايات البسيطة والركلات السريعة والضحكة التي لا يزال صداها يتردد في وجدان مراهقي التسعينيات الذي كناه. حين تراه يتحدث، تدرك أن ما يقدمه في أفلامه امتداد طبيعي لشخصيته. ينهض من مقعده ليروي نكتة، يستخدم يديه وقدميه كما لو أنه لا يزال أمام الكاميرا، يقفز بحماسة طفل ويسترسل كأنه في مشهد من الحياة اليومية. ربما هذه الحماسة التي لا تقع البتة في فخ الملل هو ما يضعه فوق غيره من الفنانين الذين برعوا في الفنون القتالية على الشاشة.
في عمر السادسة أرسل إلى مدرسة لتعلم فنون القتال والتمثيل. أراد أن يصبح مرافقاً لحارس ملهى ليلي. لم يكن يحلم بالشاشة الكبيرة ولم يخطر في باله أن اسمه سيتصدر ملصقات الأفلام في أنحاء العالم. الجوع وحده كان دافعه إلى السينما. "دخلت التمثيل كي آكل"، قالها بصدق فجَّر ضحك الحضور في مهرجان البحر الأحمر السينمائي حين زار جدة قبل نحو عامين، حتى الفقر لم يفلت من سخريته.
"لست بروس لي"
في طفولته، ظهر في خلفية مشهد من فيلم لبروس لي، وكان آنذاك مجرد بديل بين العشرات. لم يكن يسمح له بالاقتراب من النجم، بل كان يتلقى اللكمات ويمشي. لكن في قلبه، كان يعرف أن ما يفعله بروس لي، هو أيضاً يجيده. وكان يمارسه يومياً. وحين مات لي، حاولوا أن يجعلوا منه نسخة عنه، لكنه رفض وعلق بالقول "أنا لست بروس لي. ولا أريد أن أكونه".
من هنا بدأت معركته ليصبح جاكي شان. سعى إلى تبديل قواعد القتال في السينما، فجعل من اللكمة لقطة كوميدية تحمل سرداً. أضاف الضحك على العنف، والمبالغة على الواقعية، وكل ما في الديكور أمسى جزءاً لا يتجزأ من المبارزة. ابتكر شخصيته الخاصة البعيدة من البطل الذي لا يقهر. إنه إنسان يسقط، ويتعثر، ويخطئ... ويضحك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم شهرته الواسعة في آسيا، لم يرض بأن يبقى نجماً محلياً. حلم بهوليوود، لكنه اصطدم هناك بعقبات اللغة والصورة النمطية. لم يكن أحد يكترث لمشاهد القتال التي يقضي أسابيع في التحضير لها. أما الأدوار فكلها "شرطي آسيوي"، كما لو أن موهبته لا تصلح إلا لتطبيق القانون بضربة قاضية. سئم من هذه الصورة، حتى أتاه سيناريو "ساعة ذروة".
لم يكتف بالتمثيل، فكتب، وأخرج، وأنتج. يروي أنه لا يسلم أفلامه لمونتير لا يفهم روحه، بل ينام في غرفة المونتاج إن اضطر. بالنسبة إليه، كل فيلم هو "ابنه"، يهتم بتفاصيله، يحميه من التشويه ويربيه على ذوقه. لا يتعامل مع السينما كوظيفة وبزنس. يحكي عن الأعوام التي قضى فيها يروج لأفلامه، يقفز أمام الجمهور، يضحكهم بحركات قتال عفوية. وحين طلب منه مرة أن يغني بدلاً من القتال، وجد في الأمر متعة. واليوم، يطلبون منه الغناء أكثر من القتال. يقول بابتسامة "الغناء لا عمر له، القتال له حدود".
عندما فاز بجائزة الـ"أوسكار" الفخرية قبل تسعة أعوام، لم يصدق. ظن أن الأمر يتعلق بتسليم الجائزة لا تسلمها. وحتى بعد إعلان الخبر، سأل نفسه "لماذا أنا؟". كانت تلك لحظة الاعتراف النادرة بفن لا يكافأ عادة في المحافل الكبرى. سواء في الـ"أوسكار" أو في لوكارنو اليوم، يأخذ تكريم شان تكريماً لمساهمته في إعادة تعريف الحركة على الشاشة.