ملخص
وجدت علاء الأسواني ويوسف زيدان يشتركان مع زياد الرحباني في النظرة الفوقية المتعالية تجاه الخليج وأهله، بتعميم غير موضوعي ولا علمي، ناهيك عن افتقاده إلى الإنصاف والعدالة.
قال حكيم "لا يعمم سوى الأغبياء"، وهو أمر أثاره بين المثقفين في الخليج موت الموسيقار والمسرحي اللبناني زياد الرحباني، فلا أظن بأن منصفاً يمكن أن يبخس الرحابنة عموماً وزياد خصوصاً حقهم وتميزهم في كارهم وفنهم، لكن التضخيم الذي وصل حد التأليه لزياد الرحباني لم يكن في محله، فكان يمكن لوفاة زياد أن تمر مع الإشادة بفنه العظيم في مجاله، لكن التمجيد وصل حد الأنسنة لشخصية تفتقر إلى أبسط مقومات الإنسان بسلوكه وعلاقته بعائلته وأمه ووطنه، فقد ظهر الرحباني يمجد بشار الأسد ويشيد بمجازره ومذابحه ضد شعبه، وسُمع الرحباني خلال مقابلة أخرى وهو يشيد بزعيم ميليشيات "حزب الله" الإيراني في بلاده لبنان حسن نصرالله، والأول ديكتاتوري عنصري طائفي متوحش، والثاني طائفي تابع لإيران ومسهم في قتل آلاف السوريين داخل بلادهم، وليت زياد الرحباني توقف عند الإشادة ببشار ونصرالله، بل إنه يكره الخليج باحتقار وفوقية، وخلال مقابلة أخرى يستهزئ بالسعودية، وهو بذلك يستهزئ بالأكبر، مما ينسحب وينطبق على الباقي من دول الخليج وأهله.
في عام 2004 التقيت زياد الرحباني في مطعم وحانة اسمها "البيانو" شرق بيروت قيل لي إنه يتردد عليها كثيراً، وجلست معه قرابة الساعة وكنت ممن "تعشق أذنه قبل عينه أحياناً"، وتمنيت لو أني بقيت عاشقاً بالأذن فقط، فقد وجدت شخصية مضطربة متعجرفة ومسطولة، لا ينظر إليّ حين يكلمني وينتقل من موضوع إلى آخر من دون تركيز، وشعرت حينها بأني أضعت ساعة من وقتي مع هذا الفنان المبدع.
ليس زياد الرحباني استثناء، فمبدعون كثر عبر التاريخ عرفوا بالعنصرية وكره الآخر، وبينهم أرسطو الذي كان يميز بين الطبقات الشعبية، ووولت ديزني المبدع السينمائي الذي عرف بكراهيته لليهود، وهيغل الذي كان عنصرياً ضد الأفارقة، والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط الذي نظّر للتفوق العرقي للأوروبيين، بل حتى المهاتما غاندي عرف بعنصريته ضد السود عندما كان في جنوب أفريقيا.
قرأت لعلاء الأسواني "شيكاغو" و"نيران صديقة" و"عمارة يعقوبيان"، وقرأت "عزازيل" ليوسف زيدان وحضرت له أكثر من محاضرة وشهدت له أكثر من لقاء، وكنت ممن يعجب بهما، فهما بحق نموذج للإبداع المصري الحديث في الكتابة، لكني وجدتهما يشتركان مع زياد الرحباني في النظرة الفوقية المتعالية تجاه الخليج وأهله، بتعميم غير موضوعي ولا علمي، ناهيك عن افتقاده إلى الإنصاف والعدالة، ووجدت أن أكثر ما يجمع بعض المثقفين العرب خارج الخليج مسألتان: تمجيدهم للطغاة مثل صدام حسين ومعمر القذافي وبشار الأسد، وكرههم واحتقارهم للخليج وأهله، وأظن أن هذا البعض ما كان يمجد صدام حسين لو أنه غزا دولة غير خليجية، لكن غزوه للخليج / الكويت جعله في نظر هؤلاء البعض بطلاً لا يشق له غبار.
وبعض المثقفين العرب من غير أهل الخليج يعيشون أوهام الماضي وحضارات سادت ثم بادت، مما يخلق لدى هذا البعض لوثة عقلية لا علاج لها، فهم يظنون أن من له ماض مجيد يمكن أن يبني حاضراً ومستقبلاً زاهراً، استناداً إلى ذلك الماضي الذي ولّى بلا رجعة، وهذه بحد ذاتها معضلة ذهنية لا شفاء لها، فالولايات المتحدة وكندا مثلاً عمرهما ثلاثة قرون تقريباً وتتسيدان العالم في مجالات عدة.
بعض هذا الماضي الذي يتغنى به بعض العرب الفوقيين لم يكن من صنع العرب أصلاً بل من صنع أمم أخرى كانت موجودة في المنطقة العربية خلال فترات ماضية مثل الرومان والفرس وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك بانتباهة مهمة الشاعر والمفكر الكويتي الدكتور خليفة الوقيان ضمن كتابه "الثقافة في الكويت"، ولم أسمع مثقفاً خليجياً معتبراً يعمّم بأن "العراقيين أهل غدر" أو أن "المصريين أهل نفاق" أو أن "اللبنانيين نصابين" أو أن "الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود"، وأستثني سفهاء الـ "سوشيال ميديا" من الخليجيين فهؤلاء ليسوا بحجة لأحد، لكن بعض مثقفي إخوتنا العرب يعمم بصورة غبية وغير علمية تجاه الخليج وأهله، وهنا بيت القصيد، فـ "الخلايجة"، كما يسميهم البعض، ليسوا ملائكة وفيهم مثل ما في باقي العرب ممن يعاني نظرة مريضة تجاه الآخر، ولعل هذه المقالة تكون جهداً نحو نقاش صريح وشفاف بين المثقفين العرب من المحيط إلى الخليج، لتصحيح بعض المفاهيم وانتهاج التبعيض بدلاً من نهج تعميم الأغبياء.