Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"السناب باك"... فزاعة أوروبية في وجه إيران أم ورقة أخيرة؟

العودة للآلية لا تعني بالضرورة نية للذهاب نحو نهاية الاتفاق النووي لكنها تعبر عن لا يقين استراتيجي تجاه طهران

تطلب إيران على دول أوروبية ضمانات بعدم تعرضها للقصف مرة أخرى (رويترز)

ملخص

تعد آلية "السناب باك" التي جمدت فعلياً منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي عام 2018 ورقة أخيرة بيد الأوروبيين لكنها محفوفة بالأخطار، فتفعيلها قد ينهي رسمياً ما تبقى من الاتفاق النووي ويغلق نافذة التفاوض التي لا تزال تؤمن بإمكان إعادة إحياء الاتفاق ولو جزئياً.

في لحظة تبدو فيها التحركات السياسية الدولية أقرب إلى التوازن فوق خيط مشدود في ما يتعلق بإيران تعود (آلية السناب باك) إلى واجهة الصراع النووي بين إيران والدول الأوروبية بعد تلويح الثلاثي فرنسا وألمانيا وبريطانيا بتفعيلها ضد طهران إن لم تظهر الأخيرة جدية في الحد من أنشطتها النووية بحلول نهاية أغسطس (آب) الجاري.

قد يبدو التهديد هنا تفصيلاً عابراً ولكنه في الحقيقة انتقال فعلي من مرحلة (إدارة الأزمة) إلى (إعادة هندسة التهديد) وهو ما يتطلب قراءة دقيقة لا لما قيل بل لما يعنيه صمت الأطراف الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين.

في تطور يعيد عقارب الأزمة النووية إلى أعوام ما قبل الاتفاق لوحت فرنسا وبريطانيا وألمانيا (مجموعة إي 3) بإعادة تفعيل آلية "السناب باك" وهي أداة دولية تمكن أي طرف موقع على الاتفاق النووي عام 2015 من إعادة فرض العقوبات الدولية على إيران من دون الحاجة إلى تصويت في مجلس الأمن في حال ثبت خرق طهران بنود الاتفاق. ومن هنا فإن التحذير الأوروبي هذه المرة لم يكن مجرد تصعيد لفظي فقد حددت (مجموعة إي 3) نهاية أغسطس الجاري موعداً نهائياً ما لم تبادر إيران بخطوات ملموسة لخفض تخصيب اليورانيوم واستئناف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

في المقابل جاء رد طهران مزيجاً من الرفض والمناورة، إذ اشترطت إيران تقديم (ضمانات بعدم تنفيذ هجمات مستقبلية على منشآتها النووية) كشرط مسبق للعودة إلى طاولة الحوار وهي إشارة لا تخلو من التحدي وخصوصاً بعد حادثة نطنز الأخيرة التي نفذتها إسرائيل.

آلية "السناب باك" التي جمدت فعلياً منذ انسحاب أميركا من الاتفاق النووي عام 2018 تعد ورقة أخيرة بيد الأوروبيين لكنها محفوفة بالأخطار، فتفعيلها قد ينهي رسمياً ما تبقى من الاتفاق النووي ويغلق نافذة التفاوض التي لا تزال تؤمن بإمكان إعادة إحياء الاتفاق ولو جزئياً.

في العمق لا يقرأ هذا التهديد الأوروبي خارج سياق القلق المتصاعد من تطور البرنامج النووي الإيراني وخطر تحول إيران إلى (دولة عتبة نووية) خصوصاً بعد تسريبات تفيد بأنها باتت قادرة على إنتاج سلاح نووي خلال أسابيع إن قررت ذلك سياسياً، أما داخلياً فالنظام الإيراني يواجه ضغوطاً متزايدة بين اقتصاد منهك واحتجاجات اجتماعية مما يدفعه إلى المراهنة على الوقت والتمسك بورقة الضغط النووي كورقة تفاوض أخيرة.

إذاً العودة الأوروبية إلى فزاعة "السناب باك" لا تعني بالضرورة نية فعلية للذهاب نحو نهاية الاتفاق النووي، لكنها تعبر عن حال من اللايقين الاستراتيجي تجاه إيران، فدول أوروبا الثلاث تدرك أنها فقدت التأثير الفعلي في السلوك الإيراني منذ انسحاب إدارة دونالد ترمب من الاتفاق، ومع غياب أدوات ضغط اقتصادية أو أمنية مستقلة عن واشنطن لا يبقى أمامها سوى التحرك الرمزي بضوء أخضر أميركي.

لكن السؤال الأهم هل أوروبا مستعدة فعلاً لتحمل تبعات التفعيل الكامل لآلية "السناب باك"؟ الجواب عن الأرجح لا، لأن هذا التفعيل سيعيد كل العقوبات الدولية السابقة على إيران بما في ذلك حظر الأسلحة، وقد يجبر بكين وموسكو على مواجهة أوروبا بدل البقاء في منطقة الغموض، أي أن أوروبا بمفردها لن تضمن فعالية "السناب باك" ما لم تنتظم الولايات المتحدة معها سياسياً وقانونياً وهو ما لم يحصل رسمياً بعد.

من جهة أخرى لا يخفي الجانب الإيراني قراءته هذا الموقف باعتباره ورقة ابتزاز هدفها ليس التفاوض، بل فرض شروط جديدة خارج الاتفاق الأصلي، خصوصاً في ما يتعلق بسلوك إيران الإقليمي ودورها في ملفات أخرى في الشرق الأوسط، وهذا ما تعتبره طهران تجاوزاً لمبدأ (الاتفاق مقابل النووي فقط)، ومن ثم فإن التلويح بـ"السناب باك" الآن لا ينبع فقط من فشل إيران في العودة للاتفاق، بل أيضاً من فشل أوروبا في إدارة نفوذها الجيوسياسي بعد الحرب في أوكرانيا وتصاعد اعتمادها الأمني والطاقي على الولايات المتحدة.

أما بالنسبة إلى دول الخليج والمنطقة العربية فإن تفعيل آلية "السناب باك" أو حتى التلويح الجاد بها وعلى ما يبدو سيحمل تداعيات مختلفة لا سيما في ظل هشاشة الوضع الجيوسياسي، إذ دول الخليج قد تجد نفسها أمام معادلة أمنية جديدة، قد تكون السعي إلى خط أكثر استقلالية عبر قنوات مع بكين وموسكو، وفي هذه الحال سيكون لإعادة رسم قواعد النزاع النووي أثر بالغ في إعادة تعريف أولويات الخليج.

ويظهر من قراءة المشهد أنه وفيما إذا جرى تفعيل آلية "السناب باك" في نهاية أغسطس الجاري فإن المشهد السياسي الدولي سيشهد إحدى ثلاث نتائج حسب المعطيات السابقة. أولاً، ضغط موقت لإيران لتعود طهران لخطوط التفاوض مع الأوروبيين بشروط مخففة بخاصة إذا استشعرت خطر عزلة دولية جديدة تؤثر في علاقاتها مع الصين وروسيا، وثانياً قد يحدث تصعيد نووي بحيث تسرع إيران من وتيرة التخصيب أو تعلن رفع نسبة اليورانيوم إلى حدود تصنيع سلاح، مما يدفع إسرائيل إلى تهديدات مباشرة أو حتى عمليات عسكرية غير تقليدية، ويعيد المنطقة إلى ساحة النزاعات المفتوحة. ثم ثالثاً موت الاتفاق النووي رسمياً بحيث يتحول الوضع إلى اللاحل كما في ملف كوريا الشمالية مع اعتراف دولي ضمني بأن إيران دخلت نادي الدول القابلة للتسلح النووي من دون أن تعترف أو تتراجع.

وفي جميع السيناريوهات يبدو أن "السناب باك" ليست أداة لإنهاء الأزمة، بل لإعادة تعريفها ضمن معطيات جديدة يتراجع فيها دور أوروبا ويتقدم فيها المحور الصيني - الروسي كلاعبين بديلين للغرب في التأثير في إيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومما يذكر هنا هو أن من المفارقات اللافتة في الوضع الإيراني الحالي أن النظام على رغم ما يبدو عليه من صلابة نووية فإنه يواجه انكشافاً داخلياً متزايداً، فالاقتصاد الإيراني يعاني تضخماً تجاوز تقريباً 55 في المئة والعملة الوطنية تراجعت بنسبة 30 في المئة خلال شهرين فقط. وفي الوقت نفسه تشهد مدن مركزية كطهران وأصفهان وكرمنشاه احتجاجات واسعة النطاق يقودها مهندسون وعمال وموظفو بلديات احتجاجاً على تأخير الرواتب وانهيار الخدمات.

هذه التحديات المزدوجة قوة خارجية مقابل هشاشة داخلية تجعل إيران تعتمد أكثر على النووي كأداة لبناء شرعية سياسية داخلية لا فقط كورقة تفاوض مع الخارج، وهذا ما يعقد أي حوار أوروبي معها، لأن التنازل عن التخصيب أو فتح المواقع للمفتشين لم يعد قراراً تقنياً فقط، بل بات مرتبطاً ببنية النظام وموقعه الرمزي أمام جمهوره.

إذاً التهديد الأوروبي بتفعيل "السناب باك" ضد إيران لا يمكن قراءته فقط كإجراء قانوني في إطار الاتفاق النووي، بل كعلامة على تحول جذري في مواقف القوى الغربية تجاه طهران ما بعد 2025.

إيران الأكثر جرأة والأقل اكتراثاً والأكثر إدراكاً لقدرتها على استثمار الانقسام الدولي لمصلحتها. في النهاية قد لا يكون تفعيل "السناب باك" هو الحل لكنه من دون شك يشكل إعلاناً دبلوماسياً بأن حقبة التسامح الاستراتيجي مع إيران تقترب من نهايتها، ولكن من يدفع الثمن قد لا تكون طهران وحدها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء