ملخص
رواج رحلات اليوم الواحد بمصر يرجع إلى ارتفاع كلفة الإقامة في الفنادق والوحدات المصيفية بالمدن الساحلية هذا العام، وكثير من المصريين أصبحوا يعتبرون تلك الرحلات منقذاً للعائلات بعدما لم تعُد مقصورة على الشباب الصغار.
في شقة بحي عين شمس (شرق القاهرة)، جلس الرجل الخمسيني حمزة سامي برفقة زوجته وأبنائه الأربعة يتصفحون أسعار الشاليهات والوحدات الفندقية عبر منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت بمدن العين السخنة والغردقة وشرم الشيخ، لاختيار الوجهة الأنسب لهم لقضاء عطلتهم الصيفية هذا العام، هرباً من لهيب الشمس الحارقة والاستمتاع بنسمات الهواء على شواطئ البحر، غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن بعدما شعروا بخيبة أمل في الحصول على ضالتهم، بسبب ارتفاع أسعار تأجير الوحدات والشاليهات بصورة جنونية هذا العام.
فوجئ سامي الذي يعمل موظفاً بإحدى الشركات الحكومية، أن قضاء الإجازة الصيفية لمدة أسبوع في إحدى تلك المدن سيكلف موازنته ما يقارب 40 ألف جنيه (814.83 دولار أميركي) نظير الإقامة والانتقالات والمأكولات الغذائية ومصاريف الأبناء طوال الرحلة، مما يزيد على الكلفة المالية التي خصصها للسفر هذا العام بنسبة 30 في المئة، ويشكل عبئاً مضاعفاً على موازنة الأسرة.
رحلة لكنها يوم
وبعد محاولات عدة للبحث عن بدائل وحلول للتغلب على تلك الأزمة، استجاب الرجل الخمسيني لنصيحة أحد زملائه بالسفر في رحلات اليوم الواحد للتغلب على غلاء الأسعار الجنوني وقضاء العطلة الصيفية في أكثر من مدينة ساحلية بأسعار زهيدة نسبياً.
حزّم سامي وأسرته أمتعتهم قاصدين السفر صوب شواطئ العين السخنة والإسكندرية ورأس البر ومرسى مطروح لقضاء رحلة لا تتجاوز 24 ساعة في كل مدينة بكلفة إجمالية تصل إلى 20 ألف جنيه (407.41 دولار أميركي)، أي تعادل نصف الكلفة التي كان سينفقها لمدة أسبوع في إحدى المدن الساحلية.
يقول سامي لـ"اندبندنت عربية" إن كلفة السفر لقضاء أكثر من ليلة في مدن مثل شرم الشيخ أو الغردقة أو الساحل الشمالي وسط الأوضاع الاقتصادية الراهنة أصبحت أمراً يفوق قدرات محدودي الدخل والطبقة المتوسطة، وتمثل عبئاً مضاعفاً عليهم، إذ أصبحت تلك المصايف في مستوى أصحاب الرواتب العليا فقط، لذلك باتت رحلات اليوم الواحد تمثل حيلة وبديلاً اقتصادياً مناسباً للهروب من جنون الأسعار وتنويع أماكن السفر والابتعاد من زحام القاهرة وضغوط الحياة اليومية.
ويضيف، "راتبي لا يتجاوز 9000 جنيه (183.34 دولار أميركي) والموازنة بالكاد تكفي مصاريف المنزل ونفقات الأبناء، فأصبحت مضطراً من أجل قضاء العطلة السنوية إلى الدخول في جمعيات بمشاركة الأسرة والزملاء بالعمل لتدبير نفقات السفر".
وخلال الأعوام الأخيرة، برزت ظاهرة تباين وجهات المصريين في السفر للمصايف طبقاً لمستويات دخولهم، إذ ظهر ما يسمى "مصايف الطبقات الأعلى دخلاً" أو من يطلق عليهم "مجتمع الصفوة"، وتأتي في مقدمتها منتجعات مدينة شرم الشيخ ومدينة الساحل الشمالي والغردقة والجونة ومرسى علم وبعض شواطئ القرى السياحية الفاخرة بالعين السخنة، كما ظهرت المصايف الشعبية والاقتصادية ورحلات اليوم الواحد التي تناسب فئات محدودي الدخل والطبقات المتوسطة والتي تقصدها الغالبية العظمى من المصطافين، من بينها الإسكندرية ومدينة جمصة بمحافظة الدقهلية وبلطيم بمحافظة كفر الشيخ ورأس البر بدمياط ورأس سدر جنوب سيناء وبعض شواطئ مدينة مرسى مطروح.
وبحسب سماسرة في محافظات مختلفة تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، فإن أسعار إيجار الشقق المصيفية شهد ارتفاعاً خلال العام الحالي بنسب متفاوتة، موضحين أن الأسعار تختلف بحسب المنطقة ومساحة الشقة والمفروشات وجودة الخدمات بها ومدى قربها أو بعدها من الشاطئ، إذ يراوح سعر الليلة في الشقق المصيفية ما بين ألف جنيه (20.37 دولار أميركي) و4 آلاف جنيه (81.48 دولار أميركي)، وفي بعض الأحيان تصل إلى 1800 جنيه (36.67 دولار). ولفتوا إلى أن نسبة الإشغالات في الفنادق والوحدات السكنية بمدينة جمصة بمحافظة الدقهلية بلغت ذروتها، حيث تزايدت رحلات اليوم الواحد من محافظات الدقهلية والشرقية والغربية والقليوبية والقاهرة.
"حل سحري"، هكذا يصف الرجل الخمسيني محمد عمرو الذي يعمل مهندساً في إحدى الشركات التكنولوجية، انطباعه عن رحلات اليوم الواحد التي وجد فيها ضالته من أجل ترفيه زوجته وأبنائه الأربعة والتأقلم مع الأسعار الحالية، ويقول "أبحث أنا وأسرتي كل عام عن فرصة لالتقاط الأنفاس بعد موسم طويل مشحون بضغوط العمل والمدارس وأسعار السلع المرتفعة ومصاريف الأبناء".
ويعود عمرو بذاكرته للوراء قليلاً، "كنت أسافر برفقة والدي ووالدتي وأشقائي لقضاء أكثر من ليلة والاستمتاع بإجازة المصيف في رأس البر وجمصة وأحياناً في شواطئ الإسكندرية، ونستمتع بالعطلة الصيفية ونتناول أشهى المأكولات ونتنزه في أفضل الشواطئ الخلابة بأسعار زهيدة في متناول اليد، لكن حالياً كل شيء تغير".
وأسعار الوحدات المصيفية، بحسب عمرو، أصبحت خيالية ولم تعُد في مقدور المواطن محدود الدخل والطبقة المتوسطة، لذلك ظهر خيار رحلات اليوم الواحد بديلاً اقتصادياً مريحاً ويحقق المعادلة المطلوبة بين الكلفة البسيطة والترفيه وتنوع الأماكن.
فضّل عمرو التمسك بالعادة التي اكتسبها من والده بالسفر إلى رأس البر على ساحل البحر المتوسط شمال البلاد، لكن لقضاء يوم واحد برفقة زوجته وأبنائه، مردفاً أن "كلفة الليلة الواحدة نظير تأجير شقة والتنقل بباصات ومصاريف الأبناء لن تتخطى الـ2000 جنيه (40.74 دولار أميركي) على عكس قضاء أكثر من ليلة في أي مكان آخر سيشكل كلفة باهظة".
الملاذ الأنسب اقتصادياً وترفيهياً
واضطرت السيدة الأربعينية منة علاء، أم لثلاثة أطفال في مراحل دراسية مختلفة إلى تغيير طقوسها السنوية المعتادة بقضاء عطلتها الصيفية لمدة ستة أيام بمدينة مرسى مطروح (شمال غربي مصر)، واللجوء إلى خيار اليوم الواحد بالسفر إلى مدن العلمين (شمال مصر) ورأس صدر المطلة على خليج السويس ومدينة العين السخنة بمحافظة السويس (شرق القاهرة)، لاكتشاف أماكن ساحلية جديدة وتوفير كلفة السفر من أجل تدبير حاجات الأبناء من الدروس الخصوصية.
ووجدت السيدة الأربعينية التي تعمل محاسبة في شركة عقارية وتقطن حي المعادي (جنوب القاهرة) في رحلات اليوم الواحد، الملاذ الأنسب اقتصادياً وترفيهياً لأسرتها والخيار الملائم لظروفها المعيشية وعدم الإخلال بالموازنة التي خصصتها نظير نفقات هذه الرحلات، ولا سيما في ظل ارتفاع أسعار إيجار الشقق المصيفية، إذ وجدت أن كلفة إيجار شقة لقضاء ست ليالٍ بمطروح هذا العام برفقة الأبناء تقارب 25 ألف جنيه (509.27 دولار أميركي)، فيما تبلغ كلفة رحلة اليوم الواحد إلى شواطئ مدينة العلمين الجديدة شاملة مصاريف التنقل والمأكولات 1200 جنيه (24.44 دولار) ومدينة رأس صدر 1500 جنيه (30.56 دولار) ومدينة العين السخنة 2000 جنيه (40.74 دولار)، وتتفاوت الأسعار بحسب مكان ومستوى الخدمة المقدمة.
وبكلمات ساخرة تقول السيدة الأربعينية "السفر لبعض المدن الساحلية والمنتجعات الفاخرة مثل الساحل الشمالي والجونة ومرسى علم وسهل حشيش أصبح يمثل حلماً في ظل الأسعار الحالية ولا يسمح للطبقات المتوسطة ومحدودة الدخل استكشافها بسبب غلاء أسعارها".
حال سميرة يوسف (44 سنة)، أم لـخمسة أبناء وتقطن حي العجمي (غرب الإسكندرية)، لا تختلف كثيراً عن الحالات السابقة، إذ لجأت إلى خيار رحلات اليوم الواحد لمجابهة زيادة الأسعار هذا العام، عبر تأجير فيلا بمدينة العين السخنة بمحافظة السويس (شرق القاهرة)، إضافة إلى تأجير شاليه في يوم آخر بأحد شواطئ مدينة العلمين الجديدة بمشاركة زميلاتها بالعمل، وتقاسم كلفة الإيجار في ما بينهن، إذ تصل الكلفة الإجمالية نظير الرحلتين إلى نحو 15 ألف جنيه (305.56 دولار أميركي)، والاعتماد على المعلبات والوجبات الجاهزة التسوية للتغلب على كلفة الطعام الباهظة.
وبحسب سميرة التي تعمل موظفة في أحد البنوك، وجدت أن رحلات اليوم الواحد "فرصة ذهبية" للتغلب على الارتفاعات المتتالية في أسعار المصايف على مستوى إيجارات الوحدات الفندقية والشاليهات، وفرصة مواتية للأبناء للاستمتاع بأماكن خلابة جديدة، والهروب من الشمس الحارقة وزحام العاصمة وأعباء الحياة اليومية، لافتة إلى أن كلفة أقل ليلة في أية مدينة ساحلية حالياً لـ4000 جنيه ( 81.48 دولار)، مما يمثل عبئاً على موازنة أية أسرة مصرية لديها أكثر من طفل.
لماذا لجأ المصريون إلى رحلات اليوم الواحد؟
وفي تقدير نقيب السياحيين باسم حلقة، فإن رواج رحلات اليوم الواحد بمصر يرجع إلى ارتفاع كلفة الإقامة في الفنادق والوحدات المصيفية بالمدن الساحلية هذا العام، موضحاً أن كثيراً من المصريين أصبحوا يعتبرون تلك الرحلات منقذاً للعائلات ولم تعُد قاصرة على الشباب الصغار ومنفذاً للترفيه لأنها قصيرة المدة وذات كلفة يمكن تحملها، وستؤدي الغرض منها بالاستمتاع بالبحر والأجواء الشاطئية، علاوة على توفير النفقات في المأكولات والتنقلات وتتناسب مع ظروفهم الاقتصادية الحالية، فضلاً عن التمسك بفكرة المصيف كطقس سنوي معتاد، مشيراً إلى أن بعض العائلات المصرية لا تزال تحتفظ أيضاً بفكرة "المصيف الأسبوعي" ولا تريد التخلي عنها على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة.
ويضيف حلقة خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن بعض المدن الساحلية أصبحت تشهد العام الحالي تزايداً في نسب الإقبال من المصطافين مثل رأس البر وجمصة والإسكندرية ومرسى مطروح ودهب، نظراً إلى وجود شقق رخيصة الكلفة بها وبمثابة أماكن مناسبة للترفيه وتناسب طبقات متوسطي ومحدودي الدخل، مردفاً أن "المصايف في العالم بأكمله تنقسم لطبقات وكل شريحة تتوجه إلى المكان الذي يناسبها اقتصادياً واجتماعياً، مما يظهر جلياً في التفرقة الساخرة بين الساحل الطيب والشرير".
وفي اعتقاد حلقة، فإن انتعاش رحلات اليوم الواحد أدى إلى رواج حركة السياحة الداخلية في بعض المدن مثل العلمين الجديدة التي أصبحت تمثل مقصداً لكثير من المصطافين المصريين والعرب، وكذلك مرسى مطروح التي لا تزال تحافظ على نسب الإقبال الشعبي فيها، وأيضاً الإسكندرية والعين السخنة، وكذلك مدن دمياط الجديدة والإسماعيلية وبورسعيد وفايد وجمصة التي أصبحت تشكل عناصر جذب للمصطافين حالياً، وأصبح هناك تنافس بين المدن الساحلية في جذب المصريين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السياق ذاته، يرى الخبير السياحي محمد كارم أن ارتفاع كلفة تأجير الوحدات والفنادق في كثير من المدن الساحلية هذا العام أنعش مصيف اليوم الواحد، مردفاً أن "كلفة قضاء ليلة واحدة في مدينة ساحلية مثل العين السخنة تعادل مرتب أسرة متوسطة شهرياً". مضيفاً أن كثيراً من المصريين بدأوا يلجأون إلى تلك الرحلات التي لا تتخطى كلفتها 600 جنيه ( 12.22 دولار) في الليلة في بعض الأماكن، مثل رأس البر والعين السخنة والإسماعيلية وبورسعيد والإسكندرية، للتغلب على غلاء الأسعار وتدبير مصاريفهم المنزلية.
ويتفق عضو غرفة شركات السياحة مجدي صادق مع الطروحات السابقة، موضحاً أن رحلات اليوم الواحد أصبحت هي الأكثر رواجاً خلال الموسم السياحي الحالي بسبب المبالغة في الأسعار، مردفاً أن "الأسر المصرية لم تعُد تتحمل قضاء أكثر من ليلة فندقية في شرم أو الغردقة لأنها ستنعكس سلباً على باقي الموازنة، كذلك الشركات السياحية أصبحت تبحث عن عروض وإغراءات لجذب المصطافين بكلفة معقولة".