Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصراع  الإغريقي بعد الإسكندر أكد فكرة العيش المشترك

كتاب تاريخي أكاديمي يكشف "الدستور المتطور" تحت قيادة أسبرطة

الإسكندر المقدوني (غيتي)

ملخص

عرفت بلاد اليونان الفكرة الاتحادية خلال عصرها الكلاسيكي، لكنها تبلورت بداية في اتحادات إثنية، قبل أن تظهر في نطاقها، قرابة نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، في العصر الهلينيستي، الفيدرالية السياسية التي تعتبر أساس ما تقوم عليه دول حديثة، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

بعد وفاة الإسكندر المقدوني عام 323 قبل الميلاد، تفكَّكت إمبراطوريته الشاسعة إلى ممالك متناحرة، حكمها قادة جيشه المعروفون باسم " الديادوخي" (الخلفاء). وشهدت هذه الفترة حروباً طاحنة بين هؤلاء القادة لتوسيع نفوذهم وتقسيم الإرث المقدوني، مما أدى إلى ظهور عدة ممالك رئيسية وحلفاء، بالإضافة إلى تأسيس مدن جديدة. وفي كتابه "عالم ما بعد الإسكندر المقدوني" (الهيئة المصرية العامة للكتاب)، يركز مدرس التاريخ اليوناني في كلية الآداب في جامعة عين شمس، هيثم السيد قنديل، على "الاتحاد الآخي"، نسبة إلى مدينة آخيا، أو آخايا، أو آخيه، التي تأسست على الأرجح عام 733 قبل الميلاد، ثم ما لبثت أن أصبحت قلب منطقة حملت الاسم نفسه وضمَّت، وفق هيرودوت 12 قسماً (في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد)، وعرفت نوعاً من التنظيم السياسي الجامع لمدنها، وأسهمت في تأسيس مستعمرات في الغرب منذ القرن الثامن قبل الميلاد.

ويرى كلاوس فرييتاج أن "الآخيين" خطوا خطوتهم الأخيرة في التحول من اتحادهم الهش القائم على وشائج القربى، إلى الوحدة الفيدرالية الحقيقية القائمة على دستور متطور تحت قيادة أسبرطة وكأعضاء في العصبة البليبونيزية. والعصبة الآخية الأولى تضاربت الآراء بشأن تحديد تاريخ نشأتها، لكن هناك ما يؤكد أنها كانت موجودة في القرن الرابع قبل الميلاد. وخرج منها مرتزقة في صفوف جيوش مختلفة، واستناداً إلى نقوش عدة، فضلاً عن رواية المؤرخ بولبيوس، الآخي الموطن، يؤكد هيثم السيد قنديل أن تاريخ قيام العصبة الآخية الأولى يقع بين عامي 490 و425 قبل الميلاد.

العيش المشترك

يهتم الكتاب بدراسة ظاهرة الاتحاد السياسي في العصر الهلينستي، مع التركيز على اتحاد المدن الآخيَّة، معتبراً أن تلك التحالفات انتشلت البلاد من آفة التفكك والتشرزم، ووضعتها على بداية طريق العيش المشترك. ورأى المؤلف أن مسيرة العصبة الآخيَّة، تعتبر نموذجاً يمكن أن تحتذيه الأقاليم الصغيرة في عالمنا المعاصر، إذا ما رغبت في أن يكون لها شأن في المستقبل، عبر الخلاص من عقال القوى الكبرى.

ومع اقتراب القرن الثالث قبل الميلاد من نهايته، ظهرت روما التي خاضت حرب وجود مع قرطاجة، "وكان لزاماً عليها أن تشغل الملك المقدوني فيليب بحرب في بلاد اليونان نفسها، فتحالفت مع "العصبة الإيتولية"؛ لشن حرب على فيليب لتعود بلاد اليونان للتحزب من جديد" ص 11. وكانت دولة البطالمة في مصر إحدى قوى العصر الهلينستي الكبرى التي جمعتها بالعصبة الآخية علاقات سياسية. ولاحظ المؤلف أن هناك في عالمنا المعاصر دولاً تمثَّلت النموذج الآخي وأخذت به بعد تطويره، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، والهند، وكذلك الاتحاد الأوروبي. ونجح المؤلف في الإضافة إلى دراسات سابقة في الموضوع نفسه، منها دراسة فريمان عام 1893 عن الاتحاد الآخي ضمن اتحادات يونانية قديمة أخرى، لا تعدو كونها تمثل هيكلاً تاريخياً من خلال المصادر الأدبية، ولم تتطرق إلا فيما ندر إلى الإشكاليات المتعددة التي تكشف تاريخ تلك العصبة، فجاءت مجرد سرد لوقائع تاريخية من خلال روايات بلوتارخ وبولبيوس بالأساس، فضلاً عن مؤرخين آخرين.

وعلى الدرب نفسه سار فرانك وِلبانك في دراسته الصادرة عام 1933، فهو ينسج على منوال فريمان من حيث استخدام المصادر الأدبية في تكوين إطار تاريخي لسيرة حياة القائد الآخي، "وهي في مجملها فقيرة في تناول النقاط الخلافية ولا تشفي غليل أي باحث في النقد التاريخي". وهناك دراسة أخرى بالألمانية صدرت عام 1979 لأوربان، يختلف الكتاب الذي بين أيدينا عنها في نواح عدة، فقد تناولت تاريخ منطقة آخيا منذ أقدم العصور حتى إعادة الإحياء مروراً بأصول الآخيين وجغرافية بلادهم، وتناولت كذلك علاقات آخيا بقوى العصر الكلاسيكي من المدن الدول مثل أسبرطة وأثينا. ودراسة أهيلين عام 2012 استعرضت السياسة الخارجية للعصبة الآخية، "باختصار مخل". وتوخى هيثم السيد قنديل الحذر في النقل عن بلوتارخ وبولبيوس. وبحسب ما أورده هؤلاء المؤرخون في رواياتهم عن تلك الحقبة، فإنه عندما اعتلى الإسكندر عرش مقدونيا قام بتنصيب أحد الطغاة التابعين له ويدعى خايرون حاكما على بيليني، لكن باقي المدن الآخية ظلت حرة.

ويخبرنا بولبيوس بأن المدن الآخية، ابتداءً من عهد الإسكندر وحتى إعادة إحياء العصبة من جديد زمن الدورة الأوليمبية الـ 124، أصبحت في حالة من الشقاق والعداء لبعضها البعض. ويرجع السبب في ذلك إلى أن تلك السياسة التي اتبعها الإسكندر من فرض حكم الطغيان في إحدى المدن الآخية أصبحت هي القاعدة الأساسية التي سار عليها خلفاؤه في تعاملهم مع بعض مدن العصبة، بالإضافة إلى تكبيلهم باقي مدنها بنير الحاميات العسكرية. وإذا كان هوميروس قد أطلق مصطلح "الآخيين" على هؤلاء الذين خاضوا غمار حرب طروادة، فإنه بحلول العصور التاريخية في بلاد اليونان لم يعد ذلك المصطلح ينسحب على كل الإغريق، بل أصبح يعني تلك المجموعة التي اضطرت أمام جحافل الدُّوريِّين إلى الفرار من جنوب البليبونيز والاستقرار على الساحل الجنوبي للخليج الكورنثي، فأصبحت تلك المنطقة تعرف بآخيا، وأصبح قاطنوها هم الآخيون.

وشارك الآخيون بني جلدتهم من الإغريق أزمة القرن الثامن قبل الميلاد المتمثلة في زيادة عدد السكان مع قلة الموارد اللازمة لإعاشتهم، وتمثَّل الحل في الخروج في حركة استعمارية نحو جنوب إيطاليا استمرت نحو قرنين. ولم يرد لمشاركة الآخيين في الحروب الفارسية ذكر عند هيرودوت، لكن في أعقاب تلك الحروب خضعت آخيا لأثينا حتى عام 446 ق. م. وفي عام 417 خضعت آخيا لحكم إسبرطة حتى عام 367 / 366 الذي خضعت فيه لحكم الأوليجاركيين. ومن جانبها كانت مقدونيا تسعى باستمرار إلى مناوءة أي نوع من الوحدة السياسية بين المدن اليونانية باستثناء ما تفرضه هي عليها. لذلك عمل الإسكندر وخلفاؤه على تعطيل عمل الاتحادات القائمة في بلاد اليونان ومنها الاتحاد الآخي. وبانضمام "سيكيون" عام 251 ق. م. إلى الاتحاد الآخي، تحولت هذه العصبة من مجرد اتحاد عرقي إلى اتحاد فيدرالي سياسي. وباستيلاء آراتوس على كورنثه، انقلبت موازين القوى في العالم الهلينيستي. فقد كانت كورنثه بمثابة الأغلال التي تُكبل بها مقدونيا أعناق اليونانيين، وتمنع الاتصال بين شطري بلاد اليونان؛ الشمالي والجنوبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واكتمل خلع رداء الإثنية عن تلك العصبة بضم ميجارا وترويزن وإبيداوروس الدَّوريَّة. وبعد وفاة أنتيغوس غوناتاس انقلبت خريطة التحالفات السياسية في بلاد اليونان رأساً على عقب بدخول العصبتين الآخية والإيتولية عام 239 / 238 ق. م. في تحالف مضاد لتحالف إبيروس ومقدونيا في البليبونيز. لكن في عام 227 ق. م. لجأ آراتوس إلى مقدونيا لتسانده في الحرب ضد ملك أسبرطة كليومينيس الثالث الذي أراد أن يخضع الاتحاد الآخي لسيطرته. وهنا تكونت العصبة الهلينية لتحدث نوعاً من توازن القوى بين بلاد اليونان ومقدونيا. لكن سرعان ما اندلعت الحرب بين الحلفاء اليونانيين. وما إن انتهت تلك الحرب حتى اشتعلت الحرب المقدونية الأولى التي دخلتها آخيا إلى جانب مقدونيا في مواجهة تحالف روما مع إيتوليا.                

وكانت آخيا من مقاطعات الإمبراطورية الرومانية، تتكون من البيلوبونيز، وشرق وسط اليونان، وأجزاء من ثيساليا. في الشمال، تحدها مقاطعات إيبيروس ومقدونيا. وتم ضم المنطقة إلى الجمهورية الرومانية في عام 146 ق. م. بعد قيام كورنث بطرد الجنرال الروماني لوسيوس موميوس، الذي حصل على لقب آخايكوس (فاتح آخيا). أصبحت جزءًا من مقاطعة مقدونيا الرومانية، والتي شملت كامل البر الرئيسي لليونان.

والجدير ذكره أن المؤلف زار معهد الدراسات القديمة في جامعة كولون في ألمانيا لجمع المادة العلمية لدراسته التي يضمها هذا الكتاب. ونشر أبحاثاً في عدد من الدوريات المتخصصة في البردي والنقوش في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وشارك بأبحاث في عدد من المؤتمرات الدولية لعلماء البردي في إيطاليا وفرنسا. وهو عضو في فريق المعهد الألماني للآثار الشرقية الذي يمارس نشاطه في محافظة الفيوم في مصر. ويعمل قنديل حالياً مدرساً للتاريخين اليوناني والروماني في كلية الآداب / جامعة عين شمس، ويركز مجال أبحاثه الأساسي على علم البردي اليوناني خاصة برديات العصر البطلمي، وله عدد من المؤلفات في مجال تخصصه ما بين كتب وبحوث بالعربية والإنجليزية.

اقرأ المزيد

المزيد من كتب