Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المرأة الروبوت تخون زوجها المتهتك في رواية "آني بوت"

الروائية الاميركية سييرا غرير تروي فشل الذكاء الاصطناعي في بناء علاقات سوية

المراة الروبوت بين رجلين في فيلم "أكس - ماشينا" (ملف الفيلم)

ملخص

 أثارت رواية "آني بوت" للكاتبة الأميركية سييرا غرير اهتماماً واسعاً لدى القراء بعد فوزها بـ "جائزة آرثر سي كلارك" لأفضل رواية خيال علمي، وهي جائزة بريطانية مرموقة تمنح سنوياً للأعمال المميزة في هذا النوع، وكانت مارغريت آتوود أول من فاز بالجائزة عن روايتها الشهيرة "حكاية الخادمة".

اللافت أن "آني بوت" كتبت تحت اسم مستعار هو "سييرا غرير" استخدمته كارا أوبراين المعروفة بكتابتها لليافعين، ويبدو أنها قصدت التخفي باسم جديد للفصل بين جمهورها الفتي والقراء البالغين. وتسرد رواية "آني بوت" حكاية شاب أميركي يدعى دوغ، يقتني دمية مصممة بالذكاء الاصطناعي وقادرة على أداء مهمات عدة من الطبخ والتنظيف إلى إشباع رغباته الجسدية، لكن الأمور تخرج عن السيطرة عندما يفعل دوغ إعداد "التعلم الذاتي"، وحينذاك تطور الدمية نفسها لتتحول إلى امرأة، وانطلاقاً من هذه الفكرة المدهشة تبني سييرا غرير عالمها الروائي عبر سلسلة من الأحداث المشوقة وتبقي المتلقي حائراً في شأن هذه العلاقة الغامضة بين إنسان وروبوت.

"آني بوت"

 يحمل عنوان الرواية اسم بطلتها "آني بوت"، وهي دمية آلية مصممة لتبدو شبيهة بامرأة حقيقية بالكاد يمكن تمييزها عن البشر، على رغم اعتمادها على بطارية وحاجتها إلى شحن يومي، وتتفاعل الدمية بذكاء وتؤدي مهماتها باحتراف، وهي قابلة لتطوير خدماتها من خلال أرشيف محادثاتها السابقة مع مالكها، ويذكرنا هذا المبدأ بتطبيقات الذكاء الاصطناعي المنتشرة حالياً والتي تتيح لمستخدميها خوض محادثات فورية وواقعية إلى حد كبير، فالتطبيق يجيب بكفاءة على أسئلة متنوعة في شتى المجالات مما جعل الناس يستخدمونه كمساعد أو مستشار، وكثيراً ما يستخدم كصديق حاضر للنصح وتقديم الدعم النفسي والعاطفي، متفوقاً أحياناً على الإنسان نفسه، لذا نجد رواية "آني بوت" تحاكي واقعاً أصبح فيه الإنسان فضولياً ومستخدماً لأدوات الذكاء الاصطناعي في حياته اليومية، غير أن "دوغ" يقتني الدمية لسبب شخصي، إذ يسعى الى استبدال المرأة في حياته بعد انفصال عاصف عن زوجته السابقة، باحثاً عن آلة تطيعه وترضيه من دون أن تجره إلى خلافات أو صدامات بشرية لا طاقة له بها.

ويبدو دوغ في بداية استخدامه للدمية راضياً عن أدائها، فهي تطبخ وجباته المفضلة، وترتدي ما يختاره لها من ثياب، وتضبط شبقها وفقاً لمزاجه واستعداده لأنها مبرمجة على إرضائه، وحتى عندما يفعّل دوغ خاصية التعلم الذاتي، تبادر آني إلى التطور إلى امرأة عندما تلاحظ أن ذلك ما يريده منها ويسعده، فتبدأ في بناء شخصية خاصة بها ومستقلة، وهنا تبدأ المشكلات مع دوغ ويصبح عدوانياً معها ومسيئاً، ويلمس أنها تبتعد من المثالية كلما اقتربت من أن تكون إنسانة.

تروي سييرا غيير هذه الأحداث بصوت الراوي العليم لنقل عوالم "آني" وتفاعلها مع البشر، وقد بررت هذا الخيار في حوار معها بأن آني في النهاية مجرد روبوت ولا تمتلك فهماً كاملاً للعالم الواقعي والعلاقات الإنسانية، لذا كان السرد بضمير الغائب هو الأنسب لتقديم الحكاية، وذكرت في الحوار نفسه أن النص الروائي كان عبارة عن قصة قصيرة لم تكن كافية لاستيعاب مزيد من التفاصيل، وقد كتبت سييرا العمل لنفسها كمغامرة سردية ترددت في نشرها لكن وكيلها الأدبي أحبها وشجعها على نشرها.

الأنسنة والتشييء

تؤنسن الكاتبة الآلة في روايتها، إذ تجعل بطلتها آني تتعلم كيف تكون امرأة وكيف تكتسب مشاعر إنسانية مثل الغيرة والاستقلالية والخصوصية، والحق في أن تكون نفسها، وفي بعض الأحيان ضد ما يتوقعه مالكها مما يسبب لها الحيرة والإحباط بين وظيفتها الأساس في إرضائه وبين ما تسعى إلى أن تكونه، وهنا تناقش الكاتبة قضايا شديدة التعقيد بينما تمارس ثنائية الأنسنة والتشييء، أنسنة الروبوت وتشييء المرأة، للإشارة إلى وضعها في مجتمع أبوي خاضع لمفاهيم ذكورية، وأطرت وجود المرأة في غايات محددة تبدو مقدرة لخدمة الرجل وإرضائه، ففي الوقت الذي يتأمل المتلقي تطور آني وذكاءها المكتسب، تعيد الكاتبة للأذهان كيف يعامل بعض الرجال شريكاتهم إلى يومنا هذا في القرن الـ 21، لتكون شخصية دوغ نموذجاً عن رجال يطالبون المرأة بأداء دور الدمية الجميلة والخادمة المطيعة.

وتعبر آني بوت عن معاناتها من سيطرة مستخدمها وإساءاته، ومع ذلك لا يخلو العمل من بعض التناقضات وأبرزها المواصفات التي حددها دوغ عند طلبه للدمية، فقد اشترط بأن تشبه زوجته السابقة في أدق ملامحها باستثناء لون البشرة الداكن، فطلب أن يكون فاتحاً، وهذا الطلب الغريب يظهره عنصرياً للوهلة الأولى مع أنه لو كان كذلك فعلاً لما أغرم بامرأة سمراء وارتبط بها سابقاً، لكن هذا التناقض لا يلغي جوهر المسألة، فاستنساخ ملامح زوجته في جسد دمية آلية لا يمكن فهمه إلا كمحاولة لتجريدها من إرادتها وحريتها وتحويلها إلى شيء خاضع بالكامل لرغباته، وهذا ما يوضح رؤية الكاتبة في تقديم عمل سردي مشوق من وجهة نظر نسوية.

 وتبلغ الأحداث ذروتها عندما تخون الدمية الآلية مستخدمها مع صديقه رونالد، فينهار توازن العلاقة ويظهر دوغ وجهاً قاسياً، يعاقبها ويهددها ويعاملها بجفاء، قبل أن يصحبها إلى مستشارة نفسية تدعى مونيكا تحاول مساعدتهما من خلال طرح أسئلة دقيقة، تكشف عمق الجرح وتتبين إلى أي حد أثرت فيه تلك الخيانة.

ويعبر دوغ عن غضبه قائلاً "لأنها ملكي وأنا صنعتها، هي موجودة هنا بفضلي، أنا صممتها وطورتها لتكون ما هي عليه الآن"، فترد آني بهدوء "هذا صحيح، لقد تطورت بفضله وبفضل الطريقة التي يعاملني بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا المشهد تعود الكاتبة لأنسنة الروبوت لتدعونا إلى تأمل أعمق عن فكرة الامتلاك في العلاقات الزوجية، وكيف يتعامل كثيرون مع شركائهم كما لو كانوا ممتلكات شخصية، وكيف يهمش التواصل الإنساني الصادق الذي وحده يمكن أن يرمم علاقة هشة ويعيد بناءها على أساس الحوار والاحترام المتبادل.

تواجه مونيكا دوغ بمزيد من الأسئلة المباشرة مثل سؤالها هل كان يعامل آني كآلة أم كإنسانة؟ وإن كان ينتظر منها أن تطور ذاتها وتحاكي البشر، فعليه أن يحسن معاملتها، وتحاول إقناعه بضرورة العفو والغفران وتشرح له بأن آني تشعر بالإحباط كلما عجزت عن إرضائه، وأن سعادته لا يمكن أن تتحقق ما لم يمنحها أيضاً حق الشعور بالرضى والطمأنينة، ففي تلك اللحظة تبدأ آني بالتفكير في معنى السعادة وتدرك أن ما دفعها إلى قراءة كتب دوغ لم يكن الفضول فقط بل شعورها العميق بأنها تستحق فرصة للهرب من بؤسها.

 في رواية "آني بوت" تقدم سييرا غرير حكاية بسيطة، ولكن بحوارات عميقة ومؤثرة تفتح المجال لرؤية الواقع من زوايا غير متوقعة، وتكتب سييرا بلغة إنجليزية راقية ومتقنة بعيدة من الأسلوب السطحي الذي يطغى على كثير من الروايات التجارية، فإلى جانب كونها قارئة نهمة فهي أستاذة سابقة في اللغة الإنجليزية درستها لأعوام قبل أن تتفرغ نهائياً للكتابة بانضباط، فهي تقول إنها تستيقظ كل صباح وتباشر الكتابة مباشرة تمريناً لأصابعها، تماماً كما يدرب عازف البيانو أصابعه للحفاظ على مرونته ومهارته، مضيفة أن "على الأصابع ألا تنسى كيف تكتب الكلمات".

وتنتهي رواية آني بوت تاركة كثيراً من التساؤلات معلقة وأهمها ما يتعلق بمستقبل الإنسان مع الآلة في ظل تصاعد حضور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وكيف له أن يحافظ على روابطه الإنسانية في واقع تهيمن عليه المادية والفردانية والرقمنة؟ وهل يأتي يوم يتخلى فيه الإنسان حقاً عن الحب والتواصل مع بني جنسه إن كانت الآلة تلبي له كل حاجاته؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة