ملخص
شدد المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة على أن تل أبيب نفذت مشروعاً لإقامة "إسرائيل مصغرة في الحي اليهودي يضم شرائح الإسرائيليين الاجتماعية كافة وتياراتهم الدينية".
لم يمر عام على احتلال إسرائيل القدس الشرقية عام 1967 حتى أصدرت أمراً عسكرياً بمصادرة 116 دونماً من البلدة القديمة للقدس لمصلحة توسيع حارة اليهود فيها، وذلك عبر هدم أحياء فلسطينية عدة وطرد ساكنيها الفلسطينيين.
وبعد مصادرة إسرائيل تلك العقارات سجلت ملكيتها باسم دولة إسرائيل، قبل أن تتنازل عنها وتسجل ملكيتها بأسماء جمعيات استيطانية ومستوطنين إسرائيليين.
لكن ذلك الأمر العسكري لم ينفذ بصورة كاملة، إذ بقي الفلسطينيون في 20 عقاراً في تلك المنطقة معظمها تعود ملكيتها للأوقاف الإسلامية.
إلا أن وزير القدس والتراث مئير بروش وقع قبل أيام قراراً يقضي بمصادرة تلك العقارات المتبقية الواقعة في حي "باب السلسلة"، وهو أحد المنافذ الرئيسة للدخول إلى المسجد الأقصى.
تهويد المنطقة
وتعود إقامة تلك العقارات في الحي إلى الحقب الأيوبية والمملوكية والعثمانية، وتضم مدرسة ومنازل ومحال تجارية ومكاتب للهيئة الإسلامية العليا للقدس.
واعتبر بروش أن فرض الملكية الإسرائيلية على هذه العقارات "سيؤدي إلى زيادة الأمن لسكان الحي اليهودي وزواره، وبشارة سارة لكل يهودي يتوق قلبه إلى مدينة القدس المقدسة". وأضاف أنه حتى اليوم "لم يُنفذ قرار المصادرة في ما يتعلق بالعقارات في شارع السلسلة، على رغم أنها مشمولة في خريطة المصادرة".
وبحسب معروف الرفاعي المستشار القانوني لمحافظة القدس التابعة للسلطة الفلسطينية، فإن تنفيذ قرار الوزير الإسرائيلي سيؤدي إلى "تهويد المنطقة المحيطة بباب السلسلة، ليتحول إلى منفذ لاقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى".
ومن خمسة دونمات (الدونم = 1000 متر مربع) إلى أكثر من 130 دونماً، وسعت إسرائيل حارة اليهود في القدس بعد احتلالها عام 1967 على أنقاض حارات فلسطينية عدة وهجرت أهلها.
واعتبر المؤرخ الفلسطيني نظمي الجعبة أنه "قبل احتلال الفرنجة القدس في القرن الـ11 الميلادي، كانت هناك مجموعة صغيرة من اليهود تقيم قرب باب حطة"، مشيراً إلى أن "الفرنجة حشروا حينها اليهود وهم بالعشرات داخل كنيس يهودي وأحرقوهم داخله".
ووفق الجعبة، فإن اليهود اختفوا إثر ذلك حتى القرن الـ14 إبان الحقبة المملوكية عندما جاءت مجموعة منهم من الأندلس، وأقاموا في جزء صغير من حارة الشرف حيث كان لهم كنيس واحد طوال فترة الحكم العثماني، وأشار إلى أن "غالبية منازل هؤلاء اليهود حينها كانت مستأجرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"إسرائيل مصغرة"
وارتفع عدد اليهود في البلدة القديمة للقدس بعد زلزال ضرب مدينة صفد في النصف الأول من القرن الـ19 حيث انتقلوا منها، قبل أن يتضاعف عددهم في النصف الثاني من القرن نفسه بسبب الهجرة اليهودية من شرق أوروبا.
وأشار الجعبة إلى أنه وُزع هؤلاء على "عقبة الخالدية وحارة السعدية وطريق الواد في البلدة القديمة للقدس"، وأن ممتلكات اليهود في البلدة القديمة وصلت حينها إلى 192 عقاراً من أصل نحو 3 آلاف عقار"، مضيفاً أن "87 في المئة من العقارات في حارة اليهود كانت غير يهودية، ومعظمها إسلامية مملوكية الطراز".
وبحسب الجعبة فإن الجزء الأكبر من حارة اليهود دمر خلال حرب 1948 حين أقام فيها اللاجئون الفلسطينيون فترة قصيرة قبل نقل السلطات الأردنية لهم إلى مخيم شعفاط للاجئين في شمال القدس.
وخلال حرب 1967 أسست إسرائيل حارة اليهود بعد مصادرة مساحات شاسعة من البلدة القديمة تمتد من حارة الأرمن حتى الجدار الغربي للمسجد الأقصى.
وشدد الجعبة على أن تل أبيب نفذت مشروعاً لإقامة "إسرائيل مصغرة في الحي اليهودي يضم شرائح الإسرائيليين الاجتماعية كافة وتياراتهم الدينية".
لكن الجعبة قال إن إسرائيل "فشلت في مشروعها، فالحي اليهودي فارغ سوى من طلاب المدارس الدينية وأغنياء اليهود في الخارج الذين يأتون لمنازلهم في المناسبات اليهودية فقط".
وتقع الحارة حول حائط البراق الذي يعتبره اليهود جزءاً من هيكل سليمان، ويؤدون فيه صلواتهم، وجرى توسيعه على أنقاض حارة المغاربة عام 1967.
ويعيش في حارة اليهود أكثر من 3 آلاف مستوطن، فيما يقطن نحو 27 ألف فلسطيني في البلدة القديمة للقدس التي تضم تلك الحارة.
ويوجد في تلك الحارة كنيسان يهوديان، الأول اسمه "جوهرة إسرائيل" ومخصص لليهود السفارديم (الشرقيين)، والثاني كنيس "الخراب" وهو للأشكناز.
وخلال حرب 1948 شهدت حارة اليهود معارك شرسة بين عصابات صهيونية تحصنت فيها والجيش الأردني، قبل أن تستسلم تلك العصابات وتنسحب مع اليهود فيها إلى القدس الغربية مع نهاية شهر مايو (أيار) عام 1948.
حارة اليهود
وبعد 19 عاماً، عاد اليهود إلى البلدة القديمة إثر حرب يونيو (حزيران) 1967.
وإلى أربعة أجزاء تقسم البلدة القديمة للقدس، وهي الحي الإسلامي وحي النصارى والحي الأرمني إضافة إلى حارة اليهود.
ويقع الحي في القسم الجنوبي الشرقي من سوار البلدة القديمة المدينة، ويمتد من باب حارة اليهود في الجنوب ملامساً الحي الأرمني غرباً على طول شارع (الكاردو) إلى شارع السلسلة في الشمال، ويمتد شرقاً إلى الجدار الغربي والمسجد الأقصى.
ويرى مدير مركز دراسات القدس في جامعة القدس يوسف النتشة أن مصطلح الحارات الأربع "أسطوري، ووضعه مستشرقون بريطانيون عام 1830، ولا يستند إلى التركيبة السكانية والاجتماعية للبلدة".
وبحسب النتشة فإن "وجود اليهود في البلدة القديمة للقدس مثل أي مدينة عربية، حيث كانوا أقلية صغيرة، وتنقلوا في داخل البلدة القديمة للقدس".
وأوضح أن التطور الأبرز للحارة جاء بعد عام 1967، ووفق النتشة فإن 80 في المئة من مساحة حارة اليهود الحالية لم يكن مملوكاً أو مسكوناً من قبل يهود قبل 1967.