Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب وسد النهضة... مسعى للحل أم مناورة ضغط على مصر؟

مغازلة الرئيس الأميركي للقاهرة بحل أزمة السد الإثيوبي على رغم الترحيب الرسمي تثير مخاوف أن تكون هدفها انتزاع تنازل بخصوص مشروع "التهجير" في غزة

ملخص

تدور العلاقات المصرية - الأميركية في خط من عدم الاستقرار والتوتر جراء الضغوط التي تمارسها واشنطن على مصر للقبول بمخطط تهجير الفلسطينيين أو إبداء مرونة في مراحل التفاوض لمصلحة وجهة النظر الإسرائيلية بخصوص غزة... فهل يعد سد النهضة ورقة ضغط جديدة؟

للمرة الثانية خلال أقل من شهر، يفجر حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سد النهضة الإثيوبي الذي "يعوق تدفق مياه النيل" إلى مصر، على حد تعبيره، موجة من الجدل حول دلالاته وتوقيت طرحه، لا سيما أن واشنطن كانت تدخلت في السابق وقت ولاية ترمب الأولى لحل الأزمة، دون أن تتمكن من إحداث اختراق في مواقف أطرافها.

وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة حول السد الذي يثير خلافاً كبيراً بين إثيوبيا ومصر، في سياق حديثه عن عدد من المناطق الساخنة حول العالم، وذلك خلال لقائه الأمين العام لحلف الناتو مارك روته في البيت الأبيض قبل يومين، قائلاً "نحن وإثيوبيا أصدقاء لكنهم بنوا سداً منع وصول المياه إلى نهر النيل". مضيفاً "أعتقد أن الولايات المتحدة مولت السد، لا أعلم لماذا لم تحل المشكلة قبل البناء. لكن من الجيد أن يكون النيل مليئاً بالمياه".

وأمام إشارة الرئيس ترمب إلى أن نهر النيل منبع حياة ومورد دخل مهم للغاية بقوله "إنه حياة مصر"، معرباً عن رغبته في "حل الأزمة سريعاً"، بدت ردة الفعل بين الأوساط السياسة المصرية قلقة حول "توقيت ودلالات" الطرح الأميركي في شأن السد الإثيوبي، لا سيما أنها تأتي خلال وقت يخيم التوتر على العلاقات الرسمية بين البلدين إثر التباين في الرؤى والمواقف ضمن عدد من الملفات المتفجرة داخل الإقليم، وبخاصة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة ومشروع "التهجير"، الذي طرحه ترمب في بداية ولايته وتتمسك به إسرائيل.

تعاطٍ رسمي "إيجابي"

بعكس حديث الرئيس ترمب السابق قبل أقل من شهر حول سد النهضة، الذي جاء في تدوينة له عبر منصته "تروث سوشيال" حين نسب الفضل إلى نفسه في "الحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا" على رغم الخلاف في شأن السد، ضمن استعراض له بقدرته على وقف الحروب حول العالم ومن بينها وقف اشتباكات الهند وباكستان، وتوسطه في اتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، تفاعلت مصر سريعاً هذه المرة مع تصريحات ترمب حول السد الإثيوبي.

وبعد ساعات من كلام ترمب رحب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بما ورد على لسانه، معرباً عن تقديره لما وصفه بـ"جدية الإدارة الأميركية تحت قيادته في حل النزاعات"، مؤكداً أن "مصر تثق في قدرة ترمب على إنهاء هذا الملف".

وقال السيسي في تدوينة عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، "نثمن حرص الرئيس ترمب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد، وتأكيده ما يمثله النيل لمصر كمصدر للحياة"، وأضاف أن بلاده تدعم رؤية الرئيس الأميركي في إرساء السلام والاستقرار داخل مناطق النزاع، سواء في أفريقيا أو أوكرانيا أو الأراضي الفلسطينية.

 

ذلك الموقف الرسمي، أوضحه مصدر دبلوماسي مصري في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، قائلاً في حديث مقتضب "القاهرة تدرك قدرة الولايات المتحدة في إنهاء أزمة السد التي لا تزال عالقة مع أديس أبابا من دون حل خلال وقت تواصل فيه الأخيرة إجراءاتها الأحادية، دون أية مراعاة للمصالح المائية لشعبي دولتي المصب مصر والسودان".

وجاءت إعادة طرح ملف سد النهضة على المستوى الأميركي، خلال وقت تتمسك فيه القاهرة بموقفها الرافضة للتحركات الإثيوبية في شأن السد، فالأسبوع الماضي وخلال اجتماع دوري للحكومة المصري أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن مصر لا تعارض التنمية في إثيوبيا، ولا مشروع السد في حد ذاته، لكنها تتمسك بمطلب جوهري يتمثل في وجود "وثيقة مكتوبة" ملزمة في شأن إدارة وتشغيل السد، وهو مطلب رفضته إثيوبيا أعواماً باعتباره يمس "السيادة الوطنية".

كذلك أعاد وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم تأكيد رفض مصر لما وصفه بـ"السياسات الإثيوبية أحادية الجانب" في ملف السد، متهماً إثيوبيا بالسعي إلى فرض "هيمنة مائية"، ومشدداً على أن مصر لن تسمح "بفرض الأمر الواقع في قضية تمس الأمن المائي القومي"، واصفاً الترويج لاكتمال بناء السد دون التوصل إلى اتفاق ملزم مع مصر والسودان بأنه "انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي".

وفي أوائل يوليو (تموز) الجاري، كان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أعلن أن بلاده تستعد لافتتاح سد النهضة رسمياً خلال سبتمبر (أيلول) المقبل، داعياً مصر والسودان للمشاركة في الاحتفال. وبحسب ما نقله الحساب الرسمي لرئاسة الوزراء الإثيوبية، شدد آبي أحمد في كلمة أمام البرلمان على أن "سد النهضة الإثيوبي الآن مكتمل، ونحن نستعد لافتتاحه رسمياً"، مضيفاً "رسالتنا واضحة إلى جيراننا في دولتي المصب، مصر والسودان، السد ليس تهديداً بل فرصة مشتركة"، ومضى في القول إن "سد أسوان (السد العالي) في مصر لم يخسر لتراً واحداً من المياه بسبب سد النهضة، وأن بلاده ملتزمة عدم الإضرار بمصر أو السودان وراغبة في تعاطٍ بناء معهما".

يشار إلى أنه وعقب عودته إلى البيت الأبيض، كان ملف السد أيضاً محور أول اتصال هاتفي بين ترمب والسيسي خلال فبراير (شباط) الماضي، بحسب بيان البيت الأبيض عقب الاتصال، دون توضيح في شأن ماهية ما جرى نقاشه في هذا الشأن أثناء الاتصال.

قلق وتخوف

بخلاف التعاطي الرسمي مع تصريحات الرئيس الأميركي، خيم القلق والخوف على الأوساط السياسية في شأن توقيت ودلالة الطرح الأميركي، لا سيما أنها تأتي خلال وقت لم تمض فيه العلاقات المصرية-الأميركية بـ"أفضل أحوالها"، جراء تباين الرؤى حول ملف "تهجير الفلسطينيين" من قطاع غزة، الذي كان طرحه في بداية ولايته ورفضته القاهرة لتهديده لـ"أمنها القومي".

من جانبه، يقول مدير المركز العربي للبحوث والدراسات هاني سليمان "هناك دلالة مهمة لتوقيت صدور هذا التصريح، إذ تدور العلاقات المصرية-الأميركية في خط من عدم الاستقرار والتوتر جراء الضغوط التي تمارسها واشنطن على مصر للقبول بمخطط التهجير أو إبداء مرونة في مراحل التفاوض لمصلحة وجهة النظر الإسرائيلية بخصوص غزة"، موضحاً في حديثه إلينا "يحاول ترمب استخدام تكتيك المخالفة والتضليل في إيصال رسائله، بحيث يبدو التلميح والتطرق لمسألة سد النهضة وأهميته عند المصريين، علاوة على إبدائه نوعاً من عدم الارتياح لمشاركة أميركا في تمويل السد، بصورة رسالة واضحة بأننا نتحكم في الأمور، ونحن شريك أساس ومهم في ضبط وتوجيه وتغيير مسار المفاوضات الخاصة بالسد ومستقبل إدارة إثيوبيا له واستخدامه كورقة ضغط وابتزاز، بالتالي الخطاب المغلف بالعاطفة والتضامن من ترمب هو بالأساس رسالة تهديد وابتزاز واضحة، وأداة ضغط جديدة في ظل سياسة العصا والجزرة".

وأوضح سليمان أن تصريحات الرئيس الأميركي تؤشر إلى "أفول فرصة قبول مصر بمخطط التهجير والخطط الإسرائيلية، وأن فجوة العلاقة باتت أكبر من أن تُدار وفق القناعات التقليدية، كما أن التلويح والتهديد بورقة المساعدات ربما قد يأتي بنتائج معاكسة، بالتالي بات ترمب معنياً بالبحث عن مسار وأدوات جديدة تجمع بين الضغط والإغراء، لمحاولة الوصول إلى معادلة متوازنة مع الجانب المصري، بحيث يكون ملف سد النهضة هو ثمن المرونة المصرية في ملف غزة، لكن لا أعتقد أن القاهرة ستستجيب لتلك المحاولات المشوهة"، على حد تعبيره.

 

في الاتجاه ذاته، يقول أستاذ الموارد المائية والري بجامعة القاهرة نادر نور الدين "على رغم إيجابية الحديث الأميركي، فإن الشارع المصري ينظر إليها بقلق وتخوف، لا سيما أنها تطرح أسئلة حول توقيتها وأهدافها ومدى ربطها بالضغط على القاهرة لقبول ملف التهجير مقابل حل أزمة سد النهضة".

وأوضح نور الدين "ما يزيد من الشكوك أن نفس الرئيس الأميركي ترمب وخلال ولايته الأولى، أي قبل نحو أربعة أعوام فقط وهي مدة ليست بطويلة، كان تدخل في أزمة السد واستضافت بلاده محادثات بين البلدان الثلاثة، وتعنتت إثيوبيا حينها ولم تقبل بالوساطة الأميركية أو الحلول المطروحة، وعلى رغم ذلك لم تقدم الإدارة الأميركية حينها على معاقبة أديس أبابا، لا سيما أمام حجم الأخطار التي يسببها السد لدولتي المصب مصر والسودان"، وتابع متسائلاً "ما الذي تغير الآن؟ ولماذا لم يتحدث الرئيس ترمب عن تمويل بلاده للسد خلال ولايته الأولى ويضغط على إثيوبيا لقبول اتفاق مع مصر؟ كلها أسئلة تدعو للريبة والقلق من النيات الأميركية".

ومضي نور الدين "من ناحية الحديث حول مدى قدرة الإدارة الأميركية على حل الأزمة يمكن القول إنها قادرة وبكل تأكيد، لا سيما أنها أزمة تهدد فعلياً السلم والأمن الإقليمي داخل منطقة شرق أفريقيا، وهي منطقة لها أهمية استراتيجية بالنسبة إلى واشنطن، لكن من حيث أهداف التدخل الأميركي فتبقى غامضة من دون إجابة واضحة". مرجحاً أن تكون الأهداف هي الضغط على القاهرة في ملف غزة، أو أن تكون بمثابة ضغط على إثيوبيا لسماحها بتوسع الصين في شرق أفريقيا، وهو أمر لا ترغب فيه واشنطن.

المخاوف ذاتها، ذكرها وزير الموارد المائية والري المصري السابق محمد نصر علام قائلاً "ليس واضحاً ما وراء مبادرة ترمب، لحل الخلاف المصري-الإثيوبي حول سد النهضة"، مضيفاً "هل واشنطن قادرة على إثيوبيا؟ بالتأكيد تستطيع ولا شك في ذلك"، واصفاً الرد المصري الرسمي على مبادرة ترمب بـ"الجيد".

وتابع نصر علام متسائلاً "أمام المبادرة الأميركية يبقى السؤال هل سيجبر الرئيس الأميركي فعلياً إثيوبيا على توقيع اتفاق في شأن قواعد ملء وتشغيل السد مع مصر والسودان، ثم يجيب أشك كثيراً في ذلك، إلا إذا كان هناك مقابل واضح ومطلوب".

وأعلنت القاهرة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2023 انتهاء المسار التفاوضي في شأن السد الإثيوبي، بسبب "استمرار المواقف الإثيوبية الرافضة عبر الأعوام الماضية الأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط، التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث"، وفق بيان لوزارة الري المصرية.

محاولة واشنطن السابقة

وأمام الطرح الأميركي الأخير بالتدخل لحل الأزمة، استعاد المغردون والنشطاء محاولة واشنطن السابقة لحل الأزمة، التي كانت ضمن محاولات دولية عدة قادها وسطاء مختلفون لإحداث اختراق في الأزمة، لكن من دون جدوي، لا سيما الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي.

وعلى رغم استمرار أزمة سد النهضة منذ عام 2011 فإن إدارة ترمب الأولى (2017-2020) كانت الأكثر انخراطاً في مسار مفاوضات السد الإثيوبي، مقارنة بالإدارتين الديمقراطيتين للرئيسين باراك أوباما وجو بايدن، إذ دخلت الولايات المتحدة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 للمرة الأولى على خط الأزمة بفاعلية، من خلال دعوة الأطراف الثلاثة إلى الاجتماع في واشنطن بحضور وزير الخزانة الأميركي ورئيس البنك الدولي، وصدر بيان مشترك في ختام الاجتماع بالتوافق على عقد أربعة اجتماعات عاجلة لوزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله خلال شهرين، بحلول منتصف يناير (كانون الثاني) 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالفعل عقدت الاجتماعات الأربعة وفق تلك الصيغة في عواصم الدول الثلاث بين نوفمبر 2019 ويناير 2020 لكنها لم تسفر عن شيء، لتتدخل واشنطن مجدداً باستضافة وفود أطراف الأزمة لتقييم نتائج الاجتماعات الأربعة خلال الـ15 من يناير 2020، مما أثمر توافقاً مبدئياً على إعداد خريطة طريق تتضمن ستة بنود، أهمها بالنسبة إلى مصر تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، وفي نهاية ذلك الشهر جرى الاتفاق على التوقيع على تفاهم في غضون 30 يوماً.

وعلى رغم الوتيرة المتسارعة باتجاه التوصل إلى اتفاق بعد التدخل الأميركي، تراجعت أديس أبابا معلنة عدم مشاركتها في الاجتماعات المقررة لتوقيع الاتفاق النهائي في واشنطن، الذي كان من المنتظر توقيعه بنهاية فبراير 2020، مما دعا مصر إلى توقيع الاتفاق منفردة بالأحرف الأولى.

وخلال أكتوبر (تشرين الأول) 2020، أطلق ترمب تصريحه الأشهر بأن مصر "سوف تفجر السد"، إذ قال خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السوداني آنذاك عبدالله حمدوك "إن الوضع خطر للغاية، لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة. وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد. وقلتها، وأقولها مجدداً وبصوت عال وواضح، سيفجرون ذلك السد. عليهم أن يفعلوا شيئاً ما".

حينها، لم يرد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مباشرة على حديث ترمب ذلك، لكنه قال في بيان "إن إثيوبيا لن ترضخ لأي عدوان من أي نوع. لم يركع الإثيوبيون يوماً أمام أعدائهم، بل احترموا أصدقاءهم. ولن نفعل ذلك اليوم ولا في المستقبل"، وأضاف أن التهديدات في شأن هذه القضية تعد "مضللة، وغير مجدية، وانتهاكاً واضحاً للقانون الدولي".

وكان لافتاً معاقبة إدارة ترمب الحكومة الإثيوبية على "التعنت" في ملف سد النهضة، خلال سبتمبر (أيلول) 2020، من خلال تعليق مساعدات بقيمة 272 مليون دولار مخصصة لأديس أبابا. لكن الموقف الأميركي انقلب بعد شهر واحد من رحيل ترمب عن البيت الأبيض، فألغت إدارة جو بايدن خلال فبراير 2021 ربط المساعدات الأميركية لإثيوبيا بموقفها من سد النهضة. واكتفت إدارة بايدن على مدى نحو أربعة أعوام بالدعوة إلى حل تفاوضي للأزمة من دون تحرك جدي للضغط على إثيوبيا، وفق مراقبين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير