ملخص
عدَّ كثرٌ أن صدور التعميم 170 عن مصرف لبنان خطوة مطلوبة وضرورية للمساهمة في انتشاله من اللائحة الرمادية والتصنيفات السلبية عالمياً، واعتبروا أنها تؤكد تراجع نفوذ "حزب الله"، فيما قلل آخرون من تأثيرها وبخاصة على مؤسسات مثل جمعية "القرض الحسن"، باعتبار أن العقوبات المفروضة عليها غير جديدة وتعود لأعوام سابقة.
لا تزال أصداء التعميم الأساس 170 الذي أصدره مصرف لبنان المركزي قبل يومين تترد في الأوساط المالية والسياسية وكذلك الشعبية، في محاولة لفهم تبعاته التنفيذية، وبخاصة لناحية جمعية "القرض الحسن" التي حظر القرار تعامل أية مؤسسات مالية معها، إلى جانب جمعيات وهيئات أخرى.
وكان الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان توم باراك تطرق إلى هذا القرار عبر تغريدة نشرها عبر منصة "إكس" قبل ساعات، وقال فيها "خطوة إيجابية من الحكومة اللبنانية في ضبط تدفقات تمويل ميليشيات ’حزب الله‘ التي كانت تمر عبر ’القرض الحسن‘... الشفافية وتوحيد جميع الوسطاء الماليين في لبنان تحت إشراف مصرف لبنان المركزي تعد إنجازاً مهماً".
A step in the right direction by the Lebanese government in harnessing the flow of Hizballah militia finances that had been directed thru Al-Qard Al-Hassan. Transparency and alignment of all financial intermediaries in Lebanon under the supervision of the Central Bank is a valued…
— Ambassador Tom Barrack (@USAMBTurkiye) July 15, 2025
وردت عليه النائبة عن كتلة "القوات اللبنانية" في البرلمان اللبناني غادة أيوب بالقول "على رغم أن قرار حاكم مصرف لبنان حظر التعامل مع جمعية ’القرض الحسن‘ يعد خطوة مهمة وضرورية، فإنه يبقى غير كاف. فالجمعية تمارس عملها بموجب ترخيص من وزارة الداخلية، وليس كمؤسسة مالية يشرف عليها مصرف لبنان. ومن هنا، تقع المسؤولية القانونية والمؤسسية على عاتق وزير الداخلية والأمن العام لتعليق أنشطتها، بالتالي على الحكومة اللبنانية اتخاذ قرار حكومي رسمي بحل الجمعية بموجب قانون الجمعيات".
التعميم 170 والموجه بصورة مباشرة إلى المصارف والمؤسسات المالية والمؤسسات الخاضعة لرقابة مصرف لبنان وشركات الوساطة المالية وصناديق الاستثمار، يؤكد عدم قانونية تعامل هذه المؤسسات مع كيانات غير مرخصة وعليها عقوبات بتهم تمويل الإرهاب أو تبييض الأموال، لكنه خلال الوقت عينه لا يتطرق إلى تعامل الأفراد والمواطنين العاديين مع هذه المؤسسات، بالتالي سيبقى عملها قائماً إلى حد ما.
وفيما عدَّ كثرٌ أن هذه الخطوة مطلوبة وضرورية للمساهمة في انتشال لبنان من اللائحة الرمادية والتصنيفات السلبية عالمياً، واعتبروا أنها تؤكد تراجع نفوذ "حزب الله" في دوائر صنع القرار اللبناني سياسياً ومالياً، قلل آخرون من تأثيرها وبخاصة على مؤسسات مثل جمعية "القرض الحسن"، باعتبار أن العقوبات المفروضة عليها غير جديدة وتعود لأعوام سابقة، والمؤسسات المالية اللبنانية لا تتعامل معها بالفعل.
تعميم للداخل أم للخارج؟
يطرح اللبنانيون بعد صدور هذا التعميم سؤالاً جدياً حول تأثير هذا التعميم فعلياً على الجمعية ومستقبلها؟ وماذا عن مصير كميات كبيرة من الذهب التي رُهنت بالفعل وأخذت قروض مقابلها؟
بصورة عامة لا تتعامل جمعية "القرض الحسن" مع أية مؤسسات مالية أو القطاع المصرفي داخل لبنان ولا خارجه، فهي بالأساس ليست مؤسسة مالية وهي غير مرخصة من قبل المصرف المركزي، بل رخصت من منطلق كونها جمعية خيرية بموجب "علم وخبر" صادر عن وزارة الداخلية قبل عقود، ناهيك بأنها مدرجة على لوائح العقوبات الأميركية والدولية، فيما تتعامل بصورة مباشرة مع الأفراد وبعض المؤسسات المحلية المحسوبة على بيئتها الاجتماعية، والتي تنتمي بصورة مباشرة إلى "حزب الله"، أي إن عمل هذه الجمعية لا يمر بأية صورة عبر النظام المصرفي اللبناني ولا يخضع لرقابته.
وفي هذا السياق يوضح المحامي المتخصص في قضايا المصارف التجارية والمركزية مهدي الحسيني أن التعميم الأساس وغير الوسيط رقم 170 استند في ديباجته، التي تفصل أساس القرار القانوني عطفاً مطولاً وشاملاً، إلى قوانين نافذة وتعاميم سابقة تتعلق بموضوع التعميم نفسه، ويقول "هناك عدد من التعاميم السابقة النافذة التي تحظر التعامل مع شركات تخضع لنفس التوصيف المذكور في التعميم الأساس رقم 170".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عن الفائدة العملية والفعلية من التعميم الجديد، يؤكد الحسيني أنه لم يؤسس لانتظام جديد، بقدر ما هو إعلان وتأكيد على تعاميم سابقة، كون المؤسسات المذكورة في التعميم هي قيد العقوبات الأميركية، بعضها منذ عام 2006، أي إنها حكماً بموجب التعاميم السابقة محظورة، ويتابع أنه فعلياً يمكن تصنيف التعميم الأساس رقم 170 كخطوة جيدة تؤسس لمرحلة يقتضى فيها على المؤسسات المالية أن تتوخى مزيداً من الحذر والدقة في تعاملها مع مؤسسات الصرافة وشركات تحويل الأموال والجمعيات والهيئات غير المرخصة، كـ"جمعية القرض الحسن" و"شركة تسهيلات ش.م.م." و"شركة اليسر للتمويل والاستثمار" و"بيت المال للمسلمين"، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكيانات والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية.
يعد المحامي مهدي الحسيني أن التعميم الأساس رقم 170 موجه إلى الخارج، كرسالة لتأكيد دور مصرف لبنان في تنفيذ أهدافه عبر اتخاذ تدابير احترازية لحماية القطاع المالي والاقتصادي ومنع التعامل مع جهات غير مرخصة وخاضعة لعقوبات صادرة عن سلطات خارجية. وعن كيفية التعامل مع جمعية "القرض الحسن" مستقبلاً، يوضح انطلاقاً من دراسة كان عمل عليها قبل أشهر، أن من بين الخيارات وضعه ضمن حاضنة تنظيمية والعمل على إدخاله تدريجاً إلى النظام المصرفي، بدل إبقائه في الظل وبعيداً من أية رقابة، أو إلغائه بالكامل وربما استبدال شبيه له به، إنما منظم وتحت إشراف المصرف المركزي.
سحب ترخيصه من وزارة الداخلية
في السياق، يعد كثر أنه لو كان هناك قرار سياسي ونية حقيقية لدى السلطات لمقاربة هذا الملف بجدية، لكانت شطبت وزارة الداخلية والبلديات "العلم والخبر" الخاص بالجمعية من سجل الجمعيات، لا الاكتفاء بتعميم موجه إلى المصارف لا تأثير له على الجهة المعنية فعلياً، وهي "القرض الحسن"، وبخاصة أن الإصلاحات المطلوبة من الغرب لدعم لبنان في هذه المرحلة تتضمن خطوات عملية لا بد من اتخاذها. وبغياب هذه الخطوات العملية ستبقى "القرض الحسن" تعمل ككيان خارج الرقابة، وداخل شبكة نفوذ لم تجرؤ الدولة على الاقتراب منها، وبخاصة أنها تعد مؤسسة مغلقة ولا تمتد معاملاتها لتشمل مصارف أو مؤسسات مالية أخرى.
في المقابل ينظر بعض إلى التطور الأخير بإيجابية أكبر، ويعدون أن التعميم الصادر عن المصرف المركزي ما هو إلا بداية تحرك جدي نحو المؤسسات غير العسكرية التابعة للحزب، والتي تحوم حولها شبهات وعليها عقوبات غربية، ويؤكدون أنه لو لم يرفع الغطاء السياسي ويعطى الضوء الأخضر من قبل المعنيين لما صدر هذا التعميم، وفيه تمت تسمية جمعية "القرض الحسن" بصورة مباشرة، وأنه لو عدنا أعواماً قليلة إلى الوراء لكان صدور هذا التعميم بصورته الحالية أشبه بالمستحيل.