ملخص
تحاول "كأس العالم للأندية" أن تفرض نفسها كحدث عالمي ضخم، بدعم مالي هائل وعوائد مغرية، لكنها تصطدم بتحديات حقيقية تتعلق بتفاعل الجمهور، والمنافسة الصيفية، والشرعية الجماهيرية، مما يجعل مستقبلها مرهوناً بمدى التبني العاطفي والاهتمام الفعلي من المشجعين.
هناك صفقة بث تلفزيوني بقيمة مليار جنيه إسترليني (1.38 مليار دولار)، وجائزة قدرها 97 مليون جنيه إسترليني (133.51 مليون دولار) للفائزين، وضمان تحقيق أكثر من 30 مليون جنيه إسترليني (41.29 مليون دولار) من العائدات كحد أدنى للمشاركين من الدوري الإنجليزي الممتاز.
وهناك احتمال لتحقيق أرباح مفاجئة قد تمنح نادياً من خارج أوروبا هيمنة محلية. وهناك أيضاً الحافز المحتمل لاختراق السوق الأميركية، حيث يسعى الجميع لبناء علاماتهم التجارية.
ومع ذلك، فإن كأس العالم للأندية تعتمد، من وجهة نظر معينة، على نوع مختلف من الاستثمار، فبغض النظر عن الأرقام المالية الكبيرة، يحتاج الأمر إلى التزام وتبنٍّ، ليس من شركاء الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بل من ذلك الجزء من عائلة كرة القدم الذي نادراً ما يستشار، وهم المشجعون.
تخوض كأس العالم للأندية معركة لكسب القلوب والعقول والأنظار، لكن السؤال هو ما إذا – ومن المبكر جداً إصدار أحكام نهائية – كان سيتبنى الناس هذه البطولة، وهل سيستثمرون فيها وقتهم وآمالهم ومشاعرهم؟
ربما يكون من الأسهل تقييم الجمهور الحاضر في الملاعب، فالمقاعد الفارغة تشير إلى أن "فيفا" أخطأ في تقدير معادلة العرض والطلب، إذ اختار بعض الملاعب التي كانت كبيرة جداً، وجعلت أسعار التذاكر مرتفعة، ويرتبط الأمر جزئياً بالجمهور الأميركي، وجزئياً بعدد الأندية التي أحضرت جماهير مرافقة بأعداد كبيرة، والدلائل هنا متباينة.
لكن هناك اختباراً أوسع نطاقاً، لا يجرى في أتلانتا أو سياتل، بل على الأرائك وغرف المعيشة. فكم عدد الذين يشاهدون المباريات؟ وكم مرة؟
ذلك لأن هناك جماهير يسعى "فيفا" إلى جذبها، على أمل أن يتحول اهتمامهم بالبطولات الراسخة إلى البطولة الجديدة أو الموسعة، أو المعاد ابتكارها. هناك جمهور البطولات الصيفية، أولئك الذين - إن استطاعوا - يحاولون مشاهدة كل مباراة في كأس العالم أو بطولة أوروبا، فهل سيتبعون النهج نفسه مع كأس العالم للأندية؟
وهناك أولئك الذين لا يذهبون إلى حد متابعة كل المباريات، لكنهم يحرصون على مشاهدة المباراة الأبرز في اليوم في دور المجموعات ودور الـ16، فهل يخصص هؤلاء ساعتين من وقتهم كل ليلة لمتابعة كأس العالم للأندية؟
ثم هناك سابقة دوري أبطال أوروبا، فعندما تقام مباريات عدة في الوقت نفسه، لا يمكن لأحد مشاهدة كل شيء. ومع ذلك، هناك كثر يشاهدون شيئاً ما في كل ليلة مباريات، ثم مع اقتراب الأدوار النهائية وقلة المباريات، لا يفوتون شيئاً على الإطلاق.
تضم كأس العالم للأندية بعض الفرق ذاتها، وإمكان تكرار المواجهات نفسها. فهل أولئك الذين لا ينتمون لأي من الفرق، والذين يشاهدون تلقائياً نصف نهائي دوري أبطال أوروبا بين يوفنتوس وبايرن ميونيخ، أو ريال مدريد وباريس سان جيرمان، سيتبنون الموقف نفسه؟ أم، ولأخذ مثال من 2022، هل سيتكرر ما حدث مع الجماهير المحايدة التي شجعت منتخب المغرب خلال مشواره المفاجئ نحو نصف نهائي كأس العالم، إذا ما شق بوتافوغو أو بالميراس أو فلامنغو أو فلومينينسي طريقه إلى المربع الذهبي الآن؟ أم أنهم ببساطة سيتجاهلون هذه البطولة؟
إنه سؤال يتعلق بما إذا كانت كأس العالم للأندية ستصبح حدثاً لا يفوت، وما إذا كان ملايين من عشاق كرة القدم حول العالم سيقررون فعلاً تخصيص موعد ثابت لها في جداولهم اليومية.
وإذا كانت الإجابات ستختلف – مع المؤشرات الأولية التي توحي بأن أميركا الجنوبية تبنت البطولة أكثر من أوروبا – فهناك مجموعة من العوامل التي تؤثر في ذلك.
ومن بين هذه العوامل الوقت والطقس، فبالنسبة إلى الجمهور الأوروبي، فإن مواعيد المباريات المتأخرة تشكل عائقاً، أما بالنسبة إلى الجميع، فإن احتمال ارتفاع درجات الحرارة إلى 100 درجة فهرنهايت (37.8 درجة مئوية) قد يقلل من متعة المباريات التي تقام في وقت مبكر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قد تبدو بعض هذه القضايا مرتبطة تحديداً بأميركا، لكنها في الواقع تعكس مشكلات أوسع. فهناك أزمة شرعية ترتبط بما يعرف بخوارزمية إنفانتينو لتحديد المتأهلين، التي بموجبها تم إدخال إنتر ميامي بقيادة ليونيل ميسي إلى البطولة بصورة قسرية، ويبدو أنه كانت هناك محاولات لإيجاد نادٍ لكريستيانو رونالدو مدة شهر فقط.
وعلى صعيد منفصل، هناك معايير تشيفرين التي سمحت، بطريقة ما، بمشاركة ريد بول سالزبورغ في بطولة لا تضم أبطال إنجلترا أو إيطاليا أو إسبانيا، ولا اثنين من المتأهلين إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.
كذلك فإن هناك حالاً من التململ والإرهاق يشعر بها اللاعبون والجمهور على حد سواء، فقد كانت تعليقات كثير من اللاعبين العام الماضي تلميحات واضحة بأن حجم العمل لم يعد قابلاً للاستمرار، ومع ذلك يفترض أنهم أسكتوا من قبل إداريين يسعون إلى الأرباح من وراء هذه البطولة. ومع ذلك، فإن الإحساس بالتخمة الكروية أصبح واضحاً لدى عدد كبير من عشاق اللعبة.
وعلى رغم وجود أسباب مشروعة للرغبة في إقامة كأس عالم للأندية، فإن هذه البطولة فرضت على الجميع من دون تشاور أو مراعاة، وهو ما قد ينفر بعض المشاهدين المحتملين.
فدعاية "فيفا" المفرطة والمبالغ فيها، التي تصف كل ما تفعله بأنه نجاح باهر، تبدو كدعاية لا تحليل، وربما يكون بعض الجماهير قد عبر عن رأيه من خلال جهاز التحكم بالتلفاز، ببساطة عبر إطفائه.
ثم هناك كرة القدم نفسها، فقد بدت بعض المباريات أشبه بمباريات تحضيرية قبل الموسم، بتشكيلات لا تضم اللاعبين الأساسيين بشكل كبير، إذ اتخذ المدربون – وبشكل مفهوم – موقفاً مفاده أن الموسم لا يزال أمامه ما يقرب من 12 شهراً. وهذا بحد ذاته، اعتراف بأن الموسم ينتهي فعلياً مع نهائي دوري أبطال أوروبا وكأس العالم.
أحد الأخطار التي تهدد كأس العالم للأندية هو أن الجماهير الأوروبية قد تتجاهل المباريات الصيفية المقامة في أميركا، ما لم تكن ضمن بطولة كأس العالم الحقيقية على أية حال. فهناك مباريات تقام سنوياً، بعضها في بطولات تحمل أسماء ضخمة – مثل كأس الأبطال الدولية أو تحدي كرة القدم العالمي – لكنها لا تحمل أية قيمة حقيقية من جهة المكانة أو الهيبة.
وإذا كانت بطولة كأس العالم للأندية قادرة على تصحيح الخلل القائم في ميزان القوى الكروية عالمياً – والمتمثل في هيمنة الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى – فمن المرجح أنها لن تستطيع ذلك من دون تفاعل كافٍ من هذا الجانب من الأطلسي، وليس فقط لأن بعض الأسواق التلفزيونية الأكثر ربحاً موجودة هنا.
من السهل جداً، بل ومن التبسيط المخل، أن يتم رفض كل هذا التشكيك باعتباره مركزية أنجلوساكسونية، أو كنسخة حديثة من عقلية "الإنجليزي الصغير" التي دفعت البلاد إلى تجاهل أول ثلاث بطولات كأس عالم. وحتى في أوروبا القارية، يمكن أن ينظر إلى دوري الأبطال على أنه قمة المنافسات الكروية للأندية.
وعلى رغم أن هذا ليس دليلاً قاطعاً، فإن قضاء خمسة أيام في إحدى المدن الأوروبية القارية الأسبوع الماضي لم يظهر أي مؤشر إلى اهتمام المطاعم أو الحانات بعرض مباريات كأس العالم للأندية، أو حتى على علمهم بإقامتها. ومن الصعب تخيل هذا القدر من اللامبالاة تجاه كرة القدم في صيف 2024 أو 2026.
هناك ما يكفي من الأدلة التي تثبت استعداد جماهير كرة القدم في أوروبا للالتزام ببطولة صيفية تقام كل عامين، سواء كانت كأس العالم أو بطولة أمم أوروبا، لكن الأمر لا ينطبق على البطولات الأقل أهمية، فالصيف مزدحم بالمنافسات الرياضية الجذابة، وكرة القدم لا تحقق دائماً النجاح عندما تحاول فرض وجودها على حساب الآخرين.
وفي هذه الحال يحاول "فيفا" أيضاً فرض طغيان بطولة كأس العالم للأندية على بقية منافسات اللعبة ذاتها، سواء بطولة أوروبا للسيدات، أو بطولة أوروبا تحت 21 عاماً للرجال، أو كأس (كونكاكاف) الذهبية. فالاتحاد الدولي لا ينجح دائماً في أسر خيال الجمهور ببطولاته، ولا شك أن بعض الناس اهتموا بكأس القارات، لكن هذا الاهتمام لم يكن كافياً لـ"فيفا"، ولم يكن كافياً لاحتلالها مركزاً في الوعي الشعبي.
هل ينطبق ذلك على كأس العالم للأندية؟ قد يكون من المبكر الجزم، فالنمو العضوي – على عكس فرض بطولة وتوقع أن تصبح ضربة جماهيرية فوراً – يستغرق وقتاً، وأي شيء جديد لم يتحول بعد إلى عادة لدى كثر.
لكن كل فرد من الجمهور المستهدف يواجه قراراً... ما مقدار القيمة التي يخص بها هذه البطولة؟ لقد شهدت نتائج صادمة، وإقصاءً مبكراً وغير متوقع لأتلتيكو مدريد وبورتو، وتقدماً لافتاً للأندية البرازيلية، لكن عناصر الحبكة لا تصبح مشوقة، والشخصيات لا تصبح جذابة، والسرد لا يغدو إدمانياً إلا إذا كان هناك استثمار شعوري حقيقي في البطولة.
ولا شك أن بعض الأشخاص مستثمرون فعلاً، وآخرون ليسوا كذلك، فبالنسبة إليهم كانت كأس العالم للأندية نقطة الانفصال، شيئاً قرروا عن عمد أن يتجاهلوه وبعضهم ينتقي مباريات معينة فقط أو يتابعها بقدر ضئيل من الانتباه. وسيعطي كل شخص إجابة مختلفة، لكن كي تزدهر هذه البطولة حقاً، فهي بحاجة إلى كتلة جماهيرية حرجة، ترغب فيها، وترغب في مشاهدتها، بل وترغب في متابعة معظمها إن لم يكن كلها.
© The Independent