ملخص
لو كان صانعو الأسلحة الصينيون يخضعون لجدول زمني محكم أو ضغوط خلال زمن الحرب لكانوا على الأرجح صنعوا سلاحاً نووياً في أقل من ثلاثة أسابيع.
ليس من قبيل الصدفة أن يجد المجتمع العلمي أخيراً أوجه تشابه عديدة بين القنبلتين النوويتين الصينية والإيرانية، إذ نشر علماء متخصصون في الفيزياء وأبحاث الأسلحة الذرية قبل الحرب الإيرانية - الإسرائيلية الراهنة بأشهر قليلة مقالات تؤكد أن تصاميم الأسلحة النووية الإيرانية مماثلة للخصائص التصميمية الرئيسة لأول قنبلة ذرية صينية، إذ تميزت القنبلتان الذريتان الصينيتان اللتان اختبرتا بين عامي 1964 و1966 بتصميم رأس حربي من النوع المتفجر ذاته، مع قلب عالي التخصيب معلق في الهواء، ومصدر مشابه لنيوترونات ديوتريد اليورانيوم، ونظام تفجير موجه متقدم.
لذلك قال واحد من العلماء البارزين في هذا الشأن، مشيراً إلى التشابه الكبير الذي وجده العلماء بين تصميم القنبلتين الصينية والإيرانية، "إذا أردتم أن تعرفوا ما مدى سرعة إيران في بناء سلاحها النووي الأول فعليكم أن تنظروا إلى الصين". وهو ما ورد حرفياً ضمن نشرة العلماء الذريين في مجلة علمية أميركية تمزج بين العلم والسياسة هي مجلة (thebulletin.org) المعروفة أيضاً باسم Bulletin of the Atomic Scientists، بقلم هوي تشانغ. ونشرت المقالة في الـ22 من يناير (كانون الثاني) الماضي، أي قبل افتتاح الضربة الإسرائيلية لإيران بأشهر. وهوي فيزيائي وباحث مشارك أول في مشروع إدارة الذرة بمركز "بيلفر" للعلوم والشؤون الدولية في كلية "جون أف كينيدي" للإدارة الحكومية بجامعة هارفرد، حيث يقود مبادرة بحثية حول السياسات النووية الصينية.
فكرة التشابه
هوي هو من أكد فكرة التشابه بين القنبلتين النوويتين الصينية والإيرانية، التي كان من المزمع بناؤها خلال فترة زمنية قياسية، وتحت الضغط الشديد سياسياً أثناء المفاوضات السلمية مع المسؤولين الأميركيين، إذ كانت تصاميم الأسلحة الإيرانية المبكرة مماثلة للخصائص التصميمية الرئيسة لأول قنبلة ذرية صينية رمز لها بالجهاز 596 وانفجرت عام 1964، وأول رأس حربي صاروخي رمز له بالرأس الحربي 548 وتم اختباره عام 1966. وتميزت القنبلتان الذريتان بتصميم رأس حربي من النوع المتفجر مع قلب عالي التخصيب معلق في الهواء، ومصدر نيوترونات ديوتريد اليورانيوم، ونظام تركيز موجه متفجر ومتقدم. كذلك أوردت المجلات العلمية حينها صوراً مصدرها منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم في منشأة "نطنز" النووية في إيران، كما شوهدت عام 2019، إذ أفادت التقارير بأن مئات من هذه الأجهزة دمرت خلال انفجار وقع عام 2021 ونسب ذلك الفعل وقتها إلى تخريب إسرائيلي، مما دفع إيران إلى تسريع برنامجها للتخصيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي معرض رده على السؤال الذي يشغل كثيرين منذ ذلك الوقت وحتى وقتنا هذا، وهو: ما مدى سرعة إيران في صنع قنبلة ذرية بمجرد حصولها على ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة؟ بين العالم الفيزيائي والباحث في شؤون الذرة بكل وضوح مدى استفادة إيران من التجربة الصينية في هذا المجال فقال "يجادل بعض المتخصصين النوويين بأن الأمر سيستغرق من إيران ما بين أشهر عدة وعام، لكن تجربة الصين تظهر أن طهران قادرة على صنع قنبلة أسرع بكثير، وفي غضون ثلاثة إلى خمسة أسابيع فقط".
تحت عنوان فرعي هو "التسليح وإنتاج المواد الانشطارية" قال هوي "إلى جانب الحصول على المواد الانشطاًرية اللازمة يتضمن صنع رأس حربي نووي خطوات عدة حاسمة، تشمل تحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم (UF6) إلى شكل معدني، ثم صب المعدن وتشكيله في قلب القنبلة. كما يجب تجهيز مكونات غير نووية أخرى قبل تجميع الرأس الحربي. وتشمل هذه المكونات تصميم السلاح، وبادئ النيوترون، ونظام تركيز موجة التفجير، والمتفجرات الشديدة، والصواعق، ونظام التسليح والدمج والإطلاق"، لافتاً إلى أن تجارب الدول النووية الأخرى تؤكد أنه يمكن بناء هذه المكونات غير النووية بالتوازي مع إنتاج وقود الأسلحة النووية. وهذا يعني أنها لا تتطلب وقتاً إضافياً.
التجربة الصينية
عندما أنتجت الصين أول دفعة من اليورانيوم عالي التخصيب الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة في يناير 1964 لأول تجربة نووية لها ذلك الخريف، كانت جميع المكونات غير النووية اللازمة لقنبلتيها جاهزة بالفعل بحلول عام 1963. في ذلك الوقت، كان صانعو الأسلحة ينتظرون إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لتلك القنبلتين. وبمجرد إنتاجه أمضى العلماء والمهندسون الصينيون أسبوعاً إلى أسبوعين في تحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم إلى معدن وتنقيته، وأسبوعين إلى ثلاثة أسابيع أخرى لصهر المعادن وخطوات الصب في الحفرة. بعد ذلك صنعوا نواة القنبلة الأولى (المصنوعة من نصفي كرة) في غضون ساعات في صباح يوم الأول من مايو (أيار) 1964. وفي أوائل أغسطس (آب) بدأ مهندسو الأسلحة الصينيون التجميع النهائي للقنبلتين، والذي أكملوه في الـ20 من أغسطس 1964 بمصنع شنغهاي للأسلحة النووية، ثم استغرق الأمر نحو ثلاثة أيام فقط لإنهاء تجميع القنبلة الأولى.
بعد تجارب التجميع الأولية، فككت القنبلتان لتجهيزهما للشحن إلى موقع اختبار "لوب نور" في شينغيانغ، ثم أعيد تجميع القنبلة في نحو 10 ساعات في موقع شنغهاي، وجهزت لأول انفجار نووي في الصين. في المجمل استغرقت الصين ما بين ثلاثة وخمسة أسابيع فقط لتحويل سادس فلوريد اليورانيوم، وصب القطع المعدنية، وتصنيع قلب القنبلة، وتجميع القنبلة الذرية.
صنعت الصين قنابلها الأولى قبل نحو 60 عاماً، عندما كانت تفتقر إلى المعدات المتطورة. ومنذ ذلك الحين كان لدى إيران متسع من الوقت لتصميم رأس حربي أصغر وأخف وزناً، ومتفجرات أقوى، وأنظمة تركيز أكثر تطوراً. علاوة على ذلك، صنع السلاح النووي الصيني في زمن السلم. ولو كان صانعو الأسلحة الصينيون يخضعون لجدول زمني محكم أو ضغوط خلال زمن الحرب لكانوا على الأرجح صنعوا سلاحاً نووياً في أقل من ثلاثة أسابيع.
وختم هوي مقالته العلمية الدقيقة بالإشارة إلى أن أجزاءً من الأرشيف النووي الإيراني، الذي استولت عليه إسرائيل في يناير 2018، تظهر بوضوح مشاريع التسليح الإيرانية التي كانت تجري بالتوازي مع مشاريع اليورانيوم عالي التخصيب في إطار "خطة عماد"، وهو الاسم الرمزي الإيراني لبرنامج أسلحة نووية مكثف استمر من عام 1999 إلى 2003، إذ هدفت "خطة عماد" إلى إنتاج خمسة أسلحة نووية سعة كل منها 10 كيلوطن بحلول أوائل عام 2004، بما في ذلك أربعة رؤوس حربية قابلة للتسليم لصاروخ شهاب-3 الباليستي، ورأس حربي آخر للاختبار تحت الأرض.
قبل الضربة بأيام
بدورها أوضحت مواقع علمية أميركية أخرى بعد ذلك التاريخ بأسابيع، وقبل الضربة بأيام قليلة، أن عملية تخصيب اليورانيوم الإيرانية كانت على وشك إنتاج قنبلة. وعلق كاتب علمي آخر في باب الأسلحة النووية في الـ13 من يونيو 2025، في مقالة بعنوان "هل كانت إيران على وشك صنع سلاح نووي؟" شارحاً تخصيب اليورانيوم، بقوله "عندما ضربت الطائرات الإسرائيلية أخيراً مجمعاً لتخصيب اليورانيوم في البلاد، ربما كانت إيران على بعد أيام من تحقيق الاختراق، أي القدرة على تحويل اليورانيوم الذي يطلق عليه اسم (الكعكة الصفراء) بسرعة إلى وقود صالح للاستخدام في صنع القنابل، وذلك باستخدام أجهزة الطرد المركزي الجديدة عالية السرعة، إذ أمضت إيران عقوداً في تحسين تكنولوجيا أجهزة الطرد المركزي، بدءاً من طراز الجيل الأول IR-1 في أواخر الثمانينيات. واليوم، تشغل آلاف الأجهزة، بما في ذلك نماذج متطورة مثل IR-6 وIR-9.