Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخوف من تراجع نسبة "البيض" في بريطانيا يخفي أزمة أعمق

تشير دراسة حول معدلات الهجرة والولادات والوفيات في المملكة المتحدة إلى أن السكان البريطانيين البيض قد يصبحون أقلية بحلول عام 2063، لكن النقاش الذي ينبغي أن يثار لا يجب أن يكون حول الهجرة، بل حول الاندماج

هناك نقاش جاد يجب أن يطرح في بريطانيا، لا يتعلق بالهجرة فحسب، بل بـالاندماج أيضاً (غيتي)

ملخص

التحذيرات المضللة بشأن تراجع "البيض" في بريطانيا تعكس خطاباً مشحوناً يقوض مفهوم الانتماء والمواطنة. التحدي الحقيقي ليس في التغير الديموغرافي، بل في تعزيز الاندماج ومواجهة الانغلاق القومي.

اللغة أداة ماكرة أحياناً. فقد بدا هذا الأسبوع أن تقريراً جديداً يحذر من احتمال أن يصبح البريطانيون البيض أقلية في المملكة المتحدة خلال 40 عاماً. هذا التقرير كشف عن أسوأ ما في بعضنا.

تشير دراسة تحليلية أجرتها جامعة باكنغهام لمعدلات الهجرة والمواليد والوفيات إلى أن نسبة السكان البريطانيين البيض ستنخفض من مستواها الحالي البالغ 73 في المئة، لتصبح 57 في المئة بحلول عام 2050، قبل أن يصبحوا أقلية بحلول عام 2063.

وأوضحت إحدى الصحف، بأسلوب يثير الاستغراب، أن مصطلح "البريطانيون البيض" يعرف بأنه "أشخاص ليس لأي من والديهم أصل مهاجر". يا لسوء حظكم أيها الأطفال غير البيض ممن أحد والديهم إيرلندي أو فرنسي أو ألماني. وأنتم أيضاً، أيها الملك تشارلز، ووينستون تشرشل، وبوريس جونسون، حظكم عاثر، فوفقاً لهذا التعريف، أنتم لستم بريطانيين بيض. [الملك تشارلز والده يوناني من أصول ألمانية، وتشرشل والدته أميركية، وجونسون جده تركي مهاجر].

وبعيداً من هذا الغباء الفادح، هناك ما هو أعمق. فهذه ليست تلميحات مبطنة، بل تحريض مباشر وصريح. إنها استنتاجات مضللة تقدم كما لو كانت تنبؤات علمية.

لا أحد تقريباً نجا من هذا الخطاب. إذ قيل لنا، وبنبرة يفهم منها شيء من التحسر، إن عدد المولودين في الخارج والمهاجرين من الجيل الثاني سيرتفع، على رغم أن جميعهم قد يكونون بريطانيين. ولاحقاً، يعيد مؤلف التقرير ماثيو غودوين تغيير قواعد اللعبة مرة أخرى، مؤكداً أنه بحلول "نهاية هذا القرن، لن يكون معظم سكان هذه الجزر قادرين على تتبع أصولهم في هذا البلد لأكثر من جيل أو جيلين".

ثم، بالطبع، يأتي الربط بين "المولودين في الخارج" و"المسلمين"، في إيحاء مبطن بأن المسلم، بصرف النظر عن مكان ولادته، لا يعد مستوفياً لمعايير الانتماء.

إذا كانت المشكلة هي أن هذا البلد لم يعد "أبيض بما يكفي"، فليقل أحدهم ذلك بوضوح. لأن من الجلي أن المسألة هنا ليست متعلقة بالهوية البريطانية.

هناك نقاش جاد يجب أن يطرح، لا يتعلق بالهجرة فحسب، بل بـالاندماج أيضاً. ولحسن الحظ، فإن البلد الذي يعيش فيه معظمنا هو مكان يجسد فيه الاندماج العرقي والديني واقعاً يومياً تعيشه ملايين العائلات، بما في ذلك عائلتي.

وعلى رغم أنني أرى أن المملكة المتحدة تتفوق في هذا الجانب على كثير من نظرائها الغربيين، فإنه لا يزال هناك كثير مما يمكن -ويجب- القيام به. كما أن هناك نقاشاً مشروعاً يستحق أن يطرح حول المستوى المقبول للهجرة، وما إذا كانت سياسة الهجرة الحالية تفي بالغرض منها بالفعل.

ومع ذلك، ليست هذه هي الطريقة المثلى لإجراء مثل هذه النقاشات. فإثارة عدم الثقة والكراهية بين المجتمعات المختلفة ليست وسيلة يقبل بها أي عاقل. بل المطلوب -كما جاء في التقرير نفسه- هو "نشر المعرفة، لا تعميق الانقسام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا هو الاستنتاج الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذا الإهمال. فإذا كان هدفهم حقاً هو "الإعلام لا الاستقطاب"، لكان أولى بهم أن يوضحوا أن التوقعات ليست تنبؤات مؤكدة. وكان عليهم أن يبينوا أن هناك أدلة قوية على أن معدل الخصوبة الإجمالي بين المهاجرين يميل إلى الانخفاض بمرور الوقت. فالتوقعات السكانية التي استخدمها غودوين والمبنية على افتراضات تتعلق بالخصوبة والوفيات والهجرة، أصبحت متقادمة إلى حد كبير، وتزداد ضعفاً كلما امتدت التوقعات نحو المستقبل.

لكن لا، لا وجود لأية توضيحات من هذا النوع. بل مجرد يقين بأن هذه النتائج ستثير "قدراً كبيراً من القلق والاضطراب والمعارضة السياسية" في أوساط من يعارضون الهجرة.

فلننظر للحظة في السياق العالمي. العالم يتغير، وميزان القوى فيه يتحول بثبات نحو الشرق. ومن الناحية الديموغرافية -وأقول هذا على مضض- فإن نسبة ذوي البشرة البيضاء في تراجع، لا ازدياد.

وسيتعين على دول صغيرة نسبياً مثل المملكة المتحدة أن تبذل جهداً أكبر للتنافس وجذب الكفاءات في هذا النظام العالمي الجديد. فهل نتصور حقاً أن التذمر من "الأجانب غير البيض الذين لا يمكنهم تتبع أصولهم لعدة أجيال" سيعيننا على إنجاز هذه المهمة؟

ما أعرفه يقيناً، هو أنني لست أبيض فحسب، بل -على ما يبدو- لست بريطانياً أيضاً.

أناند مينون هو مدير برنامج "المملكة المتحدة في أوروبا المتغيرة" والمتخصص في مجال السياسة الأوروبية والشؤون الخارجية في كلية كينغز كوليدج لندن.

© The Independent

المزيد من تحلیل