ملخص
تشير البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة السجل العقاري في بريطانيا إلى أن متوسط سعر المنزل في البلاد ارتفع بنسبة 53.8 في المئة ما بين مارس (آذار) 2015 والشهر نفسه من العام الحالي، على رغم أن تلك الفترة شهدت أحداثاً كبيرة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة كوفيد
تعد العقارات الموضوع المفضل للنقاش في بريطانيا، فلا يكاد حديث يخلو من التكهن بمستقبل أسعار المنازل، أو النقاش حول المناطق التي ستشهد ارتفاعاً في القيمة، أو حتى الجدل حول الأماكن التي يجب أو لا يجب بناء منازل جديدة فيها، لكن لفهم ديناميكيات السوق بصورة أعمق، من الأفضل الاستماع إلى من يعيشون تفاصيله اليومية.
وفي إطار سلسلة شهرية، أخضعت صحيفة الـ"ديلي ميل" محلل العقارات البريطاني ومقدم البرنامج الشهير "Location" على القناة الرابعة فيل سبنسر، لمجموعة من الأسئلة حول واقع السوق والأخطار والفرص فيها.
وتناول الحوار قضايا الساعة مثل أسعار الفائدة والرهن العقاري وسوق الإيجارات والتمويل العقاري ومشاريع البناء.
وبعيداً من الشاشة، يقدم فيل سبنسر عبر موقعه "Move Iq" نصائح وإرشادات وخدمات احترافية للمشترين والمستأجرين في السوق العقارية البريطانية.
وقد ألف أيضاً ثلاثة كتب متخصصة في المجال، مما يعزز مكانته كأحد أبرز الأصوات الموثوقة في القطاع العقاري.
سبنسر تحدث عن حال السوق العقارية في بريطانيا حالياً، مقدماً رؤيته في شأن الاتجاهات السائدة، ونصائحه لأصحاب العقارات والمشترين المحتملين، وتناول موقفه من أزمة الإسكان المتفاقمة في البلاد، وما إذا كانت السياسات الحكومية تسير في الاتجاه الصحيح لمعالجتها.
أسعار المساكن خلال الأشهر الـ12 المقبلة
وعن مستقبل أسعار المساكن في المملكة المتحدة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، قال سبنسر "يطرح عليَّ هذا السؤال كثيراً، وتوقفت منذ زمن عن محاولة تقديم إجابة دقيقة، لأنه ببساطة أشبه بالتكهن بالمستقبل". وأضاف "لا توجد إجابة واحدة على أي حال، فعلى رغم أن الإحصاءات الرسمية ومؤشرات أسعار المنازل تنتج أرقاماً لمتوسط الأسعار على المستوى الوطني، فإن الرقم الوحيد الذي يهم فعلاً هو كيف تتغير الأسعار في المنطقة التي تعيش فيها أو التي ترغب في العيش بها".
ويرى سبنسر أن العامل الأهم في تحديد الأسعار على المستوى المحلي هو التوازن ما بين العرض والطلب، قائلاً "في الوقت الراهن، هناك عدد أكبر من المشترين مقارنة بالبائعين في أجزاء كثيرة من شمال إنجلترا وإيرلندا الشمالية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار".
أما في لندن وجنوب شرقي إنجلترا، فيقول سبنسر إن "الوضع معاكس تماماً، إذ يتمتع المشترون هناك بخيارات وفيرة ويملكون القدرة على التفاوض بقوة، وهو ما يضع حداً لارتفاع الأسعار".
أما العامل الآخر الذي يجب مراقبته، على حد قوله، فهو كلفة الاقتراض، فقد بدأت معدلات الفائدة على الرهن العقاري بالانخفاض تدريجاً منذ بداية هذا العام، وهذا يؤدي إلى تأثير مزدوج، فمن جهة يشجع مزيداً من الأشخاص على الشراء، ومن جهة أخرى قد يسمح لهم باقتراض مبالغ أكبر، وكلاهما يميل إلى دفع الأسعار نحو الارتفاع.
ويرجح سبنسر أن ترتفع الأسعار المتوسطة خلال العام المقبل، لكن من الواضح أن هناك فجوة بين الشمال والجنوب من جهة سرعة هذا الارتفاع.
الأسعار خلال العقد المقبل
وعن توجه أسعار العقارات في البلاد خلال العقد المقبل، قال سبنسر "إذا كان توقع ما سيحدث خلال عام واحد يحتاج إلى كرة بلورية، فإن محاولة التنبؤ بـ10 أعوام إلى الأمام يكاد يكون مستحيلاً"، مستدركاً "لكن حتى مع الأخذ في الاعتبار احتمال وقوع أحداث غير متوقعة تماماً مثل جائحة أخرى مثلاً، إلى جانب الدورة الاقتصادية المعتادة، فإن الاحتمال الأكبر هو أن أسعار المنازل ستواصل الارتفاع خلال العقد المقبل".
وتشير البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة السجل العقاري في بريطانيا إلى أن متوسط سعر المنزل في البلاد ارتفع بنسبة 53.8 في المئة ما بين مارس (آذار) 2015 والشهر نفسه من العام الحالي، على رغم أن تلك الفترة شهدت أحداثاً كبيرة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وجائحة كوفيد.
وعلى رغم أنه لا ينبغي أبداً الاعتماد على أداء الماضي كدليل على ما سيحدث مستقبلاً، فإن هناك حقيقتين تظلان قائمتين بحسب سبنسر "الأولى، أن عدد سكان المملكة المتحدة في تزايد مستمر، بينما الثانية أن وتيرة بناء المنازل الجديدة لا تواكب هذا النمو في الطلب".
ووفقاً لسبنسر فإن هذا النقص المستمر في المعروض يعني أن متوسط الأسعار من المرجح أن يواصل الارتفاع تدريجاً مع مرور الوقت، حتى وإن لم نتمكن من الإفلات تماماً من دورات الصعود والهبوط التقليدية.
أسعار الرهن العقاري بعد 12 شهراً
يعترف سبنسر أن توقع أسعار الفائدة على الرهن العقاري أسهل قليلاً من توقع أسعار المنازل، لأن صناعة الإقراض العقاري تتابع بصورة مستمرة التوقعات في شأن اتجاه سعر الفائدة الأساس لبنك إنجلترا.
ويعرف هذا المقياس باسم معدل المبادلة "Swap Rate"، وهو يتغير باستمرار، لكنه يوفر مؤشرات مفيدة على الاتجاه المستقبلي للفوائد على القروض العقارية.
وحتى الآن عام 2025، خفض بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) سعر الفائدة الأساس مرتين، مما أتاح للمقرضين خفض معدلات الفائدة التي يفرضونها على الرهون العقارية.
وبدأت بعض البنوك بالفعل في تقديم قروض بفوائد تقل عن أربعة في المئة، على رغم أن هذه العروض تظل محصورة بالمقترضين الذين يملكون وديعة أولى كبيرة.
وتشير سوق المبادلات حالياً إلى احتمال خفض إضافي واحد على سعر الفائدة الأساس في النصف الثاني من عام 2025، وهو ما قد يدفع مزيداً من عروض الرهن العقاري إلى الانخفاض لتبدأ من رقم ثلاثة بدلاً من أربعة في المئة.
أما التوقعات لهذا الوقت من العام المقبل فتبقى غير واضحة، لكن إذا هدأ التضخم من مستوياته المرتفعة الحالية، فهناك فرصة لمواصلة تراجع معدلات الفائدة على الرهون العقارية، وإن كان من غير المرجح أن تعود إلى ما دون ثلاثة في المئة في أي وقت قريب، على حد قول سبنسر.
حزب العمال وهدف بناء 1.5 مليون منزل
وبسؤاله عما إذا كان حزب "العمال" الحاكم قادراً على تحقيق وعوده ببناء 1.5 مليون منزل، يصف سبنسر هذا الهدف بـ"الطموح"، إذ يعني بناء 300 ألف منزل جديد في إنجلترا وحدها، كل عام خلال فترة البرلمان الحالي.
لكنه يشير إلى أن البلاد لم تصل إلى هذا المستوى من البناء منذ أكثر من نصف قرن، في ظل مواجهة قطاع التشييد والبناء تحديات كبيرة إذا كان يريد أن يقترب من تحقيق هذا الهدف.
ويقول سبنسر، "واحدة من هذه التحديات هي تقليص البيروقراطية المرتبطة بالتخطيط، لتسهيل حصول المطورين على الأراضي وتسريع عمليات البناء، وقد وعدت الحكومة بذلك من خلال مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية"، مستدركاً "لكن صناعة البناء نفسها تعاني مشكلات هيكلية أيضاً، وعلى رأسها النقص المزمن في اليد العاملة".
فمتوسط عمر العامل في قطاع البناء في المملكة المتحدة تجاوز الآن 50 سنة، ولا ينضم عدد كاف من الشباب إلى هذا القطاع لتعويض من سيتقاعد قريباً، ومع بدء تقاعد هؤلاء العمال الأكبر سناً، فإن مهاراتهم ستضيع ما لم يوجد من يسير على خطاهم.
ويشير إلى أن استقدام عمال مهرة من الخارج قد ساعد في سد الثغرات موقتاً، لكن ذلك أصبح أكثر صعوبة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولا يعد حلاً دائماً.
ويرى أنه لكي يتمكن القطاع من بناء عدد المنازل المطلوب يحتاج إلى تحسين قدرته على جذب الشباب والاحتفاظ بهم في المهنة.
أزمة العقارات الأكثر إلحاحاً
يتفق سبنسر على أن أزمة العقارات القائمة لا تزال تحت الرادار إلى حد ما، وهي أزمة على حد قوله تتصاعد بهدوء في سوق الإيجارات الخاصة في بريطانيا، فواحد من كل خمسة أسر في المملكة المتحدة يستأجر منزله من مالك خاص، ونصف هؤلاء الملاك لا يمتلكون سوى عدد محدود من العقارات، وعندما يقرر هؤلاء الملاك بيع ممتلكاتهم، نادراً ما يكون هناك مستثمرون جدد في سوق الإيجارات مستعدون لشراء تلك العقارات لتعويض النقص.
ويقول إنه منذ موازنة أكتوبر (تشرين الأول) 2024 أصبح على مستثمري الإيجارات دفع ضريبة دمغة إضافية بنسبة خمسة في المئة عند شراء عقار، مما أدى إلى تراجع حاد في الطلب من جانب المستثمرين في سوق الإيجار، مضيفاً أنه "على رغم أن ذلك قد يكون خبراً ساراً للمشترين للمرة الأولى (إذ تعد هذه العقارات السابقة للإيجار فرصاً جيدة)، فإنه يعد خبراً سيئاً للمستأجرين، لأن كل عقار يخرج من سوق الإيجارات يعني منزلاً أقل متاحاً للإيجار،
ويؤدي هذا النقص المتزايد في العقارات المتاحة للإيجار إلى ارتفاع سريع في الإيجارات، فقد ارتفع متوسط الإيجارات في المملكة المتحدة بنسبة 7.4 في المئة خلال العام الحالي حتى أبريل (نيسان) الماضي، لكن معدلات التضخم في الإيجارات في بعض المناطق الأكثر طلباً أعلى من ذلك بكثير".
ويشير إلى أنه وعلى رغم أن أسعار المنازل تستحوذ على عناوين الأخبار، فإن هناك ملايين الأشخاص لا يستطيعون أو لا يرغبون في شراء منزل، وبالنسبة إلى هؤلاء فإن ارتفاع الإيجارات بهذه الصورة السريعة يعد مشكلة حقيقية قد تتحول إلى أزمة كاملة إذا استمرت.
استهداف أصحاب العقارات بصورة غير عادلة
الصحيفة سألت سبنسر عن حقيقة استهداف القوانين الحكومية أصحاب العقارات بصورة غير عادلة، فرد قائلاً "هناك بعض الملاك السيئين، لكنهم يمثلون أقلية ضئيلة، لذلك من غير العادل أن يوضع الآلاف من الملاك الجيدين في الخانة نفسها".
وأشار إلى أن مشروع قانون "حقوق المستأجرين"، المتوقع أن يصبح قانوناً سارياً في وقت لاحق من هذا العام سيحدث تغييرات كبيرة في القواعد التي تنظم سوق الإيجارات في إنجلترا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالقانون يمنح المستأجرين حماية إضافية كبيرة، ويضع قيوداً صارمة على الملاك، لكن بعض المتابعين يشكك في ما إذا كان القانون قد حقق التوازن العادل بين الطرفين.
ويقول المحلل العقاري إنه من المؤكد أن القانون سيحد من قدرة الملاك المستغلين على إساءة معاملة المستأجرين، لكنه تساءل ماذا لو كان هناك مستأجر مسيء؟ قبل أن يستطرد قائلاً "الملاك المسؤولون سيجدون صعوبة أكبر في طرد المستأجرين الذين لا يدفعون الإيجار أو يسيئون استخدام العقار".
ويخشى سبنسر أن يأتي قانون "حقوق المستأجرين"، بنتائج عكسية في حال دفع القانون بعض الملاك الجيدين إلى الخروج من سوق الإيجارات تماماً.
جدوى الاستثمار في شراء العقارات للتأجير
ولدى سؤاله عما إذا كان الاستثمار في شراء العقارات بغرض التأجير لا يزال مجدياً رد قائلاً "لو كنت قد طرحت عليَّ هذا السؤال قبل ستة أشهر، لكان من الصعب الدفاع عن فكرة الاستثمار في الشراء من أجل التأجير (Buy-to-Let)"، مشيراً إلى أن الارتفاع المتواصل في كلف التملك والتأجير جعل من الصعب تحقيق عوائد مجدية في بعض المناطق من البلاد.
وأضاف أن فرض رسوم إضافية على ضريبة الدمغة في موازنة أكتوبر الماضي، التي أضافت خمسة في المئة إلى كلفة شراء عقار استثماري، دفع بعض المتابعين إلى إعلان نهاية هذا النوع من الاستثمار.
واستدرك "منذ ذلك الحين تراجعت كلف الرهن العقاري، فيما واصلت الإيجارات ارتفاعها، لذلك، إذا كنت استراتيجياً في اختيار موقع الشراء ولديك رؤية طويلة الأجل، فلا يزال بإمكان هذا الاستثمار أن يكون مجدياً".
ودعا سبنسر إلى التحلي بالواقعية في شأن العوائد المتوقعة، فقد ولت أيام العوائد بنسبة 10 في المئة، ناصحاً بعدم الاستهانة أبداً بحجم الالتزام الذي يتطلبه الأمر، فهذا ليس كإيداع مبلغ فائض في حساب "آيسا" ومتابعة نموه بهدوء.
وقال إن "مشكلات الصيانة وفترات خلو العقار من المستأجرين قد تكون مصدر صداع حقيقي، كذلك فإن هناك أكثر من 160 تشريعاً مختلفاً يجب على المالك التزامها، مما يعني أن البقاء على اطلاع دائم يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين".
مساعدة المشترين للمرة الأولى
صحيفة الـ"ديلي ميل" سألت سبنسر، لو كنت وزيراً للخزانة كيف ستساعد المشترين للمرة الأولى؟ فرد قائلاً "كنت سألغي ضريبة الدمغة عن المشترين للمرة الأولى، فهذا الأمر سيجعل الأمر سهلاً على الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أول درجة في سلم العقارات، وسيزيل عقبة تميز ضد من لم يحالفهم الحظ في الحصول على مساعدة من بنك الأم والأب".
أفضل نصيحة لمن يخطط لبيع منزله
وفي ختام اللقاء طلب من سبنسر تقديم أفضل نصيحة يمكن أن يقدمها لمن يخطط لبيع منزله، فأجاب "تنظيف وترتيب، ثم مزيد من التنظيف والترتيب!".