ملخص
اتحاد جامعات المملكة المتحدة يناشد الحكومة التراجع عن فرض ضريبة على رسوم الطلبة الدوليين، ويدعوها أيضاً إلى إعادة النظر في تقييد تأشيرات الخريجين لأن في ذلك تأثيراً كبيراً بجاذبية التعليم العالي في ظل منافسة عالية من قبل دول مثل كندا وأستراليا تقدمان ميزات كبيرة للأجانب في الإقامة والعمل بعد الدراسة.
تزداد ظروف الجامعات البريطانية صعوبة منذ "بريكست" في 2020، فبعد أن صعب عليها استقدام الطلبة من الاتحاد الأوروبي وفقدت جزءاً كبيراً من دخلها القادم عبر رسومهم أو من المنح التي كان يقدمها التكتل لدعم البحث العلمي في دوله، اتجهت جامعات المملكة المتحدة نحو جذب حملة الجنسيات الأخرى لكنها تعثرت بتحديات جديدة خلقتها سياسات الهجرة التي تبنتها الحكومات المتعاقبة بعد طلاق لندن وبروكسل.
وتؤثر سياسات الهجرة على الجامعات بعدة طرق مهمة، خصوصاً في ما يتعلق بالطلبة الدوليين وأعضاء هيئة التدريس والتمويل، فتشديد هذه السياسات يؤثر مباشرة على جاذبية الدراسة في المملكة المتحدة بالنسبة إلى الأجانب، فتقل أعدادهم ويتقلص دخل الجامعات من رسومهم ويتراجع التمويل الدولي للبحث في مختبرات تلك المؤسسات.
وتنعكس صلاحيات تأشيرات الخريجين على قرار الأجانب الدراسة في بريطانيا، فيفضل كثر الدول التي توفر فرص عمل بعد التخرج، ولأن سياسات الهجرة تقيد استقدام الكفاءات فإن الجامعات البريطانية تواجه اليوم صعوبة في جذب باحثين وأكاديميين عالميين، كما أن تشديد سياسات الهجرة قد يضر بالتصنيف الدولي للجامعات، فيقلص التعاون البحثي العالمي معها وتتراجع التمويلات الخارجية الواردة عبره.
من نتائج تشديد قيود الهجرة أيضاً تراجع تنوع الطلاب والأساتذة في الجامعات البريطانية، فهذا التنوع يسهم في بيئة تعليمية أكثر غنى وانفتاحاً، ناهيك بأن الطلبة الأجانب يضخون أكثر من 42 مليار جنيه استرليني في اقتصاد المملكة المتحدة، وفق إحصاءات متخصصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدرك الحكومة العمالية كل هذه الأخطار لكنها اختارت في "ورقتها البيضاء" فرض قيود جديدة أمام استقبال الطلبة الدوليين في التعليم العالي، تقول إن "الطلبة الدوليين سيكونون دائماً موضع ترحيب في البلاد، ولكن مستويات الهجرة الصافية التي شهدتها المملكة المتحدة في الأعوام الأخيرة غير مقبولة على الإطلاق".
حتى الأمس القريب كان التضييق على الجامعات يأخذ شكلاً واحداً يتمثل في تقييد ضم الطلبة الأجانب، لكن "الورقة البيضاء" التي أعلن عنها قبل أسابيع تظهر أن حكومة "العمال" بقيادة كير ستارمر، تخطط لفرض ضرائب على رسوم هؤلاء الطلبة، لتضع الجامعات أمام خيارات قليلة في التعامل مع الكلفة التشغيلية المرتفعة أصلاً.
تقول الرئيسة التنفيذية لاتحاد جامعات المملكة المتحدة فيفيان ستيرن، إنه بعد أعوام من تثبيت رسوم الطلبة المحليين وتمويل غير كاف للأبحاث والتراجع السريع في أعداد الطلاب الدوليين أصبحت بيئة التشغيل الحالية في الجامعات صعبة للغاية"، ودعت الحكومة للتفكير بعناية في التأثير الذي قد تخلفه الضريبة على رسوم الطلاب الدوليين على الجامعات وجاذبية المملكة المتحدة كوجهة للتعليم العالي حول العالم.
كشفت بيانات الهجرة التي أصدرها، أخيراً، المركز الوطني للإحصاء، عن تراجع عدد الطلاب الدوليين في بريطانيا خلال العام الدراسي 2023/2024 بنسبة 3.5 في المئة إلى ما يزيد قليلاً على 732 ألف طالب مقارنة بنحو 760 ألفاً في العام الذي سبقه، وهذا يمثل أول انخفاض في إجمال أعداد هذه الفئة في الجامعات منذ 2015.
والتراجع الكبير في الطلبة الدوليين تسبب فيه الاتحاد الأوروبي أولاً إذ تقلص عدد طلابه في جامعات بريطانيا بنسبة 21 في المئة إلى 75 ألفاً، بينما انخفض العدد من خارج التكتل بنسبة واحد في المئة إلى نحو 657 ألفاً، وبصورة عامة يشكل الطلبة الأجانب نحو 26 في المئة من إجمال طلبة الجامعات، ووفق مستوى التعليم هم يمثلون 16 في المئة من طلبة البكالوريوس و58 في المئة من الدراسات العليا، أما أكثر الدول المصدرة لهم خارج أوروبا، فهي الهند والصين ونيجيريا وباكستان وأميركا على الترتيب.
أكثر جامعات المملكة المتحدة استقبالاً للطلبة الدوليين وفق أرقام 2023، هي "لندن كوليج بنحو" 27 ألف طالب ثم "هيرتفورد شاير" بما يقارب 19 ألفاً، و"مانشستر" برقم يقل قليلاً عن سابقتها، وبعدها "إدنبره" بـ17 ألف طالب، ثم "كينغز كوليج" بنحو 15 ألفاً، ولكن كنسبة مئوية مقارنة بإجمال الطلاب، فأكبر حضور للطلبة الأجانب هو في "رويال كوليج للفن" بما يقارب 55 في المئة من إجمال العدد، ثم "ساوثمبتون" 46 في المئة، وكلية "غلاسكو للفن" 42 في المئة، و"لندن كوليج" نحو 40 في المئة.
تشير صحيفة "تليغراف" إلى أن حكومة لندن تخطط لفرض ضريبة بنسبة ستة في المئة على رسوم الطلبة الدوليين التي تقدر قيمتها بـ12 مليار جنيه استرليني سنوياً، وأهمية هذه الرسوم تختلف بين جامعة وأخرى بحسب اعتمادها على الأجانب، حيث تقول الأرقام، إن 25 جامعة من أصل 184 يرفدها هؤلاء بأكثر من ثلث دخلها السنوي، إذ يشكلون أكثر من 50 في المئة من إجمال الطلاب في بعض المؤسسات.
ويحذر أكاديميون من البيئة الطاردة التي تقلص جاذبية الجامعات البريطانية أمام الراغبين باستكمال تعليمهم العالي، ولديهم القدرة على المفاضلة بين دول عدة منافسة للمملكة المتحدة في أوروبا أو خارجها مثل كندا وأستراليا، ولكل من المنافسين ما يميزه اليوم بوضوح عن بريطانيا وبخاصة في مجال الإقامة والعمل بعد التخرج.
وتظهر أرقام وزارة الداخلية أن تأشيرات المرافقين لطلاب الجامعات البريطانية قد تراجعت بنسبة 31 في المئة العام الماضي لتصل إلى 415 ألف تأشيرة مقارنة مع 600 ألف عام 2023، وذلك نتيجة لتقييد هذه التأشيرات من قبل حكومة المحافظين الأخيرة التي كان يقودها سياسي من أصل مهاجر هو ريشي سوناك.
وفق اتحاد الجامعات الذي يمثل 141 مؤسسة في التعليم العالي، فإن "تدابير الحكومة للحد من الهجرة الصافية خلقت حالاً كبيرة من عدم اليقين حول عروض العمل والإقامة في الدولة بعد التخرج في الجامعات"، وهو ما يراه المتخصص في مجال القانون المقارن في جامعة ميدلسيكس نهاد خنفر عاملاً يحول البلاد لبيئة طاردة للطلبة الأجانب ويدفعهم إلى النظر في خيارات أخرى بين الدول التي تنافس المملكة المتحدة في هذا المجال.