Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوحدة اليمنية... المنجز المبلل بدم الغبن والنضال الجنوبي (2 – 2)

سلسلة من التحولات العميقة التي فقدها الناس هناك دفعتهم إلى المطالبة بعودة عهدهم السابق

يقول الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ونائب الرئيس صالح في دولة الوحدة إنه ندم على توقيع اتفاقية الوحدة مع شريكه الشمالي عقب ستة أشهر فقط بعدما اكتشف وقوعه في فخ جراء ممارسات نظام صنعاء (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

مع كل هذه المعطيات وكثير غيرها تتجلى صورة الطريق الطويل والشاق أمام اليمنيين، جنوباً وشمالاً، بحمولاتهم التاريخية المثقلة، وهاجس فرص النجاة نحو بر الأمان الذي طال المسير نحوه إن لم تكن قد تعسرت سبل الوصول إليه، ومع ذلك لم يهدأ لهم بال، رجالاً ونساء، وهم يرون توهان النخب السياسية التي ظلت تقرر بدلاً عنهم كل قضاياهم، فيخرجون بعرقهم وأجسادهم السمر، يعبرون عن الرفض العلني لهذا التعسر الذي طال بلا أفق.

تناولنا في الحلقة السابقة الظروف التاريخية التي خلقت "القضية الجنوبية" حتى لفتت أنظار العالم ونالت عقب تضحيات كبيرة اهتماماً أممياً ودولياً في إطار مساعي الصيغ السياسية المطروحة على طريق الحل الشامل.

عقب خروج الضباط الجنوبيين المسرحين في عام 2007، وتشكل ما سمي حينها "الحراك الجنوبي"، تعالت أصوات قطاع جنوبي واسع لكسر حواجز الصمت والخوف التي أقامها نظام علي عبدالله صالح الذي كلما اتسعت رقعة الاحتجاج، قابله بخطاب يقلل من شأن الغاضبين وتأثيرهم الجماهيري عدا اتهام شركائه في الحزب الاشتراكي بالخيانة ونعتهم دائماً بـ"عصابة الردة والانفصال المهزومين"، مدعياً رفعه الظلم عن الجنوب.

وفي خطاب موثق له في محافظة حضرموت 2009، قال الرئيس الراحل صالح إنه أعاد الممتلكات في الجنوب لأصحابها، وهو يعني هنا المنشآت التي جرى تأميمها مطلع السبعينيات على يد نظام الجنوب اليساري، وهو بذلك يضيف مشكلة المنتفعين بهذه المنشآت الذين جرى إخراجهم مما فاقم المشكلات من دون حلول.

 

يرى الجنوبيون أن الأمر لا يقتصر على خدمات جيدة فقدوها عقب الوحدة، لكنها عمليات طمس وتجريف اتبعت بسلسلة إجراءات من القمع ونهب الحقوق وطمس التاريخ وشن الحروب ضدهم بدعاوى دينية. ففي حرب صيف 1994 كان العنوان الأبرز لقوى الشمال "الجهاد ضد الشيوعية" الكافرة، وفي حرب عام 2015 على يد الحوثيين كان العنوان الديني "الجهاد ضد داعش".

يدلي الكاتب والروائي اليمني أحمد السلامي شهادته، وهو ابن صنعاء الشمالية، عن تجربة الوحدة التي عايشها موظفاً حكومياً باستخلاص مقارنة تكشف ما بدأت به دولة الوحدة، ويفيد بأن ذهاب الجنوبيين إلى صنعاء بإخلاص قوبل من قبل النخبة الشمالية على مضض، أو على أمل ابتلاعهم فرداً فرداً وإغرائهم بالسيارات الحديثة والمواكب والموازنات.

يقول في مقال نشره على حسابه بموقع "فيسبوك"، "الجنوبيون سلموا دولتهم على أساس أن تذوب دولة الشمال، بدورها في كيان جديد، هو كيان دولة الوحدة، بمعنى أن تذوب آليات وأساليب العمل القديمة لتحل محلها تقاليد ولوائح وأنظمة جديدة يتم فيها الأخذ بالأفضل من الجانبين". ولكن ما حدث هو "أن الوزير الجنوبي كان محاصراً بنائب شمالي صلاحياته أوسع واتصالاته مسموعة وتحركاته تصنع كثيراً، بينما الوزير مكبل ويتحرك وسط بيئة إدارية تمتاز بالفهلوة والشطارة والغش والفساد والغموض في الموازنات والإيرادات"، ويتابع "أما عندما يكون الوزير من نخبة الشمال والنائب جنوبياً، فالحال أسوأ لأن النائب يشعر بنفسه أقل من درجة مدير عام، ويمكن أن يحظى مدير الشؤون المالية أو شؤون الموظفين بأهمية تفوقه، ويجد نفسه لا يطرق بابه أحد".

اغتيال الحوار بالعودة إلى مشاريع الغلبة

في تكريس لنهج الاستئثار، يستدل السلامي بواقعة "لمدير عام (يتبع نظام صالح) في جهة حكومية، منع الموظفين من التعامل مع نائبه الجنوبي، ومن تجرأ وطلب إجازة ووافق عليها النائب كان المدير يعدها لاغية، ويسجل الموظف على أنه غائب من دون إجازة، وأقسم أن هذا حدث حرفياً".

وفضلاً عن حال التمييز كانت القيادات الجنوبية، بحسب شهادات إعلامية أدلت بها، تصطدم بسلسلة من الممارسات في نظام الدولة المدني والعسكري خصوصاً ما يتعلق بالتشريعات وإنفاذ القانون محل الأعراف القبلية، والموازنات المعتمدة، والإنفاق الحكومي المعلن والخفي، وعمليات دمج القوات المسلحة والأمن والمركزية الشديدة التي تلزم المواطنين التبعية للعاصمة في أبسط معاملاتهم الإدارية وغيرها من الالتزامات الأخرى.

بحسب السلامي، سعى نظام صالح إلى إذابة "النخبة التي جاءت من عدن في الشمال، وتعلم نهج النظام وأسلوبه من دون المساس بتقاليدها الإدارية وأسرارها وأساليب تعاملها ونهجها المالي الفوضوي، بما في ذلك الازدواج الوظيفي والحشو في سجلات الموظفين في القطاعين المدني والعسكري، والعبث بسجلات الناخبين التي تسمح للبعض بالتصويت في أكثر من دائرة". ويؤكد أن "الاغتيالات لاحقت قيادات اشتراكية لمس النظام تصلبها وعدم مرونتها ومطالبتها بإصلاحات جذرية تجعل من الوحدة حدثاً له أثره في أرض الواقع في السلوك، ومن الذين نجوا من الاغتيالات وزير العدل، وياسين سعيد نعمان رئيس مجلس النواب حينها، وحيدر العطاس رئيس الوزراء، أما الذين تم اغتيالهم بالفعل فهم كثر، أشهرهم ماجد مرشد وحسن الحريبي وآخرون من كوادر الحزب وقادة كبار من أركان وزارة الدفاع ودوائرها". والحال نفسها في شأن محاولات الطرف الجنوبي "الخروج بقرار يمنع حمل السلاح في المدن وينقل المعسكرات إلى خارج العاصمة، كان أول من يقف ضد هذا القرار الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر وبتأييد من بقية النخب القبلية".

 

بموجب المبادرة الخليجية التي نتج منها تنازل الرئيس صالح وصعود خلفه الجنوبي عبدربه منصور هادي، عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل، 18 مارس (آذار) 2013 و24 يناير (كانون الثاني) 2014، في العاصمة صنعاء برعاية أممية ودولية، واحتلت القضية الجنوبية المكانة الأبرز بين القضايا والمحاور التي نوقشت كإقرار مبدئي، من القوى السياسية في عهد ما بعد صالح، بالخطأ التاريخي الذي وقع ضدهم، واتبع بإصدار الحكومة اليمنية اعتذاراً رسمياً للجنوبيين قالت فيه "إنه وبالنيابة عن السلطات السابقة وكل الأطراف والقوى السياسية التي أشعلت حرب صيف 1994 في الجنوب، أو شاركت فيها، فإنها تقدم هذا الاعتذار لأبناء الجنوب". كما ظلت نقاشات "فريق القضية الجنوبية" محط أنظار المجتمع المحلي والدولي لأنها عدت "المدخل الرئيس لحل مشكلات البلاد" التي ستحدد مصيرها وشكلها السياسي بحسب الرئيس هادي وبعض القوى السياسية حينها. وتبنت الفرق نقاشات مكثفة شارك فيها كثير من المكونات الجنوبية وقاطعتها أخرى إضافة لمختلف النخب، بحثت جذور المشكلة حتى الوصول إلى جملة مقترحات للحلول السياسية والحقوقية وفق تراتبية سياسية بدأت ببحث النقاشات الممهدة للوحدة واتفاقيتها، مروراً بـ"وثيقة العهد والاتفاق" التي سعت لحل الإشكال قبيل اندلاع حرب صيف 1994 برعاية العاهل الأردني الملك حسين، ثم نشأة الحراك الجنوبي وصولاً إلى المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وما بين كل ذلك من بيانات وقرارات إقليمية أممية.

بإجماع غالبية القوى الشعبية والنخب اليمنية، مثلت المخرجات حلولاً واعدة وغير معهودة في تاريخ البلاد بعدما ظلت مشكلاته السياسية رهينة لمشاريع القوة والغلبة، إلا أن ميليشيات الحوثي التي شاركت في الحوار نفسه، أبت أن يمضي كما يجب، واستغلت انشغال القوى اليمنية كافة بانعقاد الحوار، إضافة لحال الانقسام المؤسسي الحاد لتسارع بالتمدد في المحافظات المحيطة بالعاصمة صنعاء قبيل إسقاطها في سبتمبر (أيلول) 2014، في مسعى حثيث لمنع الشروع في تنفيذ مخرجات الحوار التي نصت على إقامة دولة اتحادية من ستة أقاليم، وتقر في بنودها حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، وترى أن ذلك يتعارض مع طموحات مشروعها المدعوم من النظام الإيراني.

بين الحلول والغلبة

وعلى رغم الإقرار الجمعي، فإن الجنوبيين ذاتهم لم يتفقوا بعد على رؤية موحدة لحل إشكال وضعهم القائم. فهناك تيار يدعو إلى التسوية في إطار الوحدة، والبعض فكرة النظام الفيدرالي، وآخر كونفيدرالي، في وقت يطالب كيان بـ"فك الارتباط" واستعادة الدولة، وأبرزهم المجلس الانتقالي الذي يتزعمه عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي الذي يتشارك السلطة مع الحكومة الشرعية المعترف بها، وهو الكيان صاحب اليد الطولى في الجنوب اليوم حيث يواجه ببعض الانتقادات، من قبيل استئثاره بتمثيل الجنوب، والحديث عنه، ورفضه الرؤى السياسية الأخرى ليس لكونه التيار المفوض، ولكن استناداً إلى قوته العسكرية التي تسيطر على العاصمة الموقتة عدن، وعدد من المحافظات الجنوبية، مع الأخذ بالاعتبار أن الناس في الجنوب يعبرون، بصورة دائمة، عن توقهم لتوفر الخدمات المنهارة بغض النظر عمن يحكم أو شكل الدولة وطبيعتها.

على الجانب الآخر ترى المكونات السياسية المرتبطة بالأحزاب الشمالية أن الانفصال سيجعل اليمن رهينة للتمزق على حساب المصلحة الوطنية، وهي الرواية التي يعدها منتقدوها فزاعة ديماغوجية لترهيب الناس، كون استعادة "جمهورية اليمن الديمقراطية" يتعارض مع مصالح البلاد العليا وتماسكها. بينما لا يمكن إغفال وجود مزاج شعبي في الجنوب يرى أن استعادة دولتهم سيتيح لهم بناء دولة ناجحة لامتلاكها مخزوناً استراتيجياً من الثروة الطبيعية يتهمون القوى الشمالية التقليدية بالاستئثار بها عقب الوحدة كالنفط والغاز والمعادن والأسماك وغيرها.

عندما استفسرنا منه، يعيد مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس النقيب تساؤلنا على هيئة: ماذا قدمت الوحدة لليمنيين في الجنوب والشمال على السواء؟ ويعتقد أن الإجابة "تفسر كل تفاصيل المشهد السياسي في اليمن بما يكتنفه من تعقيدات والتباسات وانحدارات أوصلتنا إلى ما نحن عليه من انهيار شبه كلي في جغرافية الدولتين". ويرى النقيب "أن حلم اليمنيين في الجنوب، كما في الشمال، في إقامة دولة يمنية واحدة قوية مزدهرة اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً قد أخفق، بكل أسف، منذ الأيام الأولى لما بعد إعلان 22 مايو (أيار) 1990".

يتطرق السياسي الجنوبي المقيم في بريطانيا إلى جملة الأوضاع التي دفعتهم للمطالبة باستعادة دولتهم و"كل من يعرف الوضع في الجنوب يعلم أن المواطن الذي ظل يردد شعار الوحدة اليمنية صباح ومساء، على مدى ربع قرن، دخل إلى دولة الوحدة، وهو يعلم أولاده مجاناً وبنوعية تعليم ممتازة بشهادة المنظمات الدولية، ويتعاطى العلاج مجاناً، ويسكن شبه مجان، ولا يخاف الفقر أو البطالة أو الإرهاب أو المجاعة أو الأوبئة الفتاكة"، ويتابع "لم يكن الوضع ملائكياً لكن لا يمكن مقارنة وضع الجنوب قبل عام 1990، بما بعده بثلاث سنوات فحسب، ولا أتحدث عن اليوم أو حتى عن عام 2015 عندما خسر المواطن الجنوبي كل المكاسب والمزايا التي حققها خلال ربع قرن من دولة الاستقلال، وكانت سنوات ما بعد 1990 بداية الضياع الجنوبي، أما بعد عام 1994 (حرب فرض الوحدة بالقوة) فقد اتسعت دائرة الضياع لتكمل ضياع الدولة والهوية والثقافة والانتماء والأمان والعدل وكل معاني الوطنية والمواطنة".

يقول الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض ونائب الرئيس صالح في دولة الوحدة، في حوار متلفز عام 2010، إنه ندم على توقيع اتفاقية الوحدة مع شريكه الشمالي عقب ستة أشهر فقط بعدما اكتشف وقوعه في فخ جراء ممارسات نظام صنعاء، ومنها على سبيل المثال قتل نحو 150 قيادياً جنوبياً بالاغتيالات.

على رغم ذلك، يرى النقيب أنه كان بإمكان نظام صالح معالجة القضية الجنوبية "عندما جاءت ثورة الحراك السلمي في عام 2007 بإعادة قراءة المشهد ومراجعة السياسات غير السوية، وظل النظام يتعامل مع كل من يشكو الظلم والحاجة والإقصاء من الجنوبيين على أنه عدو مهزوم خائن متآمر".

في لقاء جماهيري له في عام 2009 في محافظة حضرموت (جنوب شرق) نفى صالح أن يكون نظامه استولى على حقوق الجنوبيين أو استبعدهم من وظائفهم وشراكتهم في الدولة، وعدها "دعايات كاذبة"، ووعد "بإنزال لجان لتتقصى الحقائق للمعالجة"، وحذر من أن "الوحدة خط أحمر لا يقبل النقاش فيها لأنها حققت النهوض في الجنوب أفضل مما كان عليه قبل تحقيقها"، وهي السردية ذاتها التي ظل يرددها متهماً شركاءه في الوحدة بالخيانة والعمالة والردة.

من رخاء الدولة إلى شدة التطرف

لنتناول أبرز الأسباب التي دفعت أبناء الجنوب للنقمة على الوحدة بعدما مثلت أسمى التطلعات لبلد كان يبلغ تعداد سكانه نحو مليوني نسمة، يتوزعون على مساحة جغرافية مترامية تقدر بنحو 355 ألف كيلومتر مربع، غنية بالثروات الطبيعية.

ويطرح الناشط السياسي وعضو الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي محمد أحمد جزار كثيراً من الأسباب التي فقدها الشعب في اليمن الجنوبي عقب تحقيق الوحدة ناهيك "عما لحق بهم من مآس"، ذلك لأن دولة الجنوب "عملت على بناء الإنسان وتنشئته علمياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً ورياضياً، وسخرت كل الدعم للتعليم الذي جرى تعميمه الإلزامي المجاني من الروضة حتى الجامعة"، كما سعت دولة الاستقلال في الجنوب إلى نشر "المدارس الخاصة بأبناء البدو الرحل في الريف، تكفلت الدولة بتعليمهم وتسكينهم في أقسام داخلية نموذجية، ووفرت لهم كل مستلزماتهم من غذاء ودواء وملبس ووسائل ومستلزمات مدرسية ورياضية وفنية وغيرها من السنة الأولى حتى إنهاء المرحلة الإعدادية".

ويشير أيضاً إلى بعض الخدمات التي فقدت منها تمتعهم حينها "برعاية شاملة من قبل الدولة التي كفل دستورها كل الحقوق، ومنها العمل والسكن والتعليم والرعاية الصحية الشاملة والأمن والاستقرار المعيشي والدعم الشامل لمعظم حاجات الشعب ورفاهية المجتمع، مع استقرار اقتصادي يتناسب ودخل الفرد حتى إننا لم نشهد في الجنوب، قبل الوحدة شحاذاً أو متسولاً أو محتاجاً"، وإلى ذلك "قضت على الأمية بين الكبار بنسبة بلغت 95 في المئة عام 1985 بشهادة من منظمة ’يونيسكو’، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأنهت الصراعات القبلية، وقضت على الثأر والعادات والتقاليد والعصبيات المتخلفة والفوارق المجتمعية، وإعلاء قيم القانون فحسب، وهو ما ساعد في احتكار الدولة للسلاح ومنع حمله أو اقتنائه".

يرجع جزار انتشار التنظيمات الإرهابية والمتطرفة خلال السنوات الـ30 الماضية في جنوب اليمن تحديداً إلى "نظام صنعاء الذي نشر المعاهد الإرهابية التابعة لتنظيم الإخوان وحزب الإصلاح، وتناسل الجماعات الإرهابية بصورة متعددة، حتى نشرت الموت والقتل والدمار ولا تزال، ومنها القاعدة وداعش والحوثيون الذين لم يسلم العالم من إرهابهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المرأة... الفاعل في قلب المعترك الصعب

يجدر هنا التطرق إلى دور المرأة التي مثل حضورها، في عهد الجنوب اليمني السابق، علامة مميزة في القطاعات السياسية والاجتماعية والإبداعية والعلمية كافة وغيرها.

تقول الصحافية والباحثة السياسية فريدة أحمد، "إن المرأة الجنوبية فقدت، منذ الدخول في الوحدة، كثيراً من الامتيازات التي كانت تتمتع بها في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، من بينها: المؤسسات الاقتصادية والصناعية والمرافق الخدمية الحيوية بمختلف تخصصاتها، والتعليم والثقافة والمكانة المتميزة، نظراً إلى البرنامج السياسي والاجتماعي الأصولي القادم من صنعاء الذي جرى فرضه وتعميمه على كل البلاد".

كحال معظم المراقبين، ترى فريدة أن حرب عام 1994 عمقت المشكلات الاجتماعية، وكانت المرأة في قلب هذا المعترك الشائك والمعقد اليوم نتيجة الانقسام بين الجانبين في الشمال والجنوب "بعد تعزيز سلطة المنتصر نظام صالح وحلفائه، وتهميش وإقصاء الجنوب وتسريح جيشه وتدمير مؤسسات الدولة وخصخصتها ونهبها من قبل قوى النفوذ في الشمال وفق خطط ممنهجة لإلغائها، فضلاً عن محاولة طمس هويته التاريخية والثقافية"، وفقاً لذلك شعر الناس "بالإحباط واليأس من إمكانية تحقيق مواطنة متساوية في دولة أقل ما يقال عنها لصوصية وقمعية، خصوصاً وأنها اتبعت كل الأساليب المتاحة لترهيب الجنوبيين وقتلهم والاستخفاف بمطالبهم".

في ظل هذا الوضع لم تكن المرأة هناك، وفقاً لفريدة "استثناء"، ولهذا فقدت "ميزة التكافؤ بينها وبين الرجل بعدما كانت مدعوة إلى المشاركة في الحياة العامة والإدارية والشؤون السياسية وحتى العسكرية"، كما فقدت "امتيازات قانون الدولة السابق الذي منحها حقوقاً عدة منها قانون الأسرة والأحوال الشخصية الذي كان يمنحها الحق في جزء من المسكن والنفقة وحرية الحركة والعمل، فضلاً عن توقيع اليمن الجنوبي على اتفاقية سيداو للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة".

يحتفظ الجنوب اليمني ومدينة عدن على وجه التحديد بكثير من الأسماء النسوية اللاتي برزن كرائدات على مستوى الجزيرة والوطن العربي في مجالات عدة.

وتتطرق فريدة إلى حرب "الميليشيات الحوثية الأخيرة التي مثلت نكسة حقيقية للمرأة اليمنية، بصورة عامة، على مختلف المستويات الاجتماعية والإنسانية والسياسية، خصوصاً أنهن خضن معركة طويلة مع الحرية سرعان ما فقدنها، حتى بتن محكومات بقوانين ذكورية صارمة، وصنفت اليمن إثر التداعيات السلبية التي ارتفعت بعد الحرب أسوأ مكان للنساء في العالم، وفقاً لمنظمة العفو الدولية".

بوصفهن نساء، تقول فريدة، إنهن يسهمن اليوم في تعزيز الوعي بقضية الجنوب، وتتوقع أن تؤدي المرأة الجنوبية "دوراً مؤثراً في المستقبل على مختلف الصعد، ومنها عملية صنع القرار إن مارست ضغطاً أقوى لتمكينها، خصوصاً بعد التجريف الذي حصل لحقوقها، وتغير تركيبة المجتمع الجنوبي، وانتشار الطابع الديني والأبوي الطاغي الذي أحال كثيراً من الأدوار الرئيسة والثانوية للرجال، وإن برزت أدوار محدودة للنساء فإنها تتركز، بصورة أساسية، على المسائل المتعلقة بالمرأة فقط".

ومع كل هذه المعطيات وكثير غيرها، تتجلى صورة الطريق الطويل والشاق أمام اليمنيين، جنوباً وشمالاً، بحمولاتهم التاريخية المثقلة، وهاجس فرص النجاة نحو بر الأمان الذي طال المسير نحوه إن لم تكن قد تعسرت سبل الوصول إليه، ومع ذلك لم يهدأ لهم بال، رجالاً ونساء، وهم يرون توهان النخب السياسية التي ظلت تقرر بدلاً عنهم كل قضاياهم، فيخرجون بعرقهم وأجسادهم السمر، يعبرون عن الرفض العلني لهذا التعسر الذي طال بلا أفق.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات