Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرحى غزة يدركهم الموت عاجلا أم آجلا

خلال يومين مات 460 مريضاً جراء تأخر العلاج و550 آخرين قضوا بعد تدخلات طبية

يفتقد النظام الصحي في غزة مسكنات الألم الأساسية ومواد التخدير (أ ف ب)

ملخص

المصابون في الغارات الإسرائيلية لن ينجوا من الموت، ففي المستشفيات أمامهم مصيران: عدم العلاج والنزيف حتى الموت، أو معالجتهم ليواجهوا نقص الأدوية والجراثيم ومن ثم الرحيل.

كان الطبيب مصطفى محمد بدأ لتوه إجراء عملية لأحد المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى، وعندما تولى أمره وجده لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه، ومع المعاينة السريعة تأكد أنه مصاب بالتهاب رئوي حاد.

على الفور بدأ الطبيب مصطفى العملية في ممر المستشفى لا في قسم خاص للجراحة، وبينما كان مشغولاً في الضغط على صدر المصاب، بدأ المسعفون في نقل جرحى جدد أصيبوا بقصف إسرائيلي على مدرسة لإيواء نازحين.

تحت سرير العمليات

جميع أسرة المستشفى مشغولة، اضطر المسعفون إلى وضع المصابين على الأرض، وفي الوقت نفسه يواصل الطبيب مصطفى عملية إنعاش المريض الذي بدأ يستجيب ويحاول التقاط أنفاسه وسحب الأوكسجين.

لمح الطبيب جثثاً هامدة على الأرض تحيط به من كل جانب، وفجأة شعر بأن شخصاً يمسك بقدمه من منطقة الكاحل ويحاول شده بقوة حتى يلفت انتباهه، نظر الطبيب وفوجئ مما رآه.

"تحت السرير الذي ينام عليه المصاب بالتهاب رئوي، ثمة سيدة نصف ساقها مبتورة وتصرخ بصوت مبحوح بالكاد يمكن سماعه"، يقول الطبيب مصطفى الذي اقشعر بدنه من ذلك المنظر المؤلم.

تستنجد وتنزف

كانت السيدة المصابة تصرخ "أرجوك يا دكتور ساعدني"، لكن الطبيب كان في منتصف العملية والتي يجريها للمصاب الذي بدأ يستجيب، لذلك تجاهل حالة البتر قليلاً ليكمل إنقاذ الشخص الأول.

بعد نحو 100 ثانية فقط انتهى الطبيب من إنقاذ حياة المصاب، وعندما جلس القرفصاء لمتابعة السيدة المبتورة وجدها جثة هامدة بعدما نزفت كثيراً، لم يستطع الرجل استيعاب الموقف فصرخ بأعلى صوته "يا الله".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول مصطفى "كل من يصاب إصابة خطرة مصيره الموت نتيجة انعدام الإمكانات وقلة الأطباء، الجرحى ينزفون حتى الموت، لا نستطيع إنقاذ حياتهم، حتى الذين نتدخل ونجري لهم عمليات جراحية يموتون بعد أيام معدودة".

عندما استأنفت إسرائيل حربها على غزة، فرضت حصاراً مشدداً منعت بموجبه إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية، وانعكس ذلك على طبيعة عمل الأطباء. يقول مصطفى "خلال يومين مات أكثر من 460 مريضاً جراء تأخر تقييمهم، وفقدنا 550 مريضاً آخرين ممن حاولنا إنقاذ حياتهم وأجرينا لهم عمليات وتدخلات طبية مستمرة".

عندما تشن إسرائيل غارة على غزة، تصل الحالات إلى المستشفى تباعاً، يوضح الطبيب مصطفى "منذ أربع ساعات ولم يتوقف المسعفون عن نقل الجرحى، أكثر من 100 حالة وصلت للتو، جميعهم يتكدسون في منطقة واحدة".

يشعر الطبيب بأن المستشفى المثقل بالإصابات ينهار فعلياً، يقطع عمله ويفتح خزانة صغيرة ويشير بإصبعه للأدوية "هذه كل العلاجات المتبقية داخل المرفق الطبي، لن تكفي لأحد، ما أود توضيحه أننا لا نستطيع علاج المصابين ونتركهم للموت بسبب عدم وجود علاجات".

موت حتمي

يفتقد النظام الصحي مسكنات الألم الأساسية ومواد التخدير، يشير الطبيب مصطفى إلى أن معدات التشخيص قليلة جداً، إذ لا توجد أجهزة تنفس اصطناعي، وثمة جهاز واحد لتخطيط كهرباء القلب، وجهاز واحد لقياس ضغط الدم، هذه المعدات المحدودة تجبره على اتخاذ تدابير طبية خطرة.

يحاول مصطفى الذي يعمل ومعه أربعة أطباء آخرين علاج جميع المصابين، لكنه لا يستطيع فعل ذلك، يمسك بين يديه طفلة عمرها ثلاث سنوات، ويضرب مثالاً بها "في ضربة جوية قتلت إسرائيل جميع أفراد عائلة هذه الصغيرة، ولا مرافق معها".

 

ويكمل "تعاني الطفلة من نزيف دماغي، وهي بحاجة ماسة لعملية جراحية، وليس لدي أية معدات صحية لإجراء هذا التدخل الطبي، وهي لن تنجو حتى إذا أجرينا لها العملية الجراحية، لقد تأخرنا في تشخيصها وعلاجها، إنها تنازع الموت، وها هو يقترب منها".

يختصر الطبيب حديثه قائلاً "الناجون من القصف ولكنهم مصابون قد يموتون نتيجة عدم التدخل الطبي السريع، وإذا أجرينا لهم عمليات جراحية قد يموتون غداً، الموت هو مصيرهم الحتمي، وليس إنقاذ حياتهم".

يترك المصابون على الأرض نتيجة نقص الأسرة في المستشفيات، يواجهون الجراثيم والأمراض التي قد تتسلل إلى جروحهم. تعلق الطبيبة وسام سكر "أرضيات المستشفيات ملوثة ومختلطة بالدماء"، مضيفة "حالات كثيرة من الإصابات التي حاولنا إنقاذها وجدناها مصابة بجراثيم وأمراض أخرى معدية، لم يتوافر الدواء لتفادي مخاطر صحية إضافية، وجدناهم موتى، الوضع الصحي في غزة صعب، إصابات الحرب إما موتى عند وصولهم المستشفيات، أو موتى بعد التدخل الطبي".

جراثيم وأمراض ودماء

تؤكد الطبيبة وسام أنها تواجه تحديات متزايدة مع العدد الهائل للمصابين، إذ إن هناك نحو 130 ألف جريح في هذه الحرب، وتشير إلى وجود حالات معقدة، ولا تعرف إلى أين تحيل المرضى والمصابين لأن النظام الصحي في غزة انهار.

 

حاولت وسام الاتصال بمستشفى الأقصى وسط غزة، وطلبت منهم استقبال حالة حرجة من شمال القطاع، لكن إدارة المرفق الطبي أبلغتها أنها تعاني نقصاً في الأسرة والأطباء والأدوية.

يقول المدير العام للمستشفيات محمد زقوت "لا يوجد مكان آمن لإجلاء الجرحى وحديثي الولادة، حجم الاستهدافات الكبير أتى على ما تبقى من مقومات للمستشفيات بعدما امتلأت غرف العناية المركزة بالجرحى والمصابين". ويضيف "بعض المصابين فقدوا حياتهم وهم في انتظار الدخول إلى غرف العناية المركزة، ولم تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذ حياة عدد منهم لكثرتهم، فقد كانوا أكبر من القدرة الاستيعابية، وبعضهم الآخر مات بعد تدخلات طبية". ويوضح زقوت، أن محافظة غزة الأكبر في قطاع غزة لا يوجد داخل مستشفياتها سوى أربعة أسرة عناية مركزة فقط، وهذا يعني أن مصير المصابين الموت، لافتاً إلى أن استمرار منع إدخال المساعدات الطبية انعكس على الخدمات المقدمة داخل المستشفيات بارتفاع عدد الضحايا من دون إمكانية لعلاجهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير