ملخص
أمل أحد مؤسسي فريق "فزعة" مجد عوض أن تصل هذه التجربة إلى كل حي، وأن تعمم هذه التجربة لحماية المناطق من خلال شبان، من دون حمل السلاح، وبالتنسيق مع الدولة، وختم "من دون سلاح وطائفية نقدر أن نبني البلد يداً بيد".
لم يأل طبيب الأسنان حنا جهداً بأن يتخلى عن العمل بعيادته لحماية أهل حارته في أشد وأصعب الظروف التي تعيشها بعد سقوط نظام بشار الأسد، قبل أكثر من ثلاثة أشهر، حينما انضم متطوعاً مع فريق من شبان الحارة الدمشقية. ويتجول الشاب حنا بلباسه الرياضي ليلاً بصحبة خمسة من رفاقه يجوبون الأزقة والشوارع الفرعية في حي القصاع في منطقة ساروجة (دمشق)، إذ يحرص، مع فريق أطلق على نفسه اسم "فزعة"، على التأكد من الهدوء والاستقرار في حارته، ومن ثم يعودون لنقطة الحماية المخصصة لهم للاستراحة.
نداء الاستغاثة
يروي الشاب حنا الدوافع التي جعلته ينضم إلى فريق تطوعي كغيره من الكبار والصغار الذين أقبلوا على تبني ودعم هذه الفكرة، منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، وتخلي عناصر وضباط الشرطة والأمن الداخلي عن مواقعهم، إذ أخلت، في ذلك الوقت، القوى الأمنية، بمختلف أجهزتها، مقارها، وباتت أبواب المخافر ونقاط الشرطة مفتوحة، ومقارها فارغة بعدما سلب ما فيها.
وظلت دمشق، أياماً عدة، تحت رحمة مجموعات غير منضبطة إلى أن وصلت طلائع إدارة العمليات العسكرية "ردع العدوان" في إطار عملية عسكرية شاملة بدأتها من حلب في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2024 وصولاً إلى العاصمة، وتسلمت الإدارة الجديدة مهماتها، بخاصة حفظ الأمن عبر توحيد كل الأجهزة الأمنية بإدارة عامة تحت راية "الأمن العام".
ويقول عضو فريق "فزعة" حنا "عملنا معاً يداً واحدة لحماية حارتنا، بمشاركة جميع الطوائف والأديان، وظلت فزعة صمام الأمان والأمن بالتعاون مع الأمن العام، وتطورت التجربة، فهي نداء استغاثة يجعلنا جميعاً نقف إلى جانب من يطلبها بلهفة، وبسبب وجودنا على الأرض انخفضت نسبة السرقات والوضع بات أفضل، ما حد من وصول الخارجين عن القانون من اللصوص إلى المنطقة".
وتعني "فزعة" باللغة العربية الإشارة إلى الاستجابة السريعة، وطلب المساعدة في حالات الطوارئ والضرورة حينما يواجه الإنسان خطراً محدقاً أو مشكلة تحتاج إلى تدخل من الآخرين.
جولة ليلية
عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل، هناك من يعيش حالة أمان أخيراً، وكله ثقة بأبناء الحارة، وقد تجولنا برفقة أعضاء الفريق والمنسق الأمني على نقاط الحماية، وهي الكلمة التي يفضل أعضاء المجموعة إطلاقها للابتعاد من كلمة "حراسة" التي تصطبغ بالطابع العسكري، "إننا مدنيون، نحاول بكل اجتهاد في هذا الوقت المتأخر من تتبع الدخلاء من خارج الحارة، لا نتعاطى معهم بل نراقبهم فقط، وفي حال حامت الشبهة بهم نتواصل مع الأمن العام الذي يتخذ بدوره الإجراء المناسب". هكذا يتحدث المنسق الأمني أبو إلياس بصورة مختصرة عن الدور الأمني لفريق يتجاوز عدده اليوم 1000 مشارك من أبناء المنطقة، وغالبيتهم من طلاب الجامعات أو يحملون شهادات جامعية فضلوا النزول إلى شوارع حارتهم للحفاظ على أمنها من دون أن يحملوا السلاح.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"فزعة" ليس للأمن فقط
ويتحدث أحد مؤسسي فريق "فزعة" مجد عوض، وهو اختصاصي في طب العيون، عن كيفية تأسيس هذه المجموعة من أهالي المنطقة، إذ كان عددها، بداية، لا يتعدى خمسة أو ستة أشخاص وصولاً الآن إلى نحو 1020 متطوعاً. وتوسع فريق "فزعة"، بحسب عوض "ليشمل أقساماً أخرى منها خدمية وإعلامية وعلاقات عامة، وصولاً إلى القسم الإغاثي بهدف مساعدة الناس من سكان المنطقة، ومشاريع خدمية مثل إنارة الشوارع ومشاريع تعليمية منها تعليم اللغات"، أو المساعدة في "الأقساط الجامعية والقرطاسية، إضافة إلى توظيف الشباب عبر ربطهم مباشرة بين أصحاب العمل والباحثين عن فرص عمل".
وتابع "نحاول توسيع مجموعة فزعة لتنتقل إلى بقية المناطق وإلى محافظات أخرى، والمميز بفزعة أنها من دون سلاح، والفكرة أنها مجموعة مدنية ولغتها هي الكلمة والعمل المفيد، والخير لأبناء المجتمع، لقد بدأنا بالمستوى الأمني، ومع تحسنه عملت المجموعة على تحسين الوقاع الخدمي عبر 1500 من الرجال والنساء".
العيون الساهرة
وفي جولة على نقاط الحماية عند مداخل حي القصاع يمكن المرور بساحة العباسيين شمال الحي، وصولاً إلى باب توما جنوباً، ويحده غرباً شارع بغداد، وحي جوبر شرقاً، وكلها تحت أنظار فريق "فزعة".
وبدأت فكرة "فزعة" عبر مجموعة متطوعين من خلال تطبيق "واتساب" للإعلام عن أية حالة مشبوهة، إلا أن أبناء الحي، من ميسوري الحال، قدموا مساعدات بخاصة تأمين أدوات لوجستية للاتصال، بعلم السلطات المحلية، بعد الانقطاع المتكرر في شبكة الإنترنت.
إلى جانب الطريق يوقف الشاب طوني من فريق "فزعة" سيارته أمام أحد أصحاب الدراجات الهوائية، ينتظر أن يتحرك بهدوء، ويقول "لا نتدخل، لكن من الواجب أن يعلم الدخلاء إلى الحي أننا نشاهدهم"، مضيفاً أنهم في بعض الأحيان، يعملون للتأكد من أن زوار الحي "ليسوا لصوصاً جاؤوا للسرقة".
مع مرور الوقت يجول المنسق الأمني على مختلف نقاط حماية فريق "فزعة"، في وقت يتابع طوني آخر التطورات عبر الـ"واتساب".
يقول مجدي، وهو محام، من فريق "فزعة" "نسهر على حماية مناطقنا، وانتظمنا أكثر لتغطية مداخل الحارات"، معرباً عن سعادته بما يقوم به.
الأمان المنشود
من إنجازات فريق "فزعة" التواصل الجيد مع المخافر التي باشرت عملها أخيراً. يحاول الفريق التعاون، بشتى الطرق، من أجل بسط الأمن في منطقته، وعمل على المساعدة في تحرير أحد المدنيين بعد اختطافه، منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، على طريق مطار دمشق الدولي أثناء عودته إلى منزله في حي القصاع، وتمكنت قوى الأمن العام، بالتنسيق مع القسم الأمني بفريق "فزعة" من تحريره، وألقت القبض على عدد من أفراد العصابة التي اختطفته.
وأمل أحد مؤسسي فريق "فزعة" مجد عوض أن تصل هذه التجربة إلى كل حي، وأن تعمم هذه التجربة لحماية المناطق من خلال شبان، من دون حمل السلاح، وبالتنسيق مع الدولة، وختم "من دون سلاح وطائفية نقدر أن نبني البلد يداً بيد".