Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب والممرات المائية وحروب الغاز

من يسيطر على البحر الأحمر يسيطر على تجارة الصين والهند وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط

الدول الكبرى كلها لديها صناعة متخصصة لبناء السفن إلا الولايات المتحدة (أ ف ب)

ملخص

لماذا تستطيع روسيا إرسال نفطها إلى آسيا عبر قناة السويس والبحر الأحمر ولا تستطيع إرسال الغاز المسال، حيث تدور ناقلات الغاز المسال الروسي حول أفريقيا للوصول إلى آسيا؟

لماذا لا تستطيع قطر إرسال الغاز المسال عبر البحر الأحمر إلى أوروبا، وترسله حول أفريقيا، وقطر ليست لديها أية مشكلات مع الحوثيين؟

جرى الحديث في مقال الأسبوع الماضي عن حروب الغاز المسال وكيف حصل تسييس الغاز المسال وطرد الغاز الروسي من أوروبا، وكيف قامت الصين بوقف وارداتها من الغاز المسال الأميركي.

منذ يومين طالب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنما ومصر بالسماح للسفن الأميركية العسكرية والتجارية بالمرور مجاناً، من السهل تفهم مطالبته بإعفاء السفن الحربية من الرسوم، ولكن لا يمكن تفهم مطالبته بإعفاء السفن التجارية إلا إذا كان هدفه رفع سقف المطالب حتى يحصل على ما يمكن تحصيله، أو أن هناك أهدافاً طويلة المدة.

ولكن لمطالبة ترمب انعكاسات مهمة لها علاقة بما نشر في مقال الأسبوع الماضي:

لماذا تستطيع روسيا إرسال نفطها إلى آسيا عبر قناة السويس والبحر الأحمر ولا تستطيع إرسال الغاز المسال، حيث تدور ناقلات الغاز المسال الروسي حول أفريقيا للوصول إلى آسيا؟

لماذا لا تستطيع قطر إرسال الغاز المسال عبر البحر الأحمر إلى أوروبا، وترسله حول أفريقيا، وقطر ليست لديها أية مشكلات مع الحوثيين؟ الفرق نحو 6000 كيلومتر، مما يؤخر الشحنات لأكثر من 10 أيام ويرفع كلف إيجار السفن وإيجار العمال وكلفة الوقود وكلفة التأمين.

يظن البعض أن الحوثيين وضربهم للسفن هو السبب، ولكن ليست هناك مشكلة مع روسيا وقطر، لماذا لا تمر حاملات الغاز المسال التابعة لكلا البلدين! من يمنع مرور الغاز المسال هم الأميركيون ليضمنوا الأسواق الأوروبية من دون منافس، حتى لما أعلن الحوثيون التوقف عن ضرب السفن الأميركية والبريطانية، منعت الولايات المتحدة شركات الشحن من تحويل سفنها، وحذرت شركات التأمين من خفض كلف التأمين للسفن العابرة للبحر الأحمر.

ولا يمكن نجاح مشاريع التوسع الكبير في الغاز المسال في الولايات المتحدة من دون الأسواق الآسيوية، ولكنها لا يمكنها منافسة قطر وأستراليا من دون خفض الكلف، التي تتضمن إلغاء رسوم المرور بقناة بنما وقناة السويس.

ليست هناك سفن غاز مسال ونفط مصنوعة في الولايات المتحدة وليست هناك حاملات غاز مسال أو ناقلات نفط ترفع العلم الأميركي، وليست هناك سفن ضخمة لنقل البضائع الجافة والسائبة والحاويات مصنوعة في الولايات المتحدة أو تبحر تحت علم الولايات المتحدة، لهذا فإن ما يقوله ترمب لا ينطبق مباشرة في أرض الواقع حتى لو وافقت بنما ومصر على إعفاء السفن الأميركية، إذاً ماذا يريد ترمب؟

هدف فريق ترمب بناء صناعة سفن، الدول الكبرى كلها لديها صناعة متخصصة لبناء السفن، إلا الولايات المتحدة، الشركات الأميركية تبني سفناً حربية فقط، وليس سفناً تجارية، إلا أن بناء السفن في الولايات المتحدة مكلف مقارنة بكلفها في الدول الأخرى، مثلاً، كلفة بناء ناقلة نفط متوسطة تبلغ أربعة أضعاف كلفها في الصين، فإذا أخذنا منحى صناعة السفن كتفسير لمطالب ترمب بمرور السفن الأميركية مجاناً في قناتي بنما والسويس، فإن ترمب يحاول ترتيب الوضع بحيث يجري دعم الصناعة من كل الاتجاهات، بما في ذلك ضمان انخفاض الكلف في الممرات المائية الدولية مستقبلاً.

الفكرة هنا أن تصبح الولايات المتحدة مثل السعودية وقطر، فالسعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، وتملك أكبر أسطول من أكبر الناقلات في العالم، قطر من أكبر مصدري الغاز المسال في العالم وتصدر الغاز في أكبر أسطول من أكبر ناقلات الغاز في العالم. فإذا تحقق حلم ترمب، فستكون لدى الولايات المتحدة ناقلات نفط وغاز مسال، وكي تكسب المنافسة، يريد ترمب أن يجري إعفاؤها من رسوم المرور، وذلك حتى تنافس الدول الأخرى في آسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الممرات المائية

منذ قديم الزمن، أدركت الإمبراطوريات المختلفة أهمية السيطرة على الممرات المائية لحماية التجارة، وهذا يفسر تعاقب الحضارات المختلفة على بعض المناطق التي تشرف على هذه الممرات، خلال الـ300 عام الماضية، استمر المستعمرون الأوروبيون في النهج نفسه، وجرى حفر قناة السويس وقناة بنما، وهناك الكثير من المشاريع المقترحة لحفر قنوات في أماكن مختلفة من العالم منها عبر الجزيرة العربية وعبر فلسطين وعبر المكسيك وعبر أميركا الوسطى وفي تركيا وغيرها.

الولايات المتحدة لم تسهم في حفر قناة السويس كما ادعى الرئيس ترمب، ولكنها شاركت في فتح قناة السويس في منتصف السبعينيات بعدما أسهمت بصورة كبيرة في تنظيف القناة من المتفجرات والألغام والسفن الغارقة، ومخلفات كثيرة جرى استخدامها لوقف الملاحة في القناة، كما أنها كانت ضمن الدول التي ضغطت على مصر لفتح القناة عام 1957 بعد العدوان الثلاثي على مصر في 1956.

ترمب يريد أن تسيطر الولايات المتحدة على غالبية الممرات المائية العالمية، بما في ذلك الممرات المائية الشمالية في حال ذوبان الثلج في المنطقة القطبية، لأنها تقصر المسافة بين أوروبا وآسيا بصورة كبيرة. لهذا يريد السيطرة على غرينلاند وكندا، ولكن هذا يتعارض مع أهدافه الأخرى التي يطالب بها الدول الأخرى بالمشاركة بالدفاع عن نفسها وعن الممرات المائية، ويرى البعض أنه ليس هناك تناقض لأنه يطلب ذلك من الدول التي تدور في فلك الولايات المتحدة.

خلاصة القول إن من يسيطر على البحر الأحمر يسيطر على تجارة الصين والهند وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وضمن ذلك تستطيع الولايات المتحدة أن تدعم صناعاتها على حساب المنافسين حول العالم، وهناك رؤية عسكرية وهي أن سيطرة الأميركيين على البحر الأحمر تغنيهم عن السيطرة على مضيق ملقا حيث تشير بعض التقارير إلى أن السيطرة على ممر ملقا في حال حرب مع الصين سيؤدي إلى سقوط آلاف القتلى من الجنود الأميركيين، بينما يمكن الوصول إلى الأهداف نفسها من دون أي ضحايا من طريق السيطرة على تجارة الصين عبر البحر الأحمر.

يقع مضيق ملقا بين جزيرة سومطرة الأندونيسية وماليزيا بطول 800 كيلومتر، ويربط بين المحيط الهندي وبحر الصين الجنوبي، يمر من المضيق 40 في المئة من التجارة العالمية، وثلث تجارة النفط العالمية، نحو 80 في المئة من واردات الصين من النفط تمر في ملقا، ونحو 65 في المئة من واردات الغاز المسال، جزء كبير من هذه التجارة يمر من البحر الأحمر ومضيق هرمز.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء